لغز «التضخم المكبوح» يحير الاقتصاديين حول العالم

عيون شاخصة إلى اجتماع البنوك المركزية العالمية اليوم

لغز «التضخم المكبوح» يحير الاقتصاديين حول العالم
TT

لغز «التضخم المكبوح» يحير الاقتصاديين حول العالم

لغز «التضخم المكبوح» يحير الاقتصاديين حول العالم

تنتظر الأسواق الدولية اليوم كلمات يلقيها محافظو أكبر البنوك المركزية العالمية خلال اجتماعهم الدوري المنعقد هذه السنة في جاكسون هول في الولايات المتحدة الأميركية تحت عنوان: «لتعزيز اقتصاد عالمي ديناميكي».
في هذه الاجتماعات المستمرة حتى يوم غد (السبت)، تجري نقاشات تقنية لا تعني كثيراً الجمهور العريض... في المقابل، هناك مواقف تعلن وأجندات توضع تعني الأسواق المالية على نحو مباشر.
ففي اجتماع العام 2010، أعلن رئيس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) آنذاك بن شالوم بيرنانكي انطلاق جولة جديدة من برنامج شراء «الفيدرالي» أصولا مالية، أو ما عرف ببرنامج التيسير الكمي لتحفيز الاقتصاد على النمو.
وفي اجتماع 2014، أعلن محافظ البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي برنامجاً مماثلاً إلى حد ما. وتنتظر الأسواق هذه السنة رسالة سياسات نقدية جديدة بتأثير اقتصادي ومالي على مستوى العالم.
ويرصد المحللون عادة كل كلمة يتفوه بها قادة البنوك المركزية الأميركية والأوروبية واليابانية والبريطانية. والتركيز الأكبر تحظى به كلمات جانيت يلين وماريو دراغي لمعرفة استراتيجيات المؤسستين النقديتين الأميركية والأوروبية بشأن كيفية تخفيف السياسات التي وصفت بـ«التيسيرية الانفلاشية» خلال الأزمة؛ إذ يذكر أن الاحتياطي الفيدرالي بدأ منذ 2008 في خفض الفوائد، ثم إطلاق برامج التيسير الكمي لشراء الأصول المالية والديون، ولا سيما الدين الحكومي، ولحقه في ذلك بنوك إنجلترا واليابان، ثم البنك المركزي الأوروبي الذي زاد على ذلك إجراء فرض رسوم على الودائع البنكية غير المستخدمة لدفع المصارف إلى إقراضها.
والأهداف المشتركة لكل تلك الإجراءات كانت تحريك عجلة الأسعار والائتمان، وبالتالي زيادة حركة النشاط الاقتصادي نحو تحقيق النمو.
وفي ديسمبر (كانون الأول) عام 2015 رأى الفيدرالي الأميركي، أن النشاط انطلق بصلابة، فبدأ برفع الفائدة وتابع ذلك في عامي 2016 و2017، لكنه متريث الآن لأن الأمور تعقدت قليلاً، علماً بأن البطالة عند أدنى مستوى وتبلغ 4.3 في المائة، والنمو مستقر والشركات بصحة جيدة. فللوهلة الأولى هناك اعتقاد أن الاقتصاد الأميركي خرج من الأزمة وودع الركود، وما على البنك المركزي الآن إلا إعلان برنامج للتخلص التدريجي من الحجم الهائل للأصول المالية المتراكمة في ميزانيته والبالغة قيمتها 4.5 ترليون دولار.
لكن محللين يؤكدون أن «دون ذلك بعض العوائق الطارئة، مثل حالة عدم اليقين السياسي بسبب أصوات معارضة لسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تضاف إلى تعقيدات تؤخر إجراء التعديل الضريبي على النحو الذي وعد به الرئيس، كما تحول دون إطلاق برنامج الاستثمار في البنى التحتية بالأرقام السخية التي أعلنها ترمب».
على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، يستفيد ماريو دراغي من رياح مواتية هبت على الاقتصاد الأوروبي الذي بات يتمتع بمؤشرات بطالة منخفضة وحركة رساميل استثمارية مرتفعة وصادرات صاعدة ونمو متوقع عند 1.9 في المائة بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
وكان سبق للبنك المركزي الأوروبي أن أعلن نيته تخفيض حجم شراء الديون العامة اعتباراً من العام 2018، والتي هي حاليا بمعدل 60 مليار يورو شهرياً. لكن دراغي مشغول الآن بارتفاع اليورو مقابل الدولار، وينتابه قلق من هذا الصعود المستمر منذ بداية 2017 وإمكان تأثيره في الصادرات والنمو.
ويرى محللون أن «الحذر واجب لأن هناك ما يشبه السر الكبير الذي لم يستطع أحد فك مغاليقه بعد... هذا السر يكمن في معدل التضخم المنخفض دون 2 في المائة، أي دون النسبة التي حددها الفيدرالي الأميركي والتي عندها يستأنف إجراءاته النقدية التقييدية، وفي مقدمها رفع الفائدة أكثر».
والأسئلة التي تحير الاقتصاديين هي «لماذا لا يرتفع التضخم في موازاة ارتفاع النمو؟ ولماذا يبقى هذا التضخم مستقراً نسبياً في الولايات المتحدة الأميركية عند 1.4 في المائة كما في يونيو (حزيران) الماضي، وعند 1.3 في المائة في الاتحاد الأوروبي كما في يوليو (تموز) الماضي؟».
فهذا الاستقرار عند معدلات منخفضة يعني، بالنسبة للاقتصاديين، أن العلاقة بين البطالة والأجور والأسعار لم تعد تعمل كما في الماضي. والسؤال الأعقد هو: هل ضعف الرواتب والأسعار (التضخم) أمر مرحلي أم هيكلي مستدام؟ فإذا كان مستداما، ليس في مصلحة البنوك المركزية التباطؤ كثيراً في إجراءات العودة إلى المسار الطبيعي والتخلي عن «التركة الاستثنائية الثقيلة» التي خلفتها سنوات الأزمة. أما إذا كان مرحلياً، فيجب التريث قليلاً حتى لا تكسر إجراءات التقييد حلقة النمو «الطرية العود».
وبذلك يفسر الاقتصاديون الحذر المتبع الآن من الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي. ويستدرك هؤلاء بالقول: «إذا عاد التضخم ومعه الأسعار والأجور إلى الصعود وبسرعة، فإن المسلسل الشيق الذي سيتابعه العالم في 2018 سيكون حتماً كيفية تطبيع السياسات النقدية، علماً بأن ذلك لن يكون نزهة بلا مطبات. أما التباطؤ أكثر في السحب التدريجي للدعم الاستثنائي فسيكون له بعض الآثار الجانبية في الأسواق المالية؛ لأن البنوك المركزية تحمل حالياُ 20 في المائة من إجمالي الدين العام العالمي. كما أن عدم البدء في التخلي التدريجي عن تلك الأصول المالية سيعطي إشارة للسياسيين بعدم تسريع الإجراءات الإصلاحية المطلوبة منهم، وهذا سيجعل من البورصات في وضع لا تحسد عليه إذا حصل تصحيح عنيف فيها بعدما كانت استفادت كثيراً من سياسات التسهيل الكمي والنوعي حتى باتت أسعار بعض الأصول فيها بمستويات قياسية، وما القمم التي بلغتها المؤشرات في بورصة نيويورك إلا أبلغ دليل على ذلك».
ويقول أحد المصرفيين في وول ستريت: «صحيح أن الفيدرالي الأميركي أوقف برنامج الشراء، لكنه لم يعلن بعد متى سيبدأ التخلص من الـ4.5 ترليون دولار التي في ميزانيته. وهذا وإن كان يريح الحكومة لأنها ليست تحت ضغط الأسواق؛ إلا إنه غير مريح للأسواق نفسها لأنها تخشى الفقاعة بعدما ارتفعت الأسعار فيها، بمعزل عن الأساسيات التي تبرر الصعود، على أمل في أن ترتفع الثروات المالية والعقارية وتجر وراءها ارتفاعاً في الاستهلاك والاستثمار. لكن تبين أن المعادلة لم تعمل كما خطط لها، فالإنتاجية لم ترتفع ولم تتحرك ديناميكية التضخم ولم تتطور الأجور».
ويقول الاقتصادي المصري العالمي محمد العريان في أحد تصريحاته الصحافية في الأيام الماضية: «نحن في حالة تشبه قبطان طائرة يحاول الهبوط بهدوء على مدرج مضاء بشكل سيئ، وأمامه لوحة مفاتيح تعطي مؤشرات غريبة... والمسألة تتعقد أكثر مع هبوب رياح معاكسة من سياسيين، هذه المرة، يؤخرون الهبوط لأنهم لم يتخذوا بعد الإجراءات الإصلاحية الهيكلية التي كان عليهم اتخاذها».



مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).