الشرطة الإسرائيلية تعتقل 6 مسؤولين وزوجة نتنياهو تتجاوز اختبار كشف الكذب

مواصلة التحقيق في شبهات الفساد في صفقة الغواصات الألمانية

TT

الشرطة الإسرائيلية تعتقل 6 مسؤولين وزوجة نتنياهو تتجاوز اختبار كشف الكذب

اعتقلت الشرطة الإسرائيلية أمس 6 مسؤولين إسرائيليين في القضية المعروفة بقضية «الغواصات»، بينهم مسؤول سابق في مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وضباط في الجيش، أبرزهم قائد البحرية السابق إليعزر تشيني ماروم.
وقالت الشرطة الإسرائيلية، في بيان، إنه جرى احتجاز الأشخاص الستة للاشتباه فيهم بارتكاب جرائم اقتصادية تتعلق بالنزاهة.
وجاءت الاعتقالات الأحدث، بعد اعترافات، كما يبدو، لممثل الشركة الألمانية لتصنيع الغواصات، ميكي غانور، الذي تحول إلى «شاهد ملك»، قال فيها، إن محامي نتنياهو وهو ديفيد شيمرون، كان يفترض أن يتلقى عمولة تقدر بنحو عشرة ملايين دولار مقابل الدفع باتخاذ قرار شراء الغواصات.
ويفترض أن تحقق الشرطة الإسرائيلية مع المعتقلين وتعرض عليهم شهادات ومعلومات وأدلة.
وهذا ليس أول استجواب للمعتقلين الستة. وفي تحقيقات سابقة، نفى شمرون أي مخالفة حينها، وقال: «لم أتباحث في هذه الأمور مع رئيس الوزراء. لم أتحدث مع أي مسؤول حكومي حول خصخصة حوض بناء السفن، ولم أتعامل مع أي مسؤول حكومي حول مركبات بحرية اشترتها دولة إسرائيل».
ويشتبه شيمرون بالدفع لعقد اتفاق قيمته 6 مليارات شيقل لشراء غواصات لسلاح البحرية الإسرائيلي، ومركبات أخرى لحماية حقول الغاز الطبيعي الإسرائيلية في البحر المتوسط، مقابل عمولة كبيرة.
وتبحث الشرطة دور نتنياهو في قرار شراء الغواصات والسفن.
ونفى رئيس الحكومة الإسرائيلية أي مخالفة في الصفقة، قائلاً إن «تعزيز احتياجات إسرائيل الأمنية طويلة المدى كان الاعتبار الوحيد فيها». لكن وزير دفاعه السابق، موشيه يعالون، أثار شكوكا كثيرة حول ما قاله نتنياهو، ووصف الصفقة بأنها «هذه القشة التي كسرت ظهر البعير مع نتنياهو». وأضاف: «أعرف عن رؤساء حكومة سابقين كانوا فاسدين من أجل مصلحتهم الخاصة، ولكن الأمر يختلف تماما عندما يخاطر رئيس وزراء بمصالح الدولة من أجل مكاسبه».
وقضية الغواصات هي واحدة من بين 3 ملفات تحقق فيها الشرطة الإسرائيلية بشبهة فساد لنتنياهو.
وتحقق الشرطة في القضية رقم 1000 ورقم 2000 و3000. ويتركز التحقيق في القضية 1000، على شبهات حول تلقي نتنياهو «الرشوات» إضافة إلى «الاحتيال، وخيانة الأمانة». وتبحث الشرطة إذا كان نتنياهو وزوجته «حصلا على هدايا غير شرعية من رجال أعمال، أبرزها سيجار وشمبانيا بقيمة مئات آلاف الشواقل من منتج هوليوود المولود في إسرائيل أرنون ميلشان». أما القضية 2000، فتخص صفقة المقايضة بين نتنياهو وصاحب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، حول الحد من عمل صحيفة ثانية منافسة مقابل تغطية أفضل من «يديعوت». وتحمل «قضية الغواصات»، اسم «القضية 3000»، التي تبحث في صفقة يفترض أنها فاسدة، لشراء مركبات بحرية من ألمانيا، ويمكن أن تؤدي إلى لوائح اتهام ضد مسؤولين رفيعين.
وضمن التحقيقات الجارية مع نتنياهو وزوجته وطاقمه، أنهت سارة نتنياهو، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي، فحصا على جهاز كشف الكذب بصورة خاصة، وأظهرت نتائج الفحص أنها «تقول الحقيقة»، وفقاً لما قالته وسائل إعلام إسرائيلية.
وقال معهد «تال بوليغراف» الذي قام بإجراء الفحص لسارة، في بيان: «هي طلبت بمحض إرادتها إجراء فحص كشف الكذب، وقامت بالمصادقة على إجرائه، وأبدت موافقتها على ذلك». وخلال الفحص نفت سارة نتنياهو التهم الموجهة إليها، في إطار التحقيق بشبهات فساد وإنفاق للمال العام لدفع مصاريف منزلية.
وجاء طلب سارة نتنياهو إجراء الفحص، على خلفية الكشف عن نية المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية تقديم لائحة اتهام ضدها في غضون أيام. وقامت الشرطة الإسرائيلية أخيرا، بالتحقيق مع سارة لمدة ساعتين للاشتباه بإنفاقها أموالاً عامة بطريقة غير قانونية لدفع مصاريف منزلية
وتم استجواب سارة نتنياهو في مقر وحدة مكافحة الفساد قرب تل أبيب.
ودفعت كل هذه التحقيقات، معارضين لنتنياهو لمطالبته بالاستقالة، فيما يجري سياسيون اتصالات من أجل فحص إمكانية إقامة أحزاب منافسة. لكن وزيرة القضاء إيليت شاكيد، قالت إن نتنياهو ليس مجبرا قانونيا على الاستقالة حتى لو قدمت شهادات ضده.
وقال نتنياهو نفسه، الأسبوع الماضي عن التحقيقات: «التحقيقات لا تشوش عملي. إنني أقوم بمهامي على أحسن وجه». وأضاف: «أنا سعيد بعملي وسعيد لأنني سأخيب ظن البعض في إسرائيل. سأحكم إسرائيل لسنوات طويلة».
وتوجد قضية رابعة ضد نتنياهو تحمل الرقم 4000، وتخص إدارة نتنياهو لوزارة الاتصالات التي استأثر بها لسنوات، لكن لم يتقرر بعد فتح تحقيق بشأنها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.