عبد المقصود خوجه: ماذا تفعل الثقافة إزاء مجتمع يعشق الفن والرياضة؟

مؤسس «الاثنينية» يأمل احتضانها من الجامعة العربية بعيدا عن السياسة والطائفية والعنصرية

مؤسس الاثنينية (يمين) مع وزير الثقافة والإعلام  د. عبد المقصود خوجه
مؤسس الاثنينية (يمين) مع وزير الثقافة والإعلام د. عبد المقصود خوجه
TT

عبد المقصود خوجه: ماذا تفعل الثقافة إزاء مجتمع يعشق الفن والرياضة؟

مؤسس الاثنينية (يمين) مع وزير الثقافة والإعلام  د. عبد المقصود خوجه
مؤسس الاثنينية (يمين) مع وزير الثقافة والإعلام د. عبد المقصود خوجه

عند الثامنة من مساء الاثنين، في موسم ثقافي يتكرر كل عام، تصل الشخصية المكرمة لدارة الوجيه المكي الذي امتزج بالثقافة وحمل همّها؛ الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه بحي الروضة في جدة غرب السعودية، تستقبلها نخبة من أهل العلم والأدب والمجتمع في مجلس فسيح، قبل أن ينتقلوا عند التاسعة مساء، مسافة خطوات، إلى المنصة الرئيسة في ساحة تلتحف السماء مطلة على حديقة خضراء. يجلس المحتفى به على صدر المنصة وعن شماله خوجه وخلفهما لوحة الإهداء، مصنوعة من قماشة سوداء من الصوف الفاخر مشابهة لكسوة الكعبة ومطرزة بالقصب المذهب بعبارة «الحمد لله رب العالمين»، عليها اسم الضيف والمضيف.
ينظر خوجه أمامه في الطاولات المستديرة المصطفة تباعا أمام المنصة فلا يجد ذلك الجمهور الغفير الذي يتمناه، ما دفعه إلى وصف مرّ «نجد أنفسنا مهزومين خاصة عندما يأتينا الضيف من خارج الحدود ويرى أمامه حضورا باهتا» ثم يضيف مفسرا «ماذا تفعل (الاثنينية) والمنتديات والأندية الثقافية عموما إزاء مجتمع يعشق معظمه الفن والرياضة!»، ويأمل خوجه، كما يقول في هذا الحوار معه، في «غرس (الاثنينية) في مختلف الدول العربية تحت مظلة الجامعة العربية وتوأمتها مع نظيراتها أو إنشاء وحدات مستقلة في كل بلد تعمل على ذات النهج في إطار التكريم والاحتفاء والتوثيق الأدبي والثقافي والفكري، بعيدا عن السياسة والخلافات الدينية والمذهبية أو العنصرية أو تصفية الحسابات بين التيارات المختلفة». هنا نص الحوار:

* هل تشعر أنكم حققتم في «الاثنينية» ما تتمنون؟
- لا ندعي أننا وصلنا بـ«الاثنينية» إلى ما تصبو إليه من طموحات، إلا أن ما يقلقنا إحجام بعض الأوساط الثقافية عن حضور فعالياتها، فنجد أنفسنا مهزومين خاصة عندما يأتينا الضيف من خارج الحدود ويرى أمامه حضورا باهتا، بالإضافة إلى أن الإعلام لم يقم بدوره تجاهها كما هو مأمول منه، باستثناء بعض الصحف، رغم تواصلنا المكثف مع جميع ألوان الطيف الثقافي والأدبي عبر مختلف وسائط الاتصال الحديثة المتنوعة.
* بماذا تفسر «الإحجام» الإعلامي والثقافي، كما وصفته؟
- ماذا تفعل «الاثنينية» والمنتديات والأندية الثقافية عموما إزاء مجتمع يعشق معظمه الفن والرياضة! وتفرد الصحافة المحلية صفحات مقدرة، وتحجب فعاليات ثقافية مميزة، أو تنشرها على استحياء لرفع العتب أحيانا رغم أنها شرفت بتكريم الكثير من المبدعين في مختلف مجالات العطاء الإنساني داخل المملكة وخارجها!
* هل تنوي «الاثنينية» الامتداد إلى دول عربية كمحاولة لزيادة الانتشار؟
- وددت غرس «الاثنينية» في مختلف الدول العربية تحت مظلة الجامعة العربية بدعم ومؤازرة وزيارات متبادلة في البدء، ثم توأمة «الاثنينية» مع نظيراتها أو إنشاء وحدات مستقلة في كل بلد تعمل على ذات النهج في إطار التكريم والاحتفاء والتوثيق الأدبي والثقافي والفكري، بعيدا عن السياسة والخلافات الدينية والمذهبية أو العنصرية أو تصفية الحسابات بين التيارات المختلفة، ومن ثم نترك لمثقفيها إدارتها وتحريك فعالياتها وفق مرئياتهم ومكوناتهم الثقافية وعاداتهم وتقاليدهم، وبطبيعة الحال نسعى قدر الإمكان بمدهم بخبراتنا التراكمية وشيء من الدعم الأساسي، إلا أننا لا نزال نصطدم بكثير من العوائق التي تحتاج إلى تذليل، وبعزيمة كثير من الإخوان أعتقد سنتمكن من النجاح ولكن الدرب طويل.
* بتنا نلاحظ أخيرا انفتاح «الاثنينية» على تكريم شخصيات من خارج السعودية، هل هي استراتيجية جديدة؟
- هي ذات الاستراتيجية منذ اثنين وثلاثين عاما في تكريم المبدعين الذين بلغ عددهم حتى اليوم 483 شخصية محلية وإقليمية وعالمية منذ تأسيسها عام 1982. ففي العام 1985 كرمت «الاثنينية» زكي قنصل من الأرجنتين، ومن الهند الشيخ أبو الحسن الندوي، وفي 1988 الشيخ أحمد ديدات من جنوب أفريقيا، ووصلت شرقا حتى روسيا بتكريمها ألكسي فاسيليف في 2005. وأوليق بريسيسلين في 2008، والسفير بنيامين بوبوف في 2010. هذا على سبيل المثال لا الحصر.
* الاستمرار في ذلك يقتضي نوعا من «المأسسة»، ما هي الخطوات التي اتخذتموها للحفاظ على استمراريتها ثقافيا وماديا؟
- صحيح، وإيمانا منا بأن المنظومة المؤسساتية باتت من الضروريات لضمان الاستمرارية فقد سعيت منذ وقت مبكر للخروج بها من عباءة العمل الفردي إلى آفاق العمل المؤسسي في عالم اليوم الذي يعيش ثقافة المؤسسات التي تقدم الطرح المستدام وتضمن تواصل المسيرة. وللأسف لم أتمكن إلا من تشكيل مجلس رعاة ضم كوكبة من أصحاب الفضل توزعت مسؤولياتهم بين التخطيط قصير المدى وبعيد المدى، وخطت خطوات واسعة في هذا المجال، إلا أنها اصطدمت بعوائق لا بد من تذليلها والعمل عليها. ويتكون المجلس من الدكاترة: عبد الوهاب أبو سليمان، ومحمد عبده يماني، ومدني علاقي، ومحمود سفر، ورضا عبيد، وسهيل قاضي، وناصر الصالح، وعبد الله مناع، وعبد المحسن القحطاني، والأساتذة عبد الفتاح أبو مدين وأنور عشقي، ومحمد سعيد طيب.
* نشرتم الكثير من كتب الرواد.. ما هي الصعوبات التي تواجهها «الاثنينية» للحصول على النسخ القديمة أو موافقة أصحاب الحقوق؟
- استطاعت «الاثنينية» التغلب على كثير من الصعوبات والتحديات التي واجهتها، منها عدم تعاون بعض أبناء الأدباء، أو ضياع الإرث الثقافي الإبداعي بسبب عدم الاهتمام بقيمته العلمية، وأحيانا يصل الأمر ببعض الأبناء ببيع المكتبات الخاصة بآبائهم بثمن بخس! وبإصرارنا على النجاح، استطعنا التغلب عليها بالتواصل المستمر والإلحاح، لأن هدف «الاثنينية» جمع وتوثيق الأعمال الأدبية للرعيل الأول من الأدباء السعوديين الذين تناثرت أعمالهم مما صعب على المهتمين والباحثين الحصول عليها، وهو هاجس ظللنا نعاني منه بشدة ولكن كان التوفيق يحالفنا لأننا لا نبتغي من وراء ذلك منفعة مادية أو معنوية.
* لماذا لا يكون هناك توأمة بين «الاثنينية» ودور نشر محلية أو عربية تشرف على توزيع هذه الإصدارات؟
- من الأركان الثابتة التي قامت عليها «الاثنينية» أن إصداراتها غير مخصصة للبيع إنما تهدى مجانا «من الباب للباب» لكثير من المهتمين بها داخليا وخارجيا وعلى نطاق واسع. وبالتجربة فإن قنوات التوزيع المباشرة الملحقة بجهاز «الاثنينية» تظل أفضل طريقة لإيصال الإصدارات للمهتمين بها.
* ولكن ألا ترى أن التوزيع المجاني لإصدارات «الاثنينية»، يقلل من قيمتها؟
- أعتقد أن القارئ الحصيف لا يفرق بين كتاب مجاني وآخر، وتبقى الفائدة الثقافية سيدة الموقف، كما أن توزيع إصداراتها مجانا فيه تيسير وتبسيط للباحثين والدارسين الذين كثيرا ما يلجأون لـ«الاثنينية» لتزويدهم بالأعمال الكاملة للرعيل الأول.
* اعتادت «الاثنينية» تكريم الأدباء والشخصيات العامة البارزة، البعض يطالب أيضا بتكريم المنجز الثقافي ممثلا في «الكتاب» المهم والذائع؟
- المتتبع لفعاليات «الاثنينية» يجد اهتماما نوعيا بهذا الجانب منذ وقت مبكر وتحديدا منذ العام 1986. حين احتفت بكتاب الدكتور عبد الله الغذامي «الخطيئة والتكفير»، كما احتفت بكتاب الدكتور محمد عبده يماني وقراءة في كتابه «أبو هريرة الصحابي الجليل»، وأخيرا كتاب الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان «باب السلام» وكتاب عبد الفتاح أبو مدين «حياتي في النادي» وكتاب الدكتور عبد الله مناع «بعض الأيام بعض الليالي» وكتاب الدكتور محمود سفر «أحداث سبتمبر» والقائمة تطول.
* وماذا عن الشباب المميز في المجال الثقافي والإبداعي، الذين يمثلون الشريحة الاجتماعية الأعظم من نسبة السكان؟
- لـ«الاثنينية» دورها المؤطر وأهدافها المعلنة. فهي لتكريم العلماء والأدباء والمفكرين والاحتفاء بأعمالهم وإنجازاتهم. لقد سعدنا خلالها بإقامة جسر يربط بين روادها الأفاضل والشباب المتطلعين للاستفادة من خبرات وتجارب الرعيل الأول الذين وهبوا شطرا من حياتهم لخدمة الثقافة والفكر والأدب والعلم، فكم جمع هذا المنتدى الأدبي الثقافي بين قامات سامقات أمثال أساتذتنا الكبار: عبد القدوس الأنصاري، طاهر زمخشري، عبد الله بلخير، محمد حسين زيدان، عزيز ضياء، عبد العزيز الرفاعي، عمر أبو ريشة، أحمد السباعي، أبو تراب الظاهري، وغيرهم من أساطين الكلمة، وما زال التيار قويا لجمع الشباب مع كوكبة من العلماء الأفذاذ الذين أثروا أمسياتنا بكل مفيد في مختلف حقول العطاء والإبداع. وتشجيعا لهؤلاء الشباب فقد كرمت بعضهم مثل الشاب عصام مرزا باعتباره أصغر شاعر عندما كان في المرحلة الثانوية، في العام 1995، والشاب وائل أمان الله لنبوغه في مجال الحاسب الآلي في 2005، وتظل «الاثنينية» على ذات المنهج بتكريم المبدعين بغض النظر عن الجنس واللون والعمر والنوع.

* عبد المقصود خوجه و«الاثنينية»: 32 عاما من العطاء الثقافي
* يطوي عبد المقصود محمد سعيد خوجه 32 عاما من عمر منتدى «الاثنينية» الأدبي الذي ولد على يده في جدة عام 1982، كتقليد استمد جذوره من حفلات التكريم التي كان يقيمها والده محمد سعيد خوجه على ضفاف مواسم الحج لكبار الأدباء والشعراء والعلماء الذين يأتون ضمن وفود بلادهم لأداء مناسك الحج، واستمر حتى اليوم. وبلغ عدد الشخصيات التي كرمتها «الاثنينية» من الجنسين حتى الآن 283 شخصية محلية وإقليمية وعالمية، كما أصدرت 62 عنوانا في 183 مجلدا، جمعت فيها نتاج الرواد من المفكرين والأدباء والشعراء في السعودية.
ولد عبد المقصود خوجه وتلقى تعليمه الأساسي في مكة المكرمة بمدارس الفلاح، ثم أكمل تعليمه بالمعهد العربي الإسلامي بدمشق. عمل بعدها مندوبا من الديوان الملكي إلى المفوضية السعودية ببيروت وبعدها بالمكتب الصحافي بالسفارة السعودية، ثم مديرا للإدارة العامة للصحافة والإذاعة والنشر بجدة قبل تأسيس وزارة الإعلام. استقال من العمل الحكومي عام 1964. واتجه إلى الأعمال الحرة حيث أسس عدة شركات في مجال أعمال البناء والمقاولات والصناعة، جعلته يغدق بسخاء كبير على المنتدى الثلاثيني.
في المقابل حصلت «الاثنينية» على نصيبها من التكريم، سواء على الصعيد الاجتماعي في منتديات ثقافية وأدبية مثل اثنينية الشيخ عثمان الصالح بالرياض، ومنتدى الشيخ علي حسن أبو العلا بمكة المكرمة، ومنتدى بوخمسين في الأحساء. وكذلك على المستوى الرسمي إذ حصلت «الاثنينية» على جائزة مكة للتميز، تسلمها خوجه في 2010 من الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم الحالي أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك، ثم تقليده وسام الثقافة من الدكتور عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام ضمن فعاليات معرض الكتاب بالرياض في 2010.



«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد
TT

«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد

صدرت حديثاً عن «منشورات تكوين» في الكويت متوالية قصصية بعنوان «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد. وتأتي هذه المتوالية بعد عدد من الروايات والمجموعات القصصية، منها: «نميمة مالحة» (قصص)، و«ليس بالضبط كما أريد» (قصص)، و«الأشياء ليست في أماكنها» (رواية)، و«الإشارة برتقاليّة الآن» (قصص)، «التي تعدّ السلالم» (رواية)، «سندريلات في مسقط» (رواية)، «أسامينا» (رواية)، و«لا يُذكَرون في مَجاز» (رواية).

في أجواء المجموعة نقرأ:

لم يكن ثمّة ما يُبهجُ قلبي أكثر من الذهاب إلى المصنع المهجور الذي يتوسطُ حلّتنا. هنالك حيث يمكن للخِرق البالية أن تكون حشوة للدُّمى، ولقطع القماش التي خلّفها الخياط «أريان» أن تكون فساتين، وللفتية المُتسخين بالطين أن يكونوا أمراء.

في المصنع المهجور، ينعدمُ إحساسنا بالزمن تماماً، نذوب، إلا أنّ وصول أسرابٍ من عصافير الدوري بشكلٍ متواترٍ لشجر الغاف المحيط بنا، كان علامة جديرة بالانتباه، إذ سرعان ما يعقبُ عودتها صوتُ جدي وهو يرفع آذان المغرب. تلك العصافير الضئيلة، التي يختلطُ لونها بين البني والأبيض والرمادي، تملأ السماء بشقشقاتها الجنائزية، فتعلنُ انتهاء اليوم من دون مفاوضة، أو مساومة، هكذا تتمكن تلك الأجنحة بالغة الرهافة من جلب الظُلمة البائسة دافعة الشمس إلى أفولٍ حزين.

في أيامٍ كثيرة لم أعد أحصيها، تحتدُّ أمّي ويعلو صوتها الغاضب عندما أتأخر: «الغروبُ علامة كافية للعودة إلى البيت»، فأحبسُ نشيجي تحت بطانيتي البنية وأفكر: «ينبغي قتل كلّ عصافير الدوري بدمٍ بارد».

وهدى حمد كاتبة وروائيّة عُمانيّة، وتعمل حالياً رئيسة تحرير مجلة «نزوى» الثقافية.