لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»

سليمان ينهي عهده بقطيعة من «حزب الله».. و«الشغور» الرئاسي بعده يدخل البلاد في ظل المجهول

لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»
TT

لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»

لبنان.. عهد «التسويات الضائعة»

من المقرر أن يغادر الرئيس اللبناني ميشال سليمان مقر القصر الرئاسي في منطقة بعبدا، المشرفة على بيروت، يوم الأحد المقبل، بعد خطاب وداعي يلقيه مساء السبت، انكب هو ودوائر القصر الرئاسي على إعداده منذ أشهر عدة. ولكن لبنان الذي عاش في عهده اضطرابات أمنية كادت تودي به إلى أتون حرب أهلية جديدة، يواجه المجهول، بسبب الشغور الرئاسي.
وإذا كان الرئيس الأسبق إميل لحود، أنهى عهده بظل «قطيعة» سياسية كبرى من فريق «14 آذار»، فإن الرئيس سليمان ينهي عهده أيضا في ظل قطيعة من «حزب الله» والنظام السوري من خلفه، مفسحا المجال أمام «الشغور» للتسلل إلى المنصب المسيحي الأول في لبنان، بعد فشل الفرقاء بنسج تسوية سياسية مماثلة لتلك التي جعلت سليمان رئيسا بعد اتفاق الدوحة عام 2008، إثر أحداث دموية شهدتها بيروت عام 2008.

يبدأ سليمان مطلع الأسبوع المقبل صفحة جديدة من حياته، سيقضيها بين منزله في منطقة اليرزة المجاورة لبعبدا وفي مسقط رأسه عمشيت قرب مدينة جبيل (شمال بيروت)، مختتما مسيرة عسكرية بدأها عمليا منذ عام 1970 أوصلته إلى قيادة الجيش اللبناني لتسعة أعوام، قبل أن تسهل وصوله إلى سدة الرئاسة في لبنان عام 2008.
ست سنوات تولى فيها سليمان رئاسة الجمهورية اللبنانية في ظروف صعبة بل معقدة، داخليا وإقليميا. لم يسلم لبنان، الذي يتغنى أبناؤه بصيغته الفريدة من نوعها في المنطقة وبتنوعه المسيحي - الإسلامي، من رياح التغيير في العالم العربي، خصوصا بعد أن هبت على سوريا. خلال ثلاث سنوات من عهده، أرخت أزمة سوريا بثقلها على الساحة اللبنانية، زادت من حدة الانقسام السياسي خصوصا بعد مجاهرة «حزب الله» بانغماسه في القتال إلى جانب النظام السوري. أزمة ضاعفت تخبط الدولة والاقتصاد وعاثت بالأمن تفجيرات وصواريخ لم تسلم منها البلدات الحدودية، مولدة استنفارا طائفيا وعصبيا وأزمة لاجئين باتت أكبر من قدرة لبنان على تحملها.
لم يحفل العهد الرئاسي بإنجازات نوعية كثيرة، ليس تقصيرا من سليمان الذي يؤكد من يؤيده ومن يعارضه أن الظروف المحلية والإقليمية عاكسته ومنعته تحقيق الكثير، ولكن بفعل الانقسام الداخلي الذي عمقته أزمة سوريا. يكفي التذكير بأنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، انصرفت جهود أركان الدولة، وفي مقدمتهم الرئيس اللبناني، إلى محاولة إطفاء الحريق السوري في العشب اللبناني وتكريس سياسة «النأي بالنفس» عن أزمة سوريا، من دون أن تنجح في ذلك.
وبمعزل عن انعكاسات أزمة سوريا لبنانيا، تعاقبت أربع حكومات خلال عهد سليمان لم تنجز بدورها إلا القليل، ولم تتمكن حتى من ملء الشغور الإداري الذي فاقت نسبته 80 في المائة بفعل المناكفات السياسية، بين فريقي الأزمة، باستثناء ما بدأت بتحقيقه حكومة التسوية الأخيرة. لم تنجز حكومة الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة الكثير رغم أنها شكلت امتدادا لتسوية الدوحة. واحتاجت حكومة الرئيس الأسبق سعد الحريري أكثر من أربعة أشهر حتى تبصر النور لتسقط بعد ذلك مع استقالة وزراء «8 آذار» ثم الوزير الشيعي الملك الذي كان محسوبا على سليمان عدنان السيد حسين.
وبعد تخليه عن تحالفه مع «14 آذار» تدريجيا بعد الانتخابات النيابية عام 2009، ساهم النائب وليد جنبلاط بترجيح الكفة لناحية تسمية نجيب ميقاتي رئيسا لحكومة العهد الثالثة عام 2011، وسط مقاطعة «14 آذار» التي امتنعت عن المشاركة فيها. مررت حكومة ميقاتي تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بسلام، وهو ما لم تتمكن حكومة الحريري منه، لكنها لم تحقق الكثير خلال ثلاث سنوات صاخبة أمنيا، اختتمها ميقاتي بتقديم استقالته. ورغم تكليف الرئيس تمام سلام تشكيل حكومة بإجماع نيابي قل نظيره، فإن مشاوراته استغرقت 11 شهرا من الفراغ قبل ولادة حكومته بفعل تسوية سياسية استبقت مرحلة الشغور الرئاسي.
انطلاقا مما تقدم، ليس مبالغة القول إن ثلث عهد سليمان اتسم بالفراغ الحكومي والمناكفات السياسية، وفاقمت أزمة سوريا من سوء علاقته مع «حزب الله»، الذي قاتل في سوريا إلى جانب النظام. وشكل موقفه من كشف مخطط ما يسمى «المملوك - سماحة»، بدء التحول في علاقته مع النظام السوري، علما بأن علاقة وطيدة جمعته مع الطرفين، أي «حزب الله» والنظام السوري، خلال قيادته الجيش اللبناني وفي السنوات الأولى من عهده.
كما شهد عهد سليمان توترات أمنية صاخبة، مع 20 جولة قتال في مدينة طرابلس (شمال لبنان)، وخاض الجيش مواجهات مع مجموعة الشيخ المتشدد والمطلوب للعدالة أحمد الأسير في مدينة صيدا (جنوبا)، إضافة إلى بروز ظاهرة الانتحاريين والسيارات المفخخة التي ناهز عددها 14 تفجيرا، استهدف معظمها مناطق نفوذ «حزب الله»، إضافة إلى حواجز للجيش اللبناني ومدينة طرابلس.
الصعوبات التي واجهت سليمان في عهده، عبر عنها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، بقوله بعد اختتام جلسة الحوار الأخيرة، مطلع الشهر الحالي: «بكلمات مختصرة، لقد قاد رئيس الجمهورية ميشال سليمان البلاد في أصعب الظروف ونجح في أن بقي رئيسا لجميع اللبنانيين دون تحيز لأي فريق من الفرقاء، ونجح في أن أدار هيئة الحوار التي بدأت أيام الرئيس نبيه بري في أصعب الظروف. سينصف التاريخ هذا الرجل لإنجازاته، وكم تحمل من غالبية الفرقاء اللبنانيين من صعوبات ومن مضايقات، لكنه نجح بأعصابه الباردة وحكمته ووطنيته ولبنانيته، في اجتياز أدق المراحل وتجنيب البلاد تشنجات كبيرة وتأكيد أن لا مفر من الحوار».
لكن رغم ضبابية المشهد الداخلي والإقليمي، استطاع سليمان القيام بخطوات مهمة أبرزها إطلاق هيئة الحوار الوطني، التي أقرت «إعلان بعبدا»، الذي نص في أحد بنوده على حياد لبنان عن صراع المحاور وتحديدا أزمة سوريا، رغم أن قوى سياسية تنصلت منه وتحديدا «حزب الله». وقال جنبلاط في هذا السياق، في كلمته في اختتام اجتماعات هيئة الحوار: «معا، أقررنا معه إعلان بعبدا، ونعلم أن الظروف الإقليمية والدولية لا تساعد اليوم على تحقيق هذا الإعلان، لكنه سيبقى مسجلا نقطة بيضاء في تاريخ عهده إلى جانب نقاط مفصلية أخرى».
ويقول الوزير السابق ناظم الخوري، المقرب من سليمان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «إطلاق هيئة الحوار الوطني في القصر الجمهوري هو بلا شك من أبرز إنجازات العهد، بعد أن كان الرئيس نبيه بري أطلق الحوار عام 2006». ويوضح أن الهيئة أقرت، خلال 18 اجتماعا عقدته، نقاطا أساسية، أبرزها «إعلان بعبدا»، الذي أكد «تثبيت الميثاق الوطني والدستور والطائف». كما تخلل اجتماعات هيئة الحوار «الإعلان عن مواقف مصيرية، وآخرها جزم بري باسم جميع المسلمين في لبنان التمسك بالمناصفة، وفي الوقت ذاته نفي أي نية للمطالبة بعقد مؤتمر تأسيسي جديد في لبنان».
والإنجاز الحواري الثاني، وفق الخوري، هو في «وضع غالبية الأفرقاء تصورهم للاستراتيجية الدفاعية على طاولة البحث، وفي مقدمتهم تصور سليمان الذي لم يناقش للأسف بسبب إشكاليات سياسية». ويعرب الخوري عن اعتقاده أن سليمان «أرسى أسس الحوار الوطني الذي يتوجب على أي رئيس مقبل متابعته بوصفه ضرورة وطنية».
لا ينكر الخوري، وهو من الدائرة الضيقة المقربة من سليمان، أن «ظروفا وانقسامات إقليمية وداخلية أعاقت إنجاز إصلاحات كان الرئيس يأمل تحقيقها ولم يتسن له ذلك، ومن هنا لومه وعتبه على بعض الأفرقاء»، مبينا في الوقت ذاته أنه «وضع أسس إصلاحات ضرورية عدة على غرار تقديمه مشروع قانون انتخاب قائما على النظام النسبي، لكن البرلمان لم يناقشه، وإطلاقه أسس نظام اللامركزية الإدارية قبل نحو شهر». ويشير إلى أن «الأسس المتعلقة بالحوار الوطني واللامركزية وقانون الانتخاب باتت بمثابة مرجعية لأي رئيس مقبل».
وفي موازاة إشارته إلى أن «سليمان أعاد الحضور اللبناني إلى المحافل الدولية بشهادة كل الأفرقاء وحظي باحترام وثقة ومصداقية رؤساء الدول، كما أطلق سياسة (النأي بالنفس)، وفي عهده تبادل لبنان وسوريا العلاقات الدبلوماسية من خلال السفارات»، يشدد الخوري على أن سليمان «نجح سياسيا في تكريس نهج قائم على الحوار والاعتدال والإدارة الحكيمة للسياسة اللبنانية».
وفي سجل «الإنجازات» الرئاسية، يتحدث مقربون من سليمان عن جهوده في دعم الجيش اللبناني وتسليحه، لا سيما الهبة السعودية لتسليح الجيش اللبناني بثلاثة مليارات دولار، وتعد الهبة الكبرى في تاريخ الجيش اللبناني، إضافة إلى دور سليمان في إنشاء مجموعة الدعم الدولية لمساعدة لبنان فيما يتعلق بأزمة اللاجئين السوريين.
وكان سليمان عدد في وقت سابق ما كان يرغب في إنجازه قبل نهاية عهده بـ«تحقيق استرداد الجنسية للمغتربين، وتأمين حق اقتراع المغتربين، ووضع قانون جديد للانتخابات على أساس النسبية، وتطبيق الاستراتيجية الدفاعية». ويذكر أن سليمان كان من أشد المعارضين لقانون «اللقاء الأرثوذكسي»، الذي توافق الأفرقاء المسيحيون عليه في بكركي، وينص على أن تنتخب كل طائفة نوابها. كما عارض تمديد البرلمان اللبناني لنفسه في يونيو (حزيران) الماضي، وقدم طعنا إلى المجلس الدستوري لإبطال تنفيذه، لكن الانقسامات السياسية داخل المجلس حالت دون قيامه بدوره.
وينقسم الأفرقاء اللبنانيون في تقييم عهد سليمان، وإن كانوا يجمعون على الصعوبات الأمنية والسياسية، الداخلية والإقليمية، التي كانت بالمرصاد. يثني فريق 14 آذار عموما على التحول في خطاب سليمان من «حزب الله» وسوريا. يقول العميد المتقاعد وهبي قاطيشا، نائب رئيس حزب القوات، لـ«الشرق الأوسط»، إن سليمان «عندما تحرر من الهيمنة السورية أخذ المواقف السياسية المطلوبة في السنوات الثلاثة الأخيرة»، فيما يرى الباحث السياسي، المقرب من «حزب الله»، طلال عتريسي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن سليمان «لم ينجح في الحفاظ على ثوابت وردت في خطاب قسمه، ولم يكن لعهده نهج واضح».
التحول في علاقة سليمان بـ«حزب الله» بدا واضحا في العام الأخير من عهده الرئاسي تحديدا. في خطاب عيد الجيش، في الأول من أغسطس (آب) الماضي، أكد سليمان أنه «أصبح ملحا درس الاستراتيجية الوطنية للدفاع وإقرارها في ضوء تطورات المنطقة، والتعديل الطارئ على الوظيفة الأساسية لسلاح المقاومة الذي تخطى الحدود اللبنانية»، في إشارة إلى مشاركة الحزب في القتال بسوريا. وجاء الرد بعد أسبوعين على لسان رئيس كتلة «حزب الله» النائب محمد رعد الذي قال إن «إعلان بعبدا ولد ميتا ولم يبق منه إلا الحبر على الورق». وساءت العلاقة بين الطرفين تدريجيا لتبلغ أقصاها مع دعوة سليمان الأفرقاء أثناء المشاورات لتشكيل حكومة سلام، إلى التخلي عن «المعادلات الخشبية»، في إشارة إلى تمسك حزب الله بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة». فكان الرد الأقسى من الحزب الذي دعا «ساكن القصر» إلى «التمييز بين الخشب والذهب».
أثارت مواقف سليمان غضب «حزب الله»، الذي قاطع جلسات الحوار الأخيرة، وكذلك فعل بعض حلفائه المقربين من النظام السوري. وفي سياق متصل، برز موقف لافت لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، الذي قال في حديث تلفزيوني أول من أمس، إن «مواقف رئيس الجمهورية الأخيرة هي ردة فعل على عدم التمديد، ولو قبلنا بالتمديد له لكان اليوم في صلب (8 آذار)».
وسأل فرنجية: «كل السلاح الذي كان يأتي من سوريا إلى (حزب الله) ألم يكن ميشال سليمان يمرره عندما كان قائدا للجيش؟ أكنا لنقبل به رئيسا لو لم يلتزم الاستمرار بهذه السياسة؟ أكان استطاع أن يصل إلى الرئاسة لو لم يعد (حزب الله) بالاستمرار بنفس السياسة معه؟ هل أصبح وطنيا في الشهرين الأخيرين من عهده؟». وذهب فرنجية إلى حد القول إن «سليمان يتمنى التحدث مع الأسد لكن الرئيس (بشار) الأسد يرفض الحوار معه»، لافتا إلى أن «إعلان بعبدا لا شيء فيه غير الحياد الذي لم يعد موجودا».
وفي هذا السياق، يرى الباحث والأستاذ الجامعي طلال عتريسي في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن «لا إنجازات مهمة متعلقة بالحياة السياسية أو بالملفات الكبرى أو عمل المؤسسات، يمكن التوقف عندها لدى مراجعة عهد سليمان»، مشيرا إلى أن «الظروف الإقليمية جعلت الرئيس في حالة من المد والجزر تفاعلا مع الأوضاع القائمة، مع النظام السوري وضده، مع المقاومة وضدها، عدا عن الفوضى الأمنية في الشمال وصيدا..». ويقول عتريسي، المواكب للشأن الإيراني والمقرب من «حزب الله»: «لا الظروف ساعدت سليمان ولا هو نجح بالعمل تحت راية شعار أو نهج واحد»، مشيرا إلى أنه «بدا في المرحلة الأخيرة أن الهدف من غزله السابق لـ(حزب الله) توظيفه من أجل التمديد». ويرى أن «مشكلة سليمان أن ثوابته لم تعد معروفة، بعد أن أخذته التجاذبات الإقليمية باتجاه معين وأثرت على مواقفه السياسية، خصوصا من المقاومة».
يعارض عتريسي القول إن «إعلان بعبدا» هو إنجاز. ويعلق بالقول: «إذا كان (إعلان بعبدا) إنجازا فهذا كارثة»، مذكرا بأن «رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة عارض مضمونه الذي جاء بعد مشاركة شبان من الشمال في القتال في سوريا ثم بات من مؤيديه، في حين أن (حزب الله) أيده ثم بات اليوم من معارضيه». ويستنتج عتريسي أن «أيا من القوى السياسية لا تدافع عن إعلان بعبدا بعدما لم يتحقق شيء مما ورد فيه».
ويذهب عتريسي إلى حد القول إن «سليمان لم يتمكن من جمع المسيحيين حوله، إذ فضل خوض صراعات مع بعض القوى المسيحية وعمد لتهميش بعضها كالنائب ميشال عون، وساهم ذلك في أن يضعف نفسه بنفسه».
في المقابل، لا يلتقي وهبي قاطيشا، نائب جعجع، مع عتريس إلا لناحية التأكيد على أن «الظروف المحلية والإقليمية لم تسعف سليمان كثيرا»، لكن قاطيشا يرى أن سليمان «عندما تحرر من الهيمنة السورية أخذ المواقف الوطنية المطلوبة». ويضع التحول في مواقفه من «حزب الله» في إطار «المواقف الوطنية الأساسية التي ينبغي على أي رئيس لبناني غير خاضع للضغوط الخارجية أن يعلنها». ويضيف: «صحيح أن الرئيس جاء بتسوية في الدوحة وكان قريبا من (حزب الله) خلال قيادته للجيش من أجل حل بعض المشاكل وضرورات التنسيق، لكنه عندما تحرر من الضغط السوري باتت مواقفه أكثر انسجاما مع قناعاته الوطنية».
يعارض قاطيشا الربط بين مواقف سليمان الأخيرة من «حزب الله» وقرار الأخير عدم التمديد له. يقول إنه «لو كان سليمان طامحا إلى التمديد، لما أعلن هذه المواقف الوطنية الصحيحة المنتقدة لقتال الحزب في سوريا، ولبقي يساير الحزب على حساب القضايا الوطنية»، متابعا: «لكنه عوض ذلك، فضل ترك الحكم كبيرا على أن يقدم على تسويات صغيرة».
ولا ينكر قاطيشا تباين وجهة نظر «القوات» مع سليمان في محطات كثيرة، لكنه يوضح: «إننا وقفنا إلى جانبه بوصفه رمزا وطنيا ولم نذهب بعيدا في انتقاداتنا، في حين أن قوى أخرى على غرار عون وفرنجية المرتبطين بسوريا والسلاح، أخذا مواقف يمكن وصفها، على الأقل، بأنها لا أخلاقية». ويرى قاطيشا أن «سليمان لم يتمكن من استيعاب الطرف الآخر ولم يسلم من شره». وفي موازاة تصنيف قاطيشا «إعلان بعبدا، رغم تنصل حزب الله منه، والهبة السعودية للجيش، إضافة إلى وقوف سليمان سدا منيعا في اجتماعات الحكومات المتعاقبة» في إطار «إنجازات العهد الرئاسي»، يشدد على أن واحدة من أبرز ميزات الرئيس هي كونه «دستوريا بامتياز، إذ شكل الدستور مرجعه في المحطات كافة انطلاقا من قناعته أنه ليس بإمكان أحد أن يكون أقوى من الدستور». وعلى وقع كل هذه الانتقادات والإشادات، يغادر سليمان القصر الرئاسي «براحة ضمير وفخر بما أنجزه رغم كل الظروف الصعبة والانقسامات الحادة»، وفق ما يؤكده الوزير السابق ناظم الخوري لـ«الشرق الأوسط»، متابعا: «يكفيه أنه كان قادرا على التجديف وسط المياه الهائجة، ونجح بمعية الرئيس سلام في تشكيل حكومة تسوية».
كما يبقى للتاريخ أن يحكم على عهد سليمان، الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية، والأول بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، وأن يقيم إنجازاته وإخفاقاته. يبقى أن النائب وليد جنبلاط كان سباقا في الحكم على هذه التجربة، بمقارنته بين سليمان والرئيس الأسبق فؤاد شهاب، وقوله إن «سليمان برفض أي مشروع تمديد يلتقي مع رئيس كبير من رؤساء لبنان هو الراحل فؤاد شهاب».

* «المقاومة» في خطاب القسم
* خصص الرئيس اللبناني ميشال سليمان في خطاب قسمه الرئاسي جزءا للحديث عن المقاومة، في إشارة إلى «حزب الله»، جاء فيه: «إن نشوء المقاومة كان حاجة في ظل تفكك الدولة، واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتضان الدولة كيانا وجيشا لها، ونجاحها في إخراج المحتل يعود إلى بسالة رجالها، وعظمة شهدائها، إلا أن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو الإسرائيلي لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا استراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازما مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الاستراتيجية. فلا تستهلك إنجازاتها في صراعات داخلية، ونحفظ بالتالي قيمها وموقعها الوطني. يتزامن هذا اليوم، مع الذكرى الوطنية للتحرير والنصر، فلتكن حافزا لنا لمزيد من الوعي لما يتربص بنا، ولتجديد تمسكنا بالحرية والديمقراطية، التي ضحينا من أجلهما لنصون الوطن».
- يعد ميشال سليمان الرئيس الثاني عشر للجمهورية اللبنانية، أي بعد توقيع اتفاق الطائف، علما بأن ولايته تنتهي في 25 مايو (أيار) المقبل. ولد في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1948 في عمشيت، قضاء جبيل. متأهل من السيدة وفاء سليمان، ولهما ثلاثة أولاد: ريتا ولارا وشربل. تخرج من المدرسة الحربية بصفة ملازم عام 1970، وتولى قيادة الجيش اللبناني بتاريخ 21 ديسمبر (كانون الأول) 1998 ولغاية 25 مايو (أيار) 2008. حصل في عام 1980 على إجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. يتقن اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية.



تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)
الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)
TT

تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)
الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)

تكشف تصريحات قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئات حقوق الإنسان والمجتمع المدني وبلاغات الأحزاب السياسية، عن تركيز على مطلب «تنقية المناخ السياسي والاجتماعي» في تونس و«تنظيم حوار وطني قبل الانتخابات»، كما ورد على لسان نور الدين الطبوبي، الأمين العام لـ«الاتحاد» وقياديين في «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة مثل الزعيم اليساري عز الدين حزقي، والمحامي احمد نجيب الشابي، والحقوقية شيماء عيس والأكاديمي رياض الشعيبي. بل إن قياديين في أحزاب تعد قريبة إلى «السلطة» يطالبون ايضاً بـ»الحوار بين الأطراف الاجتماعية والسياسية» بينهم المرشحان للرئاسة الوزير ناجي جلول، الوزير السابق وأمين عام «حزب الائتلاف الوطني»، وزهير المغزاوي، أمين عام حزب الشعب القومي الناصري.

بل إن المحامي العروبي خالد الكريشي وعدداً من القياديين البارزين في حزب الشعب القومي الناصري، الذي يعتبر «الأقرب سياسياً» إلى قصر قرطاج الرئاسي، أدلوا أخيراً بـ«تصريحات سياسية نارية» انتقدت السلطات السياسية واتهمتها بـ«الفشل في تحقيق الشعارات التي رُفعت يوم حراك 25 يوليو (تموز) 2021» وقرارات حل البرلمان والحكومة السابقين.

نورالدين الطبوبي...ابرز الشخصيات النقابية (آ ف ب)

انتعاش الخطاب الشعبوي

خالد الكريشي قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه ورفاقه الذين كانوا قد دعموا بقوة الرئيس سعيّد سابقاً، أصبحوا يدعمون ترشيح زعيم حزبهم زهير المغزاوي، ويعطون أولوية للإصلاحات السياسية «حرصاً على مصداقية الانتخابات الرئاسية المقبلة». وفي السياق ذاته، أعلن المغزاوي خلال مؤتمر صحافي في أحد فنادق العاصمة تونس أنه قرّر الترشح للرئاسة؛ لأن مشروع برنامجه الانتخابي يتضمّن بالخصوص «إقامة نظام ديمقراطي والتصدّي لسيناريو حكم الفرد». أما ناجي جلول فذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ تعهد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بـ«توظيف خبراته السياسية وتجاربه السابقة في المعارضة، ثم في الحكومة وفي قصر قرطاج في عهد الرئيس الباجي قائد السبسي لإخراج البلاد من أزماتها في ظرف 6 اشهر فقط».

واعتبر مراقبون أن هذه التصريحات تكشف الآن عن مدى انتشار «الخطاب الشعبوي» في أوساط عدّة داخل تونس بسبب اقتناع «النخب» باستفحال معاناة الطبقات الشعبية من البطالة والفقر وغلاء الأسعار.

إصلاحات سياسية فورية

في سياق متصل، صدرت داخل الجامعات ومقار نقابات الصحافيين والمحامين والقضاة نداءات من كبار خبراء القانون الدستوري والعلوم السياسية تطالب رئاستي الجمهورية والحكومة ووزارة الداخلية ببدء «إصلاحات سياسية جريئة»، بينها تحرير الإعلام والإفراج عن الإعلاميين والموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية.

واعتبر الأكاديمي أمين محفوظ، وهو أستاذ جامعي للعلوم السياسية والقانونية والدستورية، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس «مهمة جداً، بل قد تكون الأهم والأخطر منذ 15 سنة». ودعا محفوظ الـ8 ملايين ناخب تونسي إلى تجنب مقاطعة انتخابات 6 (تشرين الأول) المقبل كما قاطعوا الانتخابات النيابية والمحلية خلال العامين الماضي، ومثلما امتنع معظمهم عن المشاركة في الاستفتاء على دستور 2022 احتجاجاً على أوضاعهم المعيشية وعلى «غلطات النخب».

من جهته، أورد عماد الدايمي، الوزير والمستشار السابق في رئاسة الجمهورية، الذي أعلن مبدئياً ترشحه للرئاسة أنه سيعمل على إقناع عموم المواطنين بنجاعة «الرهان مجدداً على أن التغيير يكون عبر صندوق الاقتراع». واعتبر الدايمي أن «الانتخابات الرئاسية المقبلة يمكن أن تخرِج البلاد من أزماتها السياسية والأمنية، ثم الاقتصادية والاجتماعية، وأن تدفع في اتجاه تحقيق المصالحة الوطنية».

غير أن معارضيه اتهموه بدورهم بـ«الشعبوية» وأطلق من وصفوا أنفسهم بـ«أنصار الرئيس سعيّد» حملة ضده، وذكّروه بأنه كان وزيراً مستشاراً ومديراً لمكتب الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي ما بين 2011 و2014.

وفي سياق موازٍ، تضمن البرنامج الانتخابي لمنذر الزنايدي، الوزير السابق للتجارة والسياحة والنقل والصحة قبل 2011، تعهداً بالقيام بإصلاحات سياسية فورية، بينها «إعادة تحقيق المصالحة الوطنية بين التونسيين بمختلف انتماءاتهم وبصرف النظر عن خلافات الماضي». ويعتبر الزنايدي عملياً المرشح المبدئي الأقرب لـ«الحزب الدستوري» الذي كان في الحكم إبان عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. لكنه ومجموعة أخرى من المرشحين يوجدون خارج البلاد، بينهم الأميرال كمال العكروت، المستشار العسكري للرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي.

الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في صدارة الجدل السياسي والانتخابي. (إيبا)

الورقة الاقتصادية الاجتماعية

في المقابل، تكشف تصريحات الأميرال كمال العكروت عن تحاشي التركيز على الملفات السياسية مقابل محاولة مواكبة «المشاغل المعيشية للطبقات الشعبية». وأعلن الأميرال رهاناً متزايداً على «إنقاذ البلاد من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية الهيكلية» التي استفحلت منذ جائحة «كوفيد - 19» عامي 2020 - 2021، وكذلك تضرر البلاد من الحرب في أوكرانيا. وللعلم، كانت تونس تستقبل سنوياً قبل اندلاع الحرب الأوكرانية نحو 800 ألف سائح روسي وأوكراني، كما كانت تعتمد في توفير حاجياتها من الحبوب والمحروقات بأسعار تفضيلية على وارداتها من روسيا وأوكرانيا.

من جانبه، تعهد الإعلامي والكاتب العروبي أحمد الصافي سعيد، الذي يتهمه خصومه أيضاً بـ«الشعبوية»، بأن تكون على رأس أولوياته الاقتصادية والاجتماعية «تنويع الشراكات الاقتصادية للبلاد عربياً ودولياً»، واستحداث «مدن ذكية» وأقطاب تكنولوجية في العاصمة وفي الجهات؛ ما يؤدي إلى توفير موارد رزق لمئات آلاف الشباب العاطل عن العمل وبينهم عشرات آلاف من خريجي الجامعات والمهندسين الشبان.

واعتبر الصافي سعيد في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «إصلاح الأوضاع الاقتصادية ممكن... ولجوء مزيد من الشباب إلى الحلول اليائسة، مثل الهجرة غير النظامية، يمكن معالجته عبر تنويع فرص التنمية وخلق الثروة وتحسين شروط التفاوض مع الاتحاد الأوربي وشركاء البلاد الإقليميين والدوليين حول ملفات كثيرة»، منها «تشديد مراقبة تونس لسواحلها وحدودها البرية كي لا تكون معبراً لعشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً».

التغيير آتٍ

في هذه الأثناء، ترفع النخب السياسية والشخصيات التي أعلنت مبدئياً الترشح لانتخابات 6 أكتوبر المقبل شعارات كثيرة ذات صبغة اقتصادية اجتماعية سياسية، منها «الشعبوي» ومنها «التغييري». لكن الخبراء الاقتصاديين المستقلين، مثل رضا الشكندالي، لا يترددون باتهام هؤلاء بـ«الشعبوية» و«اللاواقعية». ويفسّر بعض الخبراء أزمات تونس الحالية بعوامل عدة، من بينها «حصيلة السلطات المتعاقبة منذ اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في 2008، وتضرر صادرات البلاد ومداخيل سياحتها وفرص الاستثمار والتوظيف» نتيجة «الانكماش الاقتصادي العالمي، وبخاصة داخل البلدان الأوروبية التي تعدّ الشريك الأول لتونس بنسبة تفوق الـ70 في المائة».

وعودة إلى الوزير السابق عماد الدايمي، فإن الملفات الاقتصادية والاجتماعية هيمنت على خطابه، ولقد برّر شعاره «التغيير قادم» بثلاثة أسباب تهم السياسات الاقتصادية للدولة وأولويات القطاع الخاص.

ويشرح الدايمي، فيقول إن السبب الأول هو كون «المنوال التنموي للبلاد وصل إلى نهاية الطريق، وصار عاجزاً تماماً عن تأمين حلول للمشاكل» المتراكمة منذ عقود. والسبب الثاني هو أن «بنية الدولة التونسية ومؤسساتها تقادمت وتهالكت، ولم ترضخ للتجديد، فباتت على درجة كبيرة من البيروقراطية والتكلس وانعدام الفاعليّة». ولأن منظومة المؤسسات والمنشآت العمومية الواسعة أضحت كلها تقريباً مفلسة وحوكمتها مدمّرة، خرّبها الفساد والمحسوبية و«بلطجة النقابات». وأما السبب الثالث والأخير، فهو واقع «البنية الريعية» للاقتصاد التونسي، «الذي تزايد اعتماده على عدد قليل من العائلات ورجال الأعمال الذين يحتكرون الثروة ويهيمنون على كل القطاعات رغم ضغوط المستثمرين الشبان والشركاء الأجانب».

اهتمامات الرئيس سعيّد

ولكن، هذا التركيز على الملفات الاقتصادية والاجتماعية ليس محصوراً بالمرشحين المحسوبين على المعارضة بمختلف ألوانها، بل يهم كذلك الرئيس قيس سعيّد، الذي استأنف زياراته للأسواق الشعبية وللجهات الداخلية المهمشة وللمؤسسات العمومية التي تمر بصعوبات، بما في تلك في قطاعات الصحة والمياه والكهرباء والبنوك.

ولئن برز سعيّد قبل نجاحه في انتخابات 2019 بمداخلاته السياسية والقانونية والدستورية في وسائل الإعلام، فإنه منذ وصوله قصر قرطاج قبل خمس سنوات صار يعطي أولوية مطلقة للمشاغل الاجتماعية والاقتصادية للطبقات الشعبية. ومن ثم، يتهم «عصابات التهريب والاحتكار» بتحمّل مسؤولية ارتفاع الأسعار ونسب البطالة والفقر، وبالتسبب في تعطيل عمل شبكات نقل المياه والكهرباء.

وحقاً، مع اقتراب موعد انطلاق الحملة الانتخابية الرسمية كثّف سعيّد تحركاته في محافظات عدة متفقداً أوضاع الطبقات الشعبية، وكاشفاً للشعب عبر الفريق الإعلامي المرافق له عن ما يراه من «حجم الدمار والتخريب» الذي حمّل مسؤوليته إلى أجيال من السياسيين والإداريين منذ عهدي الرئيسين بورقيبة (1956 - 1987) وبن علي (1987 - 2011) ثم في حكومات ما بعد «انتفاضة يناير 2011» الشبابية والاجتماعية. وعلى الرغم من وجود سعيّد في الحكم منذ سنوات، فإنه لا يزال يتبرأ في الكلمات التي يتوجه بها إلى الشعب من «تقصير أجيال من المسؤولين» ومن «التخريب الذي يقوم به متآمرون على الأمن القومي» إلى حد تعمّد احتكار مواد الاستهلاك والترفيع في الأسعار وتخريب شبكات الماء والكهرباء. سعيّد يحمّل النخب الحاكمة منذ 70 سنة مسؤولية تردي الأوضاع

الاهتمام بالشأن السياسي متراجع تحت الضغوط الاقتصادية والمعيشية

> في ظل التركيز الشديد من قِبل أنصار الرئيس قيس سعيّد ومعارضيه على الصعوبات الاقتصادية والمعيشية وغلاء الأسعار والبطالة، تراجع الاهتمام بـ«الشأن السياسي»، وبالملفات السياسية والدستورية والجيو استراتيجية التي كانت حاضرة بقوة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية التي نظمت منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2011. بل إن التقارير المفصلة لبعض المنظمات المستقلة، التي تحصل على دعم مالي من عواصم غربية، مثل «منظمة بوصلة»، أصبحت تتحدث بوضوح عن كون التحضيرات للانتخابات المقبلة تجري في «مناخ لا سياسي». رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين الأسعد الذوادي، قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن تياراً واسعاً من الشارع التونسي دعم الخطوات التي قام بها قيس سعيّد عندما فتح بعض «ملفات الفساد المالي» الكبرى، وأمر بإيقاف مجموعة من رجال الأعمال والمسؤولين السابقين عن البنوك والشركات العمومية ومصادرة أملاك بعضهم. ومن جهة ثانية، دعا عدد من الزعماء السياسيين والخبراء الاقتصاديين والنقابيين المستقلين إلى ضرورة ألا يتسبب تزامن التحقيقات القضائية مع «المتآمرين على أمن الدولة» ومع «الفاسدين مالياً» مع العملية الانتخابية في عملية «تصفية حسابات». ورأى هؤلاء أن «الأسباب العميقة للصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تمرّ بها تونس أسباب هيكلية»، ولقد تعقّدت بعد سنوات من الجفاف و13 سنة من الاضطراب السياسي والإداري. وهنا يتساءل البعض عما إذا كانت انتخابات 6 أكتوبر ستساهم في تحسين فرص استرجاع ثقة ملايين الناخبين والمواطنين بصناديق الاقتراع، أم ترى سيتجدد سيناريو «امتناع» نحو 88 في المائة عن المشاركة في التصويت كما حدث خلال السنتين الماضيتين، وهذا بينما يضغط ملف الصعوبات الاقتصادية على كل من مرشحي السلطة ومعارضيهم.