اقتصاد «الألغاز» البريطاني يبحث عن الخروج من «خانة الارتباك»

تجاوز بسلاسة الصدمة الأولى لتصويت «بريكست» ... والآن يفقد زخمه مع غموض المفاوضات

اقتصاد «الألغاز» البريطاني يبحث عن الخروج من «خانة الارتباك»
TT

اقتصاد «الألغاز» البريطاني يبحث عن الخروج من «خانة الارتباك»

اقتصاد «الألغاز» البريطاني يبحث عن الخروج من «خانة الارتباك»

«اقتصاد المملكة المتحدة في حالة أسوأ مما يبدو، متوجها إلى شبه الركود»؛ هكذا استهلت شركة «يو بي إس» السويسرية للخدمات المالية تقريرها عن الاقتصاد البريطاني الذي نشر منذ أيام قليلة، موضحا أن هناك تراجعا ملحوظا في المؤشرات الاقتصادية منذ بداية العام، وتوقعت أن يتوجه الاقتصاد البريطاني نحو «المنطقة الصفرية» في المستقبل القريب.
ويأتي التحليل المتشائم بعد أيام من صدور تقرير مجموعة من الاقتصاديين المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك باتريك مينفورد من جامعة كارديف، يشير إلى توقعاتهم بأن ترك سوق الاتحاد والاتحاد الجمركي الموحد سيضيف 135 مليار إسترليني (173 مليار دولار) إلى الاقتصاد البريطاني، فضلا عن انخفاض الأسعار عن طريق فتح التجارة الحرة العالمية وتحفيز المنافسة.
لكن على عكس تلك النظرة الموغلة في التفاؤل، قالت مونيك أويوترا، المحللة الاقتصادية، لـ«الشرق الأوسط»: إن «المملكة المتحدة ستفقد ما يصل إلى 30 في المائة من إجمالي تجارتها بعد ترك الاتحاد الأوروبي».
ومن المرجح أن يفقد الاقتصاد البريطاني زخمه في النصف الثاني من العام الحالي... ووفقا لمسح قامت به «الشرق الأوسط»، فإن بنك إنجلترا قد يخيب آمال أولئك الذين يرغبون في رفع أسعار الفائدة. ورغم أن الاستطلاع أكد تعافي الاقتصاد البريطاني في الربع الثاني مقارنة بالربع الأول من العام، فإن هناك بعض الإشارات المتشائمة على المدى القصير. ووسط الاضطراب الكبير الذي يعانيه الاقتصاد البريطاني والسياسات بشكل عام، في ظل الغموض المتزايد حول تبعات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، فإن نتائج البيانات الاقتصادية تأتي ممتزجة بدورها على نحو يزيد من هذا الغموض.
وأشار مسح لـ«ماركيت» أول الشهر الماضي، إلى انخفاض في جميع شركات الخدمات البريطانية إلى أدنى مستوى لها في أربعة أشهر، وذلك عن شهر يونيو (حزيران) الماضي، أي بعد عام واحد بالتمام والكمال من استفتاء «بريكست». في حين أظهرت بيانات رسمية في وقت سابق الأسبوع الماضي أن بريطانيا سجلت على نحو غير متوقع أول فائض في الميزانية في شهر يوليو (تموز) من أي عام منذ 2002. وهو نبأ سار لوزير المالية فيليب هاموند في سنة مالية ما زالت تبدو صعبة على الحكومة.
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية - نقلا عن بيانات لا تشمل البنوك التي تسيطر عليها الدولة: إن الفائض في يوليو الماضي بلغ 184 مليون جنيه إسترليني (236 مليون دولار) مقارنة مع عجز 308 ملايين جنيه في العام الماضي. وتلقى الفائض دعما من زيادة 10.6 في المائة على أساس سنوي في عائدات ضريبة الدخل من الأفراد في يوليو، وهو الشهر الذي يشهد عادة ارتفاعا في مثل هذه العوائد.
لكن السنة بأكملها تبدو أقل إشراقا من حيث النتائج، حيث تسبب التصويت لصالح «بريكست» في العام الماضي في ارتفاع التضخم وتكاليف الاقتراض، وأدى إلى تباطؤ النمو منذ بداية العام الحالي. وعادة ما يكون يوليو شهرا قويا لإيرادات ضريبة الشركات أيضا، على الرغم من تراجعها بشكل طفيف في العام الحالي مقارنة بمستواها قبل عام.
وهاموند غير ملتزم بضبط الميزانية حتى منتصف العقد المقبل، وهو ما يمنحه بعض المرونة لإبطاء وتيرة خفض العجز الراهنة «إذا ما اقتضى الأمر» لدعم الاقتصاد أثناء إتمام عملية خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي. وقال متحدث باسم وزارة المالية: إن بيانات يوليو تظهر أن الحكومة تحرز «تقدما جيدا» نحو أهدافها الخاصة بالموازنة، لكن الدين العام لا يزال شديد الارتفاع.
وفي أفضل سيناريو لمؤسسة «بي دبليو سي» الاقتصادية الدولية، فإن النمو في المملكة سيتباطأ إلى نحو 1.5 في المائة في 2017 و1.4 في المائة في 2018، متأثرا بتباطؤ النمو في الإنفاق الاستهلاكي، يقابله بعض الارتفاع في صادرات المملكة المتحدة والاستثمار العام، وأرجعت «بي دبليو سي» التأثير السلبي إلى الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
وفي محاولة لفك شفرات لغز الاقتصاد البريطاني، تناقش «الشرق الأوسط» حال مختلف العوامل والقطاعات الكبرى التي تؤثر في وتتأثر بالاقتصاد بشكل عام؛ سعيا لفهم الوضع الحالي، ومحاولة استشفاف ما هو قادم.
على المستوى العام، حقق الاقتصاد البريطاني أداءً مستقرا في عام 2016، وسجل ثاني أسرع معدل نمو بين اقتصادات مجموعة السبعة الصناعية الكبرى، وكان النمو في الأشهر الستة التي تلت استفتاء «بريكست» أقوى كثيرا مما كان يخشى البعض قبله، وبخاصة مع توقعات وزارة الخزانة أن يقود التصويت إلى ركود.
وعلى مدى العام الماضي، واصل قطاع الخدمات التوسع بقوة، في حين كافح قطاعا البناء والتصنيع، ونما الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من عام 2017 بنحو 0.3 في المائة على أساس ربع سنوي، وتوسع حجم الاقتصاد مقارنة مع الذروة قبل الانكماش بنحو 8.1 في المائة، لتبلغ نسبة التغير السنوي 2.3 في المائة.
وكان هذا أبطأ انتعاش في مستويات الإنتاج منذ عام 1920، وحقق الاقتصاد البريطاني المعدل نفسه الذي حققه في الربع الأول من 2013. ويذكر أن معدل النمو المذكور سابقا كان مؤشرا إيجابيا على قوة الاقتصاد البريطاني؛ ما جنبه مخاوف الوقوع في «الركود الثالث» في الألفية الجديدة، وبعد أقل من خمس سنوات فقط من بداية التعافي من «الركود الثاني» الذي أعقب الأزمة العالمية، حيث عاد الناتج المحلي الإجمالي للفرد إلى معدلات ما قبل الركود في الربع الثاني من عام 2015.
وظل النمو الاقتصادي أفضل مما كان متوقعا في النصف الثاني من 2016، ليبدأ سلسلة من التراجعات «النسبية» في 2017، فضلا عن ارتفاع التضخم المدفوع بانخفاض قيمة الإسترليني الذي يضغط على دخل الأسر ويقلل من الإنفاق الاستهلاكي الذي كان المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة. ويتوقع مكتب الموازنة أن يحقق الاقتصاد البريطاني نموا بنسبة 2 في المائة العام الحالي، و1.6 في المائة العام المقبل... لكن لا يمكن إغفال حقيقة أن خبراء مكتب الموازنة توقعوا أيضا تباطؤ معدلات النمو في النصف الثاني من 2016 بعد الاستفتاء، لكن توقعاتهم تلك خابت وعلى عكس ما حققه الاقتصاد، والذي كان أقوى من المتوقع. وتظل توقعات المكتب للعامين الحالي والمقبل تقع في خانة التباطؤ، حيث تؤخر معظم الشركات خططها الاستثمارية وتضغط معدلات التضخم على الدخل الأسري، في حين توقعت «الشرق الأوسط» في تحليلات أعقبت «بريكست» أن قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي سيؤثر على النمو على المديين المتوسط والطويل، وليس القصير.
كان تخفيض الإنفاق العام موضوعا رئيسيا منذ عام 2010... لكن الحكومة لا تزال تكافح من أجل سد العجز قي الميزانية في المملكة المتحدة. وعرقل ذلك استمرار ضعف الإيرادات الضريبية. ولا يزال عبء الديون المتراكمة أعلى من 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم تحسن العائدات الضريبية؛ فإنها تظل متواضعة بالنظر إلى قوة الانتعاش. وتعتبر التحركات في أسواق السندات والعملات مقياسا لتوقعات المستثمرين بشأن الآفاق الاقتصادية للبلاد، حيث إن بيع السندات من خلال مكتب «إدارة الديون» هو الطريقة الرئيسية التي تقترض بها الحكومة البريطانية الأموال لتمويل الفجوة بين ما تنفقه والأموال التي تتلقاها.
ومع ارتفاع الأرباح التي تطالب بها الأسواق لإقراض الأموال (تمويل العجز)، يصبح هذا التمويل أكثر تكلفة على الحكومات.
وفي ظل تلك النظرية، تستطيع المملكة المتحدة «حاليا» الاقتراض بقدر أكبر من الحرية بسبب انخفاض التكلفة (العائد على السندات)، الأمر الذي يخفف الضغط على المالية العامة، وهو أمر يعكس في ذات الوقت أن بإمكان بنك إنجلترا تخفيض سعر الفائدة في وقت قريب.
وانخفض الإسترليني بشكل ملحوظ منذ التصويت على «بريكست»، ولامس في بعض الأحيان أدنى مستوى له في 30 عاما مقابل الدولار، لكن ذلك الأمر لم يلبِ رغم ذلك «رغبات» سابقة للمصدرين البريطانيين.
وفي فترات سابقة، حين كان الإسترليني في أوج قوته أمام الدولار لدرجة أنه وصل في أغسطس (آب) 2007 إلى مستوى 2.11 دولار، كان المصدرون البريطانيون يشتكون من أن قوة الإسترليني تقلص من تنافسية منتجاتهم، وطالبوا آنذاك بتدخل السلطات البريطانية لخفض قيمة العملة... إلا أن انخفاض مستوى الإسترليني حاليا لا يخدم بشكل كبير التصدير البريطاني، ولن يسفر عن قفزة فجائية في مستويات التصدير؛ أولا نظرا لكون الإسترليني لا يزال «عملة قوية»، حتى وإن فقد بعض مكاسبه، وثانيا لأن ظروف التجارة العالمية في أعقاب الأزمة لم تعد تتأثر فقط بقوة العملة.
وانخفض الجنيه الإسترليني أيضا بشكل حاد مقابل اليورو، ولكن الخروج البريطاني يخلق أيضا مخاطر على منطقة العملة الموحدة، لكن الانخفاض كان أقل من مقابل الدولار.
وكان تراجع معدل البطالة «السريع» في المملكة المتحدة واحدا من قصص النجاح الاقتصادي الرئيسية خلال العام الماضي، مدفوعا بتوسع في العاملين بـ«دوام جزئي» و«العاملين لحسابهم الخاص»، لكن وتيرة التحسن قد تباطأت بشكل ملحوظ، فقد انخفضت «الأجور الحقيقية» بنحو 8 في المائة منذ بداية الأزمة المالية، ولكن يظل التعافي بطيئا.
ووصل معدل البطالة إلى 4.4 في المائة وفقا لأحدث بيانات مكتب الإحصاءات الوطني، وانخفض معدل البطالة على مدى العاميين الماضيين من مستوى 8 في المائة الذي حققه في يناير (كانون الثاني) 2013، غير أن وتيرة الانخفاض قد تباطأت، ووصل معدل التشغيل 75.1 في المائة، في حين ارتفع الدخل الأسبوعي بنحو 2.1 في المائة في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو الماضي.
وبعد «طفرة قصيرة»، تباطأ متوسط معدل الأجور السنوية على الرغم من أنه لا يزال يرتفع بشكل أسرع من التضخم؛ الأمر الذي يعطي دفعة لـ«الأجور الحقيقية» بعد خمس سنوات من الانكماش. في حين يقترب عدد العاملين إلى مستويات قياسية بنحو 32 مليون شخص في 16 أغسطس الحالي.
وكانت الإنتاجية طول عقود كثيرة قبل الأزمة المالية تنمو بوتيرة ثابتة، لكن الإنتاجية البريطانية منذ الأزمة مثلت «كعب أخيل» الذي عوق تعافي الاقتصاد البريطاني بشكل جيد، سواء جرى قياس الإنتاجية على مستوى «المدخلات والمخرجات» أو «المخرجات لكل عامل» أو «المخرجات قياسا لساعات العمل» أو «كفاءة كل من اليد العاملة ورأس المال المستخدم»، فمنذ الأزمة المالية فشلت الإنتاجية في التعافي؛ مما تسبب في ارتباك مسؤولي بنك إنجلترا ومكتب الموازنة.
ومنذ تصويت «بريكست»، كان هناك تأثير للتراجع الحاد في قيمة الإسترليني، وأصبحت الواردات أكثر تكلفة... ويتوقع بنك إنجلترا أن يستمر التضخم في الارتفاع.
وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية انخفض معدل التضخم بشكل «استثنائي»، مدفوعا إلى حد كبير بانخفاض أسعار النفط وقوة الجنيه الإسترليني وانخفاض تكلفة الواردات والتخفيضات التنافسية؛ وكلها عوامل صبت في مصلحة الأسر.
ومنذ أكثر من عام، يتوقع الخبراء أن يبقى مؤشر التضخم منخفضا، قبل أن يبدأ في الارتفاع الحاد. وقد وصل معدل التضخم بالفعل في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى 1 في المائة، وذلك للمرة الثانية بعد تراجعه إلى المعدل ذاته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014. وكان المؤشر قد تراجع إلى «انكماش وجيز» في أبريل (نيسان) 2015، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن، لكنه وصل في يوليو الماضي إلى 2.6 في المائة على أساس سنوي.
وأدى انخفاض أسعار النفط في الأعوام السابقة إلى انخفاض تكاليف المدخلات بالنسبة للمصنعين، لكن مع إسترليني «أضعف» الآن بدأت التكاليف في الارتفاع، وكان العامل الكبير الذي أدى إلى تراجع التضخم انخفاض الأسعار في المتاجر، وقام معظم تجار التجزئة بتغطية انكشاف الإسترليني.
قبل تصويت المغادرة، كان الحديث الوحيد الدائر في الأوساط الاقتصادية البريطانية يتمحور حول «متى يحين أول ارتفاع لأسعار الفائدة؟»... ولكن السؤال الآن تحول إلى «كيف يمكن لبريطانيا أن تتخلى عن معدلات فائدة منخفضة؟». ومع ذلك، يواجه بنك إنجلترا مهمة صعبة، فهو في حاجة إلى التوازن بين الرغبة في دعم الاقتصاد، مع ضمان أن يظل التضخم تحت السيطرة، ووصلت أسعار الفائدة حاليا إلى 0.25 في المائة.
دائما ما كان الإنفاق الاستهلاكي إحدى القوى الدافعة للانتعاش في المملكة المتحدة، لكن لا تزال هناك مخاوف بشأن أساس هذا الإنفاق، إذا ما كان الناس «يستغلون مدخاراتهم» أو «يحصلون على قروض»؛ نظرا لأن الأمر الأخير سيسبب مشاكل مستقبلية.
ووصل معدل مبيعات التجزئة في يوليو الماضي على أساس سنوي إلى 1.3 في المائة، في حين بلغت موافقات الرهن العقاري في يونيو الماضي 64.68 ألف موافقة. وشهدت مبيعات التجزئة نموا قويا مدعومة بانخفاض أسعار الفائدة والتضخم. وانخفضت ثقة المستهلكين بشكل حاد في أعقاب التصويت، لكنها تعافت بسرعة إلى مستويات ما قبل التصويت... في حين لا تزال موافقات الرهن العقاري أقل بكثير من مستويات ما قبل الأزمة.
ويعد قطاع الخدمات هو القوة الحقيقية للاقتصاد البريطاني، وهو ما يمثل نحو 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي... وهي واحدة من أجزاء الاقتصاد القليلة التي تجاوزت ذروة ما قبل الركود، ليصل معدل إنتاج قطاع الخدمات في مايو (أيار) الماضي إلى 2.4 في المائة على أساس سنوي، في حين جاء المعدل الشهري في الفترة نفسها عند 0.2 في المائة، وعلى أساس ربع سنوي 0.7 في المائة.
وعانى القطاع الخدمي مثله مثل بقية القطاعات الاقتصادية البريطانية، ولكن «التدابير الرسمية» أدت إلى استعادة القطاع ذروته بنهاية عام 2011، وذلك في وقت مبكر جدا قبل باقي الاقتصاد... وما زال القطاع مستمرا في التوسع بمعدل «صحي».
وانخفض مسح مديري المشتريات بشكل حاد في أعقاب التصويت لمغادرة الاتحاد الأوروبي، لكنه عاد عقب ذلك سريعا إلى معدلات ما قبل التصويت.
على عكس المعتقد، فإن التصنيع له مكان «رمزي» في الاقتصاد البريطاني... ورغم أهميته، فإن هذه الأهمية انخفضت على مدى عقود. ففي عام 1948 ساهم التصنيع بنحو 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 10 في المائة فقط اليوم، فضلا عن انخفاض عدد العاملين في القطاع بوتيرة أسرع من حصته في الناتج، بينما ساهمت التكنولوجيا في جعل القطاع أكثر إنتاجية لأنه أصبح يركز على سلع ذات قيمة أعلى.
ووصل التغير السنوي في ناتج الإنتاج الصناعي في يونيو 2017 إلى 0.3 في المائة، ومعدل إنتاج الصناعات التحويلية في نفس الفترة إلى 0.6 في المائة على أساس سنوي، ومعدل التغير في الإنتاج الصناعي في يونيو إلى 0.5 في المائة.
ولا يزال الإنتاج الصناعي في المملكة المتحدة يكافح من أجل الانتعاش من الركود السابق، ويبقى متراجعا بنحو 9 في المائة من حجمه قبل الركود. وتبقى الصادرات هي النقطة الرئيسية الضعيفة للتصنيع بعد أن تعرضت للتباطؤ في منطقة اليورو... وعلى العكس، فإن الطلب المحلي «قوي»، لكن الصناعة ككل لا تزال أقل من معدلاتها قبل الركود.
وكان مؤشر مديري مشتريات التصنيع، الذي يدرس مستويات النشاط في القطاع التصنيعي، على «اتجاه نزولي»، متسقا إلى حد ما قبل الاستفتاء مع انخفاض النشاط ككل... ثم انخفض بشكل حاد في أعقابه مباشرة، لكن منذ ذلك الحين انتعش المؤشر مدعوما بارتفاع الطلب على الصادرات بعد انخفاض قيمة الإسترليني.
ويشكل البناء نحو 6 في المائة من الاقتصاد البريطاني، لكنه تراجع بشدة بسبب الركود الذي أعقب الأزمة المالية العالمية، وانكمش بنحو 17 في المائة من الذروة إلى أدنى مستوياته، بعد فترة طويلة من النمو مدفوعا بشكل أساسي من بناء المنازل.
وعاود القطاع الانخفاض مرة أخرى، لكن البيانات لا تزال متقلبة «للغاية»، ووصل التغير السنوي في إنتاج البناء في يونيو الماضي إلى 0.9 في المائة، متراجعا بنحو «سالب 0.1» مقارنة بمايو، وتباطأ إنتاج البناء لأشهر عدة، وتعافى إلى حد ما في الربع الأول من عام 2016، بعد أن انخفض بشكل حاد بعد التصويت وعاود النشاط بشكل حاد أيضا، وبخاصة مع تحسن تسليمات «الطوب»، وهي طريقة أخرى للتأكد من صحة هذه الصناعة.
وأدخلت الحكومة البريطانية الكثير من المخططات واستخدمت الكثير من الضغوط السياسية لتشجيع البنوك على تحسين فرصة الحصول على التمويل للشركات، وذلك على الرغم من أن بيانات بنك إنجلترا تشير إلى انخفاض الإقراض كل شهر منذ عام 2011.
وعاود الإقراض النمو في بداية عام 2016، وبلغ معدل النمو السنوي في إقراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم «سالب 0.9» في المائة، ومعدل النمو السنوي في الإقراض لجميع الشركات 0.3 في المائة، وبلغ الإقراض للشركات غير المالية ما يقرب من 460 مليار إسترليني في يوليو الماضي، و165 مليار إسترليني للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم غير المالية.
وتبقى القروض لجميع الشركات ضعيفة، وفسر محللون ذلك بأن الشركات استفادت من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية لتسديد الديون، وخاب أمل «الاستثمار التجاري» بعد النمو القوي وسط الاضطرابات حول الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
وتمتلك المملكة المتحدة تاريخا من الازدهار في سوق الإسكان الذي يقوده الائتمان، والذي تلاه «أزمة» أسعار المنازل. ويولي المنظمون الآن اهتماما وثيقا لأي علامات قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار «خارج نطاق السيطرة».
ومنذ الصيف الماضي هدأت معظم الأسواق، لكن الأسعار لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه قبل بضع سنوات، وبلغ التغير السنوي في متوسط أسعار المنازل في مارس (آذار) الماضي نحو 9 في المائة، وعلى أساس شهري بلغ 2.9 في المائة، ومنذ صيف 2016 ارتفعت أسعار المنازل بشكل أسرع مما كان يعتقد سابقا.



ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
TT

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي وتوريد الأعمال، وربما تؤدي إلى مغادرة مئات الآلاف من العمال الفيدراليين للحكومة.

ووفقاً لثلاثة مصادر مطلعة، ناقش ترمب رغبته في إصلاح الخدمة البريدية خلال اجتماعاته مع هاوارد لوتنيك، مرشحه لمنصب وزير التجارة والرئيس المشارك لفريق انتقاله الرئاسي. كما أشار أحد المصادر إلى أن ترمب جمع، في وقت سابق من هذا الشهر، مجموعة من مسؤولي الانتقال للاستماع إلى آرائهم بشأن خصخصة مكتب البريد، وفق ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».

وأكد الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم نظراً للطبيعة الحساسة للمحادثات، أن ترمب أشار إلى الخسائر المالية السنوية لمكتب البريد، مشدداً على أن الحكومة لا ينبغي أن تتحمل عبء دعمه. ورغم أن خطط ترمب المحددة لإصلاح الخدمة البريدية لم تكن واضحة في البداية، فإن علاقته المتوترة مع وكالة البريد الوطنية تعود إلى عام 2019، حيث حاول حينها إجبار الوكالة على تسليم كثير من الوظائف الحيوية، بما في ذلك تحديد الأسعار، وقرارات الموظفين، والعلاقات العمالية، وإدارة العلاقات مع أكبر عملائها، إلى وزارة الخزانة.

وقال كيسي موليغان، الذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في إدارة ترمب الأولى: «الحكومة بطيئة جداً في تبنِّي أساليب جديدة، حيث لا تزال الأمور مرتبطة بعقود من الزمن في تنفيذ المهام. هناك كثير من خدمات البريد الأخرى التي نشأت في السبعينات والتي تؤدي وظائفها بشكل أفضل بكثير مع زيادة الأحجام، وخفض التكاليف. لم نتمكن من إتمام المهمة في فترتنا الأولى، ولكن يجب أن نتممها الآن».

وتُعد خدمة البريد الأميركية واحدة من أقدم الوكالات الحكومية، حيث تأسست عام 1775 في عهد بنيامين فرنكلين، وتم تعزيزها من خلال التسليم المجاني للمناطق الريفية في أوائل القرن العشرين، ثم أصبحت وكالة مكتفية ذاتياً مالياً في عام 1970 بهدف «ربط الأمة معاً» عبر البريد. وعلى الرغم من التحديات المالية التي يفرضها صعود الإنترنت، فإن الخدمة البريدية تظل واحدة من أكثر الوكالات الفيدرالية شعبية لدى الأميركيين، وفقاً لدراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث عام 2024.

ومع مطالبات الجمهوريين في الكونغرس وآخرين في فلك ترمب بخفض التكاليف الفيدرالية، أصبحت الخدمة البريدية هدفاً رئيسياً. وأفاد شخصان آخران مطلعان على الأمر بأن أعضاء «وزارة كفاءة الحكومة»، وهي لجنة غير حكومية يقودها رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، أجروا أيضاً محادثات أولية بشأن تغييرات كبيرة في الخدمة البريدية.

وفي العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، تكبدت الخدمة البريدية خسائر بلغت 9.5 مليار دولار، بسبب انخفاض حجم البريد وتباطؤ أعمال شحن الطرود، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في المرافق والمعدات الحديثة. وتواجه الوكالة التزامات تقدّر بنحو 80 مليار دولار، وفقاً لتقريرها المالي السنوي.

من شأن تقليص الخدمات البريدية أن يغير بشكل جذري صناعة التجارة الإلكترونية التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، ما يؤثر في الشركات الصغيرة والمستهلكين في المناطق الريفية الذين يعتمدون على الوكالة بشكل كبير. وتُعد «أمازون»، أكبر عميل للخدمة البريدية، من بين أكبر المستفيدين، حيث تستخدم الخدمة البريدية لتوصيل «الميل الأخير» بين مراكز التوزيع الضخمة والمنازل والشركات. كما أن «التزام الخدمة الشاملة» للوكالة، الذي يتطلب منها تسليم البريد أو الطرود بغض النظر عن المسافة أو الجوانب المالية، يجعلها غالباً الناقل الوحيد الذي يخدم المناطق النائية في البلاد.

وقد تؤدي محاولة خصخصة هذه الوكالة الفيدرالية البارزة إلى رد فعل سياسي عنيف، خصوصاً من قبل الجمهوريين الذين يمثلون المناطق الريفية التي تخدمها الوكالة بشكل غير متناسب. على سبيل المثال، غالباً ما يستدعي المسؤولون الفيدراليون من ولاية ألاسكا المسؤولين التنفيذيين في البريد للوقوف على أهمية الخدمة البريدية لاقتصاد الولاية.

وفي رده على الاستفسارات حول خصخصة الوكالة، قال متحدث باسم الخدمة البريدية إن خطة التحديث التي وضعتها الوكالة على مدى 10 سنوات أدت إلى خفض 45 مليون ساعة عمل في السنوات الثلاث الماضية، كما قللت من الإنفاق على النقل بمقدار 2 مليار دولار. وأضاف المتحدث في بيان أن الوكالة تسعى أيضاً للحصول على موافقة تنظيمية لتعديل جداول معالجة البريد، وتسليمه لتتوافق بشكل أكبر مع ممارسات القطاع الخاص.

كثيراً ما كانت علاقة ترمب مع وكالة البريد الأميركية متوترة، فقد سخر منها في مناسبات عدة، واصفاً إياها في المكتب البيضاوي بأنها «مزحة»، وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفها بأنها «صبي التوصيل» لشركة «أمازون».

وفي الأيام الأولى لجائحة فيروس «كورونا»، هدد ترمب بحرمان الخدمة البريدية من المساعدات الطارئة ما لم توافق على مضاعفة أسعار الطرود 4 مرات. كما أذن وزير خزانته، ستيفن منوشين، بمنح قرض للوكالة فقط مقابل الحصول على وصول إلى عقودها السرية مع كبار عملائها.

وقبيل انتخابات عام 2020، ادعى ترمب أن الخدمة البريدية غير قادرة على تسهيل التصويت بالبريد، في وقت كانت فيه الوكالة قد مُنعت من الوصول إلى التمويل الطارئ الذي كان يحظره. ومع ذلك، في النهاية، تمكنت الخدمة البريدية من تسليم 97.9 في المائة من بطاقات الاقتراع إلى مسؤولي الانتخابات في غضون 3 أيام فقط.

وعند عودته إلى منصبه، قد يكون لدى ترمب خيارات عدة لممارسة السيطرة على وكالة البريد، رغم أنه قد لا يمتلك السلطة لخصخصتها بشكل أحادي. حالياً، هناك 3 مقاعد شاغرة في مجلس إدارة الوكالة المكون من 9 أعضاء. ومن بين الأعضاء الحاليين، هناك 3 جمهوريين، اثنان منهم تم تعيينهما من قبل ترمب. ولدى بايدن 3 مرشحين معلقين، لكن من غير المرجح أن يتم تأكيدهم من قبل مجلس الشيوخ قبل تنصيب ترمب.

ومن المحتمل أن يتطلب تقليص «التزام الخدمة الشاملة» بشكل كبير - وهو التوجيه الذي أوصى به المسؤولون خلال فترة ولاية ترمب الأولى - قانوناً من الكونغرس. وإذا تم إقرار هذا التشريع، فإن الخدمة البريدية ستكون ملزمة على الفور تقريباً بتقليص خدمات التوصيل إلى المناطق غير المربحة وتقليص عدد موظفيها، الذين يقدَّر عددهم بنحو 650 ألف موظف.

وقد تؤدي محاولات قطع وصول الوكالة إلى القروض من وزارة الخزانة، كما حاولت إدارة ترمب في السابق، إلى خنق الخدمة البريدية بسرعة، ما يعوق قدرتها على دفع رواتب موظفيها بشكل دوري وتمويل صيانة مرافقها ومعداتها. وقال بول ستيدلر، الذي يدرس الخدمة البريدية وسلاسل التوريد في معهد ليكسينغتون اليميني الوسطي: «في النهاية، ستحتاج الخدمة البريدية إلى المال والمساعدة، أو ستضطر إلى اتخاذ تدابير قاسية وجذرية لتحقيق التوازن المالي في الأمد القريب. وهذا يمنح البيت الأبيض والكونغرس قوة هائلة وحرية كبيرة في هذا السياق».

وقد حذر الديمقراطيون بالفعل من التخفيضات المحتملة في خدمة البريد. وقال النائب جيري كونولي (ديمقراطي من فرجينيا)، أحد الداعمين الرئيسيين للوكالة: «مع مزيد من الفرص أمامهم، قد يركزون على خصخصة الوكالة، وأعتقد أن هذا هو الخوف الأكبر. قد يكون لذلك عواقب وخيمة، لأن القطاع الخاص يعتمد على الربحية في المقام الأول».

كما انتقدت النائبة مارغوري تايلور غرين (جمهورية من جورجيا)، رئيسة اللجنة الفرعية للرقابة في مجلس النواب، الخدمة البريدية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت: «هذا ما يحدث عندما تصبح الكيانات الحكومية ضخمة، وسوء الإدارة، وغير خاضعة للمساءلة».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت الوكالة لانتقادات شديدة، حيث خضع المدير العام للبريد، لويس ديغوي، لاستجواب حاد من الجمهوريين في جلسة استماع يوم الثلاثاء. وحذر رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر (جمهوري من كنتاكي)، ديغوي من أن الكونغرس في العام المقبل قد يسعى لإصلاح الخدمة البريدية.

وسأل الجمهوريون مراراً وتكراراً عن استعادة التمويل لأسطول الشاحنات الكهربائية الجديد للوكالة، والخسائر المالية المتزايدة، وعن الإجراءات التنفيذية التي قد يتخذها ترمب لإخضاع الخدمة.

وقال كومر: «انتهت أيام عمليات الإنقاذ والمساعدات. الشعب الأميركي تحدث بصوت عالٍ وواضح. أنا قلق بشأن الأموال التي تم تخصيصها للمركبات الكهربائية، والتي قد يجري استردادها. أعتقد أن هناك كثيراً من المجالات التي ستشهد إصلاحات كبيرة في السنوات الأربع المقبلة... هناك كثير من الأفكار التي قد تشهد تغييرات كبيرة، وإن لم تكن مفيدة بالضرورة لخدمة البريد».