ميشال عون يعود إلى فرنسا رئيساً

اتصالات لعقد مؤتمر «باريس 4»... وقلق دولي من دور «حزب الله»

الرئيس عون لدى توقيعه في سجل الزيارات في مبنى الامم المتحدة بنيويورك (دالاتي ونهرا)
الرئيس عون لدى توقيعه في سجل الزيارات في مبنى الامم المتحدة بنيويورك (دالاتي ونهرا)
TT

ميشال عون يعود إلى فرنسا رئيساً

الرئيس عون لدى توقيعه في سجل الزيارات في مبنى الامم المتحدة بنيويورك (دالاتي ونهرا)
الرئيس عون لدى توقيعه في سجل الزيارات في مبنى الامم المتحدة بنيويورك (دالاتي ونهرا)

تشاء الروزنامة الرئاسية الفرنسية أن يكون الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أول من يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا منذ وصول الرئيس إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه.
وبهذه المناسبة، أعدت باريس برنامجا حافلا للرجل الذي أمضى في فرنسا 14 عاما لاجئا إليها بعد أن أخرجته طائرات النظام السوري من قصر بعبدا في عام 1989، وها هو يعود إليها رئيسا. والرئيس عون الذي يصل إلى باريس بعد ظهر الاثنين سيحظى بكل ما ينص عليه البروتوكول من وضع إكليل من الورد على نصب الجندي المجهول تحت قوس النصر إلى لقاء مغلق مع ماكرون يعقبه اجتماع موسع ثم عشاء دولة مع تبادل كلمات رسمية في القصر الرئاسي بحضور 220 مدعوا قالت المصادر الرئاسية إنهم «يعكسون تنوع وغنى العلاقات الفرنسية - اللبنانية».
وقبل ذلك سيشارك الرئيسان في تدشين معرض «مسيحيي المشرق» الذي يقيمه معهد العالم العربي الذي دعت إليه إدارته الكثير من الشخصيات الدينية المشرقية وغير المشرقية. يضاف إلى ذلك زيارة إلى مقر بلدية باريس، حيث سيقام له استقبال رسمي تليه لقاءات مع رؤساء الحكومة ومجلسي الشيوخ والنواب ووزير الخارجية. وسيلتقي الرئيس عون الجالية اللبنانية في حفل كبير مساء الثلاثاء وينهي زيارته إلى فرنسا في اليوم التالي.
ومن المقرر أن يقوم الرئيس ماكرون بزيارة إلى لبنان في الربيع القادم، وعلى الأرجح في إطار جولة إقليمية ستقوده كذلك إلى الأردن ومصر وإسرائيل.
أمس، في معرض تقديمها للزيارة التي تأتي بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس سعد الحريري الرسمية إلى باريس، شددت مصادر الرئاسة على أنها «إشارة للدعم السياسي» الذي تحرص فرنسا على توفيره للبنان وعلى «تمسكها بأمنه واستقرار وسيادته» في ظل الوضع الإقليمي المتوتر والتحديات الكثيرة التي يواجهها لبنان، وأخصها التحديات الأمنية من جهة والوجود المكثف للنازحين واللاجئين السوريين من جهة ثانية. ونوهت باريس بالجهود التي بذلتها الدبلوماسية الفرنسية نهاية الشهر الماضي لتمديد انتداب قوة «يونيفيل»، حيث عارضت إدخال تعديلات على مهماتها وفق الرغبات الإسرائيلية والأميركية. وتنشر فرنسا 800 جندي في هذه القوة، وهو أكبر عدد تساهم به في عمليات حفظ السلام التي تشارك فيها.
وأفادت المصادر الرئاسية بأن اللقاء المغلق بين ماكرون وعون الذي سيتبعه لقاء موسع، سيتناول مجمل المواضيع التي تشغل لبنان سياسيا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا، كما سيشكل فرصة من أجل «المضي قدما بالمبادرات المشتركة». ويأتي في المقدمة مشروع الدعوة لمؤتمر لدعم الاستثمارات الخارجية في لبنان، وهو ما كان قد بحث مع الرئيس الحريري بداية الشهر الجاري.
وما زالت الاتصالات جارية بشأن ما اتفق على تسميته «باريس 4» (امتداد للمؤتمرات الثلاث السابقة التي استضافتها العاصمة الفرنسية منذ سنوات). أما التاريخ المبدئي لذلك، وفق الرئاسة، فهو بداية عام 2018، والمرتقب أن يحصل في أي حال، قبل الانتخابات النيابية في لبنان المقررة في 8 مايو (أيار) المقبل إلا إذا حصل تغير ما في الروزنامة الانتخابية. غير أن شكل المؤتمر ومضمونه وأغراضه غير محسومة تماما، لأن هناك مشروعا للدعوة إلى مؤتمر ثانٍ يختص بملف اللاجئين السوريين في لبنان وكيفية مساعدة السلطات اللبنانية على تحمل هذا الوجود.
وثمة من يرى دمج المؤتمرين معا للعلاقة الوثيقة بين القطاع الاستثماري وبين ما يأتي به لتمكين لبنان من مواجهة أعباء الحضور السوري المكثف على أراضيه. وحرصت المصادر الرئاسية على التأكيد على أن المؤتمر الجاري البحث بصدده «لن يركز على عودة اللاجئين السوريين أو من أجل تسريع عودتهم إلى بلادهم» لأن «الظروف غير متوافرة في الوقت الحاضر». وذكرت بموقف الحريري الذي يتماهى مع القراءة الفرنسية. ولذا، فإن غرض المؤتمر، في حال كان مستقلا عن الأول، سيكون النظر في كيفية مساعدة اللاجئين وتعايشهم في البلدان التي تستضيفهم والنظر في مسألة استضافة أعداد من المتواجدين في لبنان في بلدان أخرى.
وحتى الآن، استقبلت فرنسا 3000 لاجئ سوري على أراضيها في إطار عملية إعادة الإسكان. ولكن حتى الآن، ما زالت باريس «وبيروت» تقوم بالاتصالات اللازمة للحصول على موافقة وتأييد الدول القادرة والمؤثرة على عقد المؤتمر والتنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها وكذلك مع منظمات المجتمع المدني. ونوهت باريس بأهمية مساهمة ألمانيا وكذلك الدول العربية. ولن يتم الفصل بين الخيارين «مؤتمر واحد أم مؤتمران» إلا بعد أن تقضي الاتصالات إلى رؤية أكثر وضوحا.
بالإضافة إلى ملف اللاجئين الذي أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في نيويورك الكثير من الجدل، فإن زيارة الوفد اللبناني ستفتح الباب لاستكشاف أوجه التعاون الأمني والعسكري الإضافي بين باريس وبيروت.
والى جانب ما تقدم ستوفر اللقاءات التي سيجريها الرئيس اللبناني ووفده في باريس فرصة لجولة في الوضع الإقليمي. وأشارت المصادر الرئاسية الفرنسية إلى «قلق فرنسي ودولي» من عودة المواجهات إلى جنوب لبنان بين «حزب الله» وإسرائيل، معتبرة أنه موضوع «حساس» ومشيرة إلى أن الدبلوماسية الفرنسية «تعمل ما بوسعها» لمنع حصول التصعيد عن طريق «الحديث إلى جميع المعنيين». وبخصوص «حزب الله»، أشارت باريس إلى الدور السياسي الذي يلعبه الحزب. لكنها بالمقابل، عبرت عن «قلق وتساؤلات» إزاء ما تقوم به «مجموعات مسلحة» في سوريا. كذلك شددت على تمسك باريس بموضوع محاربة الإرهاب بما في ذلك تمويله وتحقيق الشفافية في التحويلات المالية. ويذكر أن فرنسا عازمة على الدعوة إلى مؤتمر دولي بهذا الخصوص نهاية هذا العام أو بداية العام القادم.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.