الحملات الانتخابية الألمانية توقد نيراناً جديدة للتوتر مع تركيا

أنقرة تتهم برلين بـ«ضيق الأفق» لمطالبتها بوقف مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية زيغمار غابرييل بعد مؤتمر صحافي في برلين أمس (إ.ب.أ)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية زيغمار غابرييل بعد مؤتمر صحافي في برلين أمس (إ.ب.أ)
TT

الحملات الانتخابية الألمانية توقد نيراناً جديدة للتوتر مع تركيا

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية زيغمار غابرييل بعد مؤتمر صحافي في برلين أمس (إ.ب.أ)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الخارجية زيغمار غابرييل بعد مؤتمر صحافي في برلين أمس (إ.ب.أ)

صبت تصريحات المتنافسين في الانتخابات التشريعية في ألمانيا مزيدا من الزيت على نار التوتر المشتعلة بين أنقرة وبرلين منذ أكثر من عام، بعد أن تحولت تركيا ومفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي لنيل عضويته إلى مادة أساسية في الحملات الانتخابية.
وانتقدت أنقرة ما سمته بتصاعد المشاعر المعادية لتركيا في خطاب السياسيين الألمان، معتبرة أنه نوع من «ضيق الأفق». وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، أمس إن الساسة الألمان «باتوا يعملون دون رؤية أو بعد نظر». واعتبر كالين أن التركيز على معاداة تركيا والرئيس رجب طيب إردوغان في المناظرة الانتخابية بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وخصمها مارتن شولتز زعيم الاشتراكيين الديمقراطيين «لم يكن من قبيل الصدفة».
وذكر كالين، في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه عبر «تويتر» أمس الاثنين أن «التركيز على الخطاب المعادي لتركيا وإردوغان وتجاهل مشاكل أوروبا وألمانيا وتحدياتها الأساسية والكبيرة يشير إلى ضيق في الأفق وتراجع كبير لدى الساسة الألمان»، ولفت إلى أن «مهاجمة تركيا أصبحت وسيلة لهؤلاء السياسيين للهروب من مشاكلهم الأساسية». وانتقد كالين، بشدة، تصاعد الخطاب «المعادي والعنصري والتمييزي» ضد الأجانب في ألمانيا، متهماً برلين باحتضان الإرهابيين و«الانقلابيين» على أراضيها.
وتتهم أنقرة برلين باحتضان أنصار حزب العمال الكردستاني المحظور، وكذلك أنصار الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه بتدبير محاولة انقلاب فاشلة شهدتها تركيا العام الماضي وتقديم الدعم لتنظيمات «إرهابية» تعمل ضدها.
وتوترت العلاقات بين تركيا وألمانيا بشدة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز)، وزادت حدة التوتر مع منع برلين تجمعات للأتراك بحضور وزراء ومسؤولين في الحكومة ونواب بالبرلمان في فترة الاستفتاء على تعديل الدستور لتوسيع صلاحيات إردوغان الذي أجري في 16 أبريل (نيسان) الماضي. ورد إردوغان على ذلك باتّهامها بأنها من بقايا الفاشية والنازية.
ومنعت تركيا نوابا ألمانيين من زيارة الجنود الألمان في قاعدة إنجيرليك، ما دفع ألمانيا إلى نقل طائراتها وجنودها العاملين في إطار التحالف الدولي للحرب على «داعش» إلى الأردن.
وسعت برلين إلى فرض عقوبات أوروبية على أنقرة بسبب اعتقالها صحافيين ونشطاء حقوقيين ألمانيين، كما طالبت مواطنيها في تركيا بتوخي الحذر، وتنتقد إجمالا ما تقول إنه توجه نحو الاستبداد من جانب إردوغان إلى جانب التضييق على المعارضة والتوسع في الاعتقالات والفصل من العمل في حملة انطلقت منذ محاولة الانقلاب الفاشلة وحتى الآن وشملت اعتقال أكثر من 5 آلاف وفصل أكثر من 150 ألفا آخرين.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن تركيا لا يجب أن تصبح أبدا عضوا في الاتحاد الأوروبي، وتعهدت بإنهاء مفاوضات حصولها على العضوية في حال إعادة انتخابها. كما تعهدت ميركل، في مناظرة تلفزيونية أول من أمس مع منافسها الرئيسي في الانتخابات المقبلة على منصب «المستشارية» المرشح الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز، بالعمل على إنهاء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مضيفة أنها ستتحدث مع زملائها في الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى موقف مشترك حول هذه القضية.
وجاءت تصريحات ميركل، بعد أن تعهد منافسها شولتز بإنهاء الحلم التركي بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في حال انتخابه مستشارا للبلاد في الانتخابات المقررة في 24 سبتمبر (أيلول) الحالي.
وطالبت ميركل بزيادة التدابير الاقتصادية ضد تركيا، واتهمتها بأنها تبتعد بوتيرة متسارعة عن جميع العادات الديمقراطية، قائلة: «يمكننا التفكير بتوجيه تحذير أشد لمواطنينا من أجل عدم السفر إلى تركيا». بدوره، أكد شولتز خلال المناظرة أنه «في حال أصبحت مستشارا لألمانيا، سأوقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد».
في سياق آخر، أشادت ميركل بدور وجهود 4 ملايين من الألمان المسلمين في تحقيق الكثير من الإنجازات في البلاد، وقالت: «الإسلام صار مهما بالنسبة إلى ألمانيا، يعيش هنا 4 ملايين مسلم، وهم جزء من المجتمع».
وردا على سؤال حول «عدم قبول ثلثي الشعب الألماني لوجود المسلمين»، أوضحت ميركل أنها «متفهمة لتردد المواطنين في هذا الشأن؛ نظرا لوقوع كثير من الهجمات الإرهابية باسم الإسلام»، إلا أنها تابعت: «من أجل مواجهة هذا الأمر، أرى ضرورة في توضيح الأئمة المسلمين، بشكل مكثف، أن مثل هذه الهجمات لا تمت للدين الإسلامي بأي صلة».
ويحقّ لنحو مليون شخص من أصول تركية، من بين أكثر من 3 ملايين تركي يعيشون في ألمانيا، التصويت والمشاركة في الانتخابات. وقال شولتز إنه لا يصدق الادعاءات التي تفيد بصعوبة اندماج المسلمين في المجتمع الألماني، وإن جزءا كبيرا من المسلمين مثل غيرهم من معتنقي الديانات الأخرى، قادرون أيضا على الاندماج في بلدنا.
وكان وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، قال لصحيفة «بيلد» الشهر الماضي إن تركيا «لن تصبح أبدا عضواً بالاتحاد الأوروبي ما دام يحكمها الرئيس رجب طيب إردوغان». واستنكر نائب رئيس الوزراء التركي، بكير بوزداغ، هذه التصريحات قائلا إنها مهمة من ناحية إظهار مستوى السياسيين في ألمانيا، وتابع: «أرى أن السياسيين الألمان لا يمتلكون أدوات لشرح ما سيقومون به لشعبهم؛ لذلك يلجأون إلى الإساءة لتركيا وشعبها ورئيسها وحكومتها، معتقدين أنهم سيبنون مستقبل ألمانيا على هذه الإساءة».
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة «دي فيلت» الألمانية نقلا عن فريق عمل شولتز، إن «المرشح الاشتراكي حقق مكاسب على حساب ميركل خلال المناظرة، في قضايا التعليم ومعاشات التقاعد ونزع السلاح». وقلص حزب «الاشتراكيين الديمقراطيين» في ألمانيا، الفارق مع «الاتحاد المسيحي» الحاكم إلى 14 نقطة، قبل 20 يوما من الانتخابات التشريعية، حسب استطلاع نُشرت نتائجه أول من أمس.
وأظهر، الاستطلاع، الذي أجراه معهد «أمنيد» لصالح صحيفة «بيلد» اليمينية، أن حزب الاشتراكيين الديمقراطيين (يسار وسط)، حصد 24 في المائة من نوايا التصويت، متخلفا بـ14 نقطة عن الاتحاد المسيحي (يمين وسط)، بزعامة ميركل، الذي حصد 38 في المائة.
وبذلك زاد حزب الاشتراكيين الديمقراطيين رصيده نقطة واحدة، مقارنة بنتائج استطلاع، الأسبوع الماضي، حين حصد 23 في المائة. وتأمل ميركل، التي صعدت إلى السلطة عام 2005 في الفوز بولاية رابعة من أربع سنوات على رأس الحكومة، فيما يريد الاشتراكيون الديمقراطيون، بزعامة شولتز، إنهاء سيطرة الاتحاد المسيحي على الحكومة.
وتقود ميركل، حاليا ائتلافا حكوميا مكونا من الاتحاد المسيحي، والاشتراكيين الديمقراطيين.
ويحق لـ61.5 مليون ألماني الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات. ويبلغ عدد سكان ألمانيا 82.6 مليون نسمة.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».