السيسي لـ«الشرق الأوسط»: لن ننسى مواقف خادم الحرمين.. والسعودية أولى محطاتي

أمن الخليج من أمن مصر ولن نسمح بالمساس به * ليبيا بحاجة إلى خريطة طريق

المشير عبد الفتاح السيسي لدى استقباله رئيس تحرير {الشرق الأوسط} د. عادل الطريفي
المشير عبد الفتاح السيسي لدى استقباله رئيس تحرير {الشرق الأوسط} د. عادل الطريفي
TT

السيسي لـ«الشرق الأوسط»: لن ننسى مواقف خادم الحرمين.. والسعودية أولى محطاتي

المشير عبد الفتاح السيسي لدى استقباله رئيس تحرير {الشرق الأوسط} د. عادل الطريفي
المشير عبد الفتاح السيسي لدى استقباله رئيس تحرير {الشرق الأوسط} د. عادل الطريفي

في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2013، خلال زيارتي للقاهرة، كان الوضع المصري يومها، يعرض نفسه بكل تفاصيله وتعقيداته السياسية، ومشاكله الاجتماعية، ومخاطره الأمنية على ملامح المارة في الشوارع، وعلى وجوه كل من يمكن أن تلتقيه وتحاوره، أو حتى يهمس لك بكلام عابر.
في الفندق الذي أقمت فيه، لم تكن الأحاديث والحوارات المتداولة في قاعاته، تختلف عمّا يمكن جمعه عن ملامح الناس في الشوارع من قلق واضطراب وتشاؤم أغلق حتى النوافذ، التي يمكن أن تتسرّب عبرها أحلام المصريين بانفراج ما قريب. كان أي شيء وكل شيء، يكفي لأن يرسم صورة لمصر لم تعرفها في أحلك عصورها.
اليوم بدت القاهرة خارجة من تلك التفاصيل، تتنفس الأمل برئتين واسعتين، وهي تتمتع بقدر معقول من الاطمئنان. كانت الساعة تقترب من الرابعة والربع فجرا، حين وصلت إلى مطار القاهرة. الانتقال من هناك سهل، وحركة السير بدت مريحة إلى حد كبير، في ظل استقرار نسبي، اشتاقت له القاهرة كثيرا. وحين دخلت بنا السيارة أطراف العاصمة المصرية، كانت الطرقات مشرعة أمام حركة الناس والسيارات، حتى في مثل هذا الوقت المبكر من النهار. القاهرة (مصر) كما يطلق عليها المصريون، كانت طبيعية إلى حد مريح.
تغيرت مشاعر الناس. ملامحهم بدت أكثر ارتياحا. حتى الكلام الذي كان يشغل الناس تغير نسبيا، ربما لأن تعابير الناس أخذت تعكس قدرا كبيرا من الأمل بالمرحلة المقبلة. أما الأحاديث المباشرة، فتبدأ كلها بالاستقرار وتنتهي عنده، خصوصا بعد ما شهدته مصر من تفجيرات وأعمال إرهابية في الفترة السابقة.
من يتحدث إلى رجال الأعمال، يدرك عمق الأزمة الاقتصادية التي تخنق مصر، على الرغم من تماسك العملة المصرية وثباتها في وجه عواصف التدهور المتعاقبة. لكنها أحاديث تمر في طريقها إليك بتطلعات صادقة إلى انتعاش اقتصادي في مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس، والجميع يأمل أن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة انعطافة ديمقراطية حقيقية، تغلق الأبواب على العديد من المشكلات، وتحقق الاستقرار الأمني الذي لم يزل يعاني من ثغرات تنفذ منها أعمال إرهابية، آخرها ما وقع أول من أمس، في القاهرة وشمال سيناء، وأودى بحياة ثلاثة مواطنين وجرح تسعة آخرين، بينهم مجندون.
التقيت المرشح الرئاسي، المشير عبد الفتاح السيسي، قبل يوم من موعد الصمت الانتخابي. كان محاطا بالعديد من الزوار، وكاميرات التلفزة التي كانت تسجل مواقفه الأخيرة قبل بدء السباق الرئاسي. كان جدول أعماله كثيفا ومزدحما. لكننا التقينا وأعطاني من وقته الكثير.
أجرينا الحوار في استراحة بضاحية مدينة نصر، تطل على النصب التذكاري للجندي المجهول، الهرمي الشكل. وهو من تصميم الفنان المصري، سامي رافع، الأستاذ في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، الحاصل على الدكتوراه من كلية الفنون الجميلة في فيينا. صمّمه فور فوزه في مسابقة فنية لعمل نصب تذكاري، شارك فيها عدد كبير من الفنانين المصريين. وكان الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، هو من أمر بتشييد النصب التذكاري، أو «قبر الجندي المجهول»، تخليدا للمصريين الذين فقدوا أرواحهم في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973، وافتتح بعد الحرب بعامين. وقد اختير الموقع مكانا لدفن الرئيس السادات عقب اغتياله في أكتوبر 1981.
بني النصب التذكاري على شكل هرم، رمزاً لفكرة الخلود في حضارة المصريين القدماء. وهو عبارة عن هرم مجوف من الداخل. ويبلغ ارتفاعه 33.64 متر، في حين يبلغ عرض حيطانه عند القاعدة 14.30 متر. وتبلغ سماكة حوائطه الأربعة 1.9 متر، وقد سُجّل عليها واحد وسبعون اسما رمزيا.
اللقاء مع المشير، ترك لديَّ انطباعا قويا حول ثلاث مزايا يتحلى بها السيسي:
أولا: تواضعه على المستوى الشخصي، الذي ينعكس في بساطة تعامله مع الآخرين، ويكسبه احتراما مضاعفا.
ثانيا: طرحه المباشر وأفكاره المحددة والواضحة. فالرجل يعرف ما عليه، وما ينبغي القيام به.
ثالثا: صراحته المتناهية في تناول العديد من الملفات الساخنة والحرجة والحساسة، وحتى الأكثر تعقيدا مما يشهده واقع مصر راهنا. حتى في تناوله وتعليقاته على نظام حكم حسني مبارك ومحمد مرسي، كان المشير هادئا، صريحا في اختيار تعابيره. وفي ما يلي نص الحوار:

* شهدت المنطقة انتفاضات شعبية خلال السنوات الثلاث الماضية. هل كان ذلك نتيجة تحولات اجتماعية أم تحول في ميزان القوى الإقليمية؟
- لا شك أن هناك تحولات اجتماعية حدثت نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية في أكثر من بلد، نتج عنها ما نتج كما نرى - بيد أنه يجب ألا نغفل وجود تحولات إقليمية - حدثت نتيجة لتلك الثورات والتغييرات. هناك فعلا من يحاول أن يغيّر ميزان القوى لصالحه والمساس بمصالح الآخرين. لقد شهدنا في مصر تحولات كبيرة، وكان هناك من يحاول الإضرار بالمصلحة القومية لمصر، لكننا استطعنا تجاوز كل ذلك بإرادة الشعب، وإن كنا بحاجة حقيقية للعمل والجهد وكثير من الأمل حتى تعود مصر إلى وضعها الطبيعي.
الجميع لديه الثقة بالمستقبل، لكننا لن نحقق ما نصبو إليه إلا من خلال العمل الجاد على كل المستويات. إن التحسن الحقيقي لن يكون إلا بوجود تعاون إقليمي جاد وواع.
أما في ما يخص موازين القوى فأرى أن المعالجة الحقيقية تكون في وجود قوة حية، قوية وحاكمة في المنطقة، وهنا في مصر أيضا ومحيطها العربي.

* تشهد ليبيا مواجهات مسلحة ما بين عناصر من القوات الليبية السابقة والميليشيات الإسلامية، ما تقييمكم لما يحدث في بلد الجوار؟
- للأسف تحولت ليبيا خلال العامين الماضيين إلى بؤرة لتجمع الميليشيات المسلحة والمتطرفة. خرج الليبيون لتغيير النظام السابق وللمشاركة في صنع المستقبل وصياغته، وإنشاء دولة المؤسسات، دولة مدنية يشترك فيها الجميع، ولكن بوجود الميليشيات تحولت الغلبة للسلاح والعنف، وأصبحت ليبيا نقطة تجمع للعناصر الإرهابية.
كان يجب على الأوروبيين بعد إسقاط النظام السابق أن يكملوا ما بدأوه، فيقومون بجمع السلاح للحفاظ على الأمن والسلم، ولا أعتقد أن أحدا كان ليعترض على ذلك.. أما في مصر فكان هناك قرار حاسم ورسالة واضحة مفادها أننا لن نسمح بانطلاق أي عمل إرهابي من داخل ليبيا ضد بلادنا.

* إذاً المهمة لم تنتهِ في ليبيا بعد؟
- بعد ما حدث في ليبيا كان ينبغي القضاء على ظاهرة السلاح المنتشر، التي لا تعكس ما يطمح إليه الشعب الليبي الذي يصبو إلى الحرية وفرض الإرادة الشعبية التي تريد بناء دولة تستوعب الجميع، وهذا بكل تأكيد لن يحدث في ظل وجود السلاح، وإنما من خلال خريطة طريق تعبر عن إرادة الليبيين لا الميليشيات، وسيجد هذا دعما من الجميع.

* هل يعني ذلك ضرورة دعم الأطراف التي تقاتل الميليشيات الإسلامية؟
- لا يعني ذلك تدخل مصر، أو حتى الدول العربية في ليبيا، إنما من الواجب دعم الاعتدال، وتقوية الليبيين في مواجهة التطرف.

* هذا يقودني إلى السؤال عن الحرب السورية.. هل ترون أن هناك تغييرا في المواقف العربية نتيجة طول الأزمة؟
- كان هناك موقف عربي مما يحدث في سوريا، لكن الواقع الميداني تطور، وأعتقد أننا نحتاج إلى مراجعة هذا الواقع الجديد، لأننا نريد حلولا سياسية مع تجنب الحل العسكري. في الوقت نفسه نحرص على سوريا دولة موحدة، لا تقسّم أو تجزأ، لأن تقسيمها سيسبب مشكلات، ويخلق واقعا جديدا معقدا. نحن أيضا أمام معادلة الحفاظ على الواقع السوري ووجوب تصفية الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي ظهرت على ساحته.

* ولكن، ماذا بشأن بقاء الرئيس الأسد، خصوصا ونحن مقبلون على انتخابات رئاسية؟
- معالجة الأزمة السورية يجب أن تنطلق من نقاط ثلاث هي الأساس الذي يمكن البناء عليه، وهي كيفية الوصول إلى حل من دون تصعيد الموقف في سوريا أو تقسيمها ومن دون أن يكون هناك دور للجماعات التكفيرية. وحتى يتحقق هذا كله، لا بد أن يعمل الجميع على إيجاد حلول تحقق هذا الهدف.

* ولكن الجماعات المسلحة التي تتدخل في سوريا تشمل أيضا حزب الله؟
- التحالف بين سوريا وحزب الله معلوم ومعروف، وأي دعم من هذا الطرف للطرف الآخر مفهوم. وحده حل المشكلة السورية سوف ينهي العلاقة العضوية بين الطرفين، وبالتالي يمكن بعد ذلك حل بقية الملفات المرتبطة بالواقع المرير الذي يعاني منه الشعب السوري لأكثر من ثلاث سنوات.

* وماذا بشأن حركة حماس التي ترتبط بصلات عقائدية وتنظيمية مع الإخوان المسلمين؟
- ارتباطات حماس أوعقيدتها ليست مهمة بالنسبة لنا. المهم عندنا أن لا يؤثر كل ذلك في أمن مصر، وألا تستخدم العقيدة في الإضرار بأحد.
بالتأكيد، لا أحد يتصور أنه يستطيع أن يضر بأمن مصر أو العبث بمقدرات شعبها. هذا الملعب غير متاح. وللناس حرية اعتقاد ما يرونه، فنحن لا نتدخل في اختيارات أحد، ولكن لن نسمح في الوقت ذاته بالمساس بالأمن القومي لمصر.
يعرف الجميع أن المصريين لا يقبلون بكل ما يهدد أو يمس أمنهم، كما أن (حماس) موجودة منذ 2005، وخلال تلك الفترة ازدهرت تجارة الأنفاق وتهريب السلاح، وكانت لها أضرار كبيرة، ولم تتعرض لهم الدولة المصرية، لكن منذ بداية الأحداث الإرهابية في سيناء، كان هناك قرار حاسم بأن يتوقف كل ذلك. وأؤكد هنا بأننا لن نسمح بعودة الوضع كما كان، حماية للأمن القومي في مصر.

* ذكرتم أنه لن يكون هناك وجود لجماعة الإخوان المسلمين حال فوزكم بالانتخابات الرئاسية؟
- الشعب المصري لديه موقف منهم، هم وحدهم يتحملون مسؤولية هذه الحالة. الشعب المصري كان على استعداد في 3 يوليو أن يقبل بوجود الجميع، لكن تأييد الجماعة انتهى اليوم بشكل كامل.

* وماذا بشأن التنظيم الدولي؟ خصوصا أن بعض دول المنطقة أدرجت التنظيم على قوائم الإرهاب؟
- لقد بدا واضحا خلال الآونة الأخيرة التعاون الكامل بين الكتلة العربية الحية والقادرة على التأثير لاتخاذ هذا القرار المهم، الذي سيكون من بين نتائجه إنهاء وجود هذه الجماعة وطنيا ودوليا. أي بقايا تنظيم سيكون تأثيره محدودا. لكن علينا، في مصر ودول الخليج أن ننتبه لذلك.
نرى أيضا أن الواقع الجديد في المنطقة العربية يعيد تشكيل رؤية الغرب للإخوان وأمثالهم، ولدينا أمثلة لما يحدث في ليبيا وسوريا.

* شهدنا انكفاء مصر للداخل خلال الأعوام الماضية بسبب الأوضاع الداخلية. ما هو شكل السياسة الخارجية التي تسعون لتطبيقها في حال فوزكم؟
- لدينا سياسة منفتحة على الجميع، نحن نريد أن نتعاون ولا نرغب في الصدام مع أحد، شرط الاحترام المتبادل وابتعاد الآخر عن الصدام معنا. نهتم كثيرا بوحدة أمن مصر والخليج وكل الدول العربية، وهو أمر غير قابل للتجزئة. سنعمل على تعميق التعاون مع دول حوض النيل كعمق استرتيجي متبادل، ونرسخ التعاون مع كل دول العالم على أساس الندية والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشأن الداخلي.
أؤكد أيضا على توسيع خيارات التعاون لتحقيق المصالح القومية، فالعلاقات الاستراتيجية مع أميركا لا تتعارض أبدا مع القوى الدولية الأخرى مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي.
نحن ملتزمون بقضية فلسطين حتى تقام الدولة وعاصمتها القدس الشرقية، ومهتمون بالقارة الأفريقية والعلاقات مع الدول الإسلامية، وسنعمل على إدارة العلاقات الخارجية وفق رؤية ومنظور استراتيجيين يحققان المصالح المتبادلة للجميع.

* ما قراءتكم للمفاوضات النووية بين إيران ومجموعة (5+ 1) هل أنتم مؤيدون أم معارضون؟
- نحن مع أي ترتيبات أمنية لا تمس أمن الخليج، باعتباره أمنا مصريا، ولا نسمح بالمساس به.

* ماذا بشأنكم أنتم في ما يتعلق بملف التكنولوجيا النووية؟
- الاستخدام السلمي للقدرات النووية تكفله المعاهدات الدولية، فهناك دول لديها تكنولوجيا متقدمة تمكنها من تصنيع قنبلة، ولكنها لم تفعل ذلك، والسؤال هنا هو: هل يمكن أن نصل إلى مستوى امتلاك المعرفة والقدرة النووية ونستخدمهما بشكل سلمي؟

* صرحتم بأن السعودية ستكون أول دولة تقوم بزيارتها رئيسا لمصر، ما الرسالة التي ستحملونها؟
- أولا، كل التقدير والاحترام لخادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فهو ملك عربي حكيم وأصيل، ولهذا ذكرت بأن أول دولة أنوي زيارتها ستكون المملكة العربية السعودية. نريد أن نذهب لنقدّر رجل العرب وحكيمهم حق قدره، فلن ننسى مواقفه معنا وبيان دعمه لشعب مصر، الذي أحدث تغييرا في المعادلة وغيّر الكثير منها.
الشكر والتحية لحكيم العرب، وأؤكد على ضرورة تكامل مواقف البلدين في أوقات الشدة، وأن نكون معا دائماً، ولا نسمح بأن تتأثرعلاقتنا مرة أخرى.
ثانيا، إن خدمة أهداف الأمن القومي المصري والسعودي هي أن نتكامل.
إن الحس القومي العربي استدعانا لأن نكون متشابكين ونشد على أيدي بعضنا بعضا. نحن نحتاج لهذا دائما.
ذكرت في وقت سابق أن مصر لن تقف متفرجة أمام أي تهديد لأي دولة خليجية، وما بيننا «مسافة السكة»، وهذا يعني أنه في حالة أي عمل يهدد أي دولة وتم استدعاء مصر.. فورا نلبي - وأكرر «مسافة السكة».

* التحقت بالعمل ملحقا عسكريا لدى السعودية، ما ذكرياتكم خلال تلك المرحلة؟
.- ذكريات كثيرة ومؤثرة، منها زيارتي للفيصلية بعد افتتاحها. كما أتذكر الكرم السعودي والأكل المتميز والشخصية السعودية، التي أكن لها كل احترام.

* تزامنت زيارتكم لدولة الإمارات مع إجراء مناورات عسكرية مشتركة.. ما دلالة ذلك؟
- أريد التأكيد على أن هناك تعاونا عسكريا دائما منذ فترة طويلة، وتدريبات سنوية متبادلة، وسوف نستمر في المزيد من التدريبات، بحيث نعرف المسارح المختلفة للعمليات.

* منذ أكثر من عام وهناك عمليات تتعلق بمكافحة الإرهاب في سيناء ومناطق أخرى، هل تكتفون بالمعالجة الأمنية؟
- الأمر واضح ويجب أن ننتبه لخطورة الخريطة التي نراها الآن.
لا ننتظر أن يصل الإرهاب إلى بلادنا، ولا بد من المواجهة. من المهم وضع استراتيجية شاملة لتحصين عقول وقلوب أهالينا، كما سنعمل على تغيير الخطاب الديني الذي يسيء للإسلام، وذلك من خلال رؤية واستراتيجية عربية مشتركة لحل هذه المسائل.

* حلول مثل ماذا؟
– نهتم بمدارس علوم الدين، ونعيد الاعتبار للمدرسة التي تستدعي وسطية الإسلام، وتحصن العقول من التطرف.

* يظهر من تصريحاتكم أنكم مطلعون على أدبيات الإسلام السياسي؟
– لا أريد أن أسمى لك كتبا بعينها، هذا الموضوع محل بحث وقراءة سنين طويلة، وأنا أسأل «ليه كده»؟ منذ اغتيال الزعيم الراحل أنور السادات وأنا اشعر أن هناك شيئا خطأ، ومن يريد أن يتأكد عليه أن يقرأ الخريطة، ولذا وجب علينا كمسلمين أن نفكر لماذا حدث كل هذا، ولم نصحح الخطأ.

* ولكن كما تعرف حدثت مراجعات في عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك – هل يعني ذلك عدم اقتناعكم بمنهج احتواء الإسلامين؟
- هناك فرق بين الذين يتخلون عن العنف ويلتزمون بالدستور والقانون، وبين الذين يتخلون فقط عن القيام بأعمال إرهابية من دون تغير في تفكيرهم، وبالتالي فالأمر يتطلب وضع استراتيجية شاملة، ومراجعة مستمرة حتى يتوقف التهديد.
نرى أن دور الأزهر مهم، وسوف يستمر قبل وبعد ما حدث وفي المستقبل، وأنه علينا أن نعمل على تحصين الشباب بالإسلام الوسطي الحقيقي، الذي يمنع انتشار التطرف، لأنه بغير ذلك سيظل التطرف والتشدد فكرا قائما، ولكن في حجمه الطبيعي.
للأسف ما يحدث يعطي انطباعا بأن هذا هو الواقع، وأن الدين هو التطرف. وفي ذلك خطأ وظلم كبيران.

* شهد الاقتصاد المصري تراجعا كبيرا، ما خطتكم في الإصلاح؟
- في البداية نحن درسنا نماذج مشابهة لمصر مثل البرازيل وغيرها من حيث الكتلة السكانية لاستخلاص بعض الدروس، ولكني في الوقت ذاته دائما أسأل الذين من حولي والعارفين بالشأن الاقتصادي: هل كانت لتلك الدول الظروف نفسها التي تشهدها مصر اليوم من ناحية الانتقال السياسي؟ لدينا تحديات كثيرة وسلبيات تحتاج إلى استراتيجية شاملة وطموحة، لتخرج مصر من دائرة الفقر ويخف العبء، وهذا يتطلب تفهما من الجميع.
لك أن تستحضر ما حدث في اليونان أخيرا، وقفت كل أوروبا معها ومرت من الأزمة، وكذلك الحال في البرتغال وإسبانيا.

* ماذا بشأن الدعم الحكومي؟
- هناك أغنياء وحتى سفارات أجنبية يحصلون على دعم، المواطن المصري المحتاج حقيقة أولى به.. أمور كثيرة يجب إعادة تنظيمها عبر ما أسميه الدعم الذكي.
يوجد هناك خطط كثيرة ومبادرات وأمثلة.. بلد مثل البرازيل هل كان لديها ثورات؟
هناك فعلا خطة، ولكن نتمنى أن يسمح المجال العام والمناخ بذلك.

* هل لديكم خطة للمائة يوم الأولى؟
- فكرة المائة يوم هي استدعاء لفكرة خارجية.
والمائة يوم الأولى تصلح كمعيار في الدول التي لديها استقرار سياسي ومؤسسات دولة قوية، ولم تشهد تهديدا كما جرى في مصر. يجب أن يشعر المصري بأن الوضع يتحسن في شهور قليلة وفي المجالات المختلفة.

* خلال ثورة 25 يناير واقتحام مبنى أمن الدولة. هل تسربت وثائق الدول المصرية وأسرارها؟
- لم يتم تسريب أسرار الدولة. نعم حدثت بعض السلبيات بسبب حالة الفوضى التي عمت آنذاك، لكن بعض المؤسسات مثل المخابرات والخارجية وغيرهما من مؤسسات الدولة لديها أسرارها، وهذه الظروف انتهت، ولن يُسمح أبدا بتهديد منشآت أمنية مرة أخرى، والاعتداء عليها مهما كان الثمن.

* في حال انتخابكم سيكون لديكم صلاحية العفو، فهل تنوي استخدامها مع الإخوان الذين صدرت بحقهم أحكام؟
- المشكلة أنهم يحتاجون إلى أن يصالحوا المصريين.. انزل إلى الشارع واسأل الناس.

* هل كنت تنوي الترشح للانتخابات الرئاسية وقت إعلان بيان 3 يوليو الذي أنهى حكم الجماعة؟
- لا، كان هناك ضغط شعبي كبير من أغلب المصريين. الإحساس بالخطر والتخوف من وقوع المواجهة دفعا الناس للمطالبة بانتهاء عهدهم، ولو كانت الأمور تسير بشكل سلس لما دفعت الناس لاستدعائي.

* ما الدول التي تنوي زيارتها بعد انتخابكم؟
- لا شك أن الأولوية ستكون للدول العربية، وسبق أن ذكرت المملكة العربية السعودية، وأنوي أيضا زيارة كل من الإمارات والكويت، ولا بد من زيارة الدول الأفريقية القريبة، لدينا أميال كثيرة لنقطعها.

* وماذا لو قدمت لك دعوة لزيارة البيت الأبيض؟
- سوف أقبل بالزيارة التي تفيد المصلحة القومية المصرية، ومصالح الشعب المصري، لا شك أن لدينا فهما مختلفا، ولدى البعض فهم مختلف، ولدينا فهم لما جرى للمرحلة الماضية، ولكن بوسعا القول إن الشهور الأولى التي تلت 30 يونيو، كان من الصعب على البعض في أميركا وأوروبا استيعاب ما جرى فيها أو تفهم الأسباب الموضوعية للتحرك الذي قام به الشعب المصري. ولكن شهدنا بعد ذلك بداية استيعاب تدريجي، ولا أقول إن ذلك الاستيعاب تحقق بالكامل، لأن خريطة الطريق لم تنتهِ بعد.

* ما تصوركم للبرلمان المقبل بعد الانتخابات؟
- آمل أن يكون البرلمان استمرارا للتجربة التي بدأت، ولديّ أمل كبير أن يخلق البرلمان المقبل، القواعد الأساسية للعمل وللتجربة التي تمكن الشعب من تحقيق تطلعاته.

* في السياسة العربية، تؤثر شخصية الرئيس أو الزعيم وعلاقته بنظرائه في سياسة الدول. هل ستطرح نموذجا مختلفا؟
- المفروض ألا تؤثر شخصية الرئيس أو الزعيم أو القائد أو أي شخصية منتخبة وخياراتها الشخصية على خيارات الدولة، فالأصل أن المصلحة القومية هي الأساس.



«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».