شاشة الناقد

الأب وابنه في «سكين في الماء النقي»
الأب وابنه في «سكين في الماء النقي»
TT

شاشة الناقد

الأب وابنه في «سكين في الماء النقي»
الأب وابنه في «سكين في الماء النقي»

- الفيلم: Knife in the Clear Water
- إخراج: وانغ زوبو
- النوع: الصين (2017)
- تقييم: (4*)

لم يعد لدى زانغ ييمو وتشن كايجي، اللذان قادا ما عرف في الثمانينات بـ«الموجة الخامسة» من المخرجين الصينيين، ما يقولانه حول الصين المتحوّلة من نظام إلى آخر وما نتج من ذلك من مشاكل طرحها مخرجون حديثون بجدارة.
تحوّل ييمو وكايجي، بعد مسيرة فنية لامعة حازت جوائز عالمية، إلى نجوم محليين يحققان ما يتلألأ من نجاحات شعبية. أفلام مبارزات وكونغ فو تاريخية مع أبطال لديهم القدرة على الارتفاع عن الأرض من دون أجنحة، ومواصلة القتال فوق قمم الأشجار.
لكن الوضع الاقتصادي السائد الذي قسم المجتمع الصيني إلى من يملك ومن لا يملك أسوة بالغرب، لم يفت عدداً من المخرجين المنتمين إلى ما بعد ذلك الجيل، فدأبوا على تقديم أعمال تخوض في هذه المسألة الشائكة مبيّـنة الأثر الناتج منها اقتصادياً، اجتماعياً وبيئياً. الخوض ليس مباشرا في «تيار متقاطع» ليانغ تشاو، لكنه حاضر أكثر في فيلم جيو - ليانغ وانغ «بلاستيك تشاينا» وفيلم سو سن «مناظر جانغتزي» من بين أخرى.
الآن يصلنا فيلم جديد ينتقل بالموضوع المذكور إلى قلب مقاطعة «إيغورز» الواقعة شمال غربي الصين. تلك وسواها من المقاطعات ذات الغالبية المسلمة التي شهدت (ولا تزال) تمييزاً في التعامل مع مواطنيها. هذا الفيلم الأول لمخرجه لوانغ زوبو (كان مساعدا لزاينغ ييمو في بعض أفلامه) لا يلامس الوضع سياسيا ولا يقدّم حكاية ذات صوت عال، إلا أنه يعالج حياة لا يحتاج المشاهد لكتاب تفسير لكي يفهم أن ما يراه انعكاس فعلي لوضع من التجاهل يعيشه أناس تلك المناطق.
الحبكة التي يستند إليها الفيلم (عن سيناريو المخرج نفسه) تدور حول ذلك الرجل العجوز المضطر لقبول ذبح ثوره حسب تقاليد العزاء في اليوم الأربعين لوفاة زوجته. ليس لديه المال لشراء الطعام ولا بد من التضحية بالثور الوحيد الذي يملكه ويحرث الأرض به. يتابع الفيلم العجوز «ما» (يانغ شنغسانغ) وهو يعيش كفاف يومه ويلحظ امتناع الثور عن الطعام والشراب فجأة. وحسب أحد كبار رجال القرية، لقد شاهد الثور رؤية موته: «شاهد سكيناً في الماء التي يشرب منها فأدرك أن موته قريب» كما قال. لكن «ما» يحاول تجنيب ثوره الموت بالطلب من ابنه ترك عمله في المدينة والبقاء في المزرعة، لكن هذا لا يرغب في ذلك رغم تعاطفه مع وضع أبيه.
صوّر وانغ زوبو فيلمه بنظام الشاشة العريضة وترك هذا النظام ليستوعب البيئة الريفية كطبيعة وكنظام اقتصادي كحياة من يعيش المنطقة التي لا يبدو أن شيئا يتحرك فيها سوى أطراف تلك الحياة. التصوير (لوانغ ويهوا) يمنح الفيلم جماليات المكان والوقت من السنة التي تقع فيها الأحداث. يضع مشاهده أمام رسم لحياة مدقعة (قرية بلا كهرباء) خارج متناول الحضارة. ما يمتنع عنه المخرج زوبو بمهارة هو استغلال الوضع برخص عبر تكوين حكايات فجاعية، وهو إذ لا يقدم على توفير فيلم ديني، ولا ترويجي لمسلميه، إلا أن مجرد معايشته الواقعية المتمهلة خير تعليق على وضع لا يحتاج لأكثر من تصويره كما هو وبهذا الأسلوب شبه التسجيلي.
في النهاية يمضي «ما» مبتعداً عن القرية تاركاً عزاء الأربعين إلى عناية ابنه والجيران. الثور يُـذبح والحياة تمضي، لكن لا جديداً لها في الأفق.

(1*) لا يستحق
(2*) وسط
(3*) جيد
(4*) ممتاز
(5*) تحفة


مقالات ذات صلة

المشهد

سينما المشهد

المشهد

> تجنّبت هوليوود وشركات الإنتاج السينمائية الغربية عموماً تصوير أفلامها في مصر لأسباب متعددة من أهمها بيروقراطية تعامل المسؤولين في مصر مع تلك الشركات

محمد رُضا
سينما إلبا ماري في دور يارا (Eyeoncinema)

كن لوتش: المأساة السورية تحتاج لأكثر من فيلم

ذا أولد أوك (The Old Oak) هو اسم حانة (Pub) في إحدى قرى آيرلندا الشمالية. لا هناء في المكان الذي كان يعج بالزبائن بعدما طغت عليه الأوضاع الاقتصادية

محمد رُضا (كان)
سينما سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)

سنوات السينما

«إذا ماكانتش القضية أرض وعمارات... الناس دي كلها ماتت ليه؟». هذا آخر ما تقوله تهاني (سعاد حسني) في فيلم كمال الشيخ «على من نطلق الرصاص» (1975)

يوميات الشرق بيومي فؤاد وليلى علوي في لقطة من الفيلم (الشرق الأوسط)

«شوغر دادي»... معالجة متسرّعة لحبكة تقليدية

يشكّل الرقص والغناء محرّكين أساسيَيْن في فيلم «شوغر دادي» المعروض حالياً بالصالات السينمائية في القاهرة ضمن موسم الصيف.

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق المخرجة الفرنسية جوستين ترييه تحمل جائزة السعفة الذهبية (أ.ف.ب)

«أناتومي أوف إيه فول» يفوز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي

ذهبت السعفة الذهبية، الجائزة الأولى لمهرجان كان السينمائي، إلى المخرجة الفرنسية جوستين ترييه عن فيلمها «أناتومي أوف إيه فول» أو «تشريح سقطة».

«الشرق الأوسط» (كان (فرنسا))

المشهد

المشهد
TT

المشهد

المشهد

> تجنّبت هوليوود وشركات الإنتاج السينمائية الغربية عموماً تصوير أفلامها في مصر لأسباب متعددة من أهمها بيروقراطية تعامل المسؤولين في مصر مع تلك الشركات إذا ما رغبت هذه في تصوير أفلامها على الأراضي المصرية.

> مقارنة بلبنان الستينات والسبعينات وبالمغرب من بعد ذلك وإلى اليوم، فإن عدد الأفلام الأجنبية التي تم تصويرها في مصر هو الأقل. في الواقع تمر سنوات متباعدة قبل أن تشهد مصر تصوير أفلام عربية أو أجنبية فيها، هذا رغم وجود قائمة كبيرة من الفوائد المادية والفنية التي ستجنيها مصر إذا ما تم التحرر من القوانين المانعة.

> مؤخراً طالب البرلمان المصري برفع القوانين والشروط التي تمنع شركات الإنتاج من التفكير بالتصوير في مصر. وبناء على ذلك الطلب، تفيد الأنباء بأن لجنة من أربع وزارات (الثقافة والداخلية والخارجية والسياحة) ستتولى هذا الملف وتدرسه وترفع تصوراتها إلى الحكومة للبدء في عملية تغيير كاملة من شأنها تنشيط السياحة وزيادة الاستثمار بالعملة الأجنبية.

> كلام ممتاز في نواياه، لكن هل ستأتي اللجنة بطلب أن ترفع الإدارات المختلفة في الوزارات أيديها عما من شأنه عرقلة العمل؟ إذا كانت اللجنة ذاتها تتألف من أربع وزارات وعدد آخر من المسؤولين في إدارات ومرافق مختلفة، فهل سيتطلب الأمر على كل شركة إنتاج أن تنتظر تحويل طلبها للتصوير في مصر من وزارة إلى أخرى ومن هيئة إلى سواها قبل أن يتم السماح لها بالتصوير؟

> أحد أهم أسباب عزوف الشركات الأجنبية، لجانب البيروقراطية الإدارية هو أن وقتاً طويلاً كان يمر من قبل أن تصل ردود المسؤولين إلى الشركات الراغبة. خلال ذلك تكون الشركات قد أقدمت على التصوير في بلد عربي آخر لا يحيط مثل هذه المسائل بسياج.

> المسألة تتطلب ثورة في التفكير والاستفادة من الطريقة التي تتعامل بها دول عربية أخرى مع هذا الأمر بانفتاح يبدأ من قراءة السيناريو إلى استكمال التصوير. مصر تستحق أن تنجح في جذب الشركات المختلفة للتصوير فيها وتذليل العقبات المانعة. تصوير الأفلام في مصر


شاشة الناقد

مشهد من فيلم الأم (نتفليكس)
مشهد من فيلم الأم (نتفليكس)
TT

شاشة الناقد

مشهد من فيلم الأم (نتفليكس)
مشهد من فيلم الأم (نتفليكس)

The Mother ***

أم وذئب وعائلة في براري ألاسكا

معظم ما تعرضه المنصّات الإلكترونية من إنتاجات يرسّخ ما تمارسه أفلام هوليوود ذات الميزانيات الصغيرة أو المعتدلة. وعندما يصل الأمر إلى أفلام الحركة والتشويق، فإن المشاهد سريعاً ما يدرك أن ما يُشاهده الآن شاهده بالأمس وقبل يوم أمس: الحبكة ذاتها. الصراع نفسه والبقاء على سطح ما يراه يصبح فرضاً لازماً كون الفيلم لا يكترث لأن يمنح المُشاهد أي إضاءة شخصية أو عميقة لمن يؤدي أدوار البطولة وقلما يسمح لنفسه بأي تجديد.

«الأم» للمخرجة النيوزلندية نيكي كارو (Mulan وWhalte Rider من بين أعمال قليلة سابقة) هي جنيفر لوبيز التي اضطرت قبل 12 سنة إلى التخلي عن طفلتها الرضيعة تحت ضغط الأمن الفيدرالي (FBI) بسبب خلفيّتها كعميلة يُستعان بها لتنفيذ عمليات قتل ومهددة الآن بالقتل. تلجأ لوبيز (لا نسمع اسم شخصيتها في الفيلم) إلى بيت منعزل في ألاسكا. زميل لها (أوماري هاردويك) يخبرها بأن عصابة الكاتريل التي كانت قتلت منها نصف دزينة في مطلع الفيلم ستختطف ابنتها لتجبرها على الكشف عن مكانها. تحبط لوبيز عملية الاختطاف بقتل نصف دزينة أخرى والفرار إلى ألاسكا، لكن الأحداث لا تنتهي هنا، فالعصابة لها أذرع طويلة ستستخدمها للوصول إليها وإلى ابنتها على حد سواء. وهذا كله في الساعة الأولى فقط.

الفيلم من ساعتين مثيرتين وجيدتي الصنع. لكن الساعة الأولى تحشد للثانية وعندما يبدأ النصف الثاني فإن المسألة تتحوّل إلى أخد ورد تقليديين حسب ما يرد في أي فيلم قائم على حبكة اختطاف وعميل (أو عميلة) يسعى للدفاع عن نفسه وأقرب الناس إليه. لكن رغم ذلك لا يسقط الفيلم في أي تنفيذ رديء أو ركيك. تبقى يد المخرجة الماهرة وعينها الكاشفة التي تجمع بين الحدث الأمامي وخلفيته الطبيعية واعيتان لما هو مطلوب لتحقيق فيلم أعلى مستوى من معظم الأفلام المشابهة.

في أحد المشاهد تواجه لوبيز ذئبة تستعد لمهاجمتها معتقدة أنها تهدد حياة جرائها. تطلق لوبيز رصاصة في الهواء فتسارع الذئاب للاختباء بعيداً. المشهد يماثل حال لوبيز التي تريد الحياة لابنتها وهذا التماثل مستخدم لوضع آخر فيما بعد، مؤكداً تشابه الوضعين على نحو مستتر لكنه واضح.

ليس هناك مشاهد لتخفيف درجة التشويق أو لإدخال الفكاهة من باب الترفيه وهذا اختيار جيد. بعض المشاهد الرائعة كانت تحتاج لثواني أكثر لتأكيد دورها في هذا العمل. لوبيز تمارس دورها بجدّية منخرطة في العمل جيداً.

*: ضعيف| * * : وسط| ***: جيد | ****: ممتاز | *****: تحفة


كن لوتش: المأساة السورية تحتاج لأكثر من فيلم

إلبا ماري في دور يارا (Eyeoncinema)
إلبا ماري في دور يارا (Eyeoncinema)
TT

كن لوتش: المأساة السورية تحتاج لأكثر من فيلم

إلبا ماري في دور يارا (Eyeoncinema)
إلبا ماري في دور يارا (Eyeoncinema)

ذا أولد أوك (The Old Oak) هو اسم حانة (Pub) في إحدى قرى آيرلندا الشمالية. لا هناء في المكان الذي كان يعج بالزبائن بعدما طغت عليه الأوضاع الاقتصادية منذ إغلاق منجم الفحم في البلدة.هذا ليس كل ما تعاني منه القرية، بل حقيقة إنها تحوّلت إلى مكان غير مؤهل للحياة العائلية الهانئة والهادئة كما كان الحال من قبل. بالإضافة إلى ذلك، فإن المقيمين الجدد باتوا يشكلون عبئاً على مجتمع القرية الصغيرة. العائلات تبحث عن لقمة العيش أو تفكر بالهجرة أو تعيش في يأس وبؤس.

كما لو أن ذلك لا يكفي، استقبلت القرية فوجين من اللاجئين: لاجئين من خريجي السجون نقلتهم الحكومة إليها ولاجئين من سوريا وضعتهم الحكومة في المكان ذاته مع القليل من الاهتمام وأقل من ذلك من حسن تدبير معيشتهم.

يرد هذا كله في فيلم كن لوتش (86 سنة) المسمّى «ذَ أولد أوك»، الذي هو الفيلم الرابع والثلاثين من حين قدّم أول أفلامه (Poor Cow) سنة 1967. تتمحور الحكاية حول وصول حافلة من اللاجئين السوريين إلى البلدة. معظم من فيها منهكون يبحثون عن معالم حياة جديدة بعيداً عن خطوط القتال في بلدهم. لم يكن اختيارهم الرحيل، بل دفعتهم الحرب إلى ذلك. بين هؤلاء تنفرد يارا (إلبا ماري) بإجادتها للغة الإنجليزية كما بكونها مصوّرة فوتوغرافية طموحة. تختلف عن معظم النساء في أنها أصغر سناً وغير محجّبة. أول وصولها تجد نفسها في إشكال مع أحد سكان البلدة، الذي يحطم الكاميرا. ينبري صاحب الحانة، تي جي (ريف تيرنر) للدفاع عنها. هذا يقود إلى رابطة إنسانية تدفع صاحب الحانة لافتتاح حانته المقفلة من جديد بغية إطعام اللاجئين مجاناً.يارا ليست وحيدة، بل بصحبة والدتها، مما يتيح للمخرج إظهار وجه عائلي في مواجهة وضع تي جي، الوحيد بين آماله وحالات يأسه. افتتاح المطعم يرتفع بحسّه الإنساني حيال المعوزين، وهذا إلى أن تتغلب عليه عوامل ليست من صنع يديه أو عواطفه، بل بفعل الأوضاع الاقتصادية البائسة التي يعيشها الجميع وتدفع بعضهم ليتّخذ موقفاً معادياً وعنصرياً من السوريين.

في فيلم لوتش الجديد، ذلك التقليد الدائم في أفلامه: استثمار حكاية اجتماعية تدور في رحى الزمن الحالي ليطرحها على خلفية الوضع الاقتصادي. حقيقة إنه «يساري التوجه» تلعب الدور الأول في إدمانه على هذا النوع من الاحتفاء بعالم خالٍ من الحياة السهلة، كما حاله في «بلاك جاك» (1979) و«نظرات وابتسامات» (1981) و«اسمي جو» (1989) و«أنا دانيال بلايك» (2015) وجل أفلامه الأخرى.

لوتش

لا يعمد المخرج هنا، أو في أي من أفلامه، إلى الميلودراما لإيصال فكرته المنسوجة من الحكاية الداكنة التي يتولى سردها. وهو ليس بحاجة إلى أكثر من ذلك الأسلوب الفني المبسّط الذي يطرح عمق رسالته من دون استعراضات من أي نوع. الجدار الذي يكتب عليه لوتش أطروحاته في أفلامه هو للتعبير عن مناهضته لما أصبحت بريطانيا عليه اليوم في زمن «نيوليبراليزم»، الذي يراه، كما يقول في حديث قصير دار بيننا: «وُلد من رحى الفاشية ذاتها التي احتفت بهتلر والنازية المنتمية إلى أقصى اليمين».

وهو يُشيد بما كانت عليه بريطانيا قبل نهاية السبعينات عندما أرست الدولة دعائم قوية لخدمة «الطبقة العاملة» إلى أن «بدأ الهدم بكل ذلك الإنجاز من نظم تعليم وعناية وطبابة مجانية وخدمات أخرى بوصول مارغريت ثاتشر للحكم».

لا ريب أن المخرج يعكس مداركه وآراءه الشخصية عما آل إليه الوضع ومن زاوية يسارية واضحة، لكن الصحيح أيضاً أن بريطانيا الجديدة تختلف عن الأمس بعدما أتاحت للمؤسسات الخاصّة امتلاك المرافق العامّة المختلفة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية وتحويلها إلى مصالح تجارية.

يُضيف لوتش بلا تردد: «أنجزت مرحلة ما قبل ثاتشر كل ما يتمناه المواطن البريطاني. أمّنت له حاجياته من عمل وتأمين صحي كامل وشجعت القطاع الصناعي المتمثل بمناجم الفحم. كان العمّال يعملون ثماني ساعات فقط وينصرفون إلى حياتهم الأسرية فيما تبقى من اليوم. هل ترى هذا حاصلاً اليوم؟»

يتحدّث لوتش طويلاً عن الوضع السياسي حتى حين سؤاله عن الكيفية التي يختار فيها معالجاته لكنه لاحقاً ما يُجيب: «أعمل مع الكاتب (بول لافرتي الذي وضع له غالبية سيناريوهاته منذ عقود) على اختيار الموضوع ثم البحث عما نريد الوصول إليه من خلال ذلك الموضوع. بعد ذلك هي مسألة تأمين معالجة واقعية تناسب الموضوع الذي نتطرق إليه».

كن لوتش (سيكستين فيلمز)

سوابق «كانيّة»

تم عرض فيلم لوتش في مسابقة «كان» ولم يحز على أي جائزة. لكن المخرج سبق له وأن فاق معظم المخرجين الآخرين الذين تباروا في كل دورات هذا المهرجان سابقاً بعدد الترشيحات الرسمية التي شارك بها، التي قادته للفوز بسعفتين ذهبيّتين حتى الآن.

بدأت علاقته بمهرجان «كان» سنة 1970 حين وصل ليعرض فيلمه Kes (ثاني أفلامه بعد Poor Cow) بعد ثلاثة أفلام أخرى عاد إلى «كان» بفيلم «بلاك جاك» سنة 1979. هذا الفيلم نال جائزة الفيبريسكي (الاتحاد الفيدرالي لنقاد وصحافيي السينما) قبل عامين من عودته إلى «كان» بفيلم آخر في المسابقة الرسمية هو «نظرات وابتسامات» (Looks and Smiles). في عام 1990 خرج من «كان» بجائزة «لجنة التحكيم». ثم نال الجائزة ذاتها سنة 1993 عن فيلمه «مطر من حجارة» (Raining Stone). بعد عامين

في سنة 2006، وبعد مشاركته بأفلام أخرى له، حظي بالسعفة الذهبية الأولى عن فيلمه «الريح التي تهز الشعير» (The Wind that Shakes the Barley). بعد عشر سنوات وأربعة أفلام نال بعضها جوائز دون السعفة، حقق فوزه الثاني بفيلم «أنا، دانيال بليك» (I‪,‬ Daniel Blake).

يقول لي ردّاً على سؤال آخر حول أفلامه: «المخرج الذي ينتقل من أسلوب عمل إلى آخر أو ينوّع بشدّة في مواضيعه المختارة يبدو لي ما زال يبحث عن هويته الفنية والفكرية حتى ولو جاءت أفلامه عموماً حسنة التنفيذ. أعتقد أن على المخرج حرية اختيار أسلوبه ومواضيعه وإذا ما فعل سيجد أنه يبني من فيلم لآخر كماً مرتفعاً من الأفلام التي لم تخن مبادئه ولا تغرّبت بحثاً عن معالجات مختلفة في كل حين».

وعن فيلمه الأخير: «المأساة السورية تحتاج إلى أكثر من فيلم. معظم ما شاهدته منها يدّعي الاهتمام لكنه مصنوع لأغراض تجارية».

دعوات وئام

«ذَ أولد أوك» ينتمي، طبيعياً، إلى اهتمامات المخرج الفنية والاجتماعية، لكنه يكرر في بعض مشاهده ميله إلى حرص على إعادة المفاد الذي سبق قوله في مشهد سابق. إنه كما لو أنه ليس واثقاً من أن مرّة واحدة أو مرّتين كافيتين لإيصال البعد الذي يريده فيقدم على مرّة ثالثة للتأكد. هذا حدث له في بعض أعماله السابقة كذلك وأحياناً على نحو أفدح كما الحال في «أجندة مخفية» (Hidden Agenda) عن الحرب الآيرلندية (1990) و«أرض وحرية» عن الحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينات. ففي كليهما يخصص وقتاً مستفيضاً يتحول فيه إلى مسجّل لحوارات سياسية طويلة.

في مثل هذا العمر المتقدّم ما زال كن لوتش يسعى لمزيد من الأفلام يدعو فيها إلى وئام اجتماعي عارضاً لشخصيات إنسانية تعاني الفقر أو البطالة أو، كما الحال هنا، من انسداد نافذة أمل. المختلف في فيلمه الجديد هو أنه من خلال الصلة الإنسانية التي تربط بطليه يؤكد أن الروابط بين البشر ما زالت قوية، وأنها قد تكون السبيل الوحيد الباقي لغدٍ أفضل.


سنوات السينما

سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)
سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)
TT

سنوات السينما

سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)
سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)

* «على من نطلق الرصاص»السياسة على المحك في فيلم كمال الشيخ

«إذا ماكانتش القضية أرض وعمارات... الناس دي كلها ماتت ليه؟».

هذا آخر ما تقوله تهاني (سعاد حسني) في فيلم كمال الشيخ «على من نطلق الرصاص» (1975)، وهي العبارة التي تختم الأحداث المتوالية التي وضعها السيناريست رأفت الميهي بغية التأكيد على أن الفساد لا يعرف مرحلة دون أخرى، بل يستشري ويمتد من زمن لآخر إذا لم يتم القضاء عليه.

تهاني هي زوجة رشدي (جميل راتب) رئيس مجلس الإدارة لشركة مقاولات تلاعبت بمواد بناء إحدى العمارات السكنية، مما أدّى إلى انهيارها. يتخلّص رشدي من المسؤولية عبر تزوير أوراق واتهام مهندس يعمل في الشركة (مجدي وهبة) وهو خطيب تهاني. تحكم المحكمة بدخول المهندس السجن ويحاول رشدي استمالته بالترغيب تارة، وبالتهديد تارة أخرى إلى أن يتم تسميمه والتخلص منه.

تهاني هي خطيبة المهندس سامي، وبعد وفاته بعامين يعرض عليها رشدي الزواج وتوافق، مما يُثير غضب مصطفى (محمود ياسين) صديق سامي وتهاني سابقاً فيدخل مكتب رشدي ويطلق النار عليه.

فيلم كمال الشيخ يبدأ بهذه الحادثة وما ورد أعلاه يتم الكشف عنه إما عبر مشاهد استرجاعية (فلاش باك)، أو عبر أحداث تقع في زمن الفيلم الحاضر. عبر التحقيق الذي يقوم به المحقق عادل (عزّت العلايلي) تتكشّف الحقيقة أمام تهاني، فتسعى لإدانة زوجها مستندة إلى اعتراف زميل سامي في السجن (علي الشريف).

كثرة الاستعادات لا تربك الفيلم ولا مشاهديه، بل هي عتبات للوصول إلى نصف الساعة الأخيرة التي تنضج فيها الحبكة وتظهر مهارة المخرج الراحل كمال الشيخ في إدارة عمله وتعميق شخصية تهاني، التي يتمنى المرء لو أن الفيلم أبرز أهمية دورها منذ البداية.

سعاد حسني لم تكن فقط أجمل ممثلات السينما المصرية، بل كذلك من أكثرهن موهبة. يستخدم الشيخ عينيها للتعبير في لقطة قريبة، وتعرف كيف تُعالج كل حدث أو ردّة فعل بما يستحقه من تعبير من دون أن تخطئ ولو مرّة واحدة.

الآخرون جيّدون وللأسف لا يبدو محمود ياسين قادراً على تشخيص دور الثائر السياسي ومنتقد الرأسمالية والفساد، وهو مرتّب الشعر ويرتدي بذلة وربطة عنق مختلفتين في كل مشهد.

للفيلم طروحاته السياسية، ولو أن المخرج نفى أن يكون للفيلم أي أبعاد سياسية، مفضلاً اعتباره فيلم تحقيقات بوليسية. في كل الأحوال هو جيد في نصفه الأول وأعلى من ذلك حال يدخل الفيلم نصفه الثاني.


لا مفاجآت في جوائز مهرجان «كان»... و3 عرب يفوزون بـ«نظرة ما»

جوستين ترييت وطاقم فيلمها «تشريح سقوط» مع سعفة «كان» الذهبية (أ.ف.ب)
جوستين ترييت وطاقم فيلمها «تشريح سقوط» مع سعفة «كان» الذهبية (أ.ف.ب)
TT

لا مفاجآت في جوائز مهرجان «كان»... و3 عرب يفوزون بـ«نظرة ما»

جوستين ترييت وطاقم فيلمها «تشريح سقوط» مع سعفة «كان» الذهبية (أ.ف.ب)
جوستين ترييت وطاقم فيلمها «تشريح سقوط» مع سعفة «كان» الذهبية (أ.ف.ب)

نال فيلم المخرجة الفرنسية جوستين ترييت «تشريح سقوط» سعفة مهرجان «كان» الذهبية للدورة الـ76 من هذا المهرجان الفرنسي الرائد، في حفل توزيع الجوائز الذي انتهى في ساعة متقدمة من صباح الأحد.

يتناول الفيلم حكاية زوجة (تقوم بدورها الألمانية ساندرا هولر) المتهمة بجريمة قتل زوجها إثر مشاجرة. الفيلم مقسوم ما بين التمهيد للتعريف بالأسرة، ثم تصاعد الأحداث التي أدت إلى مقتل الزوج. القسم الثالث هو المحكمة التي تنظر في القضية لكي تبت ما إذا كانت الزوجة قتلت زوجها فعلاً أم لا.

السعفة الذهبية هي أعلى مرتبة من مراتب الجوائز التي تقدّم في «كان» وألقت خطبة التمهيد لها الممثلة الأميركية جين فوندا التي طالبت بحشد المزيد من أفلام تخرجها النساء.

ثلاثة شرق آسيويين تقاسموا الكعكة

الفوز النسائي بجائزة أفضل ممثلة كان من نصيب الممثلة التركية ميرڤ ديزدار عن فيلم «حول الأعشاب الجافة» للمخرج نوري بيلج شيلان.

أما المقابل الرجالي فكان من نصيب الممثل الياباني كوجي ياكوشو وعن جدارة، لاعباً شخصية منظّف حمامات في فيلم أخرجه الألماني ڤيم ڤندرز بعنوان «أيام مثالية».

وذهبت جائزة أفضل مخرج للألماني جوناثان غلايزر عن فيلم «منطقة الاهتمام»، وهو دراما عن الهولوكوست من زاوية عائلة ألمانية تسكن بجانب أحد المعتقلات.

الوحيد الذي غاب عن الحضور لاستلام جائزته هو الفنلندي آكي كوريسماكي عن فيلمه الممتاز «سقوط أوراق الخريف»، وهو دراما آسرة عن مشروع علاقة بين رجل وامرأة يعانيان شظف الوضع الاقتصادي ونال جائزة لجنة التحكيم. ونال الفيتنامي الأصل تران آنه هونغ جائزة أفضل مخرج عن فيلمه «بوت أو فو» (اسم وجبة فرنسية شهيرة) بطولة الممثلة الفرنسية جولييت بينوش.

تران آنه هونغ مع جائزة أفضل مخرج عن فيلمه «بوت أو فو» (رويترز)

إلى جانب الممثل الياباني ياكوشو والمخرج الفيتنامي الأصل (يعيش ويعمل في فرنسا)، عزز كاتب السيناريو الياباني يوجي ساكاموتو الحضور الآسيوي بفوزه عن فيلم «مونستر»، واستلمها بالنيابة عنه مخرج الفيلم هيروكازو كوري-إيدا.

بدت الجوائز مقررة على نحو هندسي ولم تأت، فعلياً، بمفاجآت أو تقلب توقعات. لكن المثير فيها ظهور المنتج والمخرج الأميركي المخضرم روجر كورمن الذي ألقى أقصر كلمة في هذه المناسبة إذ لم تتجاوز الدقيقة، وذكّر فيها الحضور بأنهم في أرفع «مكان سينمائي على الأرض».

رحلة سياحية

نتوقف عند جوائز المهرجان وتحديداً جوائز ثاني أهم المسابقات، مسابقة «نظرة ما».

هذه الجائزة أعلنت السبت، وجاءت على النحو الآتي: الجائزة الأولى (المسمّاة «جائزة سارتا ريغار») لفيلم بريطاني- يوناني لمولي مانينغ ووكر. يسرد حكاية ثلاث فتيات بريطانيات يصلن إلى اليونان بحثاً عن اللهو والمتعة. هو الفيلم الأول لمخرجته. يبدأ كما لو أنه بمثابة تسجيل مصوّر لرحلة سياحية، لكن بعد قليل من بدايته، تتراءى سماته بكل ما حملته من خفّة وسهولة تصوير حالات ثلاث صديقات يرغبن في الترفيه العابر على ساحل بلدة ماليا. شيء يقع، كما يتحسّس المُشاهد، يودي بكل ذلك المرح البادي، ويوفر بديلاً له لم يكن في حسبان البطلات.

الجائزة الثانية في التعداد كانت باسم «جائزة صوت جديد»، مُنحت للمخرج الأفريقي بيلوجي (يكتفى باسم واحد) عن فيلمه «فأل» (حكاية أربعة سحرة يهاجرون خوفاً من القتل على أيدي أبناء البلدة).

لقطة من فيلم أسماء المدير «كذب أبيض» (مهرجان كان)

من بين الجوائز الست، نال ثلاثة مخرجين عرب ثلاث جوائز بما يشبه مطراً منعشاً لحضور السينما العربية في دورة هذا العام. جائزة أفضل مخرج ذهبت إلى أسماء المدير عن فيلمها التسجيلي «كذب أبيَض» وهو اسم تسويقي (The Mother of All Lies). وجائزة لجنة التحكيم ذهبت إلى فيلم كمال الأزرق «كلاب»، الذي فيه من جهد الكتابة والتنفيذ ما يتجاوز فيلم أسماء المدير.

«جائزة الحرية» نالها المخرج محمد قردوفاني عن فيلمه «وداعاً جوليا» وهو المشاركة السودانية الرسمية الأولى في تاريخ المهرجان الفرنسي. لا يبتعد الفيلم (إنتاج أمجد أبو العلا، مخرج «ستموت في العشرين» - 2018) عن أحداث اليوم، لكن من دون معالجتها. صُوِّر قبل نشوب الصراع بين المتحاربين حالياً في السودان. لكن الموازاة قائمة، لكون الأحداث التي يعرضها تقع في عام 2005 عندما عاشت الخرطوم حالات انهيار أمني آخر.

هذا فيلم آخر سوداني جيّد (بالإضافة إلى «ستموت في العشرين» والتسجيلي «الحديث عن الأشجار» لصهيب قاسم الباري)؛ نال تلك الجائزة ذات النبرة السياسية باستحقاق. لكن ما هو ملاحَظ أنّ أسماء الجوائز في هذه التظاهرة تحاول تفادي تداوُل مبدأ «الأفضل»، على نحو «أفضل فيلم» و«أفضل مخرج»... إلخ، مما يجعل المجموعة الفائزة شبه متساوية في التقدير.

لجنة تحكيم متنوعة

وكانت لجنة التحكيم بقيادة المخرج السويدي روبن أوستلوند؛ وتضم ثمانية أعضاء من بينهم المخرجة وكاتبة السيناريو المغربية مريم توزاني؛ والمخرج الأفغاني عتيق رحماني والمخرج الزمباوي رونغانو نيوني. والباقون؛ كتاب ومخرجون وممثلون غربيون، من بينهم بول دانو وبري لارسون ودوني مينوشيه وداميان شيفرون، علماً أنه من غير المتاح بالطبع معرفة كيف تلاقت الثقافات والآراء بين أكثرية غربية وقلّة أفريقية وآسيوية.

أعضاء لجنة التحكيم قبل حفل إعلان الجوائز (إ.ب.أ)

ليس المقصود أنّ صراعاً محتدماً وقع. عادة ما تُذلّل العقبات والمناقشات بطريقة ديمقراطية، فيصغي الجميع للجميع. يوافقون أو يعترضون والكلمة الفصل للتصويت. لكن هذا لا يمنع أنه في مرات عدة، اختلف أعضاء لجان التحكيم وظهر الخلاف على وجوههم لدى اعتلاء المنصّة. حدث ذلك، على سبيل المثال، في دورة 2018 عندما نال فيلم كوري - إيدا هيروكازو «السعفة الذهبية» عن «نشالو المحلات» (Shoplifters).

كما تردّد لاحقاً، فإنّ بعض لجان التحكيم في تلك الدورة فضّلوا فيلم «حرب باردة» للبولندي بافل بافليكوفسكي؛ وتمسّك البعض، إلى حين، بفيلم «الرماد هو الأبيض الأكثر نصاعة» (Ash is Purest White) للصيني جانكي جيا.

هذه كانت أقاويل ما بعد توزيع جوائز تلك السنة، لكن فوز الفيلم الياباني «نشالو المحلات» كان في نهاية المطاف صائباً. كوري - إيدا هيروكازو، مخرج هذا الفيلم، حضر هذه السنة أيضاً بفيلمه «مونستر». حظوظ المخرج لم تكن قوية هذه المرة، لكن حظوظ كاتب سيناريو فيلمه كانت أفضل بحصده الجائزة. احتوى الفيلم على كل بصمات مخرجه المعتادة، باستثناء أنه ليس مدهماً كما حال أفلام سابقة له. حكاية ثلاثية الإلقاء (الأحداث من ثلاث وجهات نظر) تفقد حسنات أسلوبها المتبع والمأمول.

شيء مشابه يقع في فيلم مخرج آخر اعتاد عرض أفلامه في «كان»، هو كريم عينوز (من أب جزائري وأم برازيلية). فقد حاول، في فيلمه المتسابق «فايربراند»، تحويل حكاية آخر زوجات الملك هنري الثالث عشر إلى دراما تحمل (على غرار فيلم الافتتاح «جان دو بوري» حول آخر عشيقات الملك الفرنسي لويس الخامس عشر) مأساة البطلة (تؤدّيها أليسيا فيكاندر بجدارة)، لكن رغم جودة التنفيذ، لم يتجلَّ في السيناريو أكثر بكثير من الوصف والسرد القصصي.

فيلم آخر كان أوفر حظاً - كما تراءى للعدد الأكبر من الحاضرين قبل أن تتحقق النبوءة ويحصد جائزة أفضل مخرج - هو فيلم جوناثان غلايزر «منطقة الاهتمام» (The Zone of Interest). إنه حكاية مختلفة عن الهولوكوست من مخرج يعود إلى العمل بعد عشر سنوات من العزلة، منذ تقديمه فيلمه السابق «تحت الجلد» الذي جمع بين اللغز والرعب ونال رواجاً نقدياً لا بأس به.

مشهد من فيلم جوناثان غلايزر «منطقة الاهتمام» (The Zone of Interest) (آي إم دي بي)

الفيلم الجديد نقلة باتجاه أفلام الهولوكوست التي قد يزيد عددها منذ الحرب العالمية الثانية على ألف فيلم تناولتها تسجيلياً ودرامياً ومن زوايا مختلفة. على ذلك، وجد غلايزر زاوية جديدة تتمثل في حكاية ضابط ألماني (كريستيان فريدل) وزوجته (ساندرا هولر) وأولادهما الخمسة الذين يعيشون في منزل فوق أرض خضراء جميلة ونهر يمرّ ليس بعيداً عن بيت العائلة.

ليس بعيداً كذلك، سجن أقامه النازيون لزجّ اليهود فيه. تُسمع أصوات طلقات البنادق بين حين وآخر، أو صراخ الضحايا من دون أن يؤدّي ذلك إلى زعزعة استقرار تلك الأسرة. هذا التناقض بين حياة هانئة، وعلى بُعد يسير، أخرى معذَّبة؛ يتّضح من المَشاهد الأولى ويستمر. غلايزر يستثمر المفارقة إلى الحد الأقصى، بهدف القول إنّ أمثال الضابط وعائلته موجودون حتى اليوم في حياة الإنسان (الغربي كما يتّضح)، تعبيراً عن الرغبة في الصمت المطبق حيال التاريخ وجلاديه. الفيلم فيه ما يكفي من أسلوب عرض وموضوع.

المُنافس الأول لهذا الفيلم كان فيلم «تشريح سقوط» (Anatomy of a Fall) للفرنسية جوستين تريست الذي فاز بأفضل فيلم. يتناول الفيلم قضية روائية (ساندرا هولر) متهمة بقتل زوجها بدفعه من نافذة في الطابق الثالث. ابنهما شبه أعمى، لكنه يستطيع الإفادة بما قد يوضح اللغز حول إذا ما كانت والدته دفعت زوجها فعلاً أو أنّ الزوج سقط عَرَضاً.

بعد بداية موحية بفيلم مُتقن، ينحدر إلى مستوى عادي من التحقيق ويسود من منتصفه فصاعداً شعور بأن الفيلم قال الكثير، ولم يبقَ سوى الانخراط في واقع المحكمة التي تنظر في القضية. بكلمات أخرى، ما يتم سرده في ساعتين ونصف ساعة، كان يمكن سرده في ساعة ونصف ساعة، لولا أنّ المخرجة رغبت في سرد أحداثها على بساط عريض.

براعة أسلوبية

الحصان الأسود الذي خرج خاوي الوفاض في هذا السباق هو فيلم الفنلندي آكي كوريسماكي الجديد «سقوط أوراق الشجر» (Fallen Leaves) منذ «الجانب الآخر للأمل» (The Other Side of Hope) سنة 2017. هنا حكاية حب يرويها المخرج من دون عاطفة. أسلوبه في ذلك، عرض الموقف بعد عصر الأمل منه تاركاً للمُشاهد التمعّن في الأسباب.

من فيلم آكي كوريسماكي «سقوط أوراق السجر» (مهرجان «كان»)

بطلته امرأة تعمل في سوبر ماركت تدعى أنسا (ألما بوستي) ورجل مدمن على الكحول يدعى هولابا (جوسي فاتانن)؛ يلتقيان عرضاً ثم يتفقان على مشروع علاقة لا تسير حسب المُتوقع لها. كلاهما يصبح عاطلاً عن العمل، فهي تُطرد من عملها لأنها سمحت لنفسها بالاحتفاظ بساندويش فاتت مدة صلاحيته. وهو يطرد لاحتسائه المشروب خلال عمله في مصنع خردة.

يسرد المخرج الحكاية بمفرداته الاقتصادية المحددة. لا رغبة لديه للإيهام بأنه سيحقق فيلماً مبهراً بتصويره أو باستعراضاته أو حتى بتصاعد درامي حاسم. على العكس، يبقى بسيطاً وكادراته محددة. حتى الدلالات الاجتماعية تبقى في متناول العين، إنما من دون عزف منفرد لمنحها أكثر من الدلالة الفورية. هو فيلم بديع عن الوحدة في مجتمع رأس المال الذي يعيشه كل منهما على مضض، وبل بقبول ظاهري، محاولاً البحث عن خلاص من الوحدة بالانخراط في وحدة الشخص الآخر.


شاشة الناقد: «أسترويد سيتي»... الصراع على الأرض والمجرّات

توم هانكس وجاسون شوارتزمان في «أندرويد سيتي» (فوكاس فيتشرز)
توم هانكس وجاسون شوارتزمان في «أندرويد سيتي» (فوكاس فيتشرز)
TT

شاشة الناقد: «أسترويد سيتي»... الصراع على الأرض والمجرّات

توم هانكس وجاسون شوارتزمان في «أندرويد سيتي» (فوكاس فيتشرز)
توم هانكس وجاسون شوارتزمان في «أندرويد سيتي» (فوكاس فيتشرز)

تنقسم أفلام المخرج و.س أندرسن قسمين: نوع تحبه ونوع تكرهه، لكن كلا النوعين يرتدي شكلاً واحداً. الفارق أن بعض أفلامه يثير الإعجاب والبعض الآخر يُثير الامتعاض.

«أسترويد سيتي»، هو من النوع الثاني: حكاية «إذا صح التعبير» تدور في رحى صحراء أميركية في منتصف الخمسينات، عدد سكانها 87 نفراً. تكمن البلدة فوق أرض ذات تربة حمراء في الجنوب الغربي للولايات المتحدة. يحتوي المكان على مبانٍ سكنية قليلة ومحطة بنزين وهاتف عمومي واحد وجراج وعدد من الشخصيات التي تلتقي هناك. تصل إحداها مع عائلتها في سيارة لم تعد تصلح للسفر.

على مقربة هناك محطة تجارب نووية اعتاد سكان البلدة عليها. لا أحد يسأل عن الإشعاعات أو المخاطر، فالبال منصرف لمتابعة مسائل تعني لهم شيئاً ولا تعني للمشاهد أي شيء.

هناك زائر من الفضاء يهبط ويرحل سريعاً؛ ما يحوّل البلدة حَجْراً صحياً بعدما طوّقها الجيش، مما يجعل مغادرتها أو دخولها ضمن الممنوعات.

يبني المخرج فيلمه على أساسين متماثلين: يأتي بفكرة غريبة أولاً ثم يجعلها أكثر غرابة حين تنفيذها واختيار ما يتحدث فيه خلالها. أحياناً ما ينجح كثيراً كما الحال في فيلمه الجيد «ذا غراند بودابست هوتل» (2014) و «مونرايز كينغدوم» (2017). هذا الفيلم من تلك، التي لا تنجح؛ نظراً لأنها تبدو محدودة المعالم. لا شيء مثيراً في بناء وحدة سكنية فوق صحراء منبسطة وشخصيات تتحدّث كثيراً ولا شيء كثيراً يحدث.

فيلم أندرسن يحتوي على سمات محببة إليه. على سبيل المثال لا يحبّذ بطولة منفردة ويجمع هنا عدداً كبيراً من الممثلين الذين هم طاقم مخلص له يستعين به في كل فيلم له تقريباً. هنات تيلدا سوينتن وإدوارد نورتن وأدريان برودي وتوم هانكس، بالإضافة إلى سكارلت جوهانسن وجاسون شوارتزمان. في جانب آخر، وفي هذا الفيلم أكثر من سواه، يتعامل مع التأطير المحدد وبفورمات تقنية متعددة. هناك الأبيض والأسود والألوان والصورة المنقسمة إلى نصفين كما الانتقال من الفيلم إلى المسرح لا عبر الأحداث فقط، بل عبر المعالجة الكلية بحيث يبدو الفيلم كما لو كان نتاجاً مسرحي النَفَس والمصدر، إنما مع حرية الشغل على تكوينات المشهد المنفتح على المكان الشاسع وحجم اللقطات.

كذلك مشهود له تعامله مع مكان صحراوي تتساءل فيه إذا ما كانت الجبال البعيدة موجودة فعلاً أو نتيجة تأسيس الاستوديو لها. فالفيلم، من هذه الناحية يبدو بمجمله كما لو أنه صوّر فوق أرض الاستوديو. واللعبة هنا هي التغلّب على لون الطبيعة الصحراوية بابتكار لون زهري يشبه اللون الذي تعكسه الصحراء الفعلية عند الغروب. في مشاهد أخرى هو لون باهت.

«أسترويد سيتي» هو، بالنتيجة ورغم جهد التأطير والديكورات وبث الألوان ينتهي بدوره إلى نتيجة باهتة أقل شأناً مما هدف المخرج إليه.


سنوات السينما: «أغنية ناراياما»... الفيلم الذي ربح «سعفة كان» قبل 40 سنة

«أغنية ناراياما» (تووي كومباني)
«أغنية ناراياما» (تووي كومباني)
TT

سنوات السينما: «أغنية ناراياما»... الفيلم الذي ربح «سعفة كان» قبل 40 سنة

«أغنية ناراياما» (تووي كومباني)
«أغنية ناراياما» (تووي كومباني)

هو في الواقع فيلمان يشتركان في عنوان واحد. هناك نسخة كايسوكي كينوشيتا التي حققها سنة 1958 ونسخة شوهاي إيمامورا، التي أنجزها هذا المخرج سنة 1983 وخطفت سعفة مهرجان «كان» في العام ذاته.

كلتا النسختان مستوحاة من أعمال الكاتب شيشيرو فوكازاوا، الذي نال عليها الجائزة الأدبية الأولى في اليابان مطلع الخمسينات. لكن فيلم إيمامورا هو الذي أصبح معروفاً لا بفضل جائزة «كان» فقط، بل أساساً لثرائه البصري وواقعيّته المذهلة وحكايته التي تغوص في أعماق الحياة القروية في قرن أو أكثر مضى.

تقع الأحداث في قرية جبلية، اسمها ناراياما على بعد شاسع من أي مدينة. قرية مقطوعة الوصال مع العالم الآخر وتتعرّض لعوامل الطقس البارد كما للمجاعة، وتحيا على نحو بدائي همجي مليء بالعواطف النيئة والاعتقادات الخرافية والصراعات المختلفة.

الفيلم مدهم حتى اليوم. بمشاهد إلقاء الأطفال الذكور في حفر عميقة للتخلص منهم بسبب قلّة المحاصيل والطعام، تمر على الشاشة بكل قسوتها. الأطفال الإناث لديهم حظ أفضل للحياة بغية بيعهن لمن يشتري حين يكبرون. الغابة التي تحيط بالقرية لا تقل قسوة. جمالها الأخضر قاسٍ. الحشرات والأفاعي منتشرة فيها ويستخدمها إيمامورا كرموز يقطع إليها كثيراً لإظهار لا الخطر والقسوة فقط، بل لتماثل حب الحياة لديها مع تلك التي لدى الإنسان.

الجميع مشترك في صراع حياة وموت وبطلة الفيلم (أو محوره تحديداً) هي المرأة العجوز ذات التاسعة والستين من العمر. تؤديها الممثلة سوميكو ساكاموتو بكل ما أوتيت من رغبة في تجسيد حي لعمرها ووضعها العائلي. هي الأم التي تقطف النباتات وتطبخ وتغسل وتنظّف وترشد الأبناء (رجال راشدون) إلى ما يجب القيام به. لكن كل شيء في تلك القرية محكوم بالرغبة في البقاء على قيد الحياة. وهذا التقليد يعني التخلص كذلك من الكبار سنّاً بنقلهم إلى أماكن جبلية وعرة، وتركهم هناك ليموتوا وحيدين ومنعزلين. هذه الأم لن تكون بمعزل عن هذا التقليد على الرغم من حب ابنها الأكبر لها. يحملها، في ربع الساعة الأخيرة من الفيلم، فوق كتفيه ويصعد بها جبالاً ويجتاز صخوراً وودياناً وصولاً إلى حيث سيتركها لكي تموت.

«أغنية ناراياما» فيه مواقف آسرة التنفيذ والتصوير يتقاسم حضورها الإنسان والطبيعة. هي آسرة بجمالها وبحسن إخراجها ومخيفة لوحشيّتها وعنفها الإنساني.

صوّر إيمامورا المشاهد الداخلية في الاستوديو مع ما يحيط بالمنازل الخشبية من نباتات وحيوانات. لكنه صوّر كذلك الطبيعة في بعض المضارب اليابانية الجميلة والموحشة معاً. الفصل الأخير يترك تأثيراً بالغاً في الذات ويختم دراما على قدر كبير من عنف الدلالات.


دي نيرو وديكابريو... من فاز على الآخر في الأداء؟

روبرت د نيرو وليوناردو ديكابريو شريكان في الجريمة في «قتلة فلاور مون»... (باراماونت)
روبرت د نيرو وليوناردو ديكابريو شريكان في الجريمة في «قتلة فلاور مون»... (باراماونت)
TT

دي نيرو وديكابريو... من فاز على الآخر في الأداء؟

روبرت د نيرو وليوناردو ديكابريو شريكان في الجريمة في «قتلة فلاور مون»... (باراماونت)
روبرت د نيرو وليوناردو ديكابريو شريكان في الجريمة في «قتلة فلاور مون»... (باراماونت)

إذا كنت ستنتظر إلى أن تعرض منصّة «آبل» «قتلة فلاور مون» (Killers of the Flower Moon) على الأثير فإنك لن تتمتّع بكل ما في فيلم مارتن سكورسيزي الجديد من مساحات فضاء وأعماق شخصيات ورحلات في الأزمنة والأماكن.

فيلم مارتن سكورسيزي الواحد والأربعون مصنوع على طريقة معظم أفلامه الروائية: حكاية متسعة لشخصيات كثيرة وأفعال أكثر وإجادة في تلوين الأحداث بالمواقف ذات الرؤيا. إلى ذلك هو نوع من الوسترن الذي يحتفي بالمكان على شاشة عريضة وفي أحداث تعود إلى تاريخ معين (1922) مما يشكّل ثروة بصرية للمُشاهد إذا ما اختار متابعة الفيلم على الشاشة العريضة. والشركتان المنتجتان باراماونت و«آبل» ستعرضان الفيلم انطلاقاً من السادس من أكتوبر (تشرين الأول) على نحو محدود في الولايات المتحدة ثم في العشرين من الشهر ذاته على نطاق واسع قبل أن يتوجه إلى عروض النت في الشهر التالي على الأرجح.

بداية شبيهة بأخرى

المشكلة في العروض السينمائية هي أن الفيلم يقارب الأربع ساعات. هي تمضي بالنسبة للمشاهدين كما لو كانت في ساعتين ونصف نظراً للأحداث المتابعة وذات الإيقاع المتناسق، لكن الأزمة هي أن سكورسيزي بالفعل لم يكن بحاجة إلى كل هذا الوقت لعرض فيلمه. هناك وقت طويل يمضي في الاستفاضة حول مفارقات درامية كان تم تداولها من قبل. من بين ذلك، الفترة الزمنية التفصيلية المنصرفة على العلاقة بين ليوناردو ديكابريو وليلي غلاستون. هو الزوج الذي يحب المال أكثر من حبّه لامرأته، وهي الزوجة التي تعتقد أنه يحبها أكثر مما يحب المال.

‫الحكاية واقعية منسوجة من كتاب لديفيد غران كُتب كتقارير وصفية وليس كرواية سنة 2017. غران صحافي من فريق مجلة «ذا نيويوركر» الأميركية وهو وضع كتاباً كاشفاً عن سلسلة من الجرائم التي وقعت في ولاية أوكلاهوما في مطلع العشرية الثانية من القرن الماضي وسُجلت على أساس أنها جرائم انتحار. في الواقع يبدأ سكورسيزي فيلمه بنماذج منها. أشخاص غامضون يقتلون رجالاً من قبيلة أوساج الهندية. هذه البداية شبيهة ببداية فيلمه الشهير Goodfellas الذي عمد فيه إلى تصوير سقوط ضحايا عمليات مافياوية في نيويورك. الفارق أن الأحداث التي يتناولها في «قتلة فلاور مون» وقعت بالفعل ولو أنها سُجلت كحوادث انتحار عبر «شريف» البلدة المرتشي. أسبابها، كما يكشف الكتاب والفيلم، أن القبيلة، التي تم ترحيلها من موطنها السابق في ولاية كنساس وإسكانها ولاية أوكلاهوما، اكتشف النفط تحت أقدامها في موطنها الجديد.‬

عرف أفرادها الثراء المفاجئ، وهذا ما تسبب في حسد أبناء البلدة وما دفع الحكومة للتواطؤ مع بعض النافذين لإصدار قرار غريب من نوعه يعتبر أن الأوساج ليسوا مؤهلين لاستثمار أموالهم وأنهم بحاجة لمرشدين لذلك.

ويليام هايل (Hale)، كما يؤديه روبرت دي نيرو، أحد الذين اعتبروا أن هذا الثراء يجب ألا يكون من نصيب «ذلك العنصر» (That race) كما يقول في أحد المشاهد وعبر أذرعه النافذة يرسل من يقتل أثرياء القبيلة بينما يتظاهر بحبه لهم ومودّته وكل ما من شأنه استمرار خداعهم.

إلى هذا المكان يصل أرنست (ليوناردو ديكابريو) باحثاً عن عمل عند عمّه ويليام. العلاقة مع عمّه بدأت، عائلياً، طبيعية من حيث إنه لم يكن يدري ما يخبّؤه عمّه له. يلاحظ العم أن ابن أخيه يرمق امرأة هندية ثرية اسمها مولي (ليلي غلادستون) بإعجاب. يدفعه للزواج منها ليس لأنه يكترث للتوفيق بين عاشقين، بل لأنه إذا ما قتل والدتها ثم قتل شقيقتها ثم قتلها فإن الثروة ستقع بين يدي أرنست وبالتالي بين يديه هو.

قتل مباح

لا داعي لتفاصيل كثيرة لولا أن تحليل هذا العمل لا يمكن أن يتم إلا بإيضاح، لكن التركيبة الدرامية المذكورة تأتي كاملة في نصف الساعة الأولى من الفيلم ولدى المشاهد نحو ثلاث ساعات أخرى من التفاصيل. ذلك الزواج يمشي حسب المقرر له وعندما يُطلب من أرنست أن يتسبب في موت بطيء لزوجته يقبل الأمر، ومع انحدار صحتها وإشرافها على الموت، يزداد الوضع البائس الذي يواجهه أرنست بالانصياع أكثر وأكثر لعمّه. يستمر هذا لما بعد وصول رجال الأف بي آي (يقودهم الجيد جسي بليمونز) للتحقيق ووضع حد للقتل المباح.

أرنست لا يتوقف عن الكذب على زوجته. الغنيمة تعميه وعمّه لا يمكن عصيانه لكن تورّطه في خطتّه كما في توجيه أزلام لتنفيذ عمليات قتل تنكشف للمحققين.

ديكابريو مع ليلي غلادستون (باراماونت)

بعد المشهد الأخير من الدراما يفتح سكورسيزي على مشهد لمسرح إذاعي يتم فيه تقديم ما آلت إليه شخصيات الفيلم الأساسية. هذا الاستخدام بديل لما اعتادت السينما تقديمه عبر كلمات تشرح مآلات الشخصيات مطبوعة على شاشة سوداء. الطريقة الجديدة تستخدم أيام الراديو عن طريق ممثلين يروون على خلفية مؤثرات سمعية (بوق سيارة، حوافر حصان، جرس باب... إلخ). ثم ها هو سكورسيزي نفسه يضع الكلمة الأخيرة على كل شيء وتسدل الستارة عليه.

إنها خاتمة جديدة بالفعل لكنها تترك مذافاً كوميدياً على المأساة التي أمضى المخرج تلك الساعات لتعميقها. في الأساس لا يتجنّب المخرج الدفاع عن مصير تلك القبيلة وما شهدته من ظلم وخداع. الأشرار هم كل البيض في الفيلم (باستثناء المحققين). ما دام هذا مقتبس من وقائع لا بأس، خصوصاً وأن المواطنين الأصليين لأميركا عوملوا منذ وصول كولمبوس لسواحل القارة الشرقية كما لو أنهم مجموعات متوحشة تستحق السطو على أراضيهم وقتلهم ونقلهم من مكان إلى آخر لتوسيع مساحات الاستيطان خصوصاً إذا ما كانت القبائل تعيش فوق ركام من الذهب والفضّة.

موسيقى روبي روبرتسون تكاد تنطق حواراً من شدّة امتزاجها بواقعية الفترة والمكان. سبق لروبرتسون أن وظّف موسيقاه في فيلمين لسكورسيزي هما The Wolf of Wall Street سنة 2013 وThe Isrishman في 2019. بالإضافة إلى ذلك، استعان الفيلم بأغاني بلوز من الفترة من أمثال فرد ماكدووَل وصن هاوس وبلايند ليمون جفرسون.

أزمة ديكابريو

فيلم سكورسيزي يواصل ما بدأه من قبل في أفلامه عموماً: يروي الحكايات من وجهة نظر الجلادين أو القتلة وليس من وجهة نظر الضحايا. وحدها غلادستون، في دور الزوجة، تعبّر هنا عن تراجيديا الجشع والعنصرية، لكن الواجهة الأساسية لا تزال ملكاً للشريرين روبرت دي نيرو وليوناردو ديكابريو، المقارنة بينهما على صعيد الأداء تشي بأن كلاً منهما لجأ إلى ما ينص عليه الدور: دي نيرو يمتلك الدراية لتبوؤ الشخصية المهيمنة والتسلّط ولجعل نفسه مكروهاً. ديكابريو يؤدي شخصية المغلوب على أمره والتائه ما بين ضمير يموت وجشع يرتفع لكنه لا يملك كيفية جعل نفسه مكروهاً. يتوقع المرء هنا أن يصحو من أفعاله، لكن تكرار وقفاته المتسائلة عن أخلاقية ما يقوم به تفرّغ مشكلته من داخله ليبقى التمثيل. قد يكسب تعاطفاً، لكن هذا التعاطف يذبل تدريجياً من دون أن يبلور الممثل وضعه حيال ما يؤديه على نحو كامل.

في نواحٍ أخرى من هذا العمل، ولجانب إخفاق مشهد النهاية في إيداع رسالة الفيلم في الإطار الصحيح، هناك إخفاق في دفع الأحداث إلى تشويق فعّال. طبعاً لا ننسى أن الفيلم وسترن، إلى حد (لكنه ليس فيلم أكشن عن الهنود الحمر والجنود الزرق ولا هو فيلم رعاة بقر) وسكورسيزي لا يعالجه على هذا الوضع، وهذا اختيار لا غُبار عليه. لكن هذا لا يعفي الفيلم من طريقته في دفع الأحداث صوب مستوى من التشويق، خصوصاً مع وجود تلك المناطق التي يبدو فيها الفيلم وهو يكرر مفاداته. ربما حقيقة أن الفيلم مقتبس عن كتاب غير روائي يلعب دوراً في ذلك، لكن حتى هذا يبرر غياب أي تشويق فعّال أو أي غموض كان يمكن استخدامه لمنح الدراما بعض المفاجآت.

تساءل هذا الناقد عما سيكون الفيلم عليه لو أن فرنسيس فورد كوبولا أو برايان دي بالما أو كلينت إيستوود أو مايكل مان هو من أخرج الفيلم. وفي كل الأحوال يجب ألا ننسى أن الراحل حديثاً مايكل أبتد أنجز فيلمين مثاليين في تعاملهما مع أوضاع مشابهة هما «ثندرهارت» (thunderhart) و«حادثة في أوغالا» (‪(‬ncident at Olgala وكلاهما في سنة 1992.

الأول خيالي حول فل كيلمر يحقق في جريمة قتل المتهم فيها هندي، والثاني تسجيلي حول أحداث وقعت سنة 1975 عندما تسبب تصدي الـ«إف بي آي» ومضايقتهم لهنود ولاية داكوتا الجنوبية في مقتل إثنين من المحققين. كلا هذان الفيلمان حملا معاً الواقعية من ناحية والحدة من ناحية أخرى وتم بناؤهما للكشف عن مأساة المواطنين الأصليين لأميركا على نحو جيد وواضح.


دي نيرو يقارن شخصيته الشريرة في «كيلرز أوف ذي فلاور مون» بترمب

الممثل الأميركي روبرت دي نيرو (رويترز)
الممثل الأميركي روبرت دي نيرو (رويترز)
TT

دي نيرو يقارن شخصيته الشريرة في «كيلرز أوف ذي فلاور مون» بترمب

الممثل الأميركي روبرت دي نيرو (رويترز)
الممثل الأميركي روبرت دي نيرو (رويترز)

رأى النجم الأميركي روبرت دي نيرو، في تصريح أدلى به (الأحد)، على هامش مهرجان كان السينمائي، أنّ الشخصية التي يؤديها في فيلم «كيلرز أوف ذي فلاور مون» تنطوي على الشر نفسه الذي يظهره الرئيس السابق دونالد ترمب.

ويتشارك النجم البالغ 79 عاماً مع ليوناردو دي كابريو بطولة «كيلرز أوف ذي فلاور مون» الذي شهد مهرجان كان السينمائي، (السبت)، عرضاً أول له، ووقعه المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي.

ويؤدي دي نيرو في الفيلم الذي تدور أحداثه في عشرينات القرن الفائت وسط قبيلة أوساج من السكان الأصليين، دور ويليام هيل الذي ينال ثقة أفراد القبيلة قبل أن ينخرط في جرائم قتل عدة بهدف الاستيلاء على النفط في أرضهم.

وقال دي نيرو للصحافيين على هامش مهرجان كان السينمائي: «لا أفهم الكثير عن هذه الشخصية ولماذا خانت» أفراد أوساج، مضيفاً: «لكننا بتنا أكثر وعياً بعد مقتل جورج فلويد»؛ في إشارة إلى الرجل الأسود الذي قُتل بيد شرطي أبيض في حادثة أشعلت احتجاجات ما يُعرف بحركة «حياة السود مهمة».

وتابع: «إنها تفاهة الشر، وهو ما يجب أن ننتبه إليه. كلنا ندرك عمّن أتحدث، لن أقول اسمه».

لكن بعد لحظات، قال دي نيرو ضاحكاً: «الأمر مشابه لما حصل مع ترمب... كان علي أن أذكر اسمه»، مضيفاً: «ثمة أشخاص يعتقدون أنّ ترمب قادر على إنجاز ما هو جيّد. تخيّلوا أي جنون هذا».


احتفاء كبير بفيلم سكورسيزي «قتلة زهرة القمر» في مهرجان كان

روبروت دي نيرو ومارتن سكورسيزي وليوناردو دي كابريو في مهرجان كان (رويترز)
روبروت دي نيرو ومارتن سكورسيزي وليوناردو دي كابريو في مهرجان كان (رويترز)
TT

احتفاء كبير بفيلم سكورسيزي «قتلة زهرة القمر» في مهرجان كان

روبروت دي نيرو ومارتن سكورسيزي وليوناردو دي كابريو في مهرجان كان (رويترز)
روبروت دي نيرو ومارتن سكورسيزي وليوناردو دي كابريو في مهرجان كان (رويترز)

خطف نجوم فيلم «كيلرز أوف ذا فلاور مون» (قتلة زهرة القمر) للمخرج‭‭ ‬‬الأميركي مارتن سكورسيزي، الأنظار على السجادة الحمراء بمهرجان كان السينمائي، الذي يشهد العرض الأول للفيلم المدجج بالنجوم.

واستقبل النقاد والجمهور الفيلم، الذي تبلغ مدة عرضه 3 ساعات و26 دقيقة، مساء (السبت) بحفاوة بالغة ونال تصفيقاً حاراً من الحاضرين استمر 9 دقائق.

وقال سكورسيزي بعد العرض: «كانت هذه تجربة مؤثرة، لا أعتقد أنني مررت بشيء من هذا القبيل من قبل»، كما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.

والفيلم مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه وحققت مبيعات قياسية. وتدور أحداثه حول عدة جرائم قتل في عام 1920 تستهدف أمة أوسيدج الغنية بالنفط في أوكلاهوما في عشرينات القرن الماضي.

يشترك في بطولة الفيلم نجما هوليوود ليوناردو دي كابريو وروبرت دي نيرو إلى جانب جيسي بليمونس وبرندان فريزر وجون ليثجو وليلي جلادستون.

ولن ينافس الفيلم في «كان»، رغم أن مدير المهرجان تيري فريمو، قال إنه وجه دعوة لصناع الفيلم للمشاركة في سباق السعفة الذهبية بعد أن وافقت شركة «أبل» على عرضه في دور العرض قبل عرضه عالمياً.

ويعد الاستقبال الحار في المهرجان إشارة جيدة بالنسبة لشركة «أبل أوريجينال» للأفلام، التي أفادت بأنها منحت سكورسيزي ميزانية قدرها 200 مليون دولار لتحويل الكتاب الصادر في عام 2017 ويحمل الاسم نفسه إلى فيلم سينمائي.

تيم كوك المدير التنفيذي لشرك «أبل» عقب عرض فيلم «كيلرز أوف ذا فلاور مون» في مهرجان كان (إ.ب.أ)

واشتركت «أبل» مع «باراماونت بيكتشر» لعرض الفيلم حصرياً في دور العرض في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) قبل عرضه عالمياً، وهو أحد الشروط المسبقة للسماح للفيلم بالمنافسة في مهرجان كان.

ويقام مهرجان كان السينمائي في شهر مايو من كل عام في مدينة كان الفرنسية، ويعد واحد من أهم مهرجانات السينما الأوروبية إلى جانب فينيسيا وبرلين، وحمل الملصق الدعائي لنسخة هذا العام صورة الممثلة الفرنسية كاترين دينوف التي سبق وأن حصلت على جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان في عام 2005.