نورمبرغ... المدينة الألمانية النائمة في حضن الطبيعة

من مركز للنشاطات النازية إلى «قرية» سياحية خجولة

نورمبرغ... المدينة الألمانية النائمة في حضن الطبيعة
TT

نورمبرغ... المدينة الألمانية النائمة في حضن الطبيعة

نورمبرغ... المدينة الألمانية النائمة في حضن الطبيعة

تفقد المدن سحرها عندما ترحل حجارتها القديمة عن شوارعها ومبانيها. عندما ينحر أهلها التاريخ باسم العمارة الجديدة ويدفنون ذاكرة ماضٍ ساهم في ولادة حاضر أمة. ليست أجمل مدن العالم ولا أعظمها تلك التي تستقطب السياح وتحيي في دواخلهم مشاهد لحيوات شعوب عاصرت حقبات زمنية حافلة بأحداث عالمية، بل لأنّ المدن كالبشر بعضها يبهرك للحظات قليلات، وبعضها يترك فيك لمسة حب تدغدغ ذاكرتك لتزورها من جديد. نورمبرغ المدينة الألمانية النائمة في حضن الطبيعة الخضراء واحدة من تلك التي لا تنتسى.
- تاريخ نورمبرغ
قبل التطرق إلى تاريخ المدينة الأشبه بقرية صغيرة محافظة، لا بدّ من القفز أولاً إلى حقبة الحرب العالمية الثانية. فنورمبرغ تعد مدينة فريدة بين مدن العالم، وبعد أن كانت مركزاً رئيسياً للنشاطات النازية منذ تولي أدولف هتلر السلطة عام 1933، وفي ساحاتها نظّم الحزب استعراضاته العسكرية ومؤتمراته السنوية، كُتب فيها فصل جديد من تاريخ العالم، واختارتها قوات التحالف لتكون مقراً لمحكمة دولية لمحاكمة النازيين.
قبل 72 سنة، شهدت القاعة رقم 600 في المحكمة، وقائع المحاكمة الشهيرة لقادة الحرب النازيين، ونقلت شاشات التلفزيون أحداثها إلى العالم كله. وعلى الرغم من تدمير 90 في المائة من مبانيها خلال الحرب، فما تزال هناك عمارات نازية تدل على أهمية المدينة في فترة الحكم النازي.
وبالعودة إلى القرنين الـ15 والـ16، شكّلت نورمبرغ مركز عهد النهضة الألمانية، وفيها امتزجت تقاليد النهضة الإيطالية مع القوطية الألمانية. هي مسقط رأس الرسام والنّحات ألبرخت دورر، وتحتضن كثيراً من أعماله، منها لوحة الرسل الأربعة، بطرس وبولس ومتى ويوحنا. وفيها ولد هانس ساكس الشاعر والمسرحي الألماني. وبيتر فيشر الأكبر، المثّال الذي اشتهر بصناعة تماثيل من البرونز، وقد كرس 15 سنة من حياته وحياة أبنائه الخمسة لإكمال رائعتهم النصب التذكاري للقديس سيبالدوس في سيبالدوسكيرش، القديس الحامي لنورمبرغ.
وخلال حرب الثلاثين عاماً التي مزقت أوروبا بين عامي 1618 و1648، وقد بدأت كصراع ديني بين الكاثوليك والبروتستانت وانتهت كصراع سياسي من أجل السيطرة على الدول الأخرى، أنهكت الحرب معظم الولايات الألمانية، وانتشرت خلالها المجاعات والأمراض وهلك العديد من سكانها. تدهورت أوضاع نورمبرغ، ولم تستعد أهميتها إلّا في القرن 19 بوصفها مدينة صناعية. وصلت بينها وبين مدينة فورت أول سكة حديدية في ألمانيا عام 1835، ودخل إليها الإصلاح الديني منذ عام 1525.
- جولة في نورمبرغ
يسهّل موقع نورمبرغ المركزي، الوصول إليها. هي ثاني أكبر مدن بافاريا والمدينة الرئيسية في منطقة العاصمة. تقع على ضفتي نهر بيغنيتز، الذي ينبع على بعد 80 كيلومتراً شمال شرقي المدينة، ويخترقها من شرقها إلى غربها لمسافة 14 كيلومترا، ويتفرع في قلب المدينة إلى قنوات عديدة.
مصممة بهندسة تجعل السائح يسير في شوارعها مستخرجاً من كل شبر منها متعة مشاهدة مناظرها الخلابة في أمسية صيفية تتوزّع المطاعم والمقاهي على ضفاف قنواتها، وللسائح أن يختار المكان الذي يريد لتناول الطعام أو القهوة. وللمدينة وجه فريد لتماذج الثقافة التقليدية والحديثة، وتعتبر واحدة من المدن الألمانية وأكثرها رومانسية.
وعلى الرّغم من أنّ المدينة بشكل عام، تنتمي إلى المدن الكبيرة بالمساحة، فإنّ زائرها يشعر بأنّه يزور قرية صغيرة للحميميّة التي يوفّرها تناغم الطبيعة مع البناء.
زيارة المدينة لا تُنتسى؛ لما تترك لدى السائح من أثر يدفعه للعودة إليها ثانية. في طبيعتها الساحرة بخضرتها ومياهها وأنهرها وجسورها وعمارتها، مزيج من الثقافة والتاريخ. فالمدينة تنبض بأكملها بالحياة والإثارة والرومانسية. شوارعها مكتظّة بالمشاة، وفي كل مكان تطالعك الجسور والمقاهي والحانات المنتشرة على أرصفة طرقاتها الحجرية.
لا يمكنك زيارة نورمبرغ، من دون أن يعود بك التاريخ إلى أجواء القرون الوسطى (الفترة التي امتّدت من القرن الخامس حتّى القرن الخامس عشر الميلادي)، كما لا يمكن للسائح أن يمرّ بها من دون استحضار السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية التي دمّرت المدينة بالكامل، من قبل سلاح الجو الملكي البريطاني. فالذهاب إلى نورمبرغ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ الحروب التي شهدتها.
- معالمها التاريخية
للمدينة كنز من الأعمال الفنية التي لم تمسّ بسوء، على الرغم من الحروب التي شهدتها. وفيها سوق رئيسية تعرف باسم (Hauptmarkt)، تتجمع بها معالم وكنائس تاريخية. تتحوّل في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة إلى معرض ميلادي كبير، حيث تتلاصق خيم كبيرة، يحضّر فيها أصحابها أنواعاً مختلفة من الأطعمة التي تشتهر بها المدينة والحلويات الخاصة بالعيد، إلى جانب تنظيم حفلات موسيقية تتناسب والمناسبة، ونشاطات عديدة للكبار والصغار. ولمن يرغب في زيارة نورمبرغ في هذه الفترة من السنة، لا بدّ له أن يحجز مسبقاً ليتمكن من إيجاد مكان له في الفنادق قبل أن تكتظ بالسياح من جميع أنحاء العالم.
أمّا خلال باقي فصول السنة فتعود السوق إلى حالها اليومي، وتتوزّع أكشاك بيع الفواكه الطازجة والخضار والخبز والجبن واللحوم والزهور الملونة فيها، كما أنّ في السوق كشكاً لبيع الفلافل، كتب عليه مأكولات لبنانية. وفي الممرات الضيقة القريبة من السوق وحوله، تنتشر المحلات الصغيرة حيث تباع الثّياب والأحذية والساعات والمجوهرات والتحف التذكارية وأكثرها يُظهر أماكنها التاريخية ويروّج لما تشتهر به المدينة من مأكولات خاصة بها ومشروبات.
- كنيسة السيدة العذراء
الكنيسة مثال للطراز القوطي. تحتوي على تماثيل وأعمال فنية كثيرة، تعود إلى القرون الوسطى. بُنيت في السوق الكبيرة. تتألف من قاعة كبيرة وممرين ومنبر للإمبراطور. تحتوي على خلجان تسعة تدعمها أربعة أعمدة، ويسمى الدور العلوي بالطابق الإمبراطوري أو طابق القديس مايكل، وهو مفتوح على الصحن عن طريق رواق فيه أقواس مزخرفة، وتتزيّن عضادات الكنيسة بالزخارف والمنحوتات. من أبرز سماتها ساعتها الميكانيكية، وتعتبر تخليداً للثور الذهبي وقد وضعت فيها عام 1506.
- قلعة القيصر
تعتبر قلعة القيصر (Kaiserburg)، من المعالم السياحية الرائعة في نورمبرغ، وهي تتألف من ثلاث قلاع تشكل حصنا يقع على قمة تلّة في وسط المدينة، وتتمتع بإطلالة رائعة عليها. وللأسف فإنّ الزائر لا يستطيع رؤية كل ما فيها من الداخل، باستثناء البئر والبرج.
- المتاحف
لعشاق التاريخ والفن والأدب، قسط وافر من المتاحف. لعلّ من أشهرها متحف محاكمات نورمبرغ الذي لا يزال يحتفظ بالكثير من الوثائق التاريخية من صحف وصور وتسجيلات صوتية وبصرية للحرص آنذاك على التوثيق الدقيق لكل تفاصيل هذه المحاكمة التي حضرها عدد كبير من مشاهير العالم ومن كتاب وصحافيين وسياسيين.
وعلى من يرغب في زيارة المتحف التأكد مسبقاً من الأوقات التي تفتح فيها القاعة رقم 600 أبوابها أمام العامة.
ويضاهيه شهرة «المتحف العالمي الشهير»، وهو من أكبر متاحف الفن الألماني، وواحد من المؤسسات الثقافية الرائدة في العالم. يحتضن أول كرة أرضية وضعها مارتين بهايم، وأول ساعة جيب من صنع الفنان بيتر هنلاين. بالإضافة إلى معروضات أخرى تتنوّع بين الأزياء الريفية التي تعود إلى حقبات ألمانية قديمة.
كما يمكن للزائر التعرف على بيت الرسام ألبرخت دورر، للتعرف عن قرب على جوانب حياة الفنان وأعماله.
- رقي الضيافة
يتوافد نحو مليوني سائح كل عام إلى نورمبرغ، وهي من المدن الأولى في حسن الضيافة والسياحة على لائحة التصنيف بألمانيا. وباتت المدينة وجهة جذب للسياح القادمين من الدول العربية. تتميّز المدينة بسهولة الوصول إلى كل ما تحتضنه من معالم أثرية ومتاحف ومطاعم وأماكن التسوق في البلدة القديمة، مشياً على الأقدام.
ومن السياحة التاريخية الشاهدة على عظمة المدينة، ينتقل الزائر للتعرّف على ما يرضي أطفاله، فمن منهم لا يرغب في زيارة حديقة الحيوانات؟
في نورمبرغ، حديقة تيرغارتن التي تعدّ واحدة من أروع الحدائق في أوروبا، التي تضمّ أنواعاً مختلفة من الحيوانات تعيش داخل الغابة، وما فيها من جمال طبيعي وخضرة وزهور وبرك مائية. وفي هذه الحديقة توجد بركة سباحة الدلافين (دلفين لاغونه) الوحيدة في جنوب ألمانيا، حيث تسبح الدلافين في الهواء الطلق.


مقالات ذات صلة

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)
سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.