عباس إبراهيم... عين الدولة اللبنانية وأذنها

مدير الأمن العام يحارب التنظيمات الإرهابية ويفاوضها

عباس إبراهيم... عين الدولة اللبنانية وأذنها
TT

عباس إبراهيم... عين الدولة اللبنانية وأذنها

عباس إبراهيم... عين الدولة اللبنانية وأذنها

في غضون سنوات قليلة تلت تعيينه مديرا عاما للأمن العام اللبناني، استطاع اللواء عباس إبراهيم أن يكرّس نفسه راعيا أساسيا للوساطات الداخلية والخارجية الناجحة، خصوصا في الملف الأمني الذي يخوض الجهاز الذي يرأسه إبراهيم عبره حربا ضروسا ضد الجماعات الإرهابية، لكنه كان قادرا في الوقت نفسه على إقناعها بقبول الصفقات، مستغلاً كل الثغرات الممكنة في بنية هذه الجماعات، مستغلا أطماعها حينا ومخاوفها حينا آخر.

برز اسم اللواء عباس إبراهيم في صفقات التبادل الناجحة مع التنظيمات الإرهابية، حيث كان دوره «العمل على تحقيق أكبر المكاسب الممكنة، ودفع أقل الأثمان الممكنة»، وهي أثمان كانت تدفع غالبا من «جيوب» الآخرين، لا من الدولة اللبنانية، التي لم تفرج في صفقات التبادل التي شملت مواطنيها وأراضيها عن محكوم واحد، ولم تدفع فلسا واحدا. وللعلم، فإن علاقاته المميزة، بكل المتناقضين، جعلت منه محاورا مقبولا، ووسيطا مطلوبا في أكثر من ملف داخلي أو خارجي.
وفقا لمنصبه في الأمن العام، يعتبر إبراهيم «عين الدولة وأذنها، وهو مستشار رئيس الجمهورية في الملفات الأمنية»، المخوّل العمل على الكثير من الملفات الحساسة، سواء بتكليف رسمي، أو من ضمن طبيعة عمله الواسعة الاهتمامات». أما بحكم الواقع القائم، فهو يتولى دورا أساسيا في محاربة التنظيمات الإرهابية عبر جهاز الأمن العام الذي يعمل بفعالية لافتة، بالتعاون مع بقية الأجهزة الأمنية، كما يتولى عمليا الملف الفلسطيني والسوري في لبنان بحكم معرفته العميقة بالأول وارتباط عمله بالثاني، بالإضافة إلى الدور الإداري لمؤسسته التي تعتبر ناظم الوجود الأجنبي في لبنان على اختلاف وتنوع هذا الوجود من العمال إلى الفنانين والجاليات الأجنبية والتنظيمات الإرهابية.
يرى البعض أن اللواء إبراهيم استطاع أن ينفض عنه، منذ تعيينه في منصبه في يوليو (تموز) 2011 صبغة الانتماء السياسي فبقي موثوقا من الفريق الذي سمّاه – كما يسمي كل موظفي الفئات العليا من الطائفة الشيعية، أي «حركة أمل» و«حزب الله» – وتمكن في المقابل من إقناع خصومهما بدوره الوسطي – الوساطي، باقيا في مواقفه على حافة ثوابت الفريقين المتخاصمين في البلاد، تاركا لنفسه هامش الذهاب بعيدا في التكتيكات لخدمة دوره الأمني – السياسي.
مع هذا، نال إبراهيم حصته من الانتقادات من قِبل أنصار الطرفين، سواءً لدى قيامه بمهمة مكافحة الإرهاب وتواصله الوثيق مع النظام السوري و«حزب الله» من جهة، أو لجهة التصاقه بالمؤسسات الرسمية ومرافقته وزير الداخلية في زيارات ومؤتمرات.
وكعادته تعاطى إبراهيم مع الجانبين بتوازن لافت، فإشاداته المتكررة بدور «المقاومة» تكبح شهية أنصار «حزب الله» على انتقاده، والتزامه العمل المؤسساتي، وإشاداته برجال المؤسسات الأمنية يمنعان خصوم الحزب من الإغراق في النقد.
المقربون من إبراهيم يقرّون بصعوبة الدور الوسطي الذي يقوم به. ويقول رئيس تحرير مجلة «الأمن العام» العميد منير عقيقي، إن إبراهيم دعا أكثر من مرة «اللبنانيين للابتعاد عن الحرتقات السياسية والسجالات، وألا يتأثروا بها لأنها طبيعة نظامنا الديمقراطي، والأهم أن الثوابت التي يحكمها الدستور تبقى مؤمَّنة ولا يوجد أي طرف بلبنان رغم التناقضات والتعاطي الإعلامي المضاد، لكن كلهم يعملون تحت سقف الدستور والطائف والنظام. ولكن للأسف لبنان موجود بساحة تناقضات إقليمية، وهذه الساحة يتأثر فيها الجميع، لكنهم محكومون بالعودة إلى الثوابت الوطنية».
إداريا، عمل إبراهيم على تطوير المديرية العام للأمن العام. وهو يقول دائماً إن «السمكة تبدأ بالاهتراء من رأسها»، بمعنى أن كل مؤسسة أمنية أو خدماتية أو رسمية، عندما يكون فيها فساد واهتراء هو بسبب الرأس، فإذا افتقر الرأس للقدرات المطلوبة لإدارة المؤسسة ودرء الآفات المضرة عنها فهو يعني أنه ليس ناجحا والمؤسسة ستكون حتما فاشلة». والمؤسسات الرسمية بنظره «يجب أن تكون منتجة لأنه عندما تكون تقدم الخدمة فهذه الخدمة إنتاج بحد ذاته».
ويقول العميد عقيقي إن «إبراهيم عندما تسلّم قيادة الأمن العام كان أول ما وضعه لهذه المؤسسة خطة محددة البرامج والأهداف وتحت مسمى القانون والصلاحيات»، وتابع: «لهذا السبب؛ هناك ضرورة لوضع أهداف وخطط ما بين شيء اسمه أمن وشيء اسمه إدارة؛ لأنهما يدخلان في صلب المهمات. نحن كضابطة عدلية نقوم بملاحقة الجرائم والأجانب ومواكبتهم مثل كل الأمن العام بكل الدول، وهذا الشيء يتطلب إعادة وضع خطة تواكب كل ما هو محتمل أن يؤثر على الأمن في لبنان... لأن الإرهاب والجريمة المنظمة يقضان مضاجع الدولة ويؤثران على قطاعات السياحة والاقتصاد وصورة الدولة بالخارج، والتي يقوم فيها بالتنسيق مع الأجهزة الأخرى؛ لأن انعدام التنسيق خطأ، إن كان مع المؤسسة الأم «الجيش» أو قوى الأمن الداخلي أو أمن الدولة، وكل منهم حسب صلاحياته ومهماته الموضوعة بالقانون... وإذا تكاملت هذه الأمور كلها هنا تتشكل مظلة أمنية سليمة للدولة على كل الأراضي.

الأزمة السورية
من ناحية ثانية، لعب اللواء إبراهيم دوراً بارزاً في الوساطات مع انطلاق الأزمة السورية، ففي العام 2012 وقعت مجموعة لبنانية موالية للمعارضة السورية في كمين للقوات النظامية، وقتل معظم أفرادها. وبتكليف من السلطة السياسية تواصل إبراهيم مع النظام السوري واستردت هذه الجثث، وكذلك أعيد الأسير الذي وقع في قبضة النظام. أما الدور الأكبر، فكان مع خطف قافلة لشيعة لبنانيين كانوا في طريقهم من إيران إلى لبنان براً، وهنا استفاد إبراهيم من علاقته مع رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان من أجل العمل على إطلاق سراحهم في عملية تواصل فيها إبراهيم مع الأتراك والقطريين والنظام السوري.
ويقول عقيقي إن «من أسباب نجاح إبراهيم في تنفيذه الصفقات هذه هو أنه يعتبر أن المصداقية شيء مهم جدا بالحياة، والموقع الرسمي مهم أيضا، ومن ثم العلاقة الشخصية... وهذه عناصر تساعده عندما يدخل بملف مفاوضات أن ينطلق ويستمر به». ويكشف أنه «عندما وصلت الأمور لنهايتها لم يقبل إبراهيم أن يتسلّم المخطوفين اللبنانيين قبل حصوله على ضمانات سوريا بإطلاق معتقلين تطالب المعارضة بهم»، مشيرا إلى أن «المخطوفين وضعوا في عهدته، لكنه رفض تسلمهم قبل الحصول على الضمانة». وأكد عقيقي أن إبراهيم «لم يتنازل مرة عن المصلحة اللبنانية إن كان بجثامين تلكلخ وعودة مخطوفي أعزاز وراهبات سيدة معلولا الذين اختطفتهم جبهة النصرة واستطاع تأمين إطلاقهم»، والأمر نفسه في ملف العسكريين الذين اختطفتهم «النصرة»، ويشير إلى أن «الحنكة بالتفاوض والصبر ومعرفة كيف يفكر الطرف الآخر والثقة والمصداقية والعلاقات المباشرة أسست لنجاحه، والأكثر أهمية أن هذه ملفات نظيفة، أي أنك لا تفاوض على تجار مخدرات أو مجرمين».
أما عن عمليات التفاوض مع «الإرهابيين»، فيقول عقيقي «عبر وسطاء ولم يكن بالمباشر، ولا أعتقد أن المدير يمكن أن يقبل بتفاوض مباشر، بل كان هناك وسيط مكلف بنقل الشروط أو المطالب ويأخذ مطالبنا وشروطنا».

الطموح المستقبلي
وفي المقابل، ثمة من يقول: إن إبراهيم يرغب في العمل السياسي مستقبلاً، ولهذا يخطط في حركته الحالية من أجل طموحاته المستقبلية. ومن خلال حركته الوسطية، يبدو إبراهيم مرشحاً في هذه الحال للعب دور مشابه لدور رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي يحتفظ بعلاقات مميزة مع الكثير من الأطراف أساسية، خلافا لـ«حزب لله» المحدود الحلفاء والكثير الخصوم داخلياً. ويجيب عقيقي ردا على هذه التساؤلات «نريد أن ننتظر 5 سنوات (نهاية خدمته الرسمية) لنرى. هو يقول: إنه يكون في المكان الذي يمكن أن يخدم به أكثرـ وهو الآن يعتبر أنه يخدم أكثر في موقعه هذا. ورغم التعب والجهد لصون الحالة الأمنية والسياسية يشعر بأنه ينتج ويقدم للبلد، وبعدها إذا كان له دور سياسي سيقوم به بالنهاية، وهو يلعب هذا الدور الآن دون أن يكون فيه».
من جهة أخرى، انسحب نهج «الوساطة» الذي اعتمده إبراهيم على الداخل اللبناني، حيث تحول في بعض الأحيان إلى وسيط بين أطراف السلطة يعمل على تقريب وجهات النظر وتقليص مساحة الخلاف والاختلاف، كما حين تدخل لتخفيف التوتر بين «التيار الوطني الحر» الذي أسسه رئيس الجمهورية ميشال عون، و«حركة أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه برّي.
وهنا، يوضح عقيقي «هناك قضايا يعمل بها المدير العام ولا يضيء عليها الإعلام، منها قضايا سياسية ممكن أن يتدخل فيها لتحسين الواقع السياسي ومنع مشاكل سياسية من أن تحدث بالبلد. وهو يقوم بذلك من خلال التعاطي المباشر مع السلطات المعنية ويقرب وجهات النظر بملفات داخل السلطة بحد ذاتها أو بين السلطة السياسية والذين هم خارج السلطة من أحزاب وزعامات أو دول». ويضيف «عندما تحصل أزمة من الطبيعي الذي سيتكفل بها الذي لديه صلات تواصل. وخلال فترة وجود اللواء ومن خبرته في الماضي على مستوى مديرية المخابرات أو عندما كان مرافقا شخصي لرفيق الحريري، قدر أن ينسج علاقات مع أجهزة ورؤساء أجهزة وشخصيات بالخارج من خلال التعاطي الرسمي وزيارات هؤلاء إلى لبنان، ومن بينهم المعنيون بالملف الفلسطيني بلبنان... وهذا اكتمل مع مديرية المخابرات عندما كان فيها ثُم بعد أن أصبح بمديرية الأمن العام».

بطاقة شخصية
اللواء عباس إبراهيم من مواليد 2 مارس (آذار) 1959، وهو من بلدة كوثرية السيّاد في جنوب لبنان، كما أنه متأهل من السيدة غادة الزين ولهما ثلاثة أولاد هم محمد، علي، وبلال.
دخل إبراهيم المدرسة الحربية بعمر 19 سنة، وتخرّج بعد ثلاث سنوات برتبة ملازم – اختصاص مشاة في الأول من أغسطس (آب) (1982). وخضع بعدها لدورات تخصص عدة في التزلج، ثم دورة عمليات مجوقلة (للقوى المحمولة جواً) (1983) فدورة آمر سريّة (1987)، ثم دورة لغة إنجليزية (1988)، فدورة تدريبية متقدمة في اختصاص المشاة في الولايات المتحدة الأميركية (1989)، فدورة كومبيوتر في العام 1996 لمواكبة النهضة الإلكترونية. أما اختصاصاته الأمنية فبدأت في العام 1998 مع تلقيه دورة تدريبية أمنية متقدمة في المملكة المتحدة.
في العام 1987 تولى اللواء إبراهيم الأمن الشخصي لمبعوث الجامعة العربية إلى لبنان السيد الأخضر الإبراهيمي، ورافقه في جولاته الحوارية – الوساطية بين الأطراف اللبنانية، وشهد عن كثب مسعاه لحل الأزمة اللبنانية، الذي توّج في العام 1989 بـ«اتفاق الطائف» الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، ووضع أسس الجمهورية الثانية في لبنان.
بعدها تولى إبراهيم الأمن الشخصي للرئيس اللبناني المنتخب إلياس الهراوي، وبقي معه حتى العام 1992، حين انتقل لتولي مهمة الأمن الشخصي لرئيس الحكومة الجديد رفيق الحريري. ثم انتقل عام 1993 إلى العمل الأمني بتوليه قيادة القوة الضاربة في الجيش. ثم في العام 1994 لرئاسة قسم مكافحة الإرهاب والتجسس في فرع المكافحة – مديرية المخابرات ليصبح في العام 1998 رئيسا لفرع المكافحة في مديرية المخابرات.
شغل إبراهيم بين العامين 2005 و2008 منصب رئيس فرع مخابرات الجنوب، حيث كان على تماس مباشر مع وضع مخيم عين الحلوة الفلسطيني بكل تعقيداته وصعوباته. ويسجل له نجاحه في إدارة هذا الملف، حيث بات على معرفة بكل تفاصيله، كما أنه بنى علاقات مميزة مع القيادات الفلسطينية داخل المخيم، استثمرها آنذاك، وهو يستثمرها اليوم من منصبه الجديد من خلال المساعدة في ضبط علاقة المخيم بخارجه وتسليم بعض المطلوبين.
ويقول قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب لـ«الشرق الأوسط»، إن إبراهيم «كان المسؤول اللبناني الأول الذي دخل المخيمات، واجتمع مع كل الأطراف، من لجان شعبية وفصائل منظمة وقوى إسلامية، ويحسب له أنه كان أول المبادرين؛ حرصا على الأمن والاستقرار والحفاظ على أمن الجوار وعدم التدخل في شؤون لبنان الداخلية». ويشير أبو عرب إلى أن الارتياح الفلسطيني الذي تركه التواصل معه: «كان ناتجا من قدرته التفاوضية والدبلوماسية»، لافتا إلى أن طريقة تعاطيه «لم تكن أمنية حصرا، بل ناتجة من انتهاجه مبدأ الهدوء والتواصل الدبلوماسي، فضلا عن ميزاته المتمثلة في القدرة على إقناع الطرف الآخر، وحنكته في التفاوض للوصول إلى التهدئة في عدة محطات».
أما ما تردد عن وساطة أخرى أجراها في الملف الفلسطيني، في محاولة مصالحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع القيادي محمد دحلان، فهي تؤشر أيضاً إلى عمق اطلاعه واهتمامه بالملف الفلسطيني.
هذا، ويدرك اللواء إبراهيم أهمية ملف عين الحلوة بأبعاده الثلاثة، الأمنية والسياسية والاجتماعية؛ ولذا كان يتعامل معه بدقة لافتة، مشيرا لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الوضع في المخيم سيكون موضع متابعة دقيقة وحثيثة لتنفيذ قرار السلطة السياسية. ويتابع: «نحن قادرون على ضرب أي تحرك يستهدف أمن لبنان واللبنانيين، ومن دون أي تردد، فالجيش اللبناني اثبت وعلى الدوام براعته ومهارته كجيش محترف، وكذلك الأمر بالنسبة لسائر الأجهزة الأمنية. الأمن والدم اللبنانيان لن يكونا نهبا لأحد، وأيا كان اسمه وموقعه».
وفي العام 2008، تولى اللواء إبراهيم، منصب نائب مدير المخابرات، وهو أعلى منصب يسند لشيعي في الاستخبارات اللبنانية، قبل أن ينتقل منه في العام 2011 إلى أعلى المناصب المنية للطائفة (منذ اتفاق الطائف) ليصبح المدير العام الجديد للأمن العام. ويقول تعميم صدر عن الأمن العام اللبناني بعد توليه منصبه بسنتين، إن إبراهيم أكد منذ وصوله إلى المديرية العامة للأمن العام أنه «على مسافة واحدة من الجميع، وعمم نهج خدمة المواطنين كافة والابتعاد عن التجاذبات والمهاترات والطائفية... فكان على علاقة جيدة مع كل المكونات السياسية اللبنانية ونقطة وسط للصالح العام فحاز ثقة الجميع وأسنِدت إليه أصعب الملفات وأكثرها تعقيداً».
يقول عارفون، إن إبراهيم شخص صبور، ولولا ذلك لما كان عالج الكثير من الأمور، وبخاصة تلك التي لها علاقة بالمفاوضات والمعالجات، وهو يرغب في التواصل المباشر؛ فإذا كان يريد شيئا من شخص ما يحاول أن يتواصل معه».

- تواريخ في مسار الأمن العام
بتاريخ 5-1-1921 صدر القرار رقم 1061، وبموجبه أنشئ الأمن العام وسمي آنذاك بالمكتب الأول.
> بتاريخ 19-2-1923 صدر القرار رقم 1768، وبموجبه أعيد تأليف البوليس في لبنان ومن ضمنه دائرة البوليس العدلي والأمن العام.
> بتاريخ 19-5-1928 صدر المرسوم رقم 3308، وبموجبه نظم عمل الأمن العام.
> بتاريخ 27-8-1945 صدر المرسوم رقم 3845، وبموجبه أُنشأت وزارة الداخلية مديرية للأمن العام، مركزها بيروت، ترتبط بوزير الداخلية ويرأسها مدير.
> بتاريخ 28-4-1950 صدر المرسوم رقم 1736، وبموجبه استحدثت مصلحة للأمن العام.
> بتاريخ 26-7-1951 صدر المرسوم رقم 5516، وبموجبه تم توسيع صلاحيات الأمن العام.
> بتاريخ 4-4-1953 و15-1-1955، صدر المرسومان الاشتراعيان رقم 61 و19، وبموجبهما أعيد تنظيم الأمن العام عبر إلغاء دوائر واستحداث دوائر أخرى.
> بتاريخ 12-6-1959 صدر المرسوم الاشتراعي رقم 139، الذي لا يزال ساري المفعول لغاية الآن، وبموجبه أصبح الأمن العام مديرية عامة ترتبط بوزير الداخلية مباشرة ويرأسها مدير عام.
> بتاريخ 16-12-1959 صدر المرسوم التنظيمي رقم 2873، وبموجبه أصبحت المديرية العامة للأمن العام تضم، إضافة إلى الإدارة المركزية، دوائر مناطقية وحدودية برية وبحرية.

- دور الأمن العام: المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية
> تشكل جهاز الأمن العام في لبنان بداية ليكون جهازاً لصيقاً برئيس الجمهورية، وجرى عُرفاً شغله من قبل شخصيات مدنية وعسكرية مسيحية قريبة من رئيس الجمهورية. ولهذا؛ كان رئيس الجمهورية يسمي الشخص الذي يشغل هذا المنصب، لكن الأمور اختلفت بعد اتفاق الطائف، حيث أصبح الموقع من نصيب الشيعة.
يختلف دور الأمن العام اللبناني عن المتعارف عليه في الدول الأخرى، فهو بحسب القانون الصادر عام 1962 الذي نظم عمل هيكيلة الأمن العام يتعاطى بكل شيء اسمه إدارة لها علاقة بجوازات السفر والمستندات الرسمية الإقامات للأجانب، أو منح التأشيرات، إضافة إلى أمور كثيرة لها علاقة بالأمن الاجتماعي والاقتصادي.
ومهمّة الأمن العام محددة بموجب المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم 139 الصادر في 12-06-1959 هي «جمع المعلومات لصالح الحكومة، وبنوع خاص المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويساهم الأمن العام في التحقيق العدلي ضمن حدود المخالفات المرتكبة ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي، كما يساهم في مراقبة الحدود البرية والجوية والبحرية ومراقبة الأجانب على الأراضي اللبنانية، ويتولى إعطاء إجازات المرور».
إداريا، تم تطوير هيكلية الأمن العام، فازداد عدد المكاتب، الهيكلية تبدأ من المدير العام، المجلس القيادي بالأمن العام، ثم المكاتب والدوائر والمراكز والمراكز الحدودية إن كانت برية أو جوية أو بحرية.
ويقول رئيس تحرير مجلة «الأمن العام» العميد منير عقيقي «عدد الأمن العام كان نحو 4 آلاف، فأصبح أكثر من 7 آلاف، وما زلنا نعمل بخطة المواكبة بالتدريب. وكان لدينا نحو 30 مركزا بلبنان وأصبح لدينا نحو 50؛ لأنه في كل قضاء أنشأنا أكثر من مركز، أولاً لأن عدد الناس ازداد وعدد العمال والعاملات وبخاصة الأجنبيات بالخدمة المنزلية زاد كثيرا، وثانياً، لأن ملف النزوح السوري شكّل عبئا كبيرا، ولو لم يكن هناك خطة موضوعة لكان سبّب مشاكل كبيرة إن لم يكن لدينا قدرة استيعابة لتتلقى هذا الكم الهائل من المعاملات مثل الإقامات والمتابعة. وأسسنا مراكز خاصة لمعاملات السوريين بلبنان بسبب الأعداد الكبيرة، هي 4 مراكز، وهناك مراكز ضمن الدوائر وسوف يرتفع هذا العدد إلى 10 لمواجهة هذا الضغط.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.