تصويت «تاريخي» بريطاني لطلاق بين لندن وبروكسل

في الوقت الذي وافق فيه معظم نواب مجلس العموم البريطاني، أمس، على احترام «قانون بريكست» في التصويت «التاريخي» حول التشريعات الأوروبية المعمول بها، فإن شكل الطلاق مع بروكسل ما زال غير واضح، وحكومة رئيسة الوزراء تريزا ماي ترزح تحت ضغوط من كل الجهات بعد خسارتها غالبيتها البرلمانية في الانتخابات المبكرة في يونيو (حزيران) الماضي، التي أدت إلى بروز حالة من التململ داخل حزبها، ومطالبتها بالاستقالة، خصوصاً من قبل جناح حزب المحافظين المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وسط تكهنات بشأن ظهور منافسين محتملين لقيادة المحافظين.
وحرصت ماي على جعل مشروع «قانون الإلغاء» محور جدول أعمالها التشريعي للعامين المقبلين، قائلةً إنها سوف «توفر اليقين للأفراد والشركات» خلال عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وحذر محللون من أن ماي قد تواجه تمرداً في المراحل اللاحقة من مشروع قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، المعروف باسم «مشروع الإلغاء الكبير»، من جانب بعض المحافظين المؤيدين للاتحاد الأوروبي في كل من مجلس العموم ومجلس اللوردات، وهو مجلس غير منتخب يمثل الغرفة الأعلى بالبرلمان البريطاني.
وعلى الرغم من تمرير مشروع القرار، فإن المعارضة العمالية حذرت من أن الحكومة قد تسعى من خلال المشروع إلى الحصول على تعديلات مستقبلية للقوانين الأوروبية دون الرجوع للبرلمان. وعلى الرغم من اجتياز القانون اختباره الأول، فقد حذّر بعض النواب المحافظون من حزب ماي من أنهم قد يسعون إلى إجراء تعديلات عليه خلال مرحلة التدقيق في الأسابيع المقبلة، وسط مخاوف من انعكاساته الدستورية.
وسيتم الآن درس مشروع القانون بالتفصيل أمام لجان تابعة لمجلس العموم، حيث يتوقع أن تدور معركة من أجل تعديل النص المثير للجدل بسبب الصلاحيات الكبيرة التي يمنحها للسلطة التنفيذية.
النواب البريطانيون في مجلس العموم (الغرفة السفلى في البرلمان) صوتوا مساء الاثنين / صباح الثلاثاء، بعد 13 ساعة من المداولات، لصالح مشروع قانون ينهي عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهي لحظة حاسمة لاستراتيجية «بريكست» الحكومية، على الرغم من اتهامات المعارضة للحكومة باحتكار السلطة بشكل غير مسبوق.
ويعود الفضل في انتصار حكومة تريزا ماي في تصويت الثلاثاء إلى تحالفها مع الحزب الوحدوي الديمقراطي الآيرلندي الشمالي. وقد وصفت ماي النتيجة بأنها «قرار تاريخي (...) يعطي اليقين والوضوح قبل انسحابنا من الاتحاد الأوروبي».
وأيد القانون 326 نائباً مقابل 290، ويهدف إلى إبطال قانون عام 1972 الذي انضمت بريطانيا بموجبه إلى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تحويل 12 ألف تشريع أوروبي موجود حالياً إلى التشريعات البريطانية.
ويعد إقرار هذا القانون خطوة مهمة على طريق تنفيذ بنود الاستفتاء التاريخي الذي جرى العام الماضي للخروج من الاتحاد الأوروبي، بعد إبلاغ رئيسة الوزراء تيريزا ماي بروكسل رسمياً بانسحاب بريطانيا في مارس (آذار) الماضي، عندما قررت تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، آلية خروج الأعضاء من التكتل الأوروبي.
وقالت ماي، في بيان: «على الرغم من أن هناك الكثير الذي يجب علينا فعله، فإن هذا القرار يعني أنه بات بإمكاننا التقدم بالمفاوضات على أسس صلبة، ونحن مستمرون بتشجيع النواب من كل أنحاء بريطانيا على العمل معاً لدعم هذه التشريع الحيوي».
حزب العمال المعارض أعرب عن اعتراضه على القانون، بحجة أن بنوده لتسهيل نقل قوانين الاتحاد الأوروبي إلى التشريعات البريطانية تمثل توسعاً غير مقبول للسلطة التنفيذية. فالكثير من القوانين الأوروبية قد تحتاج إلى تعديل خلال نقلها، والقانون يقترح الاستخدام الواسع «لسلطات هنري الثامن» الموجودة، التي تسمح للوزراء بتعديل تشريعات دون تدقيق برلماني كامل. والنائب العمالي كريس براينت قال إن مثل هذه السلطات قد تقود إلى «دوامة خطيرة من الحكم الاستبدادي». وخالف 7 نواب من حزب العمال خط الحزب الذي ينتمون إليه، ودعموا قانون «بريكست»، احتراماً للعملية الديمقراطية التي تمثلت في استفتاء يونيو 2016.
أعضاء مجلس العموم ناقشوا خطة رئيسة الوزراء تيريزا ماي لإلغاء قوانين الاتحاد الأوروبي، ودمجها في القانون البريطاني، وذلك قبل التصويت على مشروع قانون الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي من المتوقع فوز ماي به، ولكن من المرجح أن تكون هناك معارضة أقوى في سلسلة عمليات تصويت أخرى خلال الأسابيع المقبلة.
وقبل التصويت، قال الوزير المكلف بملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ديفيد ديفيس، للنواب إن الشعب «لم يصوت للفوضى» في الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العام الماضي، وأضاف أن «التصويت ضد مشروع القانون هو تصويت لخروج فوضوي من الاتحاد الأوروبي»، وشدد على أن «توفير اليقين، وتحقيق الاستقرار في المرحلة التي تسبق عملية الانسحاب، يمثلان أولوية رئيسية».
وقال زعيم حزب العمال البريطاني، جيرمي كوربين، الذي يرأس أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، إن نواب الحزب (في البرلمان) سوف يصوتون ضد مشروع قرار المحافظين غير الديمقراطي للاستيلاء على السلطة، الذي يهدد الحقوق وكفالتها. وتعزيزاً لموقف ماي، قال بعض نواب حزب العمال، خلال المناقشة، إنهم يعتزمون تحدي كوربين من خلال تأييد مشروع القانون، أو الامتناع عن التصويت. وقال كيفين بارون، أحد أعضاء البرلمان عن حزب العمال، على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «سوف أمتنع عن التصويت على مشروع قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي لأن التصويت ضده سيكون مناقضاً للوعود التي تم انتخابي على أساسها قبل بضعة أشهر».
وقالت كارولين فلينت، أحد أعضاء البرلمان عن حزب العمال الوزيرة السابقة لشؤون أوروبا، خلال المناقشة، إن مشروع القانون «ليس مثيراً للجدل»، وحثت حزبها على تعديله، بدلاً من «قتل مشروع القانون في المرحلة الأولى»، وأضافت: «إذا قبلتم بصدق قرار الاستفتاء (الخروج من الاتحاد الأوروبي)، فإنكم ملتزمون أخلاقياً برؤية تمريره».