الأندلس في أعين أدباء الغرب

ظل دائماً مصدر وحي للشعراء والكتاب

جانب من إشبيلية
جانب من إشبيلية
TT

الأندلس في أعين أدباء الغرب

جانب من إشبيلية
جانب من إشبيلية

للأندلس مكانة خاصة في الذاكرة العربية، فهي فردوس العرب المفقود وآية مجد تليد دام قرابة ثمانية قرون. إنها موطن الإبداع الفكري والفني الذي أنتج فلسفة ابن رشد وأشعار ابن زيدون وكتاب الفقيه ابن حزم «طوق الحمامة» في فلسفة الحب وأزجال ابن قزمان وكتاب الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون «دلالة الحائرين». وهي جنة من جنات الله في أرضه وبحق كتب عنها أستاذ الأدب الإسباني الراحل بجامعة القاهرة الدكتور عبد الفتاح عوض في كتابه «قراءات في اللغة والأدب الإسباني» (2002) يقول: «لقد جعل الله سبحانه وتعالى الأندلس آية من فرائد آياته فغدت عروس الكون وفتنة الآفاق إذ كانت الطبيعة فيها ترسل النسمات أنفاسا موسيقية عذبة يترنم بها الشعراء لذلك جمعت قصائدهم بين فتنة الطبيعة وجمال اللقاء وأهوال الفراق وما ذلك إلا لتميز الأندلس بوديانها المنبسطة وأنهارها الدافقة ومغانيها الباسمة والتي كانت تشيع البهجة في النفوس وتنشر بسمة الأمل ويقظة الشعور».
وخلال العام الماضي أصدر أندرو إدواردز وسوزان إدواردز كتابا عنوانه «الأندلس: دليل أدبي للسائحين» (الناشر: أ. ب. تاوريس، لندن ونيويورك 2016)
Andrew and Suzanne Edwards، Andalucia: A Literary Guide for Travellers، London and New York، I. B. Tauris 2016.
وذلك بعد أن قدما في 2014 كتابا عنوانه «صقلية: دليل أدبي للسائحين». وهما في هذا الكتاب الجديد، كما في سابقه، يبينان كيف أن إقليم الأندلس في جنوب شبه الجزيرة الإسبانية قد ظل دائما مصدر وحي للشعراء والكتاب الغربيين. هذه خريطة إبداعية وروحية للمكان وأهله تجمع بين البعد التاريخي والريبورتاج الصحافي المعاصر والنقد الأدبي.
إن الأندلس - وهنا المفارقة - تمثل لب إسبانيا ولكنها في الوقت ذاته تختلف عن بقية البلد. لقد بدأ تاريخها الأدبي مع غزو الرومان لها ثم بلغ قمة ازدهاره في عصر الحضارة العربية إلى أن دخلت في طور الاضمحلال مع صراعات ملوك الطوائف واستعانتهم بالأجنبي. الأندلس هي الإقليم الذي كتب عنه شاتوبريان وتيوفيل جوتييه وبروسبر مريميه من أدباء اللغة الفرنسية، وبايرون وأولدس هكسلي وسومرست موم وكنيث تاينان من الأدباء الإنجليز، وواشنتون إرفنج ومارك توين وجون دوس باسوس من الأدباء الأميركيين، وكازانتزاكس من جزيرة كريت اليونانية، هذا إلى جانب أدباء اللغة الإسبانية: سرفنتس مؤلف «دون كيشوت» والشعراء جونجورا وأنطونيو ماتشادو وخوان رامون خمنيث ولوركا. ومع اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية في 1936 غدت الأندلس نقطة جذب لأدباء حاربوا مع الجنرال فرانكو أو ضده مثل همنغواي صاحب رواية «لمن تدق الأجراس».
ويوضح المؤلفان في مقدمة الكتاب كيف أن الأندلس تحمل بصمات الأقوام الذين تعاقبوا عليها أو احتكوا بها: الإغريق والرومان والفينيقيون والقوط الغربيون والمسلمون المغاربة والمسيحيون، وينوهان بتنوعها الجغرافي ما بين أراض خصبة وحدائق غناء وشريط ساحلي وجبال عالية ومستنقعات ومسطحات جديبة وأنهار مما ولد حالات نفسية مختلفة لدى من كتبوا عنها.
أولى المدن التي يتوقف عندها المؤلفان هي إشبيلية عاصمة الأندلس. لقد زارها الشاعر الفرنسي نصير الرومانسية تيوفيل جوتييه (1811 - 1872). وفي كتابه المسمى «رحلة إلى إسبانيا» كتب عن كاتدرائيتها المقامة على الطراز المعماري القوطي، وهي كاتدرائية فسيحة لا يفوقها في الاتساع سوى كنيسة القديس بولس في لندن وكنيسة القديس بطرس في روما. وذهب جوتييه إلى أن كنيسة نوتردام في باريس لا تعدو أن تكون لعبة ضئيلة إذا قورنت بكاتدرائية إشبيلية.
ومن الأدباء الذين اتخذوا من إشبيلية مسرحا لأعمالهم (إلى جانب بومارشيه صاحب «حلاق أشبيلية») الروائي والكاتب المسرحي الإنجليزي سومرست موم (1874 - 1965)، لقد زارها في 1897 وأقام بها عدة أشهر وسجل انطباعاته عن البلاد في كتابه المسمى «أرض العذراء المباركة»، كذلك أخرج كتابا عنوانه «دون فرناندو» عن الكتاب والمصورين الإسبان الذين استوحوا إسبانيا في كتاباتهم ولوحاتهم خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر. أقام موم في بيت نائب القنصل البريطاني وهو لا يبعد كثيرا عن شارع أقام به الشاعر بايرون عند زيارته لإسبانيا في مطلع القرن التاسع عشر (وصف بايرون في قصيدته «دون جوان» 1819 إشبيلية بأنها «مدينة بهيجة مشهورة ببرتقالها ونسائها من لم يرها جدير بالرثاء»). وخلال ثمانية أشهر تمكن موم من أن يضع كتاب «أرض العذراء المباركة» إلى جانب أربع أقاصيص ورواية. وفي 1934 أعاد موم زيارة إشبيلية مع صديق له وأخرج كتاب «دون فرناندو» وفيه ركز اهتمامه على تاريخ المدينة وأدبها وخص بالعناية الكاتبين المسرحيين الإسبانيين كالدرون ولوبي دي بجا. ودون فرناندو اسم صاحب مشرب كان يحمل على جدرانه تذكارات من التاريخ الأندلسي. ورغم أن موم كان مزاجيا متحفظا يعاني من اللعثمة في الكلام فقد تمكن من التأقلم مع الجو المحيط به والتواصل مع الآخرين بالإنجليزية والإسبانية.
بقعة أخرى استهوت عددا من الأدباء هي ميناء قاديس في جنوب غربي إسبانيا وهو يكاد يكون جزيرة يربطها ببقية إسبانيا شريط رملي. كانت قاديس مسرحا لمعركة بحرية أغرق فيها القبطان الإنجليزي السير فرانسيس دريك ألارمادا أسطول ملك إسبانيا فيليب الثاني في 1588. هنا يقع مضيق جبل طارق (أعمدة هرقل كما كان يسميه الأقدمون) الذي زاره الأديب الأميركي الفكه مارك توين (1835 - 1910) وكتب عنه كتابه المسمى «أبرياء في الخارج» وهو من أدب الرحلات. إننا معه نرى العالم القديم (أوروبا) من منظور العالم الجديد (أميركا). كان جبل طارق في نظر توين وعاء انصهار للأجناس الأفريقية والأوروبية (وهو في هذا يشبه بلده أميركا) ولكنه لم يقتصر على وصف الإسبان وحدهم وإنما اهتم بدرجة مساوية بمواطنيه الأميركيين («الأبرياء في الخارج») رفاق السفر على السفينة التي أقلته في 1867 من ميناء نيويورك إلى جبل طارق.
وينتهي كتاب أندرو وسوزان إدواردز بتعريفات موجزة بحياة الأدباء الذين ورد ذكرهم في الكتاب، وجدول بأهم الأحداث التاريخية في تاريخ الأندلس ابتداء من عام 1100 ق. م تقريبا حين أنشأ الفينيقيون ميناء قاديس إلى عام 2014 حين تنازل الملك خوان كارلوس عن العرش لابنه فيليب، وببليوغرافيا مختارة بالإنجليزية والإسبانية تضم كتبا في تاريخ الأدب الإسباني وكتابات الرحالة والمسافرين ودراسات عن كتاب أفراد وعن الأقطار الملاصقة لإسبانيا مثل البرتغال.
والكتاب محلى بصور فوتوغرافية منها صور الجسر الجديد في بلدة رنده، وتمثال الأديب هانزكرستيان آندرسن في ملقا، والمسكن الصيفي لأسرة لوركا في غرناطة، وبهو السباع في قصر الحمراء بغرناطة، وتمثال الشاعر خمنيث وحماره بلاتيرو في بلدة موغوير مسقط رأس الشاعر.
ويمكن القول إن هذا الكتاب - في كلمة - دراسة في «عبقرية المكان» واستكشاف للفضاءات التي يتحرك فيها تاريخ الإنسان الِأوروبي والعربي بكل إنجازاته وإخفاقاته وآماله ومخاوفه وحكمته وحماقاته. لقد وضع الأدباء الذين يتحدث عنهم أندرو وسوزان إدواردز هنا الأندلس على خريطة الأدب العالمي جنبا إلى جنب مع روما جوفينال ولندن ديكنز وسانت بطرسبرج دوستويفسكي وباريس إميل زولا ومقاطعة دورست عند توماس هاردى ودبلن جويس وهند أ. م. فورستر وجنوب فوكنر الأميركي وإسكندرية كافافى ودريل وإدوار الخراط وحواري قاهرة نجيب محفوظ.



«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
TT

«إثراء» تكرّس مؤتمر الفن الإسلامي بالظهران «في مديح الفنان الحِرفي»

الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)
الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية والأمير سلطان بن سلمان في افتتاح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز «إثراء» بالظهران (الشرق الأوسط)

افتتح الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، أمير المنطقة الشرقية، اليوم الأحد، أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية، بحضور الأمير سلطان بن سلمان، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس الأمناء لجائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد.

وينظم المؤتمر مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» بالظهران، بالتعاون مع جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد، ويستمر حتى 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تحت شعار «في مديح الفنان الحِرفي».

ويحضر المؤتمر باحثون في الفن والتاريخ الإسلامي، ومثقفون وضيوف من مختلف دول العالم،

ويهدف إلى دعم وإحياء التقاليد الفنية الإسلامية بتسليط الضوء على أعمال الحِرفيين المعاصرين الذين يُبقون هذه التقاليد الفنية والحِرفية على قيد الحياة.

الحرف رحلة تعلّم

وفي كلمته، ثمن المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس مجلس أمناء جائزة عبد اللطيف الفوزان لعمارة المساجد الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، جهود «أرامكو» في مجال الإرث والحضارة ودعم المشاريع التراثية في المنطقة الشرقية، مستعرضاً الأهمية التاريخية للحِرف بوصفها مليئة بالتراث الحضاري للمناطق، وذلك عطفاً على إنجازات المملكة في المحافل الدولية والعالمية بمشاركات متنوعة، سواء من مؤسسات ومعارض ومؤتمرات ذات بُعد تاريخي واجتماعي تصبّ في المنفعة المجتمعية.

وأكد «الأهمية التاريخية للحرف على أنها رحلة تعلم وليست إنجازات»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى «دور المتاحف في تعزيز التاريخ بوصفها وجهة رئيسية لكل دولة». وأشار إلى جهود المملكة في تسجيل واحة الأحساء بصفتها موقعاً تراثياً عالمياً في منظمة اليونسكو.

الحرفي شاعر صامت

وفي كلمته ذكر مدير مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» عبد الله الراشد أن مدرسة الفنون الإسلامية يكاد يغيب عنها الصانع، قائلاً: «القطع الإسلامية لا تعرف من صنعها، أما القطع المعاصرة فيُحتفى بالصانع، وكأن الحرفي في الفنون الإسلامية يود أن يبقى في الظل والخفاء»، مشيراً إلى أن «الحرفي شاعر صامت»، فمن هذا المنطلق حرص «إثراء» على إقامة هذا المؤتمر «في مديح الفنان الحرفي»، والذي «يحوي أوراقاً بحثية وجلسات حوارية ومعارض مصاحبة من أنحاء العالم؛ لنستكشف جمال الحرف الإسلامية وتأثيرها العميق على الثقافة الإنسانية، ولنعبر بتقدير عالٍ لمن يبدعون بأيديهم تراثنا وهويتنا ويصنعونها في زمن جل ما يلمس ويستخدم يصنع بالآلة، لذا أتينا بهذه المعارض لنحتفي باليد البشرية».

ولفت الراشد إلى إطلاق ثلاثة معارض متزامنة مع أعمال المؤتمر في القطع الأثرية والفنون الإسلامية والأزياء التراثية من حول العالم، في حين يتزامن إطلاق المؤتمر مع تسمية عام 2025 عام الحرف اليدوية الذي أطلقته وزارة الثقافة، مما يضيف بعداً خاصاً لهذه المناسبة.

وأضاف: «جهودنا في (إثراء) للعام المقبل تتضمن تقديم عشرات البرامج الكبرى والمعارض والورش؛ كلها حول الحرف اليدوية نستهدف فيها آلاف الزوار».

كود المساجد

بدوره، أعلن رئيس مجلس أمناء الفوزان لخدمة المجتمع عبد الله بن عبد اللطيف الفوزان، اعتماد كود المساجد في المملكة، والذي عملت عليه الجائزة بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية واللجنة الوطنية لكود البناء، مشيراً إلى أنه سيجري تدشينه في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

وأشار إلى أن المؤتمر ملهم لإحياء الإرث الحضاري والتاريخي للأجيال القادمة، منوهاً، في الوقت نفسه، بالمكانة التي يتمتع بها الفنان الحرفي عبر العصور، لذا جاءت الجائزة بوصفها مرجعاً ثقافياً وفكرياً ومظلة حاضنة للمبادرات، والتي تحافظ على الموروث بوصفه رؤية مستقبلية.