محمد بكري: كل من يناهض الصهيونية ويعترف بحقي هو صديقي

بعد اتهامه بالتحريض ومطالبة وزيرة الثقافة الإسرائيلية بالتحقيق معه

محمد بكري أثناء المؤتمر الصحافي مع رشا صالح
محمد بكري أثناء المؤتمر الصحافي مع رشا صالح
TT

محمد بكري: كل من يناهض الصهيونية ويعترف بحقي هو صديقي

محمد بكري أثناء المؤتمر الصحافي مع رشا صالح
محمد بكري أثناء المؤتمر الصحافي مع رشا صالح

بينما تتعالى الأصوات في إسرائيل للاقتصاص من المخرج والممثل الفلسطيني محمد بكري بمجرد عودته إلى هناك وانتهاء إقامته القصيرة إلى لبنان الذي يعتبر بالنسبة لهم دولة معادية وزيارته ممنوعة يحاكم عليها القانون، يعد له مواطنوه من فلسطيني 48 عرساً وطنياً لاستقباله، والوقوف إلى جانبه في الدفاع عن مواقفه التي أطلقها من بيروت، معلناً رفضه للتطبيع.
وكان محمد بكري خلال مؤتمر صحافي أقيم في «دار النمر» في بيروت، لإطلاق نشاطات «أيام فلسطينية» التي يشارك فيها سينمائياً كما بمسرحيته «المتشائل»، سئل عن رأيه في التطبيع. فقال إنه كمقيم في إسرائيل مضطر للعمل مع إسرائيليين، لأن مساحة التحرك والعمل ضيقة، أما الفلسطيني في الخارج أو العربي من أي دولة أخرى، فما حاجته إلى ذلك؟ وهو ما تسبب بضجة إعلامية كبيرة في إسرائيل، وأطلقت مواقف سياسية غاضبة ضده. وهناك من طالب بإعدامه، وغيرهم يريد سحب الجنسية منه. وكانت وزيرة الثقافة الإسرائيلية الليكودية المعروفة بتشددها، ميري ريغيف طلبت من المدعي العام للحكومة فتح تحقيق مع محمد بكري، بسبب تصريحاته ضد إسرائيل خلال زيارة للبنان. واتهمته بـ«التحريض» ضد الدولة. وقالت في رسالة وجهتها إلى المدعي العام الإسرائيلي أفيخاي ماندلبليت: «عدم وجود رد قوي من أجهزة تطبيق القانون يضفي شرعية على هذا النوع من السلوك المرفوض». ويفترض أن يعود بكري إلى إسرائيل يوم 31 من الجاري، ويقول: إنه غير خائف من أي إجراءات قد تتخذ ضده.
أما عما يتوقعه عند الوصول فيجيب على طريقة بطل «المتشائل»: «أنا مثلكم، أسمع وأقرأ ما يحدث هناك، ولا أعرف ما الذي ينتظرني، وكل شيء ممكن». وهو يعتبر أنه ليس الفنان الفلسطيني الأول الذي يحمل جنسية إسرائيلية ويزور لبنان، وهؤلاء لم يحاكموا. «قامت القيامة ضدي لأنني محمد بكري، ولأن فيلمي (جنين جنين) لا يزال يزعجهم، والمحاكمات التي أقيمت ضدي اعتراضا عليه متواصلة، وعندي جلسة قريباً، أقامها شخص يدعي أنه ضابط، وأنني أسأت إلى سمعته بالفيلم، ويطالب بتعويض يصل إلى ما يقارب 700 ألف دولار».
هي المرة الأولى التي يعرض فيها بكري في بيروت عملاً مسرحياً، لكنه سبق أن عرض «المتشائل في تونس وعمّان، والقاهرة، وأوروبا وأميركا». «نعم، لبنان يزعجهم. لبنان دولة عدوة، وزيارته ممنوعة». علماً بأن محمد بكري استحصل على جواز سفر مؤقت من السلطة الفلسطينية كي يتمكن من دخول لبنان، ولم يستخدم جوازه الإسرائيلي.
يثير محمد بكري بمواقفه جدالاً ليس فقط في إسرائيل، بل في لبنان كذلك. فثمة من يرى في بعض التعامل مع إسرائيل شيئا من الفائدة، أو أنه أصبح شراً لا بد منه. لكن بكري يقول: «أنا كفلسطيني في إسرائيل لا أحب أن أرى أحداً يتعاطى مع هذه الحكومة لأي سبب كان، وتحديداً المثقفين. هذا عيب. وأسأل نفسي أي فائدة يجنونها؟ ما الهدف؟ ما الغاية؟ إن كانوا يظنون أنهم يخدمونني فهذا غير صحيح على الإطلاق».
لمحمد بكري ثلاثة أولاد كلهم فنانون، هم زياد، آدم، وصالح، وإن لم ينالوا شهرة في العالم العربي، بسبب ظروف الاحتلال فهم معروفون غربياً، حيث يعملون أيضاً في الداخل الفلسطيني، لكنهم يقاطعون إسرائيل، ولا يعرضون سوى على مسارح مخصصة للعرب. محمد بكري يرى أن أولاده ليسوا على حق: «أنا شخصياً أقاطع الحكومة الإسرائيلية ولا أقاطع أفراداً ولدوا هناك دون خيارهم، لكنهم يعترفون بحقي الشرعي. أنا أعادي من ينكر علي وجودي كإنسان وحقي. كل من يناهض الصهيونية ويعترف بحقوقي ويدافع معي عنها فهو صديقي. هذا هو مقياسي كفنان وكفلسطيني أقيم هناك». لكن حين نقول له إنه يرسم خطاً ضبابياً فيما يخص التطبيع، وأن ثمة التباساً يقول: «أبداً، كل عربي ليس بحاجة للتعامل مع إسرائيل. أما الموجود في الداخل فلهو واقع آخر مفروض عليه. ومع ذلك أعادي الحكومة لأنني لا أعتبرها حكومة أصلا. هذه عصابة منظمة، وهذا ما أجاهر به في قلب تل أبيب».
لم يتردد بكري ثانية واحدة في زيارة لبنان، مع علمه بما يمكن أن تسببه له من متاعب. «هذا بلدي وهؤلاء أهلي، وأنا جئت لأقابل كل الناس وأتحدث معهم، كما أتحدث معك الآن. سأزور المخيمات الفلسطينية، وبدأت بزيارة مخيم صبرا. حال المخيم غير مقبول. ذهلت لما رأيت. ألوم لبنان كله، لوماً كبيراً، رغم حبي له، لكنني غضبت».
ومواقف محمد بكري من حكومة إسرائيل ليست جديدة. فقد خاض معركة كبيرة ولا يزال، منذ أن أطلق فيلمه الوثائقي «جنين جنين» الذي يوثق بالشهادات الحية، تفاصيل المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين خلال الانتفاضة الثانية، أثناء عملية «السور الواقي التي اجتاحت خلالها الضفة الغربية. وبعد أن رفض بكري الاعتذار عما ورد في فيلمه، أقام عليه خمسة ضباط إسرائيليين دعوى متهمين إياه بتشويه سمعتهم، لكن الدعوة ردت لأن القانون الإسرائيلي لم يكن يسمح تبعاً لنصوصه آنذاك، بمحاكمة من يشهر بمؤسسة عامة. لذلك بدأ الكنيست عام 2013 بمناقشة مشروع جديد، حمل اسم فيلم بكري «جنين جنين» يتيح محاكمة من يشهر بجنود إسرائيليين. عندها خرج بكري من المحكمة وقال: «الضباط الخمسة الذين رفعوا دعوى ضدي اعتبرهم كلاباً مسعورة».
ويبدو أن معركة بكري مستمرة، فقد قال أمس: «أياً تكن النتائج، لن أتردد في المجيء مرة أخرى. أنا أعشق بيروت. هي زيارتي الأولى لها وليست الزيارة الأخيرة أبداً».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟