تشكيل لجنة تحقيق في مقتل 10 في عملية عسكرية أميركية بالصومال

في محاولة لإرضاء عائلات امتنعت عن دفن قتلاها

TT

تشكيل لجنة تحقيق في مقتل 10 في عملية عسكرية أميركية بالصومال

في محاولة لنزع التوتر عقب رفض عائلات صومالية دفن جثث عشرة من ذويها، وبينهم ثلاثة أطفال، حتى تعترف الحكومة الصومالية بمسؤوليتها عن قتلهم خلال عملية عسكرية مدعومة من الولايات المتحدة، أعلنت الحكومة الفيدرالية أمس عن تكليف لجنة تحقيق في العملية التي جرت أول من أمس في منطقة بريري بإقليم شبيلي السفلى.
وتسبب الحادث في إصدار رئيس الوزراء الصومالي حسن خيري أمرا يحظر بموجبه على الوزراء في حكومته نشر تغريدات سياسية على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. وقال بيان مقتضب وزعه مكتب خيري، إنه أمر وزراء الحكومة بعدم نشر تغريدات سياسية وأمنية، من دون إذن وموافقة منه.
ويأتي هذا الأمر بعد نشر مسؤولين حكوميين تغريدات متناقضة حول مقتل 10 أشخاص بعملية عسكرية نفذتها بشكل مشترك قوات حكومية وأميركية في إقليم شبيلي السفلى بولاية جنوب غربي الصومال.
وجاءت هذه التطورات فيما أحبطت أجهزة الأمن الوطنية مساء أمس عملية إرهابية كبيرة في العاصمة مقديشو عبر سيارة كانت محملة بمواد متفجرة بمنطقة حاجي باستو بالمدينة.
وقالت مصادر محلية إن التفجير الناجم عن السيارة لم يصب أي شخص بأذى، قبل أن تقوم قوات الأمن بتطويق المكان.
من جانبه، أبلغ وزير الأمن الداخلي محمد إسلو وكالة الأنباء الصومالية الرسمية بأن هناك لجنة تتولى مسؤولية المتابعة بالنسبة للحادث الذي لقي فيه عشرة أشخاص مصرعهم بالرصاص، عندما شن الجيش الصومالي عملية عسكرية، بدعم من القوات الأميركية، في قرية بريري الواقعة على بعد 50 كيلومتراً من العاصمة مقديشو.
وقال علي نور نائب حاكم شبيلي السفلى لوكالة «رويترز» إنه سوف يتم التحفظ على الجثث إلى أن تدفع الحكومة تعويضات، موضحاً أنهم رفضوا دفن الجثث لأن الحكومة تنفي ولم تقر بعد بشكل صريح أنها قتلت المدنيين.
وأضاف أنه يتعين على الحكومة الاعتراف بقتل المدنيين ودفع التعويضات، مشيراً إلى أن السلطات حولت شاحنة لتجميد المأكولات البحرية إلى مشرحة للاحتفاظ بالجثث.
وأعلنت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا أن القوات الأميركية قامت بدور مساند خلال العملية العسكرية في بريري، وأنها تحقق في صحة التقارير بشأن سقوط ضحايا من المدنيين، ولم تدل بتعليقات جديدة أمس الأحد.
وذكر الجيش الصومالي في البداية أن جميع القتلى أعضاء في حركة الشباب الصومالية الإسلامية المتشددة التي يقاتلها بدعم من قوات من الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، ولكنه أقر في وقت لاحق بسقوط قتلى من المدنيين.
وذكر شيوخ عشائر محليون أن القوات الأميركية انزلقت بشكل غير متعمد إلى القتال الدائر بين العشائر في المنطقة خاصة حول قرية بريري التي تشهد نزاعا بين جماعتين تتمتعان بالسلطة ومسلحتين بشكل جيد.
وقال النائب البرلماني ظاهر أمين جيسو إن القتلى كانوا مزارعين حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم في مواجهة جماعة منافسة لهم.
وتساءل حسن محمد وهو ابن عم أحد القتلى قائلاً: «كيف سيكون شعورك إذا ما قتلت حكومتك أشقاءك ووصفتهم بأنهم متشددون»، وأضاف: «نريدهم أن يعترفوا ويعتذروا ويدفعوا تعويضا وإلا لن يكون هناك سلام».
وأكد شيوخ العشائر المحليون وسائقو سيارات الإسعاف الذين نقلوا الجثث أنها وضعت داخل شاحنة التجميد.
وقال أحد شيوخ العشائر ويدعى محمد حسين إن الحكومة تريد دفن الجثث قبل إجراء التحقيق، مضيفاً أن ذلك لن يحدث، إذ إنهم سيحفظون الجثث داخل الشاحنة حتى لو ظلت هناك لمدة شهر.
وسوف تثير عملية بريري على الأرجح تساؤلات في واشنطن بشأن تنامي الوجود الأميركي في الدولة الواقعة في منطقة القرن الأفريقي والتي مزقتها الحرب الأهلية منذ عام 1991.
وكان جندي من القوات الخاصة في البحرية الأميركية قتل في الصومال في مايو (أيار) الماضي، وهو أول جندي يقتل في القتال في الصومال منذ عام 1993.
ومنح البيت الأبيض سلطات أوسع للجيش الأميركي لتنفيذ ضربات في الصومال ضد حركة الشباب التي تربطها صلات بتنظيم القاعدة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.