تحركات لـ«داعش» لإعادة أكبر عملية انتشار جنوب ليبيا

سيطر على طريق رئيسي يربط بين سرت وسبها

TT

تحركات لـ«داعش» لإعادة أكبر عملية انتشار جنوب ليبيا

يقوم تنظيم داعش بتنفيذ أكبر عملية لإعادة الانتشار في جنوب ليبيا، بعد أن تمكن من السيطرة على طريق رئيسي يربط بين سرت، في شمال البلاد، وسبها في أقصى الجنوب، وفقاً لمصادر في المخابرات العسكرية الليبية. ومرت قوافل لسيارات الدواعش ذات الدفع الرباعي، والمزودة بمدافع عيار 14.5مم و23مم، على قرى «زمزم» و«القداحية» و«بونجيم»، خلال اليومين الماضيين، وهي تثير التراب في الدروب الواقعة شرق طريق فزان الرابط بن شمال البلاد وجنوبها.
وقال المحلل السياسي، شريف الحلوة، الذي كان في زيارة أخيراً لعدة مدن ليبية، إن تحركات داعش الجديدة في ليبيا تأتي بالتزامن مع انسحاب عناصر من التنظيم من العراق وسوريا، في طريقها إلى الجنوب الليبي من عدة منافذ. وعبَّر عن خشيته، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، من أن تتخذ دول غربية من نشاط داعش في الجنوب ذريعة للتدخل في هذه المنطقة الغنية بالنفط واليورانيوم.
ومن بعيد يمكن أن ترى المجاميع الداعشية وقد أعادت تشكيل نفسها في قوافل صغيرة من سيارات الدفع الرباعي، كل قافلة تتكون من خمس إلى سبع سيارات، وفي كل سيارة ما لا يقل عن خمسة عناصر. وتتحرك عناصر التنظيم على الحواف الهشة والشاسعة التي تفصل بين قوات أكبر خصمين في ليبيا، وهما قوات «البنيان المرصوص» برئاسة فايز السراج، وقوات «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقال المستشار صلاح الدين عبد الكريم، مسؤول العلاقات الخارجية في المنظمة السياسية الليبية لـ«الشرق الأوسط»: «نعم... لقد وصلتا تقارير عن تحركات داعش في الجنوب. هذا أمر خطير». ووفقاً لشهادات من سكان محليين وقادة قبليين، فقد وصلت عناصر داعش، في قوافل السيارات، إلى مخازن الجيش الخاصة بعهد معمر القذافي قرب منطقة الجفرة في وسط الصحراء الليبية، ومن بينها مخزن «الرواغة» الشهير الذي كان يخص، فيما مضى، ترسانة الأسلحة الكيماوية الليبية.
وقال الدكتور محمد الزبيدي، المسؤول السابق في مؤتمر القبائل الليبية لـ«الشرق الأوسط»: مخازن الأسلحة الكيماوية تعرضت للقصف من حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 2011، إلا أن الدمار لحق فقط بأبواب المخازن لأن باقي جسم المخزن عبارة عن مغارة داخل الجبل. وأضاف: «لا أحد يعلم ما إذا كانت تلك المغارات ما زالت تحتوي على مواد كيماوية من عدمه. لكن لدينا تأكيدا بأن داعش وصل إلى هناك».
ولا يقتصر جمع المعلومات في الجنوب الليبي على داعش فقط، بل يشمل الأمر - لدى قيادات في الجيش الليبي - على رصد لتحركات عسكرية برية وجوية لدولتين أوروبيتين على الأقل. وقال مصدر في الجيش: إيطاليا تسعى لإدخال قوات لمعاونة قبائل الجنوب الليبي في التصدي للهجرة غير الشرعية التي تفد من أفريقيا، وفرنسا لديها قوات قرب منطقة تيبستي على الحدود التشادية الليبية، وهذه القوات تراقب نشاط المتطرفين، لكنها لم تتدخل حتى الآن. نأمل أن يكون هناك تنسيق، مع السلطات الشرعية، لقطع الطريق على داعش.
وبينما تتحدث عدة دول غربية عن ضرورة إدخال تعديلات على اتفاق الصخيرات الذي جاء بموجبه المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، برئاسة السراج، تبدو قوات «البنيان المرصوص»، التي سبق وطردت داعش من مركز التنظيم في مدينة سرت، مشتتة أكثر من أي وقت مضى، لأسباب تتعلق بضعف حكومة السراج، وبدخول قوى إقليمية لاستقطاب ضباط في البيان المرصوص لتوجهاتها، حيث تقوم جهات أمنية في مدينة مصراتة، التي ينتمي إليها غالبية قادة البنيان المرصوص، بالتحقيق في تهم تتعلق بتهريب عناصر من «داعش سرت»، من سجون مصراتة.
وقال المستشار عبد الكريم: نحن لدينا معلومات عن قيام جهات في مصراتة بإطلاق سراح قيادات من داعش كانت قيد الاحتجاز في سجون في مصراتة بعد القبض عليها في حرب سرت. المعلومات تقول إن قيادات الدواعش التي خرجت من السجون، أخيراً، تشارك في خطة إعادة انتشار عناصر التنظيم من جنوب سرت، وحتى منطقة أوباري، في أقصى الجنوب الليبي، بعمق في الصحراء يصل إلى نحو 700 كيلومتر.
وعقب زيارته لليبيا، يقول الحلوة، وهو أميركي من أصل مصري، ومعني بقضايا منطقة الشرق الأوسط، إنه كلما طال أمد وجود داعش في ليبيا، كان هناك مبرر من جانب دول غربية للتدخل في الملف الليبي، مشيراً إلى عقد أطراف أوروبية لاجتماعات غير معلنة في إحدى دول الجوار الليبي، يوم الخميس الماضي، حول هذه القضية.
وبسبب الفوضى الأمنية في ليبيا والمخاوف من استمرار خطر داعش، لا يوجد اتفاق غربي بشكل عام حول قدرة البلاد على إجراء انتخابات عامة أو انتخاب رئيس للدولة في الأفق المنظور، رغم أن معظم اللقاءات بما فيها تلك التي شاركت فيها الولايات المتحدة الأميركية في لندن أخيرا، ترى أن الحل يكمن في إجراء انتخابات وإيجاد سلطة موحدة في هذا البلد الغني بالنفط.
ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، من مصادر أمنية، عن تحركات داعش الجديدة في ليبيا، فإن نشاط التنظيم ظهر في جنوب سرت وفي جنوب شرقي مدينة بني وليد، وفي نطاق منطقة القلعة، وفي اتجاه قرى «زمزم» و«القداحية» و«بونجيم»، ثم تتجه إلى الجنوب الشرقي في محيط مدينة الكُفرة، وإلى الجنوب في نطاق مدينة سبها.
وتقع القرى الثلاث المشار إليها، وهي بعيدة عن بعضها بعضا بعشرات الكيلومترات، بمحاذاة طريق «أبو قرين - الجفرة» المؤدي إلى عمق إقليم فزان في الجنوب. وأقام الدواعش على هذه الطريق بوابات استيقاف، بحثاً عن عناصر من الجيش والشرطة، أو متعاونين معهما، أو من القيادات المناوئة لوجود التنظيم في المنطقة التي تبعد عن مدينة بني وليد بنحو 170 كيلومترا. وقال مسؤول محلي هنا: سبق للدواعش اختطاف نائب رئيس مفوضية الانتخابات، في هذا المكان نفسه. ومنذ عدة أيام ألقوا القبض على شخص يعمل في الجيش.
وكل من هو قادم من العاصمة طرابلس أو مصراتة، أو سرت، ويريد أن يعبر إلى سبها أو الجفرة، لا بد أن يمر من طريق فزان الذي يعرف أيضا باسم «طريق أبو قرين»، وهو يختلف عن الطريق الذي يمر من طرابلس إلى سبها، عبر غريان، غربا. وحتى وقت قريب كان طريق «فزان» أو «أبو قرين» هو الأكثر أمانا، للمسافرين إلى الجنوب. ونفذ داعش مذبحة قرب هذا الطريق، قبل شهر، وذلك في بوابة الفقهاء التابعة للجيش هناك. ويتميز الجنوب الليبي بالفراغ السكاني وصعوبة التضاريس، وتكثر فيه الدروب الوعرة. وبالإضافة إلى شرق البلاد، تتمركز قوات المشير حفتر في مدن رئيسية في الجنوب الليبي، منها «ودان» و«هون» و«سوكنة» و«الشويرف» و«الشاطي»، وحتى مشارف «سبها»، بينما تحتفظ قوات السراج بنقاط في سرت وفي بوابة أبو قرين، إلى جانب طرابلس.
وتعد أكبر مشكلة هي غياب أي تنسيق بين قوات «البنيان المرصوص» و«الجيش الوطني». وتصل العلاقة بينهما إلى حالة العداء. ويقول الدكتور الزبيدي: إذا اتجه الجيش شمالا، أي ناحية سرت، فإنه سيتعرض لهجوم من «البنيان المرصوص».
ويضيف: طالما أن الجيش لم يستول على سرت فلا يستطيع أن يستولي على باقي المناطق التي ينشط فيها الدواعش. و«بالتالي... الجيش واقع بين مطرقة داعش وسندان البنيان المرصوص».
وعما إذا كان يعتقد أنه ما زال يوجد داخل مخازن «الرواغة» أسلحة، بما فيه الأسلحة الكيماوية، قال الزبيدي إن «هذه مخازن محفورة في الجبل. وقصف الناتو لها في 2011 أصاب أبوابها ومداخلها فقط، وبالتالي فإن احتمال وجود أسلحة كيماوية فيها احتمال وارد. والمخازن كلها ما زالت تحت تلك الجبال».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).