غي مانوكيان: المرأة مصدر إلهامي لأنها البداية والنهاية

عازف البيانو اللبناني تفتحت مواهبه باكراً فدعي للعزف في سن السابعة

جمهور الموسيقي غي مانوكيان ينتظره في صيدا اليوم
جمهور الموسيقي غي مانوكيان ينتظره في صيدا اليوم
TT

غي مانوكيان: المرأة مصدر إلهامي لأنها البداية والنهاية

جمهور الموسيقي غي مانوكيان ينتظره في صيدا اليوم
جمهور الموسيقي غي مانوكيان ينتظره في صيدا اليوم

قال عازف البيانو غي مانوكيان إن والده هو أول من شجّعه على تعلّم الموسيقى، كما توقّع له النجاح والانتشار العالمي. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كان قادراً على الإحساس بموهبتي منذ نعومة أظافري. فأنا بدأت أعزف على البيانو منذ كنت في الرابعة من عمري، لم يؤنّبني يوماً لانشغالي بالعزف، بل كانت لديه القدرة على ملامسة حلمي بخياله». غي مانوكيان الذي حقّق نجاحات واسعة في عالم العزف على البيانو فتوّج رائداً في هذا المجال، تفتّحت براعم شغفه للموسيقى منذ الطفولة، عندما بدأ يتابع دراسته في الموسيقى الكلاسيكية. ولعلّ ولادة نجوميته جاءت باكرة عندما دعي إلى العزف في القصر الرئاسي وهو في السابعة من عمره.
«اليوم بتّ أعي تماماً ماذا أورثني والدي (القدرة على الحلم)، وأعمل جهدي لأورثها بدوري إلى أولادي. فباستطاعتي القول إنني ومنذ أن صارت لدي عائلتي الصغيرة تغيّرت نظرتي إلى الحياة واستوعبت ما كان يحاول والدي إيصاله لي، وأتمنّى أنا أيضاً أن أفلح برسالتي هذه فأوصلها بدوري لأطفالي».
6 ألبومات موسيقية («أنغام» و«الثورة» و«مشاعر» و«سراب» و«اسومان» و«حفلة القاهرة» و«رحّالة») قدّمها غي مانوكيان منذ بداية مشواره حتى اليوم، كما حصد جوائز كثيرة محلية وعالمية، وبينها «أفضل موسيقى أرمينية راقصة» في لوس أنجليس. «صحيح أنني من أصول أرمينية، ولكني أملك حبّاً جارفاً للبنان، وأي عمل موسيقي أقوم به أستوحيه في غالبية الأحيان من طبيعته وأجوائه».
أحيا مانوكيان العشرات من المهرجانات الموسيقية، فتنقّل بين أهمها في لبنان كـ«مهرجانات بيت الدين» و«مهرجانات صيدا» وأيضاً «مهرجانات جبيل» وغيرها، وفي خارجه قدّم حفلات في لندن وأستراليا وأميركا. «ما زلت أمني النفس بالمشاركة في (مهرجانات بعلبك)، وقريباً أتوجّه إلى أميركا لأقوم بجولة على عدد من ولاياتها».
وغي الذي درس المحاماة يهوى ممارسة رياضة كرة السلّة (هو اليوم رئيس نادي هومنتمن الرياضي)، ويعمل أيضاً في مجال البناء، ولم يفوّت عليه فرصة المشاركة في معارض فنيّة قدّم فيها تصاميمه في الهندسة الداخلية وكذلك في لوحات الرسم. «الفن مجال شاسع لا يحصى، وأعتقد أن أي فنان لديه الطاقة على ولوج أي قسم في هذا النطاق. وأسعى دائماً بأن أخرج ما في داخلي من فنون لأنها تعبّر عن شخصيتي الحقيقية». ولكن ما هي قصّتك مع النساء؟ فلديك كمّاً من أسمائها تطلقها على مقطوعاتك الموسيقية: «المرأة مصدر إلهام لي وأكن لها احتراماً كبيراً، ولذلك تريني أطلق أسماء نساء على مقطوعاتي الموسيقية، وكذلك على عمارات وأبنية أشرف على بنائها. فالمرأة لا تعني لي فقط الحبّ والغرام والزواج، فهي الأم والأخت والعائلة، وباختصار هي البداية والنهاية بالنسبة لي».
يقدّم غي مانوكيان في 8 سبتمبر (أيلول) الحالي حفلاً موسيقياً ضمن «مهرجانات صيدا»، ويعلّق: «هذا الصيف تنقّلت بين عدة مناطق لبنانية واكتشفت مدى حبّ الناس لي. فلا تقتصر الحفلات التي قدّمتها في تعنايل وعمشيت وزوق مكايل و(مهرجانات بيروت الثقافية) وغيرها على أهل المنطقة التي أحيي فيها تلك الحفلات، بل لمست أن الناس تلحق بي من منطقة إلى أخرى وهذا الأمر أفرحني». ويتابع: «هناك علاقة وطيدة ولدت بيني وبين الجمهور اللبناني عمرها من عمري، كونهم رافقوني منذ بداياتي فأعرفهم ويعرفونني ومشكلاتهم هي مشكلاتي فأخاطبهم بلغة بسيطة، ألا وهي الموسيقى». فهم يمثّلون أجيالاً متتالية من الشباب الذي ما لبث أن تزوّج وأسسّ عائلة مثلي تماماً. فلامست بذلك ليس النخبة من الناس فقط كما ينص عرف الموسيقى الكلاسيكية عادة، بل تجاوزت هذا الأمر لأحاكي أي شخص لأي شريحة اجتماعية، لأن عزفي على البيانو ينبع من عاطفة جيّاشة تعيش في أعماقي فتغمر سامعها ببساطتها وجماليّتها».
يعزف غي مانوكيان على البيانو بأنامله، ولكن الحضور يستمتع بمراقبته منتشياً بنوتاته الموسيقية فيقفز ويتحرّك على الخشبة، كأنه يغني بصمت فيطرب سامعه لعزفه الجيّاش. «هدفي عندما أعزف على آلة البيانو أن أخفّف من معاناة الناس فأتقصد إسعادهم. فلا يكفي أن يستمتع الحضور بعزفك، بل أن يرفّه عن نفسه في الوقت نفسه. كما أنني لا أصطنع الحالة التي أعيشها وأنا على المسرح أو أتفلسف في أدائي. فأنا من عامة الناس وأفتخر كون موسيقاي شعبية تلامس الكبير والصغير دون استثناء، أما اللغة الجسدية التي ترونها على المسرح فهي نتيجة تفاعل الناس معي ففرحي ينبع من فرحهم ليس أكثر». ويتابع: «لم أشعر يوماً بأنني أعزف أمام جمهور غريب لا أعرفه، بل أنسى نفسي تماماً وأنا على خشبة المسرح وبموسيقاي أبني ذلك الجسر الصلب بيني وبينه».
يفلت غي مانوكيان في عزفه من الكلاسيكية النخبوية ويقول: «في الماضي كان الناس يقصدون هذا النوع من الحفلات ولا بأس لو أخذوا قيلولة قصيرة خلالها، أما أنا فسأبقى أعزف لأوعي فيهم شغفهم للحياة، وعندما رافقني صوت عزف المزمار في حفلة قدّمتها في مدينة سيدني (أستراليا) قامت الدنيا ولم تقعد لشدة تفاعل الحضور معي، وهو أمر يحفر في ذاكرتي ولا يمكن أن أنساه».
عزف غي مانوكيان مقطوعات موسيقية أهداها أحياناً للشعب الأرميني وأخرى لوالده، وبينها واحدة لابنه عنونها «إلى ولدي»، وتضمن الكليب الخاص بها مقاطع من لبنان أيام العزّ: «أردتها هدية لابني حين تملّكني شعور رائع بولادته».
لا يشترط مانوكيان زماناً ومكاناً معينين لتأليف مقطوعة موسيقية: «يمكن أن أقوم بذلك من وراء مقود سيارتي أو في غرفة الجلوس في منزلي، أو عندما أكون برحلة على شاطئ البحر. فليست هناك حالة نفسية معيّنة تقف وراء مؤلّفاتي، ولكن أعتبر باريس واحدة من المدن التي توحي لي بالكثير، فتخرج منّي النوتات الموسيقية كالرذاذ وبشكل تلقائي».
ويعتبر الموسيقي غي مانوكيان دراسته للحقوق بمثابة الركيزة الأساسية لكلّ حياته. «في هذه المادة لا يوجد الرمادي، فالألوان إما سوداء أو بيضاء. من هنا تنبع الموضوعية والواقعية اللتين أعيش بكنفهما، وانطلاقاً من هذه القاعدة بالذات تتأتّى مختلف قراراتي في الحياة». وعندما سألته عن ذكرياته مع الموسيقى عندما كان صغيراً، أجاب: «سأخبرك قصّة لم يسبق لي أن حكيتها في مقابلاتي وتتعلّق بموضوع علاماتي المدرسية المنخفضة، التي عندما كنت أقدمها لوالدي بخجل أضعها أمامه وأهرب إلى البيانو وأبدأ بالعزف. فكنت أرضيه بهذه الطريقة وكان يقول لي: لا تتوقّف عن العزف ويوماً ما ستصبح اسماً مشهوراً في عالم الموسيقى وستزحف الناس بالمئات لتشاهد حفلاتك». التأثّر بدا واضحاً على صوت غي وهو يخبرني قصّته هذه فتهدّج صوته ليضيف: «لقد مضى اليوم 6 سنوات على رحيله ولقد قالوا لي إن الجرح سيضيق مع الوقت إلا أنني أجد العكس صحيحاً فكلّ يوم يمرّ أشعر بشوق أكبر له».



إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
TT

إيلي فهد لـ«الشرق الأوسط»: المدن الجميلة يصنعها أهلها

بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})
بكاميرته الواقعية يحفر فهد اسم بيروت في قلب المشاهد (حسابه على {إنستغرام})

لا يمكنك أن تتفرّج على كليب أغنية «حبّك متل بيروت» للفنانة إليسا من دون أن تؤثر بك تفاصيله. فمخرج العمل إيلي فهد وضع روحه فيه كما يذكر لـ«الشرق الأوسط»، ترجم كل عشقه للعاصمة بمشهديات تلامس القلوب. أشعل نار الحنين عند المغتربين عن وطنهم. كما عرّف من يجهلها على القيمة الإنسانية التي تحملها بيروت، فصنع عملاً يتألّف من خلطة حب جياشة لمدينة صغيرة بمساحتها وكبيرة بخصوصيتها.

ويقول في سياق حديثه: «أعتقد أن المدن هي من تصنع أهلها، فتعكس جماليتهم أو العكس. الأمر لا يتعلّق بمشهدية جغرافية أو بحفنة من العمارات والأبنية. المدينة هي مرآة ناسها. وحاولت في الكليب إبراز هذه المعاني الحقيقية».

تلعب إليسا في نهاية الكليب دور الأم لابنتها {بيروت} (حساب فهد إيلي على {إنستغرام})

من اللحظات الأولى للكليب عندما تنزل إليسا من سلالم عمارة قديمة في بيروت يبدأ مشوار المشاهد مع العاصمة. لعلّ تركيز فهد على تفاصيل دقيقة تزيح الرماد من فوق الجمر، فيبدأ الشوق يتحرّك في أعماقك، وما يكمل هذه المشهدية هو أداء إليسا العفوي، تعاملت مع موضوع العمل بتلقائية لافتة، وبدت بالفعل ابنة وفيّة لمدينتها، تسير في أزقتها وتسلّم على سكانها، وتتوقف لبرهة عند كل محطة فيها لتستمتع بمذاق اللحظة.

نقل فهد جملة مشاهد تؤلّف ذكرياته مع بيروت. وعندما تسأله «الشرق الأوسط» كيف استطاع سرد كل هذه التفاصيل في مدة لا تزيد على 5 دقائق، يرد: «حبي لبيروت تفوّق على الوقت القليل الذي كان متاحاً لي لتنفيذ الكليب. وما أن استمعت للأغنية حتى كانت الفكرة قد ولدت عندي. شعرت وكأنه فرصة لا يجب أن تمر مرور الكرام. أفرغت فيه كل ما يخالجني من مشاعر تجاه مدينتي».

من كواليس التصوير وتبدو إليسا ومخرج العمل أثناء مشاهدتهما إحدى اللقطات من الكليب (فهد إيلي)

يروي إيلي فهد قصة عشقه لبيروت منذ انتقاله من القرية إلى المدينة. «كنت في الثامنة من عمري عندما راودني حلم الإخراج. وكانت بيروت هي مصدر إلهامي. أول مرة حطّت قدمي على أرض المدينة أدركت أني ولدت مغرماً بها. عملت نادلاً في أحد المطاعم وأنا في الـ18 من عمري. كنت أراقب تفاصيل المدينة وسكانها من نوافذ المحل. ذكرياتي كثيرة في مدينة كنت أقطع عدداً من شوارعها كي أصل إلى مكان عملي. عرفت كيف يستيقظ أهاليها وكيف يبتسمون ويحزنون ويتعاونون. وهذا الكليب أعتبره تحية مني إلى بيروت انتظرتها طويلاً».

لفت ايلي فهد شخصية إليسا العفوية (حسابه على {إنستغرام})

يصف إيلي فهد إليسا بالمرأة الذكية وصاحبة الإحساس المرهف. وهو ما أدّى إلى نجاح العمل ورواجه بسرعة. «هذا الحب الذي نكنّه سوياً لبيروت كان واضحاً. صحيح أنه التعاون الأول بيني وبينها، ولكن أفكارنا كانت منسجمة. وارتأيت أن أترجم هذا الحبّ بصرياً، ولكن بأسلوب جديد كي أحرز الفرق. موضوع المدينة جرى تناوله بكثرة، فحاولت تجديده على طريقتي».

تبدو إليسا في الكليب لطيفة وقريبة إلى القلب وسعيدة بمدينتها وناسها. ويعلّق فهد: «كان يهمني إبراز صفاتها هذه لأنها حقيقية عندها. فالناس لا تحبها عن عبث، بل لأنها تشعر بصدق أحاسيسها». ويضعنا فهد لاشعورياً في مصاف المدن الصغيرة الدافئة بعيداً عن تلك الكبيرة الباردة. ويوضح: «كلما كبرت المدن خفت وهجها وازدادت برودتها. ومن خلال تفاصيل أدرجتها في الكليب، برزت أهمية مدينتي العابقة بالحب».

لقطة من كليب أغنية "حبّك متل بيروت" الذي وقعه إيلي فهد (حسابه على {إنستغرام})

كتب الأغنية الإعلامي جان نخول ولحّنها مع محمد بشار. وحمّلها بدوره قصة حب لا تشبه غيرها. ويقول فهد: «لقد استمتعت في عملي مع هذا الفريق ولفتتني إليسا بتصرفاتها. فكانت حتى بعد انتهائها من تصوير لقطة ما تكمل حديثها مع صاحب المخبز. وتتسامر مع بائع الأسطوانات الغنائية القديمة المصنوعة من الأسفلت». ويتابع: «كان بإمكاني إضافة تفاصيل أكثر على هذا العمل. فقصص بيروت لا يمكن اختزالها بكليب. لقد خزّنت الكثير منها في عقلي الباطني لاشعورياً. وأدركت ذلك بعد قراءتي لتعليقات الناس حول العمل».

في نهاية الكليب نشاهد إليسا تمثّل دور الأم. فتنادي ابنتها الحاملة اسم بيروت. ويوضح فهد: «الفكرة هذه تعود لإليسا، فلطالما تمنت بأن ترزق بفتاة وتطلق عليها هذا الاسم». ويختم إيلي فهد متحدثاً عن أهمية هذه المحطة الفنية في مشواره: «لا شك أنها فرصة حلوة لوّنت مشواري. وقد جرت في الوقت المناسب مع أنها كانت تراودني من قبل كثيراً».