السلاح الأميركي يقلب ميزان «فجر الجرود» والجيش اللبناني يستعد للحسم

يستكمل الجيش اللبناني تحضيراته العسكرية، لإطلاق المرحلة الرابعة والأخيرة من معركة «فجر الجرود»، الهادفة إلى تحرير ما تبقّى من الحدود الشرقية من تنظيم داعش، آخذاً في الاعتبار مسألة كشف مصير العسكريين التسعة المخطوفين لدى التنظيم، ومستفيداً إلى حد كبير من الأسلحة الذكية التي تسلّمها من الأميركيين، والتي لعبت دوراً مهماً في التغلّب ميدانياً على المسلحين.
وتسود الساحة اللبنانية بعضٌ من الحذر والترقب، حيال الترجمة العملية لمواقف الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الأخيرة، التي قلّل فيها من أهمية انتصار الجيش في معركته ضد الإرهاب، عندما تحدث عن «مبالغة في تقدير قوة (داعش) في الجرود»، وربطه كشف مصير العسكريين المخطوفين، بحتمية التنسيق مع حزبه ومع النظام السوري، والخوف من أن يؤدي هذا الكلام إلى فرملة اندفاعة الجيش. لكن مصدرا عسكرياً أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجيش اللبناني يخوض معركة تحرير الجرود، وفق بنك الأهداف الذي وضعته القيادة، وليس وفق أجندة أحد»، مشدداً على أن الجيش «مستمر بمهمة تنظيف الجرود من الإرهابيين، وهو أنجز مرحلة بالغة الأهمية، لجهة المساحة الجغرافية التي حررها، والخسائر المحدودة قياساً بحجم الخطر».
وتبدو المؤسسة العسكرية حازمة في منع أي استغلال سياسي لدورها، وهو ما أشار إليه المصدر العسكري، الذي رأى أن «الجيش لديه مهمة وطنية، وهو مؤتمن على تنفيذها حتى النهاية، وهذه المهمة لا تتأثر بالمواقف سياسية أياً كان مطلقوها، وهو لا يأخذ بعين الاعتبار إلا المصلحة الوطنية، ومنها كشف مصير العسكريين المخطوفين لدى (داعش)»، لافتاً إلى أن «توقيت المرحلة الرابعة والأخيرة من المعركة، بات قريباً، لكن انطلاقتها رهن التوقيت الذي تحدده غرفة العمليات في قيادة الجيش». وقال المصدر «المرحلة الرابعة هي الأصعب؛ لذلك فإن القيادة (الجيش) تأخذ وقتها في التحضير للعملية؛ لأن المعركة ستكون مقسمة بين جبال ووديان، يتحصّن الإرهابيون فيها، وعددهم كبير، خصوصاً أن عدداً كبيراً من الذين انسحبوا من المناطق التي تحررت، لجأوا إلى هذه الجرود والوديان».
وكان الجيش اللبناني أطلق السبت 19 من الشهر الحالي، معركة «فجر الجرود» واستطاع في غضون ثلاثة أيام، تحرير 100 كلم مربع، من أصل 120 كلم، مستخدماً سلاح الجو والمدفعية وأسلحة أميركية ذكية، لكنه خسر خمسة من جنوده، قتل أربعة منهم بألغام أرضية زرعها «داعش»، والخامس قتل بعملية قنص أثناء وجوده في الآلية العسكرية.
وتحدث المصدر العسكري عن «عامل إضافي يؤخر جولة الحسم بعض الشيء، ويتمثل بوجود عائلات مدنية بينهم، ويعمد الإرهابيون إلى استخدام هؤلاء المدنيين دروعا بشرية، ويضعونهم في مراكز تعدّ أهدافاً عسكرية للجيش، لتصوير أن الجيش اللبناني يقتل المدنيين»، مؤكداً أن الجيش «يعمل الآن على تعزيز قدراته العسكرية لشنّ هجوم واسع وقوي، خصوصاً على وادي مرطبا، أحد أهم معاقل (داعش) في الجرود».
التقدم السريع للجيش اللبناني في معركة الجرود، لا يزال موضع تقييم ومتابعة، خصوصاً لجهة السرعة في السيطرة على مساحات جغرافية واسعة، وهنا أوضحت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط»، أن «تحرير الجيش اللبناني 100 كيلومتر في الجرود، لم تكن مهمة سهلة إطلاقاً، لكن نجاحها وسرعتها، يعود إلى التحضيرات التي سبقت المعركة»، مشيرة إلى أن «معركة (فجر الجنود) سبقتها تحضيرات، بدأت بتمركز وحدات الجيش في نقاط استراتيجية، مطلّة على مسرح العمليات العسكرية، واستهداف مواقع وأوكار التنظيم وقطع طرق إمداده، واستخدام سلاح ذكي، استطاع تدمير من أسلحة التنظيم، ولا سيما المضادات، هذا كلّه لعب دوراً أساسيا في تسريع وتيرة الحسم».
المصدر الأمني المواكب للعملية العسكرية، أكد أن الجيش «استفاد من السلاح الأميركي الذي لعب دوراً فاعلاً في المعركة، خصوصا أن معظم سلاح الجيش يأتي من الولايات المتحدة». وكشف أن «الخبراء العسكريين في الجيش اللبناني، استطاعوا تطوير السلاح الذكي في مكان ما، لجهة استخدام تقنية(الليزر)، الذي ساهم بالتنسيق بين سلاح الجو وسلاح المدفعية»، مشيراً إلى أن «هذه التقنية كانت ناجحة جداً، بحيث إن القذيفة كانت تتعقّب ضوء (الليزر) المصوّب إلى الهدف، وتصيبه بشكل مباشر».
من جهته، اعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد خليل حلو، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «النصر الذي يحققه الجيش اللبناني على الحدود الشرقية، يصبّ في مصلحة ترسيخ الدولة، ويجب على الحكومة أن تستفيد منه». ورأى أن «كلام نصر الله عن المبالغة في تقدير قوة (داعش)، يشكل ضرباً للمؤسسة العسكرية، ومحاولة لسرقة انتصار الجيش على الإرهاب».
وشدد الخبير العسكري على أن الجيش اللبناني «لديه الآن ورقة ضغط، تتمثل بمحاصرة عناصر (داعش) المتحصنين في وادي مرطبا، الذين يفاوضون على الانسحاب، في حين يرفض الجيش انسحابهم، قبل معرفة مصير جنوده المخطوفين». وقال العميد حلو «الخطورة تكمن في أن النظام السوري و(حزب الله) يفاوضون (داعش) على تأمين انسحابه إلى دير الزور، وعلى مصير العسكريين اللبنانيين». ورأى في ذلك «محاولة لسحب ورقة التفاوض من يد الجيش اللبناني، ومن يد اللواء عباس إبراهيم المدير العام للأمن العام اللبناني، الذي يمثل الدولة اللبنانية في هذا الملف، وهذا يتنافي مع ما يقوله (حزب الله) عن وجود تنسيق معه ومع النظام السوري في هذه المعركة».