الضغوط تدفع «حماس» للمصالحة مع «فتح»

الحركة تسعى للخروج من عزلتها وحل الأزمات الإنسانية في قطاع غزة

TT

الضغوط تدفع «حماس» للمصالحة مع «فتح»

عندما أعلنت حركة حماس الأسبوع الماضي قبولها بالمصالحة مع حركة فتح للخروج من عزلتها وحل الأزمات الإنسانية في قطاع غزة، كانت الحركة الإسلامية قد قطعت شوطا في تحسين علاقاتها مع حليفها القديم إيران وجارتها مصر.
ووافقت حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، في 17 من سبتمبر (أيلول) الحالي على «اللجنة الإدارية» التي كانت تقوم مقام الحكومة في قطاع غزة، ودعت الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله، التي تتخذ من رام الله مقرا لها، إلى ممارسة مهامها في غزة. وفي هذا الخصوص، يقول أحمد الودية، رئيس قسم السياسة في جامعة الإسراء، لوكالة الصحافة الفرنسية: إن استراتيجية الانفتاح في وقت واحد على مصر وإيران وحركة فتح «غيرت» شكل العلاقات بين حماس ودول المنطقة.
وتواجه حركة حماس التي تعتبرها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية، أزمة إنسانية عميقة في القطاع بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض عليه منذ عقد، وأزمة الكهرباء والمياه، ومعدلات بطالة تعد الأعلى في العالم. وقد شهد القطاع الفقير الذي يسكنه نحو مليوني نسمة (أكثر من ثلثيهم من اللاجئين) ثلاثة حروب إسرائيلية منذ نهاية 2008.
وحصلت القطيعة بين حركتي فتح وحماس بعد أن فازت حماس في انتخابات 2006 التشريعية. لكن المجتمع الدولي رفض قبول حكومة «حماس»، وطالب الحركة أولا بنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل، واحترام الاتفاقات بين الفلسطينيين والقادة الإسرائيليين. لكن بعد ذلك تطور الأمر إلى تفرد «حماس» بالسيطرة على قطاع غزة بعد مواجهة دامية مع حركة فتح برئاسة محمود عباس. ومنذ ذلك الحين، فشلت كل محاولات المصالحة بين الطرفين.
ويشكك محللون بأن يؤدي إعلان «حماس» حل حكومتها في غزة إلى إجراءات ملموسة على الأرض، وبخاصة في ظل وجود ملفات «شائكة»، مثل استيعاب موظفي حماس العموميين البالغ عددهم نحو 40 ألفا، ودمج الأجهزة الأمنية في غزة والضفة الغربية، ويرون أن هدف حماس هو «حل الأزمات الخانقة في غزة، وفك عزلتها السياسية لتكون شريكا معترفا فيه إقليميا ودوليا».
يقول الباحث غرانت روملي، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي يوجد مقرها بالولايات المتحدة، إن «قصة المصالحة مسرحية موجهة، خصوصا إلى الجمهور المصري».
والواقع أن «حماس» نجحت في تحسين العلاقة مع مصر، التي ترعى حوار المصالحة مع فتح. وقد أكد مسؤولون فلسطينيون، أن السلطات المصرية ستعيد فتح معبر رفح، الذي يعد المنفذ الوحيد للقطاع على العالم الخارجي، بشكل أفضل خلال الأسابيع المقبلة، مع إطلاق جولة جديدة من الحوار بين حركتي حماس وفتح. وستشكل إعادة فتح الحدود، ولو بشكل غير دائم، متنفسا مهما لحركة حماس، التي تعاني من خفض أموال السلطة الفلسطينية المرسلة إلى غزة، ومن الحصار.
في الوقت ذاته، عملت «حماس» على ترميم علاقتها مع إيران، وقد تهيأ المناخ لذلك إثر انتخاب إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي للحركة، خلفا لخالد مشعل في مايو (أيار) الماضي، وانتخاب يحيى السنوار رئيسا للحركة في القطاع في فبراير (شباط) الماضي.
وكانت علاقة «حماس» مع إيران قد تضررت كثيرا بسبب موقف الحركة من الأزمة في سوريا، وميلها إلى دعم المعارضين. لكن رغم هذا التوتر لم توقف كليا إيران إرسال المال إلى كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة. ويصل الدعم الإيراني لحماس أحيانا إلى 15 مليون دولار شهريا، وفق مصدر فلسطيني مطلع.
في هذا السياق، يقول أحمد يوسف، القيادي في حماس: «لم يجرؤ أحد على دعم المقاومة بالمال والسلاح إلا إيران». أما السنوار، فقد سبق له أن كشف عن أن إيران هي «الداعم الأكبر» لحركته بـ«السلاح والمال والتدريب لكتائب القسام»، وقال بهذا الخصوص «نحن نراكم ونطور قوتنا العسكرية بفضل الدعم الإيراني الذي تضاعف».
بدوره، يقول حمزة أبو شنب، المختص بشؤون الحركات الإسلامية، إن لدى السنوار «رؤية استراتيجية» بضرورة تعزيز العلاقة مع إيران بصفتها قوة إقليمية «مؤثرة وداعما رئيسيا» لحماس.
ويرى الودية، أن علاقة «حماس» مع إيران ومصر «تستند إلى تبادل المنافع. فحماس في حاجة إلى لدعم الإيراني المالي والعسكري في ظل التضييق عليها، وإيران تدرك أن حماس تمثل جبهة متقدمة في بناء تحالفات إيران على حدود إسرائيل التي تكنّ لها العداء العلني»، مبرزا أن «حماس تريد من مصر فتح معبر رفح للبضائع والأشخاص والوساطة في المصالحة، ومصر تريد تأمين حدودها مع غزة لخنق الجماعات السلفية المتشددة في سيناء».
وفي حين يوضح روملي أن الهدف الرئيسي لحماس هو «البقاء» بعدما زادت عزلتها كثيرا، يرى أبو شنب أن «البعض في حماس غير مرتاح لتطوير العلاقة مع إيران، لكنها أصوات لا تؤثر حاليا، باعتبار أن القيادة الجديدة تستثمر علاقاتها التي تتحسن مع كل الأطراف». أما أحمد يوسف، فيتوقع أن تلعب إيران دورا مهما في إعادة العلاقات بين حماس والنظام السوري.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».