تراجع القتال لا يحسّن الوضع المعيشي في مناطق النظام

«سلة هموم» الدمشقيين تتراكم مع بدء الموسم الدراسي والعيد

أسواق في دمشق القديمة في أعقاب هدنة الغوطة الشرقية  (إ.ب.أ)
أسواق في دمشق القديمة في أعقاب هدنة الغوطة الشرقية (إ.ب.أ)
TT

تراجع القتال لا يحسّن الوضع المعيشي في مناطق النظام

أسواق في دمشق القديمة في أعقاب هدنة الغوطة الشرقية  (إ.ب.أ)
أسواق في دمشق القديمة في أعقاب هدنة الغوطة الشرقية (إ.ب.أ)

لم يؤد تراجع القتال بعد اتفاقيات «خفض التصعيد» إلى تحسن الوضع المعيشي لأغلب الأسر المقيمة في مناطق سيطرة النظام في دمشق وضواحيها.
ومع إبرام روسيا اتفاقيات «خفض التصعيد» مع المعارضة مؤخرا في مناطق جنوب غربي سوريا، الغوطة الشرقية، ريف حمص الشمالي، وانحسار رقعة المعارك في تلك المناطق، استبشر دمشقيون خيرا على أمل أن يسهم ذلك في خفض أسعار الخضراوات والفواكه واللحوم ومشتقات الحليب من ألبان وأجبان؛ كون تلك الاتفاقيات تتضمن تسهيل الحركة الاقتصادية والتجارية من دون تحديد الكميات والنوعيات من وإلى مناطق المعارضة، أخذين بعين الاعتبار أن درعا والغوطتين الشرقية والغربية كانت تعتبر سلة العاصمة الغذائية.

نسيان الطبخ
وبدت «أم محمد»، مدرّسة ولا يتجاوز مرتبها الشهري 60 دولارا أميركياً، حائرة وهي تتجول في إحدى أسواق الخضراوات في أطراف العاصمة الغربية، بشأن ما تشتري بسبب ارتفاع أسعار كافة أنواع الخضراوات والفاكهة. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم يتغير شيء. بالعكس الأسعار ازدادت ارتفاعا. ماذا نطبخ؟ أي طبخة تحتاج إلى 2000 ليرة سوريا. يبدو أنه محكوم علينا أن ننسى شيئا اسمه طبخ».
تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي إلى نحو 515 ليرة، بعد أن كان نحو 45 ليرة قبل الحرب، على حين بقيت مرتبات الموظفين الحكوميين تراوح مكانها ما بين 30 و40 ألف ليرة. ويلاحظ من لوائح الأسعار المعروضة في أسواق الخضراوات والفاكهة والمواد الغذائية، ارتفاع معظمها عما كانت عليه قبل توقيع اتفاقيات «خفض التصعيد» وتضاعف معظمها عما كانت عليه في العام الماضي خلال هذه الفترة.
يصل حاليا سعر كيلو الباذنجان بين 100 و150 ليرة، بعد أن كان في العام الماضي بين 50 و75 ليرة وكيلو البندورة بين 100 و150 ليرة، بينما كان ما بين 60 و80 ليرة.
وقبل اتفاقيات «خفض التصعيد»، كان كيلو البطاط بنحو 100 ليرة، بينما يصل حاليا إلى 150، وكيلو البندورة كان بـ80 ليرة، بينما يصل حاليا إلى 150، بينما بدا الفرق واضحا في سعر مادة البيض، حيث يصل سعر الصحن (30 بيضة) إلى 1200 ليرة، على حين كان قبل الاتفاقيات بين 600 و800 ليرة..
وأكثر ما طال الارتفاع أسعار الفاكهة؛ ذلك أن سعر كيلو العنب يصل إلى 500 ليرة، والأجاص إلى 400 والخوخ إلى 350 والدراق 600، على حين كان سعر الكيلو من تلك الأصناف لا يتجاوز 200 ليرة في العام الماضي، لدرجة أن الكثير من الأسر «استغنت» عن الفاكهة، وباتت تعتبرها من «الكماليات» وفق تعبير موظف في إحدى الشركات الحكومية لـ«الشرق الأوسط». وقال: «كنا في العام الماضي نشتري لمرة واحدة من بعض الأصناف، لكن الآن لا يوجد إمكانية. باتت الأولوية لتأمين الطعام، واستمرار الوضع على هذا المنوال قد يوصلنا إلى مرحلة لا نستطيع تأمين الطعام».

أسعار ساخنة
يبدو الفرق كبيرا بين أسعار الخضراوات والفاكهة في مناطق إنتاجها وبين أسعارها في العاصمة، بحسب تأكيد كثير من المصادر الأهلية في المناطق الزراعية المحيطة بدمشق والواقعة تحت سيطرة النظام، وكذلك في مناطق في محافظة درعا يسيطر عليها النظام وأخرى تسيطر عليها المعارضة.
وبحسب مصادر، فإن كيلو البندورة في حقول قرى درعا «لا يتجاوز 30 ليرة، والخيار 50 ليرة والباذنجان 40 ليرة». ويوضح أحد سائقي الشاحنات المستخدمة لنقل الخضراوات والفاكهة لـ«الشرق الأوسط»، أن السبب في الفروق الشاسعة في الأسعار ما بين منطقة الإنتاج والعاصمة هو المبالغ الكبيرة التي تفرضها ميليشيات موالية للنظام على السائقين لقاء «عمليات الترفيق» التي تفاقمت مؤخرا، وسط حالة من التواطؤ معها من قبل النظام؛ وذلك بذريعة حماية الشاحنات من المسلحين، وكذلك ارتفاع أسعار الوقود.
بدوره، أفاد سائق آخر لـ«الشرق الأوسط»، بأن المبلغ الذي يفرض على الشاحنة الواحدة يعود لمزاج القائمين على عملية «الترفيق» ويتراوح «بين 100 ألف و500 ألف ليرة»، بغض النظر عن نوع وكمية المواد، لافتا إلى أن الكثير من سائقي الشاحنات عزفوا عن العمل، لكنهم وتحت وطأة الحاجة عادوا، وقال والبؤس يخيم على وجهه: «بدنا نعيش، الجوع لا يرحم».
وبينما يتحدث البعض عن فرض ميليشيات مبلغ 5 آلاف ليرة عن كل رأس غنم لقاء عملية «الترفيق»، لوحظ مؤخرا ارتفاع جنوني في أسعار اللحوم الحمراء، حيث كان سعر الكيلو الواحد من لحم العواس يصل إلى 4 آلاف ليرة، على حين تجاوز الـ7000 بعد اتفاقيات «خفض التصعيد»؛ ما أدى إلى انحسار كبير في عدد الزبائن التي ترتاد محال الجزارين، واقتصار طلب من يرتادها على كمية 200 غرام و100 غرام، بينما يكتفي البعض منهم بطلب 100 غرام من الدهن لـ«إضفاء نكهة اللحمة على الطبخة»، وفق تعبير أحد الزبائن. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الحسابات باتت دقيقة جدا... نحاول العيش ضمن الإمكانات المتاحة، فشراء نصف كيلو لحمة ربما يجعلنا بلا طعام لثلاثة أو أربعة أيام».

شماتة موالين
أكثر ما يثقل كاهل الأسر، وخصوصا منها النازحة إلى دمشق، هو أسعار بدلات إيجار المنازل التي تضاعفت لنحو 20 ضعفا في مناطق السكن العشوائي عما كانت عليه قبل الحرب المستمرة منذ أكثر من ست سنوات، ذلك أن بدل الإيجار الشهري لشقة مؤلفة من غرفتين ومنافع في أحياء أطراف العاصمة وصل مؤخرا إلى 100 ألف ليرة، بعد أن كان لا يتجاوز 5 آلاف قبل الحرب.
«أبو وليد» أب لخمسة أطفال، نزح من الغوطة الشرقية، ويكسب عيشه حاليا من بسطة خضراوات في إحدى الأسواق، وكله أمل في أن يتم السماح له بالعودة ليعيش في بيته للتخلص من دفع بدل الإيجار؛ كون ذلك يخفف من تكاليف المعيشة نوعا ما، لكنه يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمور ما زالت غير واضحة حتى الآن».

مصادر الدخل
وإذا كان «أبو وليد» هو المعيل الوحيد لعائلته، فإن الكثير من الأسر السورية بات اعتمادها الرئيسي في تأمين معيشتها على حوالات أبنائها أو أقاربها المغتربين واللاجئين في الدول العربية والغربية. وتقول الموظفة الحكومية أم سامر التي لها ثلاثة أولاد هاجروا إلى ألمانيا والسويد مع عائلاتهم لـ«الشرق الأوسط»: «مرتب الحكومة بات لا يكفي لأيام معدودة من الشهر».
وبحسب ما نقلت وسائل إعلامية محلية عن مصادر حكومية، فإن قيمة حوالات المغتربين المتدفقة إلى سوريا وصلت خلال العام الماضي إلى ما يقارب المليار ونصف المليار دولار، أي بمعدل يتراوح ما بين 3 و4 ملايين دولار يوميا، مشيرة إلى أن قيمة الحوالات قد تصل إلى 9 ملايين دولار أيام الأعياد والمناسبات.
وللتغطية على صورة الوضع المعيشي المأساوي الذي باتت تعيشه أغلبية الأسر السورية، يقول خبراء اقتصاديون، إن تكلفة الأسرة السورية المكونة من 5 أفراد شهريا في الظروف العادية تصل إلى نحو 185 ألف ليرة، على حين أحاديث أرباب الأسر تؤكد أن تكلفة تلك الأسرة شهريا لتعيش في مستوى وسط تصل إلى نصف مليون ليرة، وهو رقم خيالي قياساً بمرتب الموظف الذي يصل في أحسن الأحوال إلى 45 ألف ليرة.
وتتزايد سلة هموم السوريين الاقتصادية في هذه الأيام مع اقتراب موعد بدء العام الدراسي الجديد الذي يتطلب مصاريف كبيرة تقدر بـ100 ألف ليرة لكل طالب، وترافقه مع عيد الأضحى المبارك، وموسم المؤونة (شراء وتخزين مؤن الشتاء الأساسية من الاحتياجات الغذائية) التي تتطلب ميزانية سنوية كبيرة تتجاوز الخمسمائة ألف ليرة لعائلة من 4 أفراد.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.