المعارضة «مصدومة» من تصريحات دي ميستورا «المخيبة للآمال»

موسكو تجدد دعمها للمبعوث الدولي

رجل يسير قرب مبنى مدمر في انخل في درعا امس (رويترز)
رجل يسير قرب مبنى مدمر في انخل في درعا امس (رويترز)
TT

المعارضة «مصدومة» من تصريحات دي ميستورا «المخيبة للآمال»

رجل يسير قرب مبنى مدمر في انخل في درعا امس (رويترز)
رجل يسير قرب مبنى مدمر في انخل في درعا امس (رويترز)

وصفت الهيئة العليا للمفاوضات، الممثلة لأطراف واسعة من المعارضة السورية، أمس الخميس، تصريحات المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، بأنها «صادمة ومخيبة للآمال»، غداة دعوة الأخير المعارضة إلى الاعتراف بأنها «لم تربح الحرب».
وقال رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات إلى جنيف، نصر الحريري، في مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول أمس الخميس، ونقلت وقائعه قنوات عربية: «هذه التصريحات أقل ما يقال إنها صادمة ومخيبة للآمال»، معتبرا أن دي ميستورا يدرك «من هو الطرف الذي تعاون إيجابيا للدفع بالعملية السياسية ويعرف من هو المعرقل» في إشارة إلى النظام السوري.
واعتبر أن «عملية جنيف بهذا الشكل تفقد مصداقيتها، لأن الاتجاه الحالي في العملية السياسية يتم التلاعب به من بعض الأطراف الدولية لا سيما روسيا» أبرز حلفاء دمشق.
وفي السياق ذاته، أشار المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، في تغريدة على موقع «تويتر»، إلى أن «تصريحات دي ميستورا تعكس هزيمة الوساطة الأممية في إنفاذ قرارات مجلس الأمن واحترام التزاماتها أمام المجتمع الدولي».
وتأتي مواقف الهيئة العليا للمفاوضات غداة تأكيد دي ميستورا، أنه «لا يمكن لأحد الآن أن يقول إنه ربح الحرب» في سوريا.
وسأل في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس الأربعاء في جنيف: «هل ستكون المعارضة قادرة على أن تتحد وأن تكون واقعية لتدرك أنها لم تربح الحرب؟». وأضاف: «هل ستكون الحكومة السورية مستعدة للمفاوضات بعد تحرير دير الزور والرقة أم أنها ستكتفي برفع راية النصر؟».
وحملت الهيئة العليا للمفاوضات، على لسان الحريري، على «صمت المجتمع الدولي، وهذا الدعم المفتوح والظاهر للنظام من قبل حلفائه سواء كانت إيران أو روسيا». وقال الحريري، إن ذلك «لا ينبغي أن يسوغ للمبعوث الخاص أن يتخلى عن التزاماته السياسية والقانونية والأخلاقية تجاه الشعب السوري، في تبني عملية سياسية حقيقية وفعالة، هدفها وهمها الوصول إلى حل سياسي حقيقي (...) بدءا برحيل (الرئيس) بشار الأسد» عند بدء المرحلة الانتقالية.
وتزامنت تصريحات دي ميستورا مع تمكن قوات النظام السوري الأربعاء من كسر حصار يفرضه تنظيم داعش على مدينة دير الزور (شرق) منذ مطلع عام 2015، في خطوة قال محللون إن من شأن استكمالها بطرد المتطرفين من شرق البلاد أن يشكل «انتصارا نوعيا» للنظام السوري.
وتأمل الأمم المتحدة، وفق ما أوضح دي ميستورا، في إطلاق جولة جديدة من مباحثات السلام بين وفدي الحكومة والمعارضة السورية في أكتوبر (تشرين الأول) في جنيف.
واستضافت جنيف منذ عام 2014 جولات مفاوضات عدة بين طرفي النزاع، من دون أن تتمكن من إحراز تقدم حقيقي جراء التباين في وجهات النظر خصوصا حول مصير الأسد. وقال حجاب: «مرة بعد أخرى يورط دي مستورا نفسه بتصريحات غير مدروسة تعزز دعوتنا لطرح أممي جديد إزاء القضية السورية». وشدد على أن «الثورة السورية ماضية»، وأن «المهزوم هو من فقد الشرعية والسيادة والقرار الوطني، وبات خاضعا لإملاءات ملالي طهران»، في إشارة إلى الأسد.
من جهته، رأى عضو اللجنة القانونية في «الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة» هشام مروة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن دي مستورا «يحاول أن يفرض على المعارضة موقفا غير مفهوم، وكأنها تخوض مواجهة عبثية مع النظام». وسأل: «هل يريد منّا أن نعلن انتصار مجرم (بشار الأسد) قتل الشعب السوري بالكيماوي؟». وقال: «المعارضة السورية التزمت بشكل كامل بقرارات الشرعية الدولية، بينما لم يلتزم الأسد وزمرته وحلفاؤه بأي قرار دولي على الإطلاق، فهل يحملنا مسؤولية أفعال من لا يرضخ للقانون الدولي؟».
وتأتي تصريحات المبعوث الأممي غداة صدور قرار عن لجنة التحقيق الدولية، اتهمت النظام بقصف مدينة خان شيخون في ريف إدلب بالأسلحة الكيميائية، وعشية جولة جديدة من محادثات آستانة التي دعت إليها موسكو.
واعتبر مروة، وهو النائب السابق لرئيس «الائتلاف»، أن «تصريحات دي مستورا الأخيرة، غير منسجمة مع دوره، ولا تعبّر عن حقيقة مهمّة ووظيفة مبعوث دولي، لأنه يطلب منا الاستسلام، وكأننا خسرنا الحرب، وفقدنا أدوات المواجهة». وأضاف: «إذا عجز دي مستورا عن ترجمة القرارات الدولية، ومخرجات جنيف1 التي تتحدث عن حلّ سياسي واضح، فعلية أن يعترف بذلك في تقرير رسمي يرفعه إلى مجلس الأمن، كما فعل المبعوث السابق الأخضر الإبراهيمي». واستغرب مروة: «كيف يطلق المبعوث الأممي مثل هذا الموقف، بعد ساعات قليلة على صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية التي تؤكد أن نظام الأسد هو من قصف شعبه بالكيماوي في خان شيخون وغيرها؟».
إلى ذلك، أعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، أليكسي بورودافكين، أمس الخميس، أن وساطة دي ميستورا بين الحكومة والمعارضة يجب أن تستمر، تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم «2254».
وأكد بورودافكين أن الطرف الروسي سبق أن وجه إلى دي ميستورا انتقادات، لكن من دون الإعراب عن أي شك في ضرورة أن يواصل عمله من أجل تقريب وجهات نظر الحكومة والمعارضة.
وأعرب الدبلوماسي عن أمل روسيا في أن تعقد جولة جديدة من مفاوضات جنيف في أكتوبر المقبل بوساطة دي ميستورا، داعيا المنسق العام للهيئة العليا، رياض حجاب، إلى «تكييف موقفه مع الوقائع العسكرية والسياسية الجديدة في سوريا، والامتناع عن توجيه انتقادات واهية إلى الأمم المتحدة ودي ميستورا شخصيا».
واتهم بورودافكين المعارضة بأنها تستغل مفاوضات جنيف لتكرار مطالبها غير الواقعية، لا سيما برحيل الأسد، بدلا من العمل على اتخاذ قرارات مشتركة مع وفد الحكومة وتنسيق المسائل المطروحة على أجندة الحوار.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.