جلسة استثنائية للبرلمان التونسي لمنح الثقة للحكومة الجديدة

الشاهد سعى لجمع أكبر عدد ممكن من الأصوات من خلال إرضاء الأحزاب

البرلمان التونسي
البرلمان التونسي
TT

جلسة استثنائية للبرلمان التونسي لمنح الثقة للحكومة الجديدة

البرلمان التونسي
البرلمان التونسي

يعقد البرلمان التونسي، الاثنين المقبل، جلسة برلمانية استثنائية لمنح حكومة يوسف الشاهد الثانية الثقة، وتخصص الأيام الباقية حتى هذا التاريخ لاستكمال النظر في السير الذاتية للوزراء الجدد.
وكان من المنتظر أن تعجل رئاسة الحكومة بطلب انعقاد البرلمان، إلا أن ذهاب عدد من أعضاء البرلمان لأداء مناسك الحج، وسفر البعض منهم إلى دول أوروبية لقضاء العطلة البرلمانية، حال دون عقد الجلسة البرلمانية الاستثنائية قبل يوم الاثنين.
وقال حسان الفطحلي المتحدث باسم البرلمان التونسي، في تصريح إعلامي، إن الجلسة البرلمانية الاستثنائية تأتي استجابة لطلب صادر عن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وهو ما غذى شكوكا سياسية محلية بأن الباجي يقف وراء معظم التعيينات الأخيرة، خاصة بالنسبة لعبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الوطني، الذي استجاب لطلب ملح من الرئيس التونسي، وكذلك لطفي براهم وزير الداخلية الجديد.
وكان يوسف الشاهد رئيس مجلس الوزراء، قد عرض تركيبة حكومته الجديدة قبل ساعات قليلة من الإعلان الرسمي عنها لرئيس الجمهورية، رغم أن الدستور التونسي الجديد (دستور 2014) لا يحتم عليه عرض مخرجات التعديل الوزاري على رئيس الجمهورية.
وأعلن يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية، أول من أمس الأربعاء، عن التركيبة الحكومية الجديدة، وهي مكونة من 28 وزيرا، و15 وزير دولة، وشمل التعديل الوزاري 13 حقيبة وزارية و7 وزراء دولة.
وأعلنت قيادات كل من حزب النداء وحركة النهضة، عن رضاها عن اختيارات الشاهد في حكومته الجديدة، وحافظ «النداء» على مكانته في الحكومة من خلال منحه سبع وزارات إلى جانب ست وزارات دولة، ولا يختلف الأمر بالنسبة لحركة النهضة التي عبرت قياداتها السياسية عن رضاها عن عملية التحوير الوزاري، وحافظت على حقائبها الوزارية الثلاث، إلى جانب أربع وزارات دولة.
كما كسبت حكومة الشاهد الثانية دعم الاتحاد العام التونسي للشغل (كبرى نقابات العمال) إذ عبر نور الدين الطبوبي رئيس النقابة، عن ارتياحه لاختيارات الشاهد وتمنى لها النجاح.
وبشأن الجلسة البرلمانية الاستثنائية وضرورة عقدها من عدمه، قال قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري لـ«الشرق الأوسط»، إن إعلان حالة الطوارئ في تونس التي تمتد عمليا إلى منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تجعل البرلمان التونسي في حالة انعقاد متواصل، وهو ما يعني أن الدعوة إلى انعقاد البرلمان في غير محلها، إذ إن حالة الطوارئ نظام من بين عدة أنظمة قانونية أخرى، وهو يجيز عدة تدابير استثنائية على حد تعبيره.
وينص الفصل 57 من الدستور التونسي، على أنه في حال تزامن بداية الدورة الأولى من المدة النيابية للبرلمان مع عطلته السنوية، تعقد دورة استثنائية حتى منح الثقة للحكومة، ويجتمع البرلمان أثناء عطلته في دورة استثنائية بطلب من رئيس الجمهورية، أو من رئيس الحكومة، أو من ثلث أعضائه، للنظر في جدول أعمال محدد.
ووفق متابعين للشأن السياسي التونسي، فإن حكومة يوسف الشاهد في نسختها الجديدة لن تجد صعوبات في الحصول على ثقة البرلمان؛ نتيجة التحالف السياسي القوي بين حزب النداء وحركة النهضة. ويتطلب حصولها على ثقة البرلمان تصويت أغلبية أعضاء البرلمان لصالحها، وهذا يعني منحها 109 أصوات على الأقل من ضمن 217 صوتا في البرلمان التونسي.
وبإمكان حكومة الشاهد ضمان حصولها على ثقة البرلمان من الناحية الحسابية، إذ إن تصويت نواب النداء (59 صوتا) ونواب حركة النهضة (69 صوتا) يمكنها من جمع 128 صوتا، إلا أن الشاهد عمل على جمع أكبر عدد ممكن من الأصوات، من خلال إرضاء عدد من الأحزاب الأخرى مثل «آفاق تونس» برئاسة ياسين إبراهيم (8 أصوات)، وحركة مشروع تونس، بزعامة محسن مرزوق (23 صوتا)، وهو ما يعني عمليا حصولها على أغلبية تتجاوز ثلثي أعضاء البرلمان (أكثر من 145 صوتا)، وهذا يمكنها من دعم سياسي يجعلها تعمل في ظروف سياسية أفضل.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.