استفزازات بيونغ يانغ للإجماع الدولي مستمرة

مسلسل استفزازات كوريا الشمالية للإجماع الدولي تجدد أمس بإطلاقها صاروخا باليستيا آخر مر على ارتفاع 770 كيلومترا من فوق أرخبيل الجزر اليابانية والذي جاء بعد يوم من تهديد بيونغ يانغ «بإغراق» اليابان وتحويل الولايات المتحدة إلى «رماد وظلام» لدعمهما أحدث قرار لمجلس الأمن بشأن العقوبات ضدها. وجرى اطلاع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على إطلاق الصاروخ. وكان ترمب قد تعهد بعدم السماح لبيونغ يانغ بتهديد بلاده أبدا بصاروخ نووي، لكنه طلب أيضا من الصين بذل المزيد لكبح جماح جارتها. وتؤيد الصين بدورها ردا دوليا على المشكلة.
وبعد القليل من الإطلاق ذكر الجيش الأميركي أنه رصد إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى لكنه لم يشكل تهديدا لأميركا الشمالية أو منطقة غوام الأميركية بالمحيط الهادي التي تقع على بعد 3400 كيلومتر من كوريا الشمالية. وسبق أن هددت بيونغ يانغ بإطلاق صاروخ صوبها. وتتهم كوريا الشمالية الولايات المتحدة، التي لديها 28500 جندي في كوريا الجنوبية، بالتخطيط لغزوها ودأبت على التهديد بتدميرها وحلفائها الآسيويين.

وقال الجيش الكوري الجنوبي إن الصاروخ بلغ ارتفاعا قارب 770 كيلومترا وحلق لنحو 19 دقيقة قاطعا مسافة 3700 كيلومتر تقريبا وهي تكفي للوصول إلى جزيرة غوام، التي تحتوي على أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة خارج البر الأميركي. الصاروخ مر فوق اليابان وسقط في المحيط الهادي على بعد نحو ألفي كيلومتر شرقي جزيرة هوكايدو اليابانية. وعقدت اليابان اجتماعا لمجلسها للأمن القومي. وفي29 أغسطس (آب) أطلقت كوريا الشمالية صاروخا باليستيا متوسط المدى حلق لمسافة 2700 كيلومتر ومر من فوق اليابان أيضا.
وقال اتحاد العلماء الأميركيين في بيان، كما أوردت وكالة رويترز مقتطفات منه: «مدى هذا الاختبار مهم حيث أظهرت كوريا الشمالية أن بوسعها الوصول إلى غوام بهذا الصاروخ». لكن الاتحاد ذكر أن دقة الصاروخ، الذي لا يزال في مرحلة مبكرة من مراحل تطويره، لا تزال منخفضة وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان تدمير قاعدة أندرسن التابعة لسلاح الجو الأميركي في غوام.
وقال رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي للصحافيين في طوكيو: «المجتمع الدولي بحاجة لأن يتحد ويبعث برسالة واضحة إلى كوريا الشمالية مفادها أنها تهدد السلام العالمي بأفعالها». ووصف الإطلاق بأنه «غير مقبول».
وعبرت واشنطن أن التزامها بالدفاع عن حلفائها لا يزال «صلبا». ودعا وزير الخارجية ريكس تيلرسون إلى «إجراءات جديدة» ضد كوريا الشمالية، قائلا إن «هذه الاستفزازات المستمرة لن تؤدي إلا إلى زيادة عزلة كوريا الشمالية الدبلوماسية والاقتصادية». وذهب رئيس كوريا الجنوبية مون جيه - إن إلى ما ذهب إليه تيلرسون وقال إن الحوار مع الشمال مستحيل في هذه المرحلة. وأمر المسؤولين بتحليل عملية الإطلاق والاستعداد لتهديدات جديدة من كوريا الشمالية.
وقال وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس إن الإطلاق «جعل ملايين اليابانيين يلتمسون الحماية من الهجوم»، غير أن السكان في شمال اليابان بدا عليهم الهدوء ومارسوا نشاطهم المعتاد. وصدرت إعلانات تحذيرية بشأن الصاروخ في نحو الساعة السابعة صباحا في أجزاء من شمال اليابان، في حين استقبل مواطنون كثيرون تنبيهات على هواتفهم الجوالة أو شاهدوا تحذيرات على شاشات التلفزيون تحثهم على الاحتماء في أماكن آمنة.
وقالت كوريا الجنوبية إنها هي الأخرى أطلقت صاروخا صوب البحر ليتزامن مع عملية الإطلاق الكورية الشمالية، ودعا القصر الأزرق الرئاسي إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومي.
وبناء على طلب الولايات المتحدة واليابان اجتمع مجلس الأمن الدولي أمس، وذلك بعد أيام قليلة من إقرار المجلس المكون من 15 عضوا بالإجماع تشديد العقوبات على كوريا الشمالية على أثر تجربتها النووية الأخيرة في الثالث من سبتمبر (أيلول). وشملت هذه العقوبات حظرا على صادرات النسيج وواردات النفط الخام. وكان ذلك تاسع قرار بخصوص العقوبات يتبناه المجلس ضد كوريا الشمالية منذ عام 2006.
وأطلقت كوريا الشمالية عشرات الصواريخ في عهد الزعيم الشاب كيم يونغ أون فيما تسرع العمل في برنامجها الذي يستهدف إعطاءها القدرة على استهداف الولايات المتحدة بصاروخ قوي محمل برأس نووي.
من ناحية أخرى أعلن الجنرال جون هايتن رئيس القيادة الاستراتيجية الأميركية يوم الخميس أنه يؤيد فرضية أن كوريا الشمالية أجرت تفجيرا لقنبلة هيدروجينية في الثالث من سبتمبر، وذلك استنادا إلى حجم الانفجار. وقال هايتن لمجموعة صغيرة من المراسلين الصحافيين كانوا يرافقون وزير الدفاع جيم ماتيس في رحلة إلى مقر القيادة الاستراتيجية في نبراسكا: «أفترض أنها كانت قنبلة هيدروجينية. يجب علي أن أفترض هذا بصفتي ضابطا بالجيش». وأضاف: «لست عالما نوويا، لذا لا يمكنني أن أبلغكم كيف تم ذلك وبماهية القنبلة... ولكن يمكنني أن أبلغكم أن حجم التفجير الذي رصدناه ورأيناه يدفعني إلى أن أوضح أنها كانت قنبلة هيدروجينية وعلي أن أقيم مع حلفائنا ما هو الرد المناسب على حدث كهذا».
وقال تيلرسون: «يحب على الصين وروسيا أن توضحا عدم تسامحهما مع عمليات الإطلاق الصاروخي الطائشة هذه باتخاذ إجراءات مباشرة خاصة بهما».
ونفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ أن يكون لدى بكين المفتاح لتخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية، وقالت إن المسؤولية تقع على عاتق الأطراف المعنية بصورة مباشرة. وأضافت: «أي محاولة للانسحاب من القضية ستكون غير مسؤولة ولن تفيد في حلها»، مؤكدة من جديد موقف الصين وهو أن العقوبات لن تكون مؤثرة إلا إذا تزامنت مع محادثات.
كما دانت روسيا «بشدة» الإطلاق الجديد، بحسب ما أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بسكوف. وقال بسكوف: «روسيا تشعر بالقلق العميق إزاء عمليات إطلاق الصواريخ الأخيرة والتي أدت إلى تصعيد التوتر على شبه الجزيرة» مضيفا: «ندين بشدة مواصلة مثل تلك الأعمال الاستفزازية».
والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لا تزالان في حالة حرب من الناحية الفنية مع كوريا الشمالية لأن الصراع الكوري الذي دارت رحاه بين عامي 1950 و1953 انتهى بهدنة وليس باتفاق سلام.