أصبح المطبخ والطعام الفيتنامي من أشهر المطابخ وأطباقه من أشهر الأطباق حول العالم في السنوات القليلة الماضية، ولهذا السبب انتشرت المطاعم الفيتنامية في كل حدب وصوب في العواصم الغربية الكبرى والمدن الرئيسية في كل مكان. وقد أصبح لهذا المطبخ الممتاز عشاقه ومحبوه بعد سنوات طويلة من سيطرة المطابخ الآسيوية الصينية واليابانية والهندية على المشهد المطبخي إلى جانب المطابخ الكلاسيكية كالمطبخين الفرنسي والإيطالي. وبهذا يضاف المطبخ الفيتنامي إلى لائحة المطابخ الآسيوية الممتازة والتي تضم المطابخ التركية واللبنانية أيضا. وإضافة إلى ذلك ينضم المطبخ الفيتنامي إلى لائحة أكثر المطابخ المفيدة للصحة في العالم أيضا - وفي هذا تبرير لشعبيته في السنوات الأخيرة، بعد تطور الوعي العام واهتمام الجمهور بالمأكولات الصحية والمفيدة للجسم - وذلك لعدة أسباب يأتي على رأسها كثرة استخدام الأعشاب والخضراوات الطازجة إلى جانب معكرونة النودلز والرز والقمح وفاصوليا المونج. وتنتشر المطاعم الفيتنامية كثيرا في البلدان التي توجد فيها المهاجرون الفيتناميون بكثرة كأستراليا وبريطانيا وخصوصا العاصمة لندن، والولايات المتحدة الأميركية التي حاربت في فيتنام لسنوات وفرنسا التي سبقت أميركا في محاولات السيطرة على فيتنام منذ القرن الثامن عشر، وكندا واليابان وكوريا وسلوفاكيا وبولندا وروسيا وألمانيا. ويعتبر الخبراء الأسواق الشعبية ومطاعم الشوارع المفتوحة في مدينة هوشي منه من أفضل عشر أسواق طعام في العالم.
بشكل عام يكثر الفيتناميون في أطباقهم، من استخدام الفلفل الحار (خصوصا الصغير الحجم والقوي) وحليب جوز الهند واللايم وعشب الليمون والتمر الهندي وقصب السكر والهليون والبطاطا ومعجون القريدس، صلصة الصويا، صلصة القريدس، الرز، عشبة الليمون، الزنجبيل، النعناع الفيتنامي، الكزبرة، الريحان الفيتنامي، القرفة والفلفل الحار. ورغم التأثير الكبير للمطبخ الفرنسي على هذا المطبخ الممتاز، تختلف طرق الطهي من منطقة إلى أخرى أيضا إذ يعتمد بعضها على الغليان وغيرها على القلي وبعضها الآخر على الشوي. ويكثر استخدام القلي السريع المعروف بـ«ستير فراينغ» كما يستخدم الناس كثيرا عيدان الأكل المعروفة تقليديا في كل من اليابان والصين، ويقللون من استخدام الألبان والأجبان والزيوت.
وكما هناك تأثير كبير للمطبخ الفرنسي على المطبخ الفيتنامي، ولكن هناك تأثير أوروبي واضح عام على هذا المطبخ، وخصوصا على صعد استخدام الصلصات واللحوم والنباتية إلى جانب الباغيت واللفائف الفرنسية. ويجدر الذكر هناك أن هناك الكثير من الطلب في بعض أنحاء البلاد على اللحوم الغريبة مثل لحوم السلاحف والثعبانين والحشرات وغيرها.
بأي حال وعلى الصعيد المناطقي، لا بد من الذكر أن لكل منطقة استخداماتها المطبخية، ففي المناطق الشمالية في فيتنام وبسبب قربهم من الصين وتلاقحهم الثقافي والمطبخي معها - يكثر الناس من استخدام صلصة الصويا والفلفل الأسود، أكثر من غيرهم في بقية المناطق الأخرى حيث يكثر الناس من الاعتماد على استخدام صلصة السمك. ولأن المناطق الشمالية مناطق باردة تكون الأطباق أقل اعتمادا على التوابل المتعذر وجودها، ولذا يستخدم الفلفل الأسود كبديل عن الفلفل الحار الطازج. ويخلط المطبخ الشمالي بين الكثير من المذاقات وخصوصا المذاقات الخمسة: الحلو والمر والحامض والمالح والحار ويوازن بينها باعتدال.
وفيما يستخدم لحم الدجاج والبقر، فإن أهل الشمال يكثرون من استخدام حيوانات المياه العذبة وخصوصا القشريات والرخويات كالقريدس والحبار والسرطان وبلح البحر والمحار، فيما تكثر أطباق السرطان في هذه المناطق، فإن صلصة الصويا وصلصة السمك وصلصة القريدس واللايم من المكونات الرئيسية لنكهة الطعام. ومن أشهر الأطباق الفيتنامية التي زحفت من الشمال وهانوي إلى المناطق الجنوبية هي: حساء البونزيو - Bún riêu cua أو سرطان الشعيرية وطبق لفة الكعك «بانكوون - Bánh cuốn» وأطباق أخرى لنودل الأرز مع الدجاج والسمك المشوي.
المناطق الوسطى الجبلية غنية جدا بالبهارات والتوابل، ولذا تعتبر أكثر المناطق إنتاجا للأطباق الحارة، والأطباق المزخرفة والملونة التي كان يعرف بها المطبخ الفيتنامي الملكي قديما. ولهذا السبب أيضا يوجد في هذه المناطق الكثير من الأطباق المعقدة والمتطورة والتي تقدم بصحون صغيرة. وتشير الموسوعة الحرة بهذا الخصوص، إلى أن صلصات الفلفل الحار والروبيان القريدس من بين أكثر المكونات المستخدمة هناك.
ولأن المناطق الجنوبية تتمتع بطقس حار وتملك تربة خصبة في جنوب، فإنها غنية بمجموعة واسعة من الفواكه والخضراوات والثروة الحيوانية. ولهذا فإن أطباق الجنوب غالبا ما تكون حيوية وطيبة المذاق. ولا عجب أن يكثر استخدام الثوم والأعشاب الطازجة والبصل. ولأن هناك الكثير من المناطق الساحلية تكثر الأطباق البحرية ويكثر استخدام السكر وحليب جوز الهند أيضا.
وتقول الموسوعة الحرة، إن الملح يستخدم لتدليل على الرابط أو العلاقة بين عالمي الموت والحياة. وتستخدم الحلويات لتذكير الأزواج الجدد بالكمال والانسجام خلال حفلات الزفاف. وغالبا ما يوضع الطعام في مذبح الأجداد باعتباره كضحية للموتى في المناسبات الخاصة. ويلعب الطبخ والأكل كما يبدو وكما هو الحال في العيد من الثقافات والشعوب «دورا مهما للغاية في الثقافة الفيتنامية. فكلمة أكل - ăn يتم تضمينها في عدد كبير من الأمثال ولديها مجموعة كبيرة من الامتدادات الدلالية».
ويقال إن أسرار المطبخ الفيتنامي تكمن في الجمع بين الرائحة العطرة والذوق واللون. ويعتمد هذا المطبخ دائما على خمسة عناصر أساسية للتوازن أو خمسة مذاقات حسية أساسية: حار (معدن)، حامض (خشب)، مر (نار)، مالح (ماء) وحلو (أرض).
كما تشتمل الأطباق الفيتنامية أيضا على خمسة أنواع من المواد الغذائية: مسحوق وماء أو سائل وعناصر معدنية وبروتين ودهون. وعادة ما يحاول الطباخون الفيتناميون الحصول على خمسة ألوان في أطباقهم أيضا: أبيض (معدن)، أخضر (خشب)، أصفر (أرضي)، أحمر (نار)، أسود (ماء).
بأية حال فإن المطبخ الفيتنامي انعكاس مباشر لطريقة حياة الناس في فيتنام من بداية التحضير إلى طرق وسبل التقديم إذ صح التعبير. فلطالما كان معظم الفيتناميين فقراء من الناحية المادية بسبب الحروب والصراعات السياسية والتغيرات الثقافية خلال القرون القليلة الماضية، ولهذا كانت مكونات الأطباق بسيطة، لكن محاولات إيجاد اليينغ واليانغ أي التوازن بين الأضداد، تمنحها شكلا بسيطا ومذاقات غنية للغاية.
وبسبب الفقر اعتاد الفيتناميون على الاقتصاد والتدبير ولذا تكون مكونات أطباقهم انعكاسا لذلك، فعندما يذبحون البقرة مثلا يستخدمون كل شيء ولا يبذرون شيئا وينطبق الأمر نفسه على التعامل مع الخضراوات وشتى الخيرات. ولا عجب أن يفضل الفيتناميون تناول الطعام جماعيا، وأن يشارك جميع أفراد العائلة في تناول وجبة الطعام وعادة ما يشارك الجميع الأطباق الرئيسية ولا يملك الفرد على المائدة إلا طاسة الرز. وفيما ينتظر الصغير الكبير للبدء بتناول الطعام وتسكب الناس الأرز لأفراد العائلة كتقليد، يقوم أفراد العائلة باختيار وتقديم الطعام لبعضهم البعض تعبيرا عن المحبة والمودة.
ولا بد من الذكر هنا أن للمطبخ الفيتنامي جذورا ملكية منحته الكثير من مواصفاته الممتازة، ولهذا تتمتع أطباق المناطق الوسطى التي كانت مركز الأباطرة والحكم بأطباق فاخرة وملونة ومعقدة من ناحية التحضير. ويشير المؤرخون، إلى أن سلالة نغوين التي حكمت فيتنام من بداية القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، كانت تملك أفضل الطهاة في البلاد والذي وصل عددهم أحيانا إلى 50 طباخا من جميع أنحاء المملكة الفيتنامية. وكان للعائلة الحاكمة ثلاث وجبات يوميا - 12 طبقا لوجبة الفطور و66 طبقا لوجبتي الغداء والعشاء، 16 طبقا منها من الأطباق الرئيسية و16 طبقا للحلويات. وكان الطبق الأساسي حساء عش الطيور.
الأسرار الخمسة للمطبخ الفيتنامي
الجامع بين الرائحة الطيبة واللون الجميل والمذاق الطيب
الأسرار الخمسة للمطبخ الفيتنامي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة