سيرة الحب المدمر بين الشاعرين الزوجين سيلفيا بلاث وتيد هيوز

الروائية الهولندية كوني بالمن في روايتها «هي قالت»

تيد هيوز - سيلفيا بلاث
تيد هيوز - سيلفيا بلاث
TT

سيرة الحب المدمر بين الشاعرين الزوجين سيلفيا بلاث وتيد هيوز

تيد هيوز - سيلفيا بلاث
تيد هيوز - سيلفيا بلاث

بعض الروايات تدخل تاريخ الأدب من باب الجسارة: «عشيق الليدي شاترلي»، «الشيطان يزور موسكو»، «أولاد حارتنا»، وعدد غير قليل من الروايات في مختلف الثقافات، بعضها تكون الجسارة مدخلها الوحيد، والبعض تتوفر له مداخل أخرى، كأدبية النص وقيمته المعرفية، لكن تبقى الجسارة المدخل الأكثر شهرة لدى رواد حديقة الأدب.
والجسارة هي بالتأكيد الصفة التي ستلازم رواية «أنت قلت» للهولندية كوني بالمن، التي ترجمتها لمياء المقدم، وصدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، في إطار سلسلة الجوائز. لا تنبع جسارة «أنت قلت»، بالأحرى جسارة كاتبتها، من تحدي المحرم الجنسي أو الديني أو السياسي، لكنها تنبع من تحدي المستقر حول سيرة الشاعرين الزوجين الإنجليزي تيد هيوز والأميركية سيلفيا بلاث، التي صارت أيقونة أدبية منذ انتحارها بالغاز في 11 فبراير (شباط) عام 1963، أسطورة براءة لا تقل سطوتها عن سطوة أسطورة الأميرة ديانا، مع فارق حجم ونوعية الجمهور المهتم بإحداهما.

أمير الشعر العاشق

تيد هيوز، على نحو ما، هو الأمير تشارلز، عاش بعد رحيل زوجته، واستكمل سيرة الحب التي بدأها مع امرأة أخرى، على حياة عين الزوجة. وبينما تستطيع قلة أن تجهر بالاتهام في وجه وريث العرش البريطاني، كان بوسع كل المتطفلين على حياة الزوجين الأدبيين أن يطلقوا الاتهام بالقتل في وجه شاعر، حتى لو توجت حياته بمنصب شاعر البلاط الإنجليزي.
شعراء التقوا بالزوجين في سهرة واحدة، محررو صحف أدبية أجروا مقابلة مع أحدهما ولمحوا الآخر خطفاً على عتبة البيت أباحوا لأنفسهم تأليف الكتب التي بدأ بعضها يستنسخ من البعض الآخر صورة الملاك للشاعرة والجلاد للشاعر، وظل هيوز ملتزماً الصمت حتى وفاته في 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1998؛ صمت منيع لا يمكن أن يبرره إلا الوقوف في مكانين على طرفي نقيض: إما إحساس فظيع بالذنب يجعله راضياً بتلقي الجلد كتطهير للذات، أو إحساس شديد بظلم لا يستطيع له رداً.
ولا بد أنه مات متأكداً من أن القضية الأخلاقية في قصته لن تحسم لوقت طويل، هو نفسه ترك مراسلات ووثائق، بعضها كشف عنه والبعض لم يزل مغلقاً، ولن يُفتح قبل 2023، حسب وصيته، وكأنه استعذب لعبة التشويق!
في تذييل الرواية، تصرح الكاتبة بأنها اعتمدت بشكل أساسي على «قصائد عيد الميلاد» الثماني والثمانين، التي نشرها هيوز قبل وفاته، وكذلك مجموعاته الشعرية الأخرى، والمتاح من أرشيفه منذ عام 2000 في جامعة إيموري بأتلانتا، والمقدمات والتعليقات التي كتبها الشاعر على أعمال بلاث، وكثير من الأعمال الأخرى، منوهة بأنه لا توجد لحياة هيوز إلا سيرة واحدة، كتبتها أيلينا فاينستاين، ونشرت عام 2001.

جسارة ثلاثية الأبعاد

أقحمت كوني بالمن نفسها في قضية تخص أبناء الثقافة الأنجلو أميركية، وتحدت نوعها، إذ أعارت صوتها لرجل، ضاربة عرض الحائط بجهود الحركة النسوية المستريحة لصورة الملاك التي منحت لسيلفيا. وهي ليست بصدد تحدي الواقع، بل شيء أكثر رسوخاً وعناداً: كتابة أخرى.
من السهل على القارئ التخلي عن الواقع لصالح الخيال، يفعل ذلك تلقائياً وبأريحية شديدة، فمنذ اللحظة التي يقرر فيها شراء الكتاب، يكون قد وقع عقداً مع المؤلف على التنازل عن الواقع والقبول بلعبة الخيال. وفي موضوع الرواية «الغرام المدمر بين تيد هيوز وسيلفيا بلاث»، لا يوجد واقع ليتخلى عنه القارئ، ما لديه هو كتابات أخرى ومخيلات أخرى رسخت الصورة التي تريدها.
لهذا اختارت بالمن هذا المفتتح للرواية على لسان هيوز: «بالنسبة للكثيرين، نحن غير موجودين إلا في الكتب، أنا وزوجتي. تابعت على مدى الأعوام الخمسة والثلاثين الأخيرة، بكثير من العجز والاستنكار، كيف تعفنت حياتها وحياتي تحت طبقة من المغالطات والشائعات والقصص الملفقة، والشهادات الكاذبة والأساطير (...) رأيت كيف تم تحوير شخصيتينا المركبتين إلى شخصيتين عاديتين، بملامح باهتة وبسيطة صُنعت خصيصاً لإرضاء نوع من القراء الطامحين للإثارة: هي المقدسة الهشة، وأنا الخائن القبيح».
هذا الاستهلال، فيما أظن، هو من أجمل الاستهلالات الروائية، ولا يمكن تصور استهلال بديل. وضع هذا المفتتح كل السرديات السابقة حول الموضوع بين قوسين، فكل ما كتب من قبل ليس الحقيقة: «ولم أتعرض للظلم وحدي، بل كلانا»!

امرأة تحمل موتها

من خلال ضمير المتكلم، لم تعد بالمن سوى ملقن في المسرح، تضع على لسان هيوز كل ما تصورت أنه كان يجب أن يقوله منذ زمن، عن امرأة عضته في أول لقاء بينهما بدل أن تقبِّله «من يبدأ حباً كهذا، يعرف أنه في قلب هذا الحب يختبئ العنف والدمار، وفي النهاية يختبئ الموت. من البداية، كان أحدنا قد انتهى: أنا أو هي».
ترسم بالمن حياة للزوجين خلال سبعة أعوام من الغرام والزواج، لتجعلنا نقتنع في النهاية أن موت سيلفيا بلاث كان يكمن داخلها، وليس بداخل الحب، فتقلباتها لم تكن دائماً بسبب الغيرة أو بسبب دنجوانية هيوز التي لم تبرئه كوني منها. فأحياناً ما كان يترك سيلفيا بخير حال، ويعود فيجدها قد مزقت قصائده الجديدة، وجهد عدة أشهر قضاها في كتابة دراما إذاعية، حيث كانت الـ«بي بي سي» أهم مصادر دخله.
لم تكن تقلباتها بعيدة عن رواسب طفولتها، من أب متخلٍ وأم مسيطرة، وكذلك من إحساسها بأنها لم تهتد بعد إلى صوتها الشعري، في حين كان تيد هيوز قد رُسِّم شاعراً كبيراً. كانت قلقة على خصوبتها كشاعرة، وعلى خصوبتها كأم، قلقة من خيانات هيوز، وقلقة من شبح والديها وأشباح النساء الأخريات، ومن اللاشيء، ولم يكن بوسعه أن يعمل معالجاً نفسياً طول الوقت، بل وجد نفسه ينهار شيئاً فشيئاً، وصار يتمنى انتهاء ذلك الكابوس، وأن تعود إليه روحه.
اكتشف في النهاية أنه يحاول عبثاً سحب جثة مشبعة بالماء، وعليه أن يتخذ القرار الصواب: هل يغرق مع الميتة أم ينجو بنفسه، من أجل حياته وشعره، ومن أجل الطفلين فريدا ونيكولاس، اللذين وضعتهما في الطابق الثاني من البيت، مع كوبي حليب، ثم أحكمت عليهما منافذ الغرفة حتى لا يتسرب إليهما الغاز من أسفل، لتتركهما مع تيد الذي وجد نفسه رهينة داخل أسطورتها «مسجوناً ومقيداً في ضريح، حيث يتوافد الزائرون لمشاهدة الآثار المتبقية من زواج تراجيدي».

الإتقان كتابة وترجمة

يبدو أن بالمن قد كسبت الرهان، فلم تصبح مجرد متطفلة جديدة على البورتريه المزدوج للشاعر والشاعرة، لم تثبت جدارتها من خلال الجسارة فحسب، بل بروح الإتقان التي تبدو جلية في الرواية. لديها مهارة محلل نفسي للشخصيتين، ومعرفة عميقة بآراء هيوز في الشعر والحياة، بحيث أقنعت القارئ بأن هيوز هو الذي يروي، بالإضافة إلى روح فلسفية تسكن النص، مثل كثير من الأفلام والروايات التي تأتي من شمال أوروبا المرفه، حيث تكاد الوقائع اليومية تفقد قدرتها على الإدهاش، فلا يجد السرد أمامه إلا التأمل العميق من أجل تعويض خفة الواقع.
تكاد «أنت قلت» تذكرنا برواية «زيارة طبيب صاحب الجلالة»، للسويدي بير أولف إينكويست، من حيث وجود ذلك الحب المدمر، ومن حيث العمق الفلسفي والنفسي. وإذا كانت الشاعرة التونسية لمياء المقدم قد عرَّفت القارئ العربي بهذه الموهبة الهولندية، فقد عرَّفت نفسها في الآن نفسه بوصفها مترجمة استطاعت أن توهم قارئها بأنها عثرت على النص، مكتوباً هكذا بالعربية، لتنضم إلى عدد من المترجمين الشباب في مختلف البلدان العربية، يثبتون خطأ عبادة السلف الصالح في الثقافة، حيث تسري روح هدامة وزائفة تدعي أن الجميل كان في ماض ذهبي ليس لنا إلا أن نتحسر عليه!



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».