مؤتمر قصيدة النثر المصرية يغادر «المرحلة الكمية»

تونس ضيف دورته الرابعة

الشاعرة المصرية هدى حسين وبجانبها الشاعر التونسي فرج عمر الأزرق
الشاعرة المصرية هدى حسين وبجانبها الشاعر التونسي فرج عمر الأزرق
TT

مؤتمر قصيدة النثر المصرية يغادر «المرحلة الكمية»

الشاعرة المصرية هدى حسين وبجانبها الشاعر التونسي فرج عمر الأزرق
الشاعرة المصرية هدى حسين وبجانبها الشاعر التونسي فرج عمر الأزرق

خمسة أيام من الفرح بالشعر شهدها مؤتمر قصيدة النثر المصرية، في دورته الرابعة التي استضافها آتيليه القاهرة للفنون والآداب بوسط العاصمة القاهرة، في الفترة من 17 إلى 21 من سبتمبر (أيلول) الحالي، تحت شعار «في الشعر متسع للجميع».
وحلت تونس ضيفاً على هذه الدورة، بمشاركة الناقد عبد المجيد اليوسف، والشاعرة ماجدة الظاهري، والشاعر سفيان رجب، والشاعر فرج عمر الأزرق، والإعلامية سماح قصد الله.
وأصدر المؤتمر، بالتعاون مع الهيئة المصرية للكتاب، الجزء الرابع من «أنطولوجيا قصيدة النثر المصرية»، وضم الكتاب نصوصاً لـ40 شاعراً وشاعرة من شتى أقاليم مصر، كما أصدر كتاباً مماثلاً عن قصيدة النثر التونسية، احتوى على مقدمة نقدية ونصوص لـ49 شاعراً وشاعرة، يمثلون المشارب المختلفة لقصيدة النثر في تونس.
وأنهى المؤتمر بهذه الدورة ما سماه «المرحلة الكمية»، بعد أن سعى خلال الدورات السابقة إلى إجراء شكل من أشكال المسح الميداني، أفسح من خلاله المجال بحيوية ودون وصاية لتجليات قصيدة النثر، بعبلها وفوضاها وهشاشتها الفنية، ليصبح للجميع الحق في المشاركة، والفرح حتى بخطأ المحاولة تحت مظلة المؤتمر، وهو ما أكده الناقد عمر شهريار، عضو اللجنة المنظمة للمؤتمر، لافتاً إلى أنه «ربما رأى البعض أن هذه المرحلة الكمية شابها شيء من الفوضى، أو اختلاط الحابل بالنابل، لكن البديل الوحيد لهذا كان الوصاية من جانب منظمي المؤتمر، ليقولوا: هذا شاعر جيد يستحق الوجود في المؤتمر، وهذا شاعر رديء لا يستحق، وكأننا نمنح صكوك الغفران والبركة، وهذا ما نرفضه تماماً، لذا كان خيارنا أن نتيح للجميع حق الحضور، بالتناوب بين الدورات الأربع السابقة».
في المقابل، يبدأ المؤتمر اعتباراً من دورة العالم المقبل 2018 ما سماه «المرحلة الكيفية»، ويؤكد مسؤولوه أنها «ستركز على التجارب اﻷكثر رسوخاً، ولها ملامح خاصة في فضاء قصيدة النثر، لذلك سينصب عمل النقاد في بحوثهم ودراساتهم النقدية على شاعر واحد وتجربته... على عكس المرحلة الكمية التي كنا نطلب فيها من الباحثين تناول أشعار أكبر عدد من الشعراء في أبحاثهم، حتى تتوافر إمكانية الفرز بشكل علمي سليم».
ويأمل منظمو المؤتمر في أن تتسع أنشطته وتتنوع لتشمل إلى جانب اﻷمسيات والجلسات البحثية، ورشاً وجلسات عمل وموائد مستديرة، يشارك فيها شعراء وباحثون، للنقاش في كل ما يتعلق بقصيدة النثر، خصوصاً مناطقها الأكثر سخونة وإشكالية على مستويي الرؤية والبناء الداخلي للقصيدة.
الشاعر عادل جلال، المنسق العام، ركز في كلمته الافتتاحية للمؤتمر على فكرة كسر العزلة، والشللية في الحياة الثقافية بصفة عامة، والشعرية على نحو خاص، مؤكداً أنه «بصدور موسوعة الأنطولوجيا، بأجزائها الأربعة، ضُربت هذه الفكرة، وسُلط الضوء على أصوات عميقة قوية لا تجيد ألاعيب الوسط، وكذلك قُدمت وشُجعت أصوات شابة واعدة». وقال جلال إن «انطلاق المؤتمر خارج القاهرة كان أيضاً بهدف كسر المركزية والعزلة، من خلال بعض الأمسيات الناجحة ببعض محافظات مصر المختلفة: السويس بمنطقة القناة، ودمنهور بدلتا مصر، وبني سويف بالصعيد»، مشدداً على حرص المؤتمر مع «النقلة الكيفية» على تمثيل قوي لكل الأجيال، بداية من جيل سبعينات القرن الماضي حتى أحدث الإبداعات، وعلى حد قوله: «هدفنا دائماً المزيد من التواصل والتعارف الإنساني والإبداعي».
وفيما يخص المعيار الذي يتم على ضوئه اختيار الدولة العربية ضيفة المؤتمر، قال جلال: «لا نشترط إلا ما أقررناه على أنفسنا، وهو الحياد وعدم تنحية أي صوت، من أجل التعرف على المزيد من تجارب الدول المشاركة؛ شعراً ونقداً».
ولضمان هذا الحياد والموضوعية، وتحاشي الوقوع في مفارقات عدم الإلمام بتفاصيل المشهد الشعري في الدول الشقيقة، يعهد مسؤولو المؤتمر إلى مختصين من تلك الدول التي يستضيفها المؤتمر بإعداد اﻷنطولوجيا الخاصة ببلادهم: عن قصيدة النثر لديهم، والمراحل التاريخية والفنية التي مرت بها، والسمات الفارقة التي تميزها في هذا السياق.
وعكس الدورات السابقة للمؤتمر، اتسمت هذه الدورة بحضور لافت، كما برزت حالة من الحميمية بين الشعراء والجمهور، تضافرت فيها الأمسيات الشعرية التي شارك فيها نحو 70 شاعراً وشاعرة، والدراسات النقدية التي قلَّبت تربة قصيدة النثر، منذ بدايتها الغضة الأولى، وما وصلت إليه من تطور في الرؤى والأفكار، وشكل الكتابة وخصوصيتها، وما صاحب ذلك من نقاشات ومداخلات بين النقاد والشعراء والجمهور.
ومن بين هذه الدراسات اللافتة دراسة بعنوان «البعد الجمالي في قصيدة النثر الحداثية» للناقد أحمد تمام، و«حركة نص التونسية ومحاورة الواقع الشعري» لعبد المجيد يوسف، و«قصيدة النثر بين الصورة وإشكاليات التلقي» لإبراهيم علي عبده، و«فواعل إنتاج الشعرية في قصيدة النثر» للدكتور محمد سليم شوشة.
وأيضاً «مفهوم اللامركزية في خطاب قصيدة النثر» لخالد حسان، و«قصيدة النثر والثورة» لأمل سالم، و«بين قصيدة النثر والنثر الشعري» للدكتور يسري عبد الغني، و«تشظي الصور الشعرية واشتباك السياقات في قصيدة النثر المصرية» للدكتور محمد صلاح زيد، و«خصائص بناء الصورة الشعرية في قصيدة النثر المصرية» لإبراهيم عاطف، و«شعرية المكان في قصيدة النثر المصرية» لأحمد حسن.
وتكونت لجنة المؤتمر لهذه الدورة من: المنسق العام الشاعر عادل جلال، والشاعرين إبراهيم جمال الدين، وأحمد عايد، والناقد عمر شهريار، والكاتبة المترجمة هناء نصير. وشارك في المؤتمر نحو 70 شاعراً وشاعرة، يمثلون شتى أطياف قصيدة النثر بروزاً، من بينهم الشعراء: أسامة بدر، وغادة خليفة، ومحمد القليني، وديمة محمود، وفارس خضر، ومحمد سالم، وأشرف البولاقي، والضوي محمد الضوي، وأمل جاد الرب، وعلي عفيفي، وشيرين عبد الله، وعفت بركات، ونصر الكاشف، وهدى حسين، وعادل العدوي، ومنال محمد على، ومحمد عبد الهادي، وبهية طلب، وصلاح فاروق، وأشرف يوسف، وعبد الرحمن تمام، ومؤمن سمير، وعربي كمال، وحنان شافعي، وسامي الغباشي... وغيرهم. كما شارك في المهرجان ثلاثة شعراء من جيل السبعينات: محمد فريد أبو سعدة، ومحمد آدم، وكاتب هذه السطور، وحالت ظروف المرض دون اشتراك الشاعر محمد عيد إبراهيم. وتمثل هذه المشاركة حرص المؤتمر على التواصل مع التجارب الشعرية السابقة، وتقديراً لمنجزهم الشعري البناء.
ورغم بعض الملاحظات التي أثيرت في نقاشات المؤتمر حول ضرورة انفتاح الدراسات النقدية بشكل أعمق على منجز قصيدة النثر، والبعد عن الأطر النقدية الجاهزة المنتجة سلفاً، لتصبح المغامرة النقدية والشعرية بمثابة خطوتين في خطوة واحدة، تؤكد حرية النص، وتكشف عن جمالياته المتشابكة على شتى المستويات الفنية والفكرية... رغم ذلك، استطاع المؤتمر أن يواصل منذ بدايته حتى النهاية صناعة البهجة والفرح بالشعر.
وبرز هذا الفرح بشكل متناغم في تناوب الشاعرات والشعراء التوانسة مع نظرائهم المصريين على إدارة بعض الأمسيات الشعرية، ما شكل تواشجاً شعرياً لافتاً أعطى المهرجان عبقاً خاصاً في التعاطي مع الشعر وتقديمه للجمهور، وهو ما انعكس أيضاً على طريقة إلقاء الشعراء لقصائدهم، فنأى معظمهم عن الصوت الزاعق وحس الخطاب المباشر، وتفنن بعضهم في إبراز الإحساس الداخلي بالنص، وكأنه ذبذبة خاصة للغته وأجوائه ورموزه وأفقه التخييلي والجمالي.
في هذا الجو المفعم بفرح الشعر، خلع الشاعر التونسي فرج عمر الأزرق سترته، ليبرز «تي شيرتاً» خاصاً يرتديه تحتها، وترك حذاءه وجوربه على المنصة ومشى حافياً بين الجمهور، يلقي الشعر بروح شجية عذبة، يتقاطع فيها إيقاع الدراما مع روح الحياة، بينما يتنوع اللعب الشعري ويشد مفارقاتها التي لا تنتهي، إلى نقطة أشبه بالأمل أحياناً، والمجهول أحياناً أخرى.
وامتدت هذه الحالة وتواصلت طيلة أيام المهرجان على مقاهي وسط البلد، التي شكلت منصة أخرى لكثير من الشعراء والنقاد ومحبي الشعر، يهرعون إليها بعدما ينتهي برنامج الندوات، ليصنعوا أمسيات وحلقات نقاش أخرى، وفرحاً آخر بالشعر يتلون في الهواء الطلق، بصحبة المشروبات وشطائر الفول والطعمية، والقفشات التي تؤنس القلب، وتصنع جسوراً أخرى للتواصل فيما بينهم.



«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
TT

«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)

يستعيد الفيلم الوثائقي المصري «البحث عن رفاعة» سيرة أحد رواد النهضة الفكرية في مصر ببدايات القرن الـ19، رفاعة رافع الطهطاوي، الذي كان له دور مهم في التعليم والترجمة، ويستضيف الفيلم المركز الثقافي بيت السناري بحي السيدة زينب (وسط القاهرة)، التابع لمكتبة الإسكندرية، الأربعاء.

يتتبع الفيلم مسيرة رفاعة الطهطاوي عبر رؤية سينمائية تدمج المكان بالأحداث بالموسيقى، ويتناول شخصية وأفكار رفاعة الطهطاوي، أحد رواد النهضة الفكرية في مصر، ويُقدم رؤية سينمائية تجمع بين التاريخ والواقع، مسلّطاً الضوء على إسهاماته في تشكيل الوعي العربي الحديث، وفق بيان لمكتبة الإسكندرية.

ويُعدّ رفاعة الطهطاوي من قادة النهضة العلمية في مصر خلال عصر محمد علي، وقد ولد في 15 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1801، في محافظة سوهاج بصعيد مصر، والتحق بالأزهر ودرس على يد علمائه علوم الدين مثل الفقه والتفسير والنحو، ومن ثَمّ سافر إلى فرنسا في بعثة علمية وعاد ليضع خطة لإنشاء مدرسة الألسُن، ووضع كتباً عدّة من بينها «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، و«مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية»، و«المرشد الأمين في تربية البنات والبنين»، وتوفي رفاعة الطهطاوي عام 1873، وفق الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

بيت السناري في القاهرة (بيت السناري)

جدير بالذكر أن الفيلم وثائقي طويل، تبلغ مدته 61 دقيقة، وأخرجه صلاح هاشم، وقام بالتصوير والمونتاج المصور اللبناني سامي لمع، والمنتج المنفذ نجاح كرم، والموسيقي يحيى خليل، وهو من إنتاج شركة سينما إيزيس.

وأوضحت «سينما إيزيس» المنتجة للفيلم أنه عُرض لأول مرة في 2008 بجامعة لندن، قسم الدراسات الشرقية. وشارك في مهرجانات عربية وعالمية عدّة، من بينها «كارافان السينما العربية والأوروبية» في عمّان بالأردن، و«متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية» في مارسيليا بفرنسا، تحت عنوان «الطهطاوي... مونتسكيو العرب».

وكان مخرج الفيلم قد تحدّث في ندوة بجامعة لندن عقب العرض الأول له، عن تصوير أكثر من 20 ساعة بين القاهرة وأسيوط وطهطا (بلد رفاعة)، وأن مونتاج الفيلم استغرق نحو 6 أشهر بين مدن أوروبية، موضحاً أن الهدف من صنع الفيلم هو التحفيز على التفكير في فكر رفاعة ومعتقداته بخصوص مفاهيم ومعاني النهضة والتقدم.

ولفت إلى أنه أراد تقديم رؤية لرفاعة بأسلوب موسيقى الجاز، وهو ما ظهر في إيقاع الفيلم، موضحاً أن الفيلم أيضاً أراد أن يبعث برسالة مفادها بأن السينما ليست مجالاً للتسلية أو الترفيه فقط، بل يمكن أن تكون أداة للتفكير في الواقع ومشاكل مجتمعاتنا، كما يمكن أن تكون وسيلة للمحافظة على ذاكرتنا.

ويُعدّ بيت السناري الذي يستضيف عرضاً جديداً للفيلم من المراكز الثقافية التي تعتمد على تقديم الأنشطة المتنوعة، والمركز التابع لمكتبة الإسكندرية، هو بيت أثري يعود لنهايات القرن الـ18، وكان مقراً لعلماء وفناني الحملة الفرنسية على مصر بين 1798 و1801م.