خريطة الميليشيات الإيرانية في سوريا... مطار دمشق «قلبها النابض»

طهران شكلتها بطريقة تمنع السيطرة عليها

عناصر من ميليشيات «حركة النجباء» في وسط دمشق (حركة النجباء)
عناصر من ميليشيات «حركة النجباء» في وسط دمشق (حركة النجباء)
TT

خريطة الميليشيات الإيرانية في سوريا... مطار دمشق «قلبها النابض»

عناصر من ميليشيات «حركة النجباء» في وسط دمشق (حركة النجباء)
عناصر من ميليشيات «حركة النجباء» في وسط دمشق (حركة النجباء)

تنتشر في سوريا ميليشيات محلية وأجنبية تابعة لإيران يزيد عددها على 50 فصيلاً ويتجاوز عدد مسلحيها 60 ألفاً يعملون تحت قادة خبراء عسكريين إيرانيين على تنفيذ استراتيجية طهران.
كان أول من شارك في الأزمة السورية من تلك الميليشيات: «فيلق القدس» بقيادة قاسم سليماني، التابع لحرس الثورة الإيراني، و«حزب الله» اللبناني، وبعض العراقيين المقيمين في منطقة السيدة زينب بريف دمشق الجنوبي. كان ذلك في مايو (أيار) 2011؛ أي بعد اندلاع الثورة السورية بنحو الشهر والنصف. بعدها، توالت فصول الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، بطريقة مشابهة لما جرى في لبنان إبان ثمانينات القرن الماضي، والعراق بعد حرب 2003.
في الدول الثلاث عمل عناصر تابعون لـ«فيلق القدس» بالخفاء، مستغلين تراجع السلطات السياسية في البلاد، وانعدام الأمن والاستقرار لتشكيل تنظيمات تابعة لطهران.

قلب إيران
يعد مطار دمشق الدولي بمثابة «القلب» للوجود الإيراني والميليشيات متعددة الجنسيات التي يقودها «فيلق القدس» في سوريا. ومما يشبه القاعدة المبنية بجوار المطار، يوجه الخبراء الإيرانيون المسلحين الوافدين سواء من إيران أو العراق. ولضمان أمن المطار، تجاهد إيران للسيطرة الكاملة على منطقتي جنوب دمشق والغوطة الشرقية. من هنا يمكن فهم غضبها حيال الإعلان الروسي عن منطقة «خفض التصعيد» في الغوطة الشرقية بوساطة مصرية.
تحتل مدينة السيدة زينب مكانة خاصة في الاستراتيجية الإيرانية المتمركزة حول مطار دمشق؛ إذ ليس فقط أن ذريعة «الدفاع عن مقامها» تشكل أداة تجنيد فعالة للغاية في جذب المسلحين الشيعة من حول العالم، بل تشكل المدينة نقطة ارتكاز للميليشيات متعددة الجنسيات التي تقودها إيران حول دمشق، تمكنها من الوثب على الريف الجنوبي والشرقي للعاصمة السورية.
ولا تخفي إيران نياتها في دمج مناطق يلدا وببيلا وحجيرة والحجر الأسود، مع مدينة السيدة زينب وبلدة سيدي مقداد، وأجزاء الغوطة الشرقية الواقعة حول مطار دمشق (منطقة المرج تحديداً)، ضمن ما يشبه «الضاحية الجنوبية» للعاصمة اللبنانية بيروت، على أن يتوسطها المطار ويكون بمثابة «درتها».
فإذا كانت حميميم هي قلب الوجود العسكري الروسي، فإن المنطقة المحيطة بمطار دمشق هي «القلب النابض» للوجود الإيراني متعدد الجنسيات في سوريا. تؤكد أهمية منطقة المطار لإيران التقارير التي تحدثت عن «مبنى زجاجي» قرب مطار دمشق الدولي يدير منه قادة الحرس الثوري الإيراني أنشطتهم في سوريا.

القصير نقطة ارتكاز «حزب الله»
للقلب الإيراني نظير آخر خاص بـ«حزب الله» هو مدينة القصير بريف حمص الغربي. يحتل «حزب الله» المنطقة المحيطة بالمدينة، حرفياً، ويمنع الأهالي، حتى المسيحيون منهم، من العودة إلى قراهم وزراعة أراضيهم الخصبة. القصير ليست فقط القلب لـ«حزب الله» في سوريا، بل هي بمثابة نقطة ارتكاز وعمود فقري لوجوده العسكري هناك، ومنها تمدد مسلحو الحزب إلى بقية المناطق السورية: حلب، وحماة، وإدلب، دير الزور، وأخيراً، البادية الشامية.
وإذا كان مطار دمشق بمثابة قلب الوجود الإيراني، فإن محافظة حمص هي العمود الفقري لهذا الوجود، هناك تتلاقى الميليشيات المدعومة إيرانياً الوافدة إلى سوريا، سواء من العراق، أو لبنان، أو إيران، أو أفغانستان، أو باكستان. منها تتفرع الأجنحة والميليشيات المدعومة من إيران إلى المحافظات الساحلية: اللاذقية، وطرطوس، والشرقية: دير الزور تحديداً، والشمالية: حلب، وإدلب وحماة.
في معسكرات تابعة للجيش النظامي يتولى خبراء إيرانيون وعراقيون، تدريب جنود احتياط وخدمة إلزامية لمن قادهم حظهم العثر إلى هناك على يد الحواجز الأمنية والعسكرية المنتشرة في البلاد. لهؤلاء المجندين، السنّة في غالبيتهم، يتم إعطاء دروس توجيه «مذهبي» صباحية، ويتم إبلاغهم بأنهم سيكونون بمثابة الجيش السوري الجديد بعد أن ترهل الجيش النظامي الموجود حالياً.

الميليشيات الأجنبية
دخلت إيران بكامل قوتها في الحرب السورية منذ أواسط عام 2011. كان ذلك عبر مستشارين وخبراء، ومع تعاظم خسائر النظام وتراجعها منتصف عام 2012، أطلقت إيران برنامجها الشامل لرفد قوة النظام وإعادة التوازن له.
في البداية؛ اقتصر الدور الإيراني على جهود تشكيل قوات شعبية سورية من المتحمسين من الأقليات وبالأخص المسيحية والعلوية، بالترافق مع تجييش العراقيين والأفغان الموجودين في سوريا وإيران للدفاع عن النظام، والتعاون مع «حزب الله» لمساندة النظام، خصوصاً في الزبداني وحمص. لاحقاً، تضخم البرنامج وتوسع حتى اقترب من بناء «جيش شيعي عابر للجنسيات»، يحتل مناطق واسعة من لبنان، والعراق، وسوريا، عماد قوته الأساسي من الميليشيات العراقية.
على رأس هذه الميليشيات تلك العراقية، وأبرزها «كتائب الإمام علي»، المنضوية تحت راية «الحشد الشعبي» في العراق، وتضم نحو ألف مسلح، يقاتلون في البادية الشامية. ومثلها «كتائب حزب الله النجباء» و«كتائب سيد الشهداء» و«حركة الأبدال»، ويبلغ عدد مسلحي كل منها ما بين ألف و1500 عنصر ينشطون بشكل خاص في البادية. تتركز مقرات الميليشيات العراقية في السيدة زينب، وبلدة العيس جنوب حلب، وكذلك في مقرات الفرقة الثامنة عشرة بريف حمص الشرقي.
ويعد «أبو مهدي المهندس» القوة المحركة وراء ميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق وسوريا، رغم أن الرئيس الفعلي لهيئة «الحشد» هو مستشار الأمن الوطني فالح فياض. ساهم «حزب الله العراقي» الذي أسسه «المهندس»، مع «عصائب أهل الحق العراقية»، في تأسيس «لواء أبو الفضل العباس»، الذي يتخذ من السيدة زينب مقراً له. نشأ اللواء من العراقيين الشيعة الموجودين في سوريا، قبل الحرب، خصوصاً أن البلاد ضمت أكثر من مليون لاجئ عراقي تمركزوا في مدن السيدة زينب وجرمانا والتل بريف دمشق. من هؤلاء تكونت النواة الأساسية لـ«لواء أبو الفضل العباس»، الذي لم يكن في البداية سوى مجرد فرع محلي لميليشيات «قوات الدفاع الوطني»، انحصرت مهامه في التعامل مع المتظاهرين، ثم لاحقاً مع الثوار في مناطق حجيرة وعقربا والسيدة زينب. منذ تأسيسه، تضخم اللواء ليغدو شبكة تسيطر على مقرات ومواقع متناثرة في السيدة زينب وقرب مقام السيدة رقية وحي الجورة الشيعي بقلب دمشق القديمة، يقود الشبكة «أبو هاجر العراقي»، ولها أكثر من 7 آلاف مقاتل، وثاني ثقل أساسي للميليشيات هو في نبل والزهراء بريف حلب.
وبات «أبو الفضل العباس» أحد الكيانات الشيعية الرئيسية في الهلال الخصيب بعد أن كان مجرد لواء محلي؛ فبعد ما يقارب العام على تأسيسه نشأ «لواء ذو الفقار»، تحت قيادة حيدر الجبوري الملقب «أبو شهد». ويعد هذا اللواء أكثر ميليشيات شبكة «لواء أبو الفضل العباس» نشاطاً. قاتل هذان التنظيمان في غوطة دمشق الشرقية، ومحيط السيدة زينب، والقلمون، وإدلب، وحلب، وريف حلب الجنوبي، ونبل والزهراء.
كما تعمل «كتيبة قمر بني هاشم» الجوالة، التي لا يزيد عدد مسلحيها على مائتين ذراعا لـ«لواء أبو الفضل العباس»، كما يعمل كل من «لواء اللطف» الذي لا يتجاوز عدد مسلحيه 150 شخصاً، و«لواء المعصوم»، تحت راية «لواء أبو الفضل العباس».
وإلى جانب هذه الألوية، هناك «لواء أسد الله الغالب»، الذي يتزعمه «أبو فاطمة الموسوي»، إضافة إلى «لواء الإمام الحسين»، الذي يتزعمه «أبو كرار أمجد البهادلي»، وكذلك «قوات التدخل السريع» (أو «أفواج كفيل زينب») التي يقودها أحمد الحجي الساعدي. ويقدر عدد مسلحي «لواء الإمام الحسين»، بأكثر من ألف مسلح يتخذون من مدينة حلب مركزاً لهم. يأتي مسلحو «اللواء» من العراق، وإيران، وأفغانستان، وباكستان.
عمل «لواء أبو الفضل العباس»، على تأسيس ظهير له في العراق تحت اسم «قاعدة قوة أبو الفضل العباس» التي يقودها الشيخ أوس الخفاجي والشيخ أبو كميل اللامي (التابع لجماعة «عصائب أهل الحق»). كذلك هي الحال، بالنسبة للوائي «ذو الفقار» و«الإمام الحسين» أو «قوة الرد السريع»، حيث يرتدي زعماؤها زيا موحدا في العراق وسوريا.
ولاحقاً لتأسيس شبكة «أبو الفضل العباس»، دخلت إلى سوريا «كتائب حزب الله النجباء» التي تعرف باسم «حركة النجباء»، منذ مارس (آذار) من عام 2013. وللكتائب ألوية: «الحمد»، و«الحسن المجتبى»، و«عمار بن ياسر»، ويقودهم الشيخ أكرم الكعبي ويقدر عدد مقاتليها بنحو 1500 مقاتل.
كما أسست «عصائب أهل الحق» العراقية «كتائب حيدر الكرار» التي يتزعمها «الحاج مهدي»، ويقدر عدد مسلحيها بنحو 800 شخص. وهناك ميليشيات أخرى مثل «لواء اليوم الموعود» و«فيلق الوعد الصادق» بقيادة العراقي محمد حسن التميمي. ويضم هذا اللواء مسلحين من جنسيات متعددة، إضافة إلى مسلحين سوريين من شيعة إدلب، ومعرة مصرين، والفوعة وكفريا. تنشط الميليشيات في أطراف مدينة حلب، ويقدر عدد مقاتليها بنحو ألف مقاتل. وتختلف المصادر حيال ولاء «قوات الشهيد محمد باقر الصدر». وتنتشر هذه الميليشيات في أحياء مدينة دمشق، وترافق قوات حفظ النظام، وجميع عناصر «اللواء» يرتدون لباس قوى الأمن الداخلي السوري، ويأتمرون بقيادة ضباط وزارة الداخلية، ويقدر عددهم بنحو 800 مقاتل.
وبعد قرار المرشد الإيراني علي خامنئي في عام 2015، الذي أتاح للإيرانيين التطوع للقتال في سوريا، تأسست «سرايا طلائع الخراساني»، المختلطة من مسلحين عراقيين وإيرانيين تنحصر مهامها في تأمين مطار دمشق الدولي.
وهناك ميليشيات «لواء بقية الله» المختلطة أيضاً، من عراقيين وأفغان وتقدر أعدادهم بنحو 400 مسلح، ومهمتهم تدعيم أسوار مطار دمشق بالحماية.
كما قاتلت في سوريا قبل سيطرة «داعش» على الموصل، ميليشيات تتبع الجيش العراقي، مثل «لواء الإمام الحسن المجتبى» الذي ارتكب مجازر في محيط السيدة زينب، ووصل عدد مقاتليه إلى ألف مقاتل، وكذلك «لواء أسد الله»، الذي يرتدي مقاتلوه ملابس تحمل شارات قوات التدخل السريع العراقية (سوات)، ويتزعمه أبو فاطمة الموسوي. يقدر عدد عناصرها بنحو 500 مقاتل.
وينقل مشاركون في التدريبات من جنود الجيش النظامي، أن الميليشيات العراقية لها مشروع خاص في سوريا، منفصل حتى عن المشروع الإيراني، بل هو أخطر منه. ويعد هؤلاء الجنود أن العراقيين أتوا إلى سوريا كي «يستوطنوها».

ميليشيات لبنانية
تقاتل ميليشيات كل من «سرايا التوحيد» و«حزب الله» اللبنانيتان في سوريا، بواقع 500 مسلح للأولى، وأكثر من 8 آلاف للثانية. ويتبع كل من «لواء السيدة رقية»، و«القوة 313»، «حزب الله»، وكلاهما يتركز نشاطه، حالياً، في البادية الشامية، بواقع مائة مسلح للأولى ومائتين للثانية. انضم مسلحون من الحزب القومي السوري الاجتماعي في لبنان، إلى ميليشيات «نسور الزوبعة» المشكّلة من مسلحين سوريين وفلسطينيين ولبنانيين، وتتجاوز أعدادهم 5 آلاف، يقاتلون في القنيطرة والسويداء، وسبق أن خاضت معارك طاحنة في صيدنايا ومعلولا.

...غير عربية
إضافة إلى هؤلاء، يوجد لواءان؛ أحدهما وفد إلى سوريا من أفغانستان هو «الفاطميون» والآخر من باكستان، هو «الزينبيون»؛ الأول منهما أكثر شهرة من الثاني، ويقدر عدد مسلحيه بنحو ألف مقاتل، قاتلوا في درعا، وتدمر، وحلب. يعمل أعضاء «لواء فاطميون» بمثابة رأس حربة في المعارك، وتم الزج بهم لتنفيذ مهام الاقتحام والاشتباك القريب مع مسلحي المعارضة أو تنظيم داعش.
لا شك في أن الأهداف الإيرانية من إرسال هؤلاء المسلحين الأفغان والباكستانيين، لا تقتصر على المسرح السوري فحسب، فعلى الأرجح أن المخططين الاستراتيجيين الإيرانيين يفكرون في إعادتهم إلى بلادهم الأصلية إذا ما طرأ أمر هناك، كي يقاتلوا في سبيل مصالح طهران. فضلاً عن ذلك؛ يشكل هؤلاء وقودا للحرب والمعارك وقربانا من أجل خدمة المصالح الإيرانية في سوريا، من دون أن تدفع إيران ثمنا باهظا في الأرواح.
تتبع القوات الإيرانية الجيش الإيراني والحرس الثوري (الباسدران) وكذلك قوات التعبئة (الباسيج). وأرسلت إيران في شتاء عام 2016 الماضي «لواء 66» المحمول جواً إلى سوريا لإحباط الاتفاق الروسي - الأميركي على الهدنة في فبراير (شباط)، بحسب اعتقاد دبلوماسيين. وأدى «اللواء» دورا كبيرا في إسناد عملية إسقاط حلب، ووفر دعما ناريا قويا لألوية «الحرس الثوري»، والميليشيات العراقية، والسورية، واللبنانية، والروسية المشاركة في العملية.

تنظيمات محلية
هناك عشرات من الميليشيات المحلية التي تقاتل بقيادة إيرانية. وتأسست في الساحل السوري خلال عامي 2015 و2016 ميليشيات شيعية مشابهة لـ«حزب الله»، تحت اسم «الغالبون - سرايا المقاومة الإسلامية في سوريا». يتجاوز عدد هذه الميليشيات الألف مسلح. كما تأسست ميليشيات في كل المناطق الشيعية بسوريا مثل بصرى الشام بدرعا، ونبل والزهراء بريف حلب الشمالي الغربي، والفوعة وكفريا بإدلب، والسيدة زينب والسيدة رقية وحي الجورة بدمشق وريفها، وأخيراً في الشومرية ومناطقها بريف حمص الغربي.
في الزهراء، تشكلت «كتيبة الزهراء» من أبناء القرية، يقدر عدد مسلحيها بنحو 350 مسلحاً، بينما تشكلت «كتيبة شهيد المحراب» من أبناء مدينة نبل، ويقدر عدد مسلحيها بنحو 500 مسلح من أبناء البلدة، أما في الفوعة، فقد تأسست «كتيبة العباس»، ويقدر تعدادها بنحو مائتي مسلح، إضافة إلى ما تسمى «كتائب الفوعة» التي تضم عدة مجموعات قتالية يبلغ مجموع أفرادها 800 مسلح.
قوات «الإمام الرضا»، وهي ميليشيات تتشكل من علويين سوريين ولبنانيين (جبل محسن)، تتبنى الآيديولوجية الخمينية، وتنتشر في ريف حمص الشرقي، ويبلغ تعداد مقاتليها ألفين. وينتشر «فوج الإمام الحجة» الذي يتشكل من 600 مسلح شيعي من سوريا ولبنان في حلب، بينما هناك ألوية «السيدة رقية»، و«سيف المهدي» و«الإمام المهدي» وهي تنتشر في مدينة دمشق، ويتعدى عدد أفرادها ألف مسلح.
كما نجحت إيران في تشييع مسلحي «لواء الباقر» المؤلف مع عشيرة بري الحلبية، ويضم نحو 500 مسلح، وأيضاً في تشييع مسلحين عشائريين من قبيلة «البكارة» يتبعون الشيخ المعارض السابق نواف البشير، وغيره من شيوخ القبائل السورية، ويتجاوز عدد هؤلاء المسلحين 1700. إلى جانبهم، هناك «لواء الإمام زين العابدين» المنتشر في دير الزور والمؤلف من 500 مسلح يشغلون بلدة الجفرة الشيعية. وفي الحسكة شكلت إيران «حشد الجزيرة والفرات» من مسلحين عشائريين. وهناك لواء شيعي آخر هو «لواء المختار الثقفي» ويتشكل من مسلحين شيعة من اللاذقية وحماة.
في السويداء، أسست إيران ميليشيات «لبيك يا سلمان»، و«سريا التوحيد»، «جيش التوحيد»، و«لواء الجبل»، و«قوات الفهد»، و«لبوات الجبل» من أكثر من 2850 مسلحا درزيا يقاتلون في جبهات جنوب سوريا، ويمثل أكبر تشكيل من هؤلاء «كتائب حماة الديار» التي تضم أكثر من ألفي مسلح درزي.
كما شكلت من الأتراك العلويين ميليشيات «المقاومة السورية» وهي تقاتل في ريف إدلب الغربي، ويتجاوز عدد أفرادها الألف مسلح. وفي منطقة مصياف في محافظة حماة، توجد مجموعة «قوات صلاح العاصي» التي تضم 500 علوي من أنباء المنطقة.
كما يتبع إيران 5 آلاف مسلح علوي منظمين ضمن ميليشيا «فهود حمص»، التي تقاتل في ريفي حمص الغربي والشرقي، فضلاً عن «قوات الغضب» المشكلة من سكان بلدتي محردة والسقليبية المسيحيتين بريف حماة، ويبلغ عدد مسلحي هذه الميليشيا 500 شخص، ويضاف إلى هذه «لواء أسود الوادي (النصارى)» (في محافظة حمص) المتشكل من نحو 700 مسلح مسيحي، وتتركز أعمالهم في ريف حمص الشرقي.
وحتى وصول القوات الروسية، كانت إيران من بين أكبر الداعمين للعقيد سهيل حسن، الذي يقود ميليشيات تعرف باسم «قوات النمر» التابعة للمخابرات الجوية في شمال البلاد، وتتشكل من نحو 10 آلاف مقاتل علوي، يضاف إليهم القليل من القبائل العربية في محافظة حماة. يمارس هؤلاء حالياً نشاطهم في ريف الرقة الغربي، وكان لهم باع كبير في معارك حلب، وحماة، وريف اللاذقية الشمالي.
ويعد «صقور الصحراء» التي يدعمها رجلا الأعمال العلويان محمد وأيمن جابر من أكثر التنظيمات قرباً إلى إيران في سوريا، حتى إن متزعميها لا يخفيان مظاهر تشيعهما. يتلقى أفراد هذا التشكيل التدريب على يد مدربين عراقيين، ويقاتلون في أرياف حمص وحلب. وهناك أيضاً «فوج مغاوير البحر» وهو تشكيل علوي ينتشر في اللاذقية وحمص ويبلغ تعداد مقاتليه ألفاً. ويبدو أن النفوذ الإيراني قوي بين «قوات درع القلمون» و«قوات درع الأمن العسكري». ويعمل وكلاء من هاتين المجموعتين «مستقطبين» للجنود الفارين من الجيش النظامي لصالح ميليشيات إيرانية وعراقية.
عملت إيران على دعم النظام في تشكيل ميليشيات فلسطينية من أبناء الفلسطينيين في المخيمات؛ بينها «لواء القدس» الذي تأسس في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2013 من فلسطينيي مخيمي النيرب وحندرات (حلب) بقيادة محمد سعيد. يبلغ عدد مقاتلي اللواء نحو ألفي مقاتل، ويتألف اللواء من 3 كتائب رئيسية هي: «كتيبة أسود القدس»، و«كتيبة أسود الشهباء»، و«كتيبة الردع».
وبالإضافة إلى «لواء القدس»، هناك «قوات الجليل - حركة شباب العودة الفلسطينية» التي يتزعمها فادي الملاح ونائبه أبو علي بدران، وتتبع «حركة شبان العودة الفلسطينية». تلقى مسلحو هذه الميليشيات تدريبات على يد ضباط إيرانيين ومقاتلين من «حزب الله»، وبدأ نشاطها بالظهور في عام 2014 خلال معارك القلمون، ولاحقاً تم نقل قسم من عناصرها إلى دير الزور، كما شارك مسلحوها في معارك تدمر (يقودهم في تدمر العقيد أبو حسن بلول) وريف حماة الشمالي (يقودهم في ريف حماة المقدم دانيال رزوق). ويبلغ عدد مقاتليها نحو 5 آلاف مقاتل.

حل «قوات الدفاع الوطني»
حاول الرئيس بشار الأسد حل ميليشيات «قوات الدفاع الوطني» السورية أواسط عام 2014، خوفاً من لجوء إيران إلى استخدامها لفرض تسوية تهدد نفوذه. وعدّ رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك القوة المحركة وراء قرار الأسد، وتولى بنفسه تفكيك ميليشيات «الدفاع» حتى إنه أسس تشكيلات تابعة للجهاز الذي يشرف عليه، تحت اسم «قوات الأمن الوطني». مثل رئيس شعبة الأمن السياسي السابق اللواء رستم غزالي (توفي بطريقة غامضة قبل سنتين) أحد أركان النفوذ الإيراني في سوريا، وتولى بنفسه أو أفراد من عشيرته البالغين 166 نفرا، عملية شراء منازل في دمشق القديمة لصالح الإيرانيين. لكن، مشروع مملوك طوي بعد سقوط إدلب ربيع عام 2015، حيث اضطر النظام وإيران للاستنجاد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتعويضاً لإيران عن حل «الدفاع الوطني»، أمر الأسد بتأسيس «الفيلق الرابع اقتحام» بوصفه جزءا من الجيش النظامي، لكن الفيلق لاقى نجاحا ضئيلا وظل هزيلاً.
خلال عام 2015، بدأت تظهر من أنقاض «الدفاع الوطني»، تشكيلات بعضها مقرب من الإيرانيين وحلفائهم العراقيين واللبنانيين، وبعضها محسوب على أجهزة الأمن السورية المختلفة والمتنافسة دائماً، وأخيراً بعضها مقرب من الروس. ومع تدفق القوات الروسية إلى سوريا، انتعش مشروع مملوك الرافض للإيرانيين والقريب من الروس. وتمكن اللواء في نهاية عام 2016 من جلب مدير شعبة الأمن الجوي اللواء جميل حسن إلى صفه، بعدما ضمن ولاء مدير إدارة أمن الدولة (المخابرات العامة) اللواء ديب زيتون. ومثلت مقابلة جميل حسن السابقة حول الحياة السياسية والأمنية لسوريا، مع وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء دليلاً حاسما على تحول الرجل عن ميوله الإيرانية باتجاه السادة الروس، بحسب محللين.
هكذا، انحصر النفوذ الإيراني وسط المقاتلين الشيعة الذين دربتهم وسلحتهم طويلاً. مع ارتفاع حدة المخاوف لدى الأسد والإيرانيين من تقارب روسي - أميركي عقب انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، اتخذ الأول قراراً بالموافقة على تسوية أوضاع الجنود النظاميين الذين يلجأون إلى «الأصدقاء الإيرانيين»، في قرار عنى في مضمونه الخلط ما بين الميليشيات الإيرانية والعراقية في سوريا مع الجيش النظامي.
واللافت أن الطريقة التي شكلت بها إيران هذه الميليشيات تمثل المفتاح لضبطها، لكن مفتاح السيطرة سيظل بيد طهران وجنرالات الحرس الثوري. هكذا، لا يرتبط مستقبل وجود الميليشيات العراقية بالتسوية فحسب، بل برأي إيران، وأيضاً بالصراع على السلطة في بغداد.



اجتماع إقليمي لمواجهة «الجرائم العابرة للحدود» بالقرن الأفريقي

مقاتلون من حركة «الشباب» المتطرفة في الصومال (أ.ب - أرشيفية)
مقاتلون من حركة «الشباب» المتطرفة في الصومال (أ.ب - أرشيفية)
TT

اجتماع إقليمي لمواجهة «الجرائم العابرة للحدود» بالقرن الأفريقي

مقاتلون من حركة «الشباب» المتطرفة في الصومال (أ.ب - أرشيفية)
مقاتلون من حركة «الشباب» المتطرفة في الصومال (أ.ب - أرشيفية)

طالب الصومال مجددا بالإسراع برفع حظر الأسلحة المفروض منذ فترة طويلة على تسليح قواته العسكرية، التي تواصل حربها ضد حركة «الشباب» المتطرفة المرتبطة بتنظيم «القاعدة».

صورة وزعها وزير الدفاع الصومالي لاجتماعه مع السفير البريطاني لدى مقديشو

وقال وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، إنه أبرز لدى اجتماعه مساء الثلاثاء مع السفير البريطاني المعين حديثا في الصومال مايكل نيثافرياناكيس، ما وصفه بـ«الحاجة الملحة لرفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال»، لافتا إلى أنهما بحثا التعاون الدفاعي والأمني القائم بين الصومال والمملكة المتحدة.

وأكد نور أهمية دعم الحكومة البريطانية لاستعادة الدولة الصومالية الجارية، موضحا أنه ناقش مع مايكل «الحاجة لامتلاك قواتنا الأمنية للمعدات العسكرية اللازمة لمحاربة وتحييد التهديدات الإرهابية في المنطقة».

إلى ذلك، أعلنت وكالة الأنباء الصومالية الرسمية، حرق مستودع تابع لحركة «الشباب» في مدينة جيلب بمحافظة جوبا الوسطى، جنوب البلاد، مشيرة إلى أن الحريق الذي لم تعرف أسبابه أو الجهة التي تقف وراءه، أسفر عن تدمير كامل لمنزل كان بمثابة مستودع أسلحة وذخائر وأدوات حرب، بقلب المدينة.

وأوضحت أن «تقارير أفادت باعتقال عبد الله غوري الذي كان أمينا للمخزن، على أيدي الميليشيات الإرهابية»، مشيرة إلى أنه «عادة، ما يستخدم مسلحو الشباب مواد متفجرة لإلحاق الأضرار ضد المدنيين في مناطق جنوب ووسط البلاد».

قوات الأمن أمام مبنى تعرض لهجوم من قبل مسلحين من حركة «الشباب» في العاصمة الصومالية مقديشو (أ.ف.ب)

من جهة أخرى، أجرى مفوض الشرطة الفيدرالية الإثيوبية، الجنرال ديميلاش جبريمايكل، محادثات مع قائد الشرطة الصومالية العميد سلوب أحمد فيرين ونائب قائد الشرطة الوطنية الجيبوتية العقيد عمر حسين حسن، في أديس أبابا. ووفق بيان إثيوبي ناقش القادة الثلاثة «الاتفاق الذي توصلت إليه الدول بشأن منع الإرهاب والجرائم المنظمة الأخرى العابرة للحدود من خلال العمل المنسق».

صورة وزعها الجيش الصومالي لقائده يوسف راجي

وبالإضافة إلى ذلك، اتفقوا على توقيع مذكرة تفاهم مشتركة في الاجتماع المقبل في جيبوتي بشأن تعزيز قدرات ضباط الشرطة في الدول الثلاث، وفقا للشرطة الفيدرالية الإثيوبية، ويشار إلى أن المفوض العام للشرطة الفيدرالية الإثيوبية هو الرئيس الحالي لمنظمة تعاون رؤساء الشرطة في شرق أفريقيا.


أمين رابطة العالم الإسلامي يلتقي رئيس وزراء الفاتيكان

جانب من غداء عمل جمع الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي ونيافة الكاردينال بيترو بارولين رئيس وزراء الفاتيكان (الشرق الأوسط)
جانب من غداء عمل جمع الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي ونيافة الكاردينال بيترو بارولين رئيس وزراء الفاتيكان (الشرق الأوسط)
TT

أمين رابطة العالم الإسلامي يلتقي رئيس وزراء الفاتيكان

جانب من غداء عمل جمع الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي ونيافة الكاردينال بيترو بارولين رئيس وزراء الفاتيكان (الشرق الأوسط)
جانب من غداء عمل جمع الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي ونيافة الكاردينال بيترو بارولين رئيس وزراء الفاتيكان (الشرق الأوسط)

اجتمع الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، أمين عام رابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، بنيافة الكاردينال بيترو بارولين، رئيس وزراء الفاتيكان، وذلك على غداء عمل في روما.

الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي خلال اجتماعه بنيافة الكاردينال بيترو بارولين رئيس وزراء الفاتيكان (الشرق الأوسط)

وجرى خلال الاجتماع مناقشةُ عددٍ من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وبخاصةٍ التعاون الثنائي في مجال دعم برامج التحالف الحضاري بين الأمم والشعوب، ومن ذلك التعايش الأمثل في مجتمعات التنوع الديني والثقافي والإثني على ضوء المشتركات بين الجميع انطلاقاً من استيعاب الحكمة الربانية في الاختلاف والتنوع، وأنها لاتنعي حتمية الصداع والصراع بين الحضارات كما هي النظريات المتشائمة والخاطئة.

نيافة الكاردينال بيترو بارولين رئيس وزراء الفاتيكان يتحدث للدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي (الشرق الأوسط)

ونوه نيافة الكاردينال بارولين باللقاء "الناجح والاستثائي" بين الدكتور العيسى، والبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان.


البنك الدولي يتوقع نمواً اقتصادياً يمنياً في ظل السلام

 تسببت الأزمات والحروب الأخيرة في أوروبا وأفريقيا في مزيد من تهميش الوضع الإنساني في اليمن (رويترز)
 تسببت الأزمات والحروب الأخيرة في أوروبا وأفريقيا في مزيد من تهميش الوضع الإنساني في اليمن (رويترز)
TT

البنك الدولي يتوقع نمواً اقتصادياً يمنياً في ظل السلام

 تسببت الأزمات والحروب الأخيرة في أوروبا وأفريقيا في مزيد من تهميش الوضع الإنساني في اليمن (رويترز)
 تسببت الأزمات والحروب الأخيرة في أوروبا وأفريقيا في مزيد من تهميش الوضع الإنساني في اليمن (رويترز)

توقع البنك الدولي أن يؤدي اتفاق سلام دائم في اليمن إلى تحقيق عوائد اقتصادية كبيرة، والمساهمة في نمو الاقتصاد، رغم تقديره السابق لحاجة اليمن إلى مليارات الدولارات من أجل التعافي الاقتصادي؛ وترجيح منظمات أممية زيادة في سوء الأوضاع المعيشية في البلاد.

وفي تقريره المعنون «المستقبل: بارقة أمل في أوقات قاتمة» قال البنك الدولي: «إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام دائم في اليمن، فقد يكون ذلك إيذانا بعوائد سلام كبيرة لأبنائه، التي تتمثل في زيادة تصل إلى 6 نقاط مئوية في مسار نمو إجمالي الناتج المحلي». مبشراً بنمو كبير في حجم الاستثمارات العامة والخاصة ومعدلات التوظيف والإنتاجية فضلا عن تراجع نسب الفقر.

وأشار التقرير إلى احتمال أن يؤدي ذلك إلى زيادة تراكمية في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمقدار الثلث على مدار السنوات الخمس القادمة بالمقارنة بالوضع الراهن، بشرط توافر العديد من العوامل، ومنها زيادة مساعدات المانحين وإعادة فتح مسارات النقل الرئيسية في البلاد، ووجود قطاع خاص قادر على الصمود والاستمرار.

ويقدر أن الصراع أدى إلى انكماشٍ بنحو 50 في المائة في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بين عامي 2011 و2022، ملحقاً أضراراً أو دماراً في أكثر من ثلث المنازل والمدارس والمستشفيات ومنشآت المياه والصرف الصحي في البلاد، لتزداد مؤشرات الإنتاجية تدهوراً مع اشتداد العنف.

ووفقاً للتقرير؛ فإن إنتاج النفط الذي يعد ركيزة حيوية لاقتصاد البلاد، تضرر بشدة جراء الحرب، ما أدى إلى تقويض قدرة الحكومة على مساندة السكان من خلال تقديم الخدمات الأساسية، وأثر على التوظيف في القطاع العام، منوهاً إلى أن كثيرا من موظفي الخدمة المدنية لا يتقاضون رواتبهم إلا بصورة جزئية أو بشكل مُتقطع.

جرعة أمل

يستدرك البنك في تقديمه للتقرير مانحاً الأمل بأن نظام اللامركزية الذي أصبح بحكم الأمر الواقع في اليمن قد يساعد على النمو في المستقبل، وهو ما يوافق منظوراً تم التعبير عنه باستمرار في مقابلات تمت مع مصادر المعلومات الأساسية للتقرير، مبديا أسبابا أخرى تدعو للتفاؤل الحذر بشأن التعافي المحتمل حينما يتم التوصل إلى اتفاق سلامٍ شاملٍ للجميع.

ومن هذه الأسباب، بحسب التقرير، ما يتميز به الشعب اليمني من روح العمل الحر، لا سيما بين النساء، والقرب من أسواق الجوار مرتفعة الدخل في دول الخليج، والإمكانات الاقتصادية التي يتمتع بها اليمن من التصنيع الزراعي وإنتاج الصناعات التحويلية الخفيفة وصادراتها.

وتضمن تقديم البنك الدولي لتقريره حديثاً لمديرة مكتبه في اليمن تانيا ميير التي قالت إن «إحلال السلام ضرورة حتمية لتحقيق نمو شامل للجميع، وتعزيز التنمية المستدامة، وفوق ذلك كله، تحسين ظروف المعيشة للشعب اليمني»، منبهة إلى ضرورة الدراية الواضحة بالحقائق على أرض الواقع، لأن المصاعب التي يواجهها اليمنيون هائلة كالتضخم وتدني جودة الوظائف وعدم استقرار القطاع العام.

أطفال يمنيون نازحون في مدينة عدن (الأمم المتحدة)

وسبق للبنك الدولي أن أعلن قبل نحو شهر أن ما يقارب 17 مليون يمني؛ يعانون من انعدام الأمن الغذائي؛ بسبب الحروب والأوضاع الاقتصادية المتردية، وأنّ الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية تُعدّ من بين التحديات الأكثر إلحاحاً في اليمن، التي تفاقمت بسبب الصراع الذي طال أمده في البلاد.

وتحدث حينها عن خطة تأهب لأزمة الأمن الغذائي في اليمن للتخفيف من تأثير الأزمات الغذائية في المستقبل، مرجحا أن يكون للزراعة كثير مما تقدمه للمساعدة في الهروب من الحلقة المفرغة للأزمات المتكررة والفقر المزمن الذي يمكن أن يساعد في دفع البلاد نحو طريق الصمود على المدى الطويل.

وفي مارس (آذار) الماضي قدّم البنك الدولي منحة بـ207 ملايين دولار، لدعم الأمن الغذائي في اليمن، بهدف معالجة انعدام الأمن الغذائي المزمن وسوء التغذية في اليمن، لكنه عاد بعد ذلك بشهر ليعلن حاجة اليمن إلى ما بين 11.82 و16 مليار دولار خلال العام الحالي، وما بين 11 و22 مليار دولار العام القادم لإعادة بناء الاقتصاد المحلي.

ويأتي تقرير البنك الدولي بعد يوم فقط من إعلان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن (أوتشا)، عن تخصيص 18 مليون دولار لتلبية الاحتياجات العاجلة للمتضررين من الأزمة الإنسانية في البلاد، والمساهمة في منع المجاعة ومعالجة المستويات المتزايدة من انعدام الأمن الغذائي التي تسبب بها الصراع والصدمات الاقتصادية وتغير المناخ.

طفل يمني يعاني المجاعة في الحديدة غرب اليمن (رويترز)

وحذر المكتب في بيان صادر عنه بهذا الشأن من أن الأزمة الإنسانية في العام الحالي ستؤثر على 17.3 مليون شخص، بينما تمّ حتى نهاية مايو (أيار)، تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن بنسبة 23.5 في المائة فقط، وذلك بعد أسبوع من تحذير سابق له من أن نقص التمويل سيعرض الاستجابة الإنسانية في اليمن للخطر، ويؤدي إلى تقليص معظم الأنشطة والخدمات الضرورية خلال الستة الأشهر المقبلة.

ووفقا لتقرير صادر عن المكتب؛ فإنه لم يتم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في الربع الأول من هذا العام سوى بنسبة 10.4 في المائة فقط من إجمالي 4.3 مليار دولار مطلوبة لتلبية الاحتياجات الملحة لـ17.3 مليون شخص من الفئات الأشد ضعفا، ما أجبر منظمات الإغاثة على تقليص أو إغلاق برامج إنسانية ضرورية.

التنمية هي الحل

أشار التقرير إلى أن منظمات الإغاثة في اليمن تواجه نقصا كبيرا في التمويل، وسط تزايد الاحتياجات الإنسانية، الأمر الذي يعرض الاستجابة المنقذة لأرواح ملايين الأشخاص للخطر.

وتشكو الأمم المتحدة دائماً من نقص التمويل، مقارنة بالخطط المقترحة لتمويل مواجهة الأزمة الإنسانية في اليمن، التي تعدها المنظمة الأممية الأسوأ في العصر الحديث، وعقدت لأجل جمع التمويل لمعالجتها مؤتمراً للمانحين من عدة نسخ في السنوات الماضية، وتمكنت في النسخة الأخيرة منه المنعقدة أواخر فبراير (شباط)، من جمع 1.2 مليار دولار، من أصل 4.3 مليار كانت تخطط للحصول عليها.

وتساءل جمال بلفقيه، مستشار وزارة الإدارة المحلية اليمنية لشؤون الإغاثة، عن وجود إحصاءات دقيقة قامت بها المنظمات الدولية عن أعداد الأسر المحتاجة والمهددة بالمجاعة؟ وهل تستطيع الأمم المتحدة الوصول بنفسها إلى كل المناطق؟!، مستدركاً بأن أعمال الإغاثة وتقديم المساعدات تحدث بالاعتماد على التكهنات بأعداد المستهدفين دون وجود دراسات إحصائية ومسحية حقيقية.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» طرح بلفقيه وجهة نظره لتقديم حلول ناجعة لإنقاذ الأسر اليمنية من المجاعة، بتحديد مناطق الاستهداف ودعم الأسر ببرنامج متكامل لربط الغذاء بالإنتاج، مثل الغذاء مقابل الإنتاج في المجال الزراعي أو تربية الحيوان أو غيره من مشروعات متوسطة مدرة للدخل.

تفعيل الشراكة

بحسب بلفقيه، وهو أيضاً منسق عام اللجنة العليا للإغاثة في اليمن؛ فإنه في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتغير المناخي والزلازل في تركيا وروسيا، ثم الصراع في السودان وزيادة الاحتياجات العالمية وضعف خطة الاستجابة 2023 التي تعهدت الدول المانحة فيها بدعم اليمن بمليار ومائة مليون دولار فقط؛ يبدو أنه لا يمكن إيجاد حل حقيقي وجذري للأزمة الإنسانية في اليمن.

ومن الضروري طبقاً لرأيه تفعيل شراكة حقيقية بين الدول المانحة وشركائهم من المنظمات الدولية لتحديد الاحتياجات الحقيقية مع تقليص الميزانيات التشغيلية والإدارية، لتحقيق أعلى استفادة للمستهدفين، إلى جانب ترشيد المبالغ المالية واستخدامها للتنمية، وخاصة في الزراعة وتربية الحيوانات وصيد الأسماك، وتوجيهها لتستفيد منها المرأة في مواجهة التحديات القادمة عند نقص الأمن الغذائي.


الأمم المتحدة تعلن بدء خطوات إنقاذ «صافر»

ناقلة النفط المتهالكة صافر (الشرق الأوسط)
ناقلة النفط المتهالكة صافر (الشرق الأوسط)
TT

الأمم المتحدة تعلن بدء خطوات إنقاذ «صافر»

ناقلة النفط المتهالكة صافر (الشرق الأوسط)
ناقلة النفط المتهالكة صافر (الشرق الأوسط)

في تطور لافت، أعلنت الأمم المتحدة والحكومة اليمنية وصول سفينة الدعم «إنديفير» إلى موقع الخزان العائم «صافر» قبالة سواحل رأس عيسى بمحافظة الحديدة، على أن يبدأ العمل في البحر قريباً.

ورغم الانفراجة في ملف الناقلة المتهالكة «صافر» الراسية على ساحل البحر الأحمر (غرب اليمن) وعلى متنها 1.1 مليون برميل من النفط الخام، من دون صيانة منذ نحو سبع سنوات، فإن الأمم المتحدة أشارت إلى وجود نقص في التمويل لا يزال يمثل عقبة أمام إتمام العملية.

الحكومة اليمنية تحدثت عن مساعيها مع المجتمع الدولي لوضع حل ينهي الكارثة البيئية المحدقة، وهو ما أورده الدكتور أحمد بن عوض بن مبارك وزير الخارجية اليمني في تغريدة على حسابه في «تويتر».

ولفت الوزير إلى انطلاق سفينة الدعم «إنديفير» برفقة طاقم العمل المحمل بالمعدات والإمدادات التقنية، بعد مصادقة الحكومة اليمنية على اعتماد مساهمتها في خطة الأمم المتحدة، لمعالجة خطر الخزان النفطي «صافر»، معبراً عن أمله الكبير في «الخلاص من هذه الكارثة في القريب العاجل».

من جانبها، أكدت الأمم المتحدة وصول الناقلة «إنديفير» يوم أمس إلى موقع الخزان العائم صافر قُبالة ساحل رأس عيسى، مبينة أن العمل «سيبدأ في البحر قريباً جداً»، ومحذرة في الوقت نفسه من أنه «لا يزال التمويل الإضافي مهما لإنهاء العملية، وأن تكلفة التقاعس عن العمل باهظة للغاية».

سفينة الدعم إنديفير التي وصلت إلى سواحل رأس عيسى (الشرق الأوسط)

وأشار أخيم شتاينر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خلال مؤتمر صحافي عقده في نيويورك، إلى أن وصول سفينة الدعم لبدء عملية نقل النفط من الناقلة المتهالكة العملاقة «صافر» إلى سفينة أخرى، يعد تجسيداً مهماً للعمل متعدد الأطراف، مشدداً على أن هذه العملية «ستمنع حدوث كارثة تسرب نفطي هائلة بتكلفة لا تضاهي ما قد يتطلبه تنظيف تسرب بهذا الحجم».

كارثة محدقة

وفقاً للأمم المتحدة، سيؤدي تسرب النفط من صافر - في حال حدوثه - إلى تعريض ملايين البشر للتلوث الهوائي، كما سيؤدي إلى آثار مدمرة على المجتمعات الساحلية، بالإضافة إلى تدمير الشعاب المرجانية وأشجار المنغروف الساحلية وغيرها من الحياة البحرية في البحر الأحمر.

ولفت شتاينر إلى أن التكلفة الإجمالية للعملية، المكونة من مرحلتين، تقدر بنحو 142 مليون دولار لتأمين نقل النفط من صافر إلى السفينة البديلة نوتيكا. مشيراً إلى «الحاجة إلى 14 مليون دولار لم يتم الحصول عليها حتى الآن لإكمال المرحلة الحالية من العمل، بالإضافة إلى 15 مليون دولار أخرى».

الناقلة البديلة نوتيكا التي أبحرت قبل أيام من الصين باتجاه البحر الأحمر (الأمم المتحدة)

بدوره، أكد ديفيد غريسلي منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، الحاجة إلى «إحضار السفينة (نوتيكا) وتجهيزها لنقل النفط إليها».

وأضاف غريسلي الذي شارك في المؤتمر الصحافي عبر دائرة اتصال مغلقة بالفيديو من سفينة الدعم «إنديفير» بقوله: «نحتاج إلى فصل الناقلة القديمة وسحبها بعيداً للتفكيك، ثم إحضار منصة نفطية لتوصيل السفينة الجديدة بخط الأنابيب».

وشدد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن على ضرورة اكتمال جميع تلك الخطوات قبل الاطمئنان بأن مخزون النفط قد تم تأمينه بالكامل وحماية البيئة.

وبحسب الأمم المتحدة فقد أسهم المانحون والشركات الخاصة والعامة حتى الآن بمبلغ 99.6 مليون دولار لخطة الأمم المتحدة المكونة من مرحلتين لمنع التسرب النفطي، لكن المنظمة الدولية أشارت إلى أنه مع استعداد الأمم المتحدة لتنفيذ العملية ارتفعت أسعار السفينة المطلوبة لتخزين النفط، مرجعة ذلك بشكل رئيسي إلى عوامل متعلقة بالحرب في أوكرانيا.


البرلمان التونسي يستعد لمساءلة وزراء من حكومة نجلاء بودن

اجتماع مكتب البرلمان (موقع البرلمان التونسي)
اجتماع مكتب البرلمان (موقع البرلمان التونسي)
TT

البرلمان التونسي يستعد لمساءلة وزراء من حكومة نجلاء بودن

اجتماع مكتب البرلمان (موقع البرلمان التونسي)
اجتماع مكتب البرلمان (موقع البرلمان التونسي)

كشف عضو البرلمان التونسي، ظافر الصغيري، عن الاستعداد لبدء توجيه أسئلة للوزراء التونسيين ومساءلتهم حول أدائهم بعد أكثر من سنة ونصف السنة من تسلم حقائبهم الوزارية. ورجح أن تكون بداية الأسئلة موجهة إلى كلثوم بن رجب وزيرة التجارة التونسية في انتظار الإجابة عن كثير من الملفات المعقدة في علاقة بصعوبات تزود التونسيين بالمواد الأساسية في إشارة إلى أزمة التزود بالخبز والزيت النباتي والقهوة والسكر وارتفاع أسعار عدة مواد غذائية.

وأشار الصغيري إلى أن مجلس النواب (البرلمان) ينتظر إحالة عدة مشاريع قوانين من السلطة التنفيذية ممثلة في رئاستي الجمهورية والحكومة، على غرار قانون الاستثمار وقانون الصرف في ظل تشكيك بإمكانية لعب البرلمان للدور الرقابي على عمل الحكومة؛ نظراً إلى أن مجمل النواب مساندون للمسار السياسي للرئيس سعيد، كما أن أعضاء البرلمان بإمكانهم اقتراح عدة مشاريع قوانين لها صبغة اقتصادية واجتماعية في المقام الأول من شأنها دفع نسبة النمو الاقتصادي.

على صعيد متصل، كان المجلس النيابي قد نظر يوم الاثنين في أربعة مشاريع قوانين من رئاسة الجمهوريّة، وهي تهمّ مجالات الصّحة والثقافة والاقتصاد. ومن بين هذه المشاريع مشروع قانون يتعلّق بإحداث وكالة تونسية للدّواء ومواد الصحّة، ومشروع قانون حول المؤسسات الحكومية للعمل الثقافي، علاوة على قانون يتعلق بقطاع المالية، كما نظر مكتب البرلمان التونسي في مشروع قانون يتعلّق بالموافقة على عقد قرض مالي بين تونس والبنك الأفريقي للتوريد والتصدير لتمويل ميزانية الدولة.

تطوير الإطار التشريعي

كما يهدف مشروع قانون إحداث مؤسسات عمومية للعمل الثقافي إلى تطوير الإطار التشريعي لهذا القطاع ومزيد حوكمته، وبالنسبة لمشروع القانون المتعلّق بالموافقة على عقد قرض مالي بين تونس والبنك الأفريقي للتوريد والتصدير، أوضح رياض جعيدان عضو مكتب البرلمان، أنّ البلاد تتفاوض بشأن هذا القرض منذ 2022، وهو قرض بشروط ميسّرة حسب ما أكدته وزيرة المالية سهام نمسية، وينتظر موافقة مجلس نواب الشعب على هذا القرض لتعبئة موارد الاقتراض الخارجي لتمويل حاجيات ميزانيّة الدّولة، على حد تعبيره.

من ناحية أخرى، جدد حزب «حركة الشعب» الذي يتزعمه زهير المغزاوي الموقف المبدئي القاضي بانخراط الحزب في مسار 25 يوليو (تموز) 2021، والتمسك برهاناته مع التذكير بالتحفظات التي أعلنتها الحركة ولا تزال حول آليات إدارة المسار المعلن منذ ذلك التاريخ. وقال المغزاوي لـ«الشرق الأوسط» إثر عقد الندوة السنوية للحزب، إن التقييم والنتائج كانت إيجابية وتم التنبيه إلى خطورة التعاطي السلبي والنمطي مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يزداد تدهوراً واحتقاناً في ظل ظروف مالية ومناخية ضاغطة، وما يحتاجه من ضرورة بلورة مشروع إنقاذ جذري يضع ضمن أولوياته المحافظة على الدور الاجتماعي للدولة والتوجه بشكل جدي وفعال نحو تخفيف العبء عن الشرائح المتضررة من الخيارات اللاشعبية واللاوطنية التي دأبت حكومات العشرية السابقة على فرضها خدمة لمصالحها الضيقة ومصالح حلفائها من لوبيات الفساد واقتصاد الريع المرتبطة عضوياً بدوائر الاستغلال والنهب الدولية، على حد تعبيره.

مصرع فرنسيين

الطائرة المحطمة (الدفاع المدني)

إلى ذلك، أعلنت السلطات التونسية عن مواصلة التحقيق في مصرع فرنسيين وإصابة فرنسيين آخرين بجروح إثر اصطدام بين طائرتين خفيفتين تستعملان في سباق سياحي للطائرات الخفيفة جنوب تونس. وقال نزار إسكندر المتحدث باسم محكمة توزر إن تونس فتحت تحقيقا «لتحديد الأسباب الأساسية التي أدت إلى الحادث».

وكان الحدث قد وقع يوم السبت الماضي ولم يتم الإعلان عن أي أسباب أو دوافع وراء وقوع مثل هذا الحادث، وقال معز تريعة المتحدث باسم الدفاع المدني في تونس في تصريح إعلامي: «عثرنا على الطائرة الخفيفة الأولى بعد أن اشتعلت فيها النيران بالكامل وداخلها جثتان متفحمتان، وعلى بعد نحو 3 كيلومترات عثرنا على الطائرة الثانية وقد أصيب الشخصان اللذان كانا داخلها بجروح خفيفة». وتبلغ أعمار الضحيتين الفرنسيين 78 و55 عاما.

وأكد المصدر ذاته أن وحدة تابعة لجيش الطيران التونسي سخّرت طائرة مروحية سهّلت عمليّة العثور على الطائرتين وتحديد مكانهما، ومد فرق الإنقاذ بالدفاع المدني بالإحداثيات الجغرافية، مما مكن من الوصول إلى مكان الحادث بسرعة، وأسهم في نجاعة التدخل ونقل الجثّتين المتفحّمتين والجريحين من منطقة شط الجريد إلى المستشفى الجهوي بتوزر.

وبشأن أسباب الحادث وكيفية حصول التصادم بين الطائرتين الخفيفتين، لم يقدم أي طرف رسمي تونسي أي فرضية حول هذا التصادم، ولم تقع الإشارة ولو من بعيد إلى فرضية العمل الإجرامي أو ربما الإرهابي، خصوصاً وأن الأشخاص الموجودين في الطائرة كلهم يحملون الجنسية الفرنسية، ولم يتم التطرق إلى إمكانية حجب لرؤية أو لقلة حرفية سائقي الطائرتين على سبيل المثال، وهو ما ترك الأبواب مفتوحة على جل الاحتمالات في انتظار استكمال الأبحاث الأمنية والقضائية وتحديد المسؤوليات.


البرهان: الجيش مستعد لـ«القتال حتى النصر» ولم يستخدم كامل قوته

TT

البرهان: الجيش مستعد لـ«القتال حتى النصر» ولم يستخدم كامل قوته

البرهان متفقداً جنوده، الثلاثاء (موقع القوات المسلحة على «فيسبوك»)
البرهان متفقداً جنوده، الثلاثاء (موقع القوات المسلحة على «فيسبوك»)

تفقد رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، الثلاثاء، بعض مواقع قواته، مشيداً بوقفة الشعب السوداني بكامله خلف جيشه بالرغم من المعاناة التي يعيشها منذ ما يقارب الشهرين.

وخاطب البرهان حشداً من قواته، مؤكداً أن القوات المسلحة «لم تستخدم بعد كامل قوتها المميتة حتى لا تدمر البلاد، لكن إذا لم ينصع العدو أو يستجب فسنضطر لاستخدام أقصى قوى لدينا».

وقال إن القوات المسلحة وافقت على هدنة وقف إطلاق النار لتسهيل انسياب الخدمات للمواطنين الذين أنهكتهم تعديات المتمردين، الذين نهبوا ممتلكاتهم وانتهكوا حرماتهم وعذبوهم وقتلوهم دون وازع أو ضمير.

البرهان متفقداً جنوده، الثلاثاء (موقع القوات المسلحة على «فيسبوك»)

ودعا البرهان إلى عدم الالتفات إلى ما يبثه إعلام قوات «الدعم السريع»، التي وصفها بأنها «ميليشيا متمردة»، مضيفاً: «يقولون إن الحرب ضد الكيزان (اسم يطلق على الإسلاميين)... أين الكيزان؟».

وشدد البرهان على أن القوات المسلحة ستظل «مستعدة للقتال حتى النصر»، وأنها تسيطر على جميع المواقع العسكرية في السودان بشكل كامل، وأن المتمردين «لن يستطيعوا أن ينالوا من هذه البلاد»، مؤكداً أن «النصر قريب لا محالة».

وتجدد القتال بين طرفي الصراع في السودان، الجيش وقوات «الدعم السريع»، عقب توقيعهما ليلة أمس على تجديد اتفاق وقف لإطلاق النار قصير المدى، لمدة 5 أيام إضافية، واندلعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين المتحاربين في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم.

الدخان يتصاعد في الخرطوم، الأربعاء، رغم أن وقف إطلاق النار لا يزال قائماً (أ.ف.ب)

ووقّع ممثلو الجيش و«الدعم السريع» تجديد الهدنة والترتيبات الإنسانية في مدينة «جدة» السعودية، بوساطة سعودية أميركية، وفقاً للاتفاق السابق.

وأعلنت الوساطة أن الطرفين اتفقا على مناقشة وقف إطلاق نار طويل الأمد، وإخلاء المناطق السكنية من القوات العسكرية.

وأفاد شهود عيان بأن القتال لم يهدأ طوال الأيام الماضية، وأن الاشتباكات مستمرة على الرغم من التوقيع على هدنة جديدة أمس.

وقال عثمان جعفر، من منطقة «الحاج يوسف»، شرق الخرطوم، لـ«الشرق الأوسط»: «نسمع أصوات تبادل الرصاص بكثافة بالقرب من منطقتنا»، مضيفاً: «لا يوجد أي شيء يدل على أن هناك هدنة».

ويقول جعفر: «أحوالنا متوقفة منذ أكثر من 40 يوماً. نحن شبه عالقين في منازلنا، لا نستطيع الخروج لكسب لقمة العيش خوفاً من وقوع قتال بين الجيش و(الدعم السريع) في أي وقت».

وقالت فاطمة أحمد، من المنطقة ذاتها: «صحونا باكراً، اليوم (الثلاثاء)، على أزيز الرصاص في المنطقة التي تقع بجوارنا مباشرة»، مضيفة: «لا يبدو أن هناك التزاماً من الطرفين بوقف القتال».

قوى التغيير تحض على الالتزام بالهدنة

ودعا الائتلاف الحاكم السابق (قوى الحرية والتغير) قادة الجيش و«الدعم السريع» إلى الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار المجدد، لمعالجة الوضع الإنساني المتدهور.

وقال الائتلاف، في بيان، إن الهدنة السابقة شهدت تحسناً طفيفاً في انخفاض حدة المواجهات، إلا أنها شهدت تجاوزات باستخدام الطيران، وحدوث اشتباكات مسلحة، والتأخر في وصول المساعدات الإنسانية، داعياً الطرفين إلى الالتزام بالتعاون لإعادة الخدمات الضرورية.

وأدان الائتلاف بشدة استمرار الوجود المسلح في المناطق السكنية، والمرافق الخدمية والتعدي على المدنيين، وحضّ على وقفها فوراً ومحاسبة مقترفيها، وإعادة الممتلكات المنهوبة.

وأعلن ائتلاف «قوى التغيير» رفضه دعوات تسليح المدنيين والزج بهم في الصراع المسلح، لأن ذلك سيجرّ البلاد إلى حرب أهلية شاملة.

وأكد دعمه قرار «مجلس السلم والأمن الأفريقي» رقم 1156، الذي صدر السبت الماضي، ودعا إلى توحيد الجهود الدولية لتمديد وقف إطلاق النار، ومعالجة الأوضاع الإنسانية، وتسريع وتيرة الوصول إلى حل مستدام للأزمة في السودان.

سكان العاصمة الخرطوم يستغلون فرص الهدن لقضاء حاجاتهم على عجل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: 1.4 مليون شخص فروا من مناطق القتال

من جهتها، قالت الأمم المتحدة إن القتال مستمر بين القوات المسلحة السودانية وقوات «الدعم السريع» في العاصمة الخرطوم، ومدينة «وزالنجي» في وسط دارفور، و«الفاشر» شمال دارفور، و«الأبيض» في شمال كردفان، على الرغم من وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 22 مايو (أيار) الماضي.

وأفادت الأمم المتحدة أن القتال الدائر في البلاد منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي أجبر ما يقارب 1.4 مليون شخص على الفرار من منازلهم إلى داخل وخارج البلاد.

وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عبر حوالي 345 ألف سوداني إلى البلدان المجاورة (مصر، جنوب السودان، تشاد، إفريقيا الوسطى، إثيوبيا).

وذكر التقرير الأممي أن منظمة الصحة العالمية تحققت من 38 هجوماً على المرافق الصحية والعاملين الصحيين ومستودعات الإمداد والنقل، منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ بين طرفي القتال في مدينة جدة السعودية في 11 من الشهر الماضي.

ووفقاً لآخر تحديث لمنظمة الأغذية والزراعة، ارتفعت أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية والوقود، بما في ذلك المياه المعبأة، بنسبة 40 إلى 60 في المائة، في المناطق المتضررة من النزاع، متوقعة تصاعد ارتفاع الأسعار بنسبة 25 في المائة إضافية في الأشهر الستة المقبلة إذا استمر الصراع.

وتوقع برنامج الأغذية العالمي أن 18 مليون شخص لن يكونوا قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.


اتجاه لإجراء الانتخابات البرلمانية الليبية نهاية العام

اجتماع سابق للجنة «6 + 6» بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا (المجلس)
اجتماع سابق للجنة «6 + 6» بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا (المجلس)
TT

اتجاه لإجراء الانتخابات البرلمانية الليبية نهاية العام

اجتماع سابق للجنة «6 + 6» بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا (المجلس)
اجتماع سابق للجنة «6 + 6» بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا (المجلس)

بينما ظهرت بوادر توافق بين أعضاء لجنة «6 + 6» المشكّلة من مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» لإعداد التشريعات اللازمة للاستحقاق المقبل، على إجراء الانتخابات البرلمانية مع نهاية العام الحالي، والرئاسية العام المقبل، يسارع المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، بإجراء لقاءات مع مختلف الأطراف في البلاد بقصد تطويق حالة التوتر التي سببتها الضربات الجوية على مناطق بغرب ليبيا.

ونقل تلفزيون «المسار» الليبي، يوم الثلاثاء عن مصادر، أن اللجنة المجتمعة في المملكة المغربية، توافقت على إجراء الانتخابات البرلمانية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، والرئاسية في يناير (كانون الثاني) 2024. ولم يعلق أي من أعضاء مجلس النواب، أو المتحدث باسمه على هذه الأنباء، لكن مسؤولاً سياسياً سابقاً قال، إنه «على الرغم من هذه التوافقات فإن ما تشهده المنطقة الغربية من أحداث توتر وتغوّل من التشكيلات المسلحة قد يعطّل هذا المسار».

وأضاف المسؤول السياسي السابق في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «بعض التشكيلات المسلحة تدافع بقوة عن نفوذها ومكتسباتها، وهذا قد يطيل أمد الدوامة التي تعيشها ليبيا أمام استقواء هذه التشكيلات، مع وجود بعض المدافعين عنها».

ورأى المسؤول السياسي، أن المبعوث الأممي «يسعى لإخراج البلاد من دوامة المسلحين، من خلال خطة لدمجهم في المؤسسات الأمنية والمدنية، تمهيداً لإجراء انتخابات في البلاد»، لكن «هناك مَن يعطّل هذا المسار».

المبعوث الأممي مجتمعاً مع المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا (حسابه على «تويتر»)

حكومة مصغرة

يأتي ذلك بينما قالت المصادر، التي لم يسمها تلفزيون «المسار»، إن لجنة «6 + 6» توافقت أيضاً على تشكيل حكومة مصغرة بمهام محددة لمدة 6 أشهر غير قابلة للتمديد لتنظيم الانتخابات. كما توافقت اللجنة الليبية على السماح بترشح العسكريين للانتخابات، وعدم السماح لمَن عليه حكم قضائي أو مطلوب للعدالة بالترشح. وتشكلت لجنة «6 + 6» بموجب التعديل الدستوري لوضع قوانين الانتخابات، التي تعذر إجراؤها في ديسمبر 2021، وتتألف من نواب في البرلمان وأعضاء في المجلس الأعلى للدولة في ليبيا.

ويرى سياسيون ليبيون أن الضربات العسكرية التي تشنها حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على مناطق بغرب ليبيا، وضعت المسار الانتخابي في البلاد على المحك مجدداً، إذ بدا أن أفرقاء السياسة يتجهون إلى فصل جديد من الخلافات، لكن المبعوث الأممي، سارع لتطويق هذه الخلافات، بعقد لقاءات مع أطراف مختلفة بغرب ليبيا. وتشهد غالبية مدن الغرب الليبي حالة من التوتر على خلفية العملية العسكرية التي يشنها منذ مطلع الأسبوع الحالي طيران تابع لوزارة الدفاع بحكومة الدبيبة، على مدينة الزاوية ومحيطها بقصد محاربة «مهربي البشر والوقود».

وفي زيارة مفاجئة، وصل باتيلي، بعد ظهر يوم الثلاثاء إلى مدينة الزنتان، والتقى عميد البلدية عمران العمياني، بالإضافة إلى اجتماعه مع مشايخ وأعيان الزنتان، وذلك قبل توجهه للقاء اللواء أسامة جويلي آمر المنطقة العسكرية الغربية، الموالي لحكومة «الاستقرار» المدعومة من مجلس النواب. واستبق باتيلي اللقاءات التي عقدها في مدينة الزنتان بالجبل الغربي، بزيارة رئيس المجلس الأعلى للقضاء، حيث تناقش مع أعضائه، ورئيسه مفتاح القوي، حول «الدور المهم» للسلطة القضائية في العملية الانتخابية.

تعزيز الاستقرار

ورحب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالمبعوث الأممي، مثمناً جهود بعثته في «تعزيز ودعم الاستقرار في ليبيا»، كما قدم القوي إحاطة موجزة حول عمل ومهام مجلسه، والدور المناط بالهيئات القضائية في ترسيخ نصوص القوانين واللوائح والتشريعات في عديد المسائل، لا سيما مجريات العملية الانتخابية في ليبيا، بالإضافة إلى دور لجان المجلس في ملفات حقوق الإنسان، ومؤسسات الإصلاح والتأهيل، والخطوات التي يتخذها المجلس في إطار الاختصاصات المخولة له. كما نوه نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، النائب العام المستشار الصديق الصور، بمهام السلطة القضائية، والمساعدة في تهيئة الظروف الملائمة للوصول لدولة مدينة ديمقراطية.

بدوره، أكد باتيلي، الجهود التي تقوم بها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ضمن المشاورات واللقاءات مع مختلف الجهات المحلية والدولية، وأهمية المسارات المعززة للاستقرار لبناء دولة ليبيا الحديثة.


خطوات مهّدت لعودة العلاقات المصرية - التركية

مصافحة الرئيس المصري ونظيره التركي بحضور أمير قطر على هامش افتتاح كأس العالم (الرئاسة المصرية)
مصافحة الرئيس المصري ونظيره التركي بحضور أمير قطر على هامش افتتاح كأس العالم (الرئاسة المصرية)
TT

خطوات مهّدت لعودة العلاقات المصرية - التركية

مصافحة الرئيس المصري ونظيره التركي بحضور أمير قطر على هامش افتتاح كأس العالم (الرئاسة المصرية)
مصافحة الرئيس المصري ونظيره التركي بحضور أمير قطر على هامش افتتاح كأس العالم (الرئاسة المصرية)

لم يتوقع كثيرون أن تكون الانعطافة في العلاقات المصرية - التركية بتلك السرعة، وبهذا التصاعد، ففي غضون نصف عام، تجاوزت القاهرة وأنقرة «جفاءً وتوتراً» في علاقتهما دام لعقد كامل، وانتقل البلدان سريعاً من مساعي «تطبيع» العلاقات، إلى الاتفاق على «ترفيع» التمثيل الدبلوماسي، وربما تشهد الآونة المقبلة لقاء قمة بات متوقعاً بين رئيسي البلدين.

طريق استعادة العلاقات المصرية - التركية مر بمحطات عدة، مهدت السبيل أمام البلدين اللذين جمعتهما علاقات تاريخية، وفرقتهما دروب السياسة بعد عام 2013، عندما أطاحت مظاهرات «حاشدة» للمصريين ساندتها القوات المسلحة المصرية، بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، لكن ما أفسدته «الآيديولوجيا» أعادت «البراغماتية» ترميمه، ولو بعد عقد كامل، بحسب ما يرى مراقبون.

ولم يكن اتفاق الرئيسين؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والتركي رجب طيب إردوغان، خلال اتصال هاتفي (مساء الاثنين)، للتهنئة بفوز الأخير بالانتخابات الرئاسية، وإعادة انتخابه رئيساً لتركيا لفترة رئاسية جديدة، على «البدء الفوري» في ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء، سوى محطة جديدة في طريق ممتد، بدت بعض خطواته بعيدة عن الأضواء، حيث جرت أبرز مراحله الأخرى في محفل بعيد تماماً عن أجواء السياسة التقليدية».

ففي منتصف عام 2021، بدأ البلدان جولتين من المحادثات الاستكشافية لـ«تطبيع العلاقات»، وقدمت أنقرة بعض الإشارات التي تؤكد جديتها في طي صفحة التوتر مع القاهرة، وكان من أبرز تلك الإشارات إصدار تعليمات صارمة لقيادات تنظيم «الإخوان» ومنابرهم الإعلامية التي تنطلق من الأراضي التركية، بوقف تحريضها ضد القاهرة، وبالفعل أغلقت عدة قنوات تابعة للتنظيم، ورحل عدد منها إلى عواصم أخرى، بينما خضع من لم يلتزم من إعلاميي «الإخوان» للتوقيف من جانب السلطات التركية.

وجاءت الخطوة العلنية الأبرز على هامش حضور رئيسي البلدين حفل افتتاح كأس العالم لكرة القدم، الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة، نهاية العام الماضي، جرت أول مصافحة بين السيسي وإردوغان، وتحدث الأخير عن عقده «لقاءً مثمراً» امتد لأكثر من أربعين دقيقة مع الرئيس المصري، لتنطلق بعدها خطوات متسارعة نحو التقارب.

وفي غضون بضع أسابيع، التقى وزيرا خارجية البلدين، اللذين لم يلتقيا لأكثر من 10 سنوات، ثلاث مرات؛ إذ زار وزير الخارجية المصري سامح شكري تركيا مرتين في أقل من ستة أسابيع، بينما زار نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، القاهرة في مارس (آذار) الماضي.

وجاءت أزمة زلزال 6 فبراير (شباط) من العام الحالي، لتعطي العلاقات بين البلدين «نفساً إنسانياً»، تجسد في اتصالات هاتفية بين رئيسي البلدين، وتقديم مصر مساعدات إغاثية عاجلة، ثم تبادل وزيرا الخارجية الزيارات، لتنطلق بعدها عجلة تسريع وتيرة التقارب، سواء عبر تصريحات إيجابية من الطرفين، أو ترتيبات متأنية اتخذت طابعاً ثنائياً وإقليمياً.

«الإرادة السياسية» كلمة مفتاحية، يراها الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة «مهمة لفهم أسباب تسارع وتيرة التقارب المصري التركي، مشيراً إلى أن البلدين سعيا إلى بناء الصفحة الجديدة في علاقتهما على قاعدة المصالح المشتركة، والفوائد المتبادلة».

ويضيف فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن التقارب بين القاهرة وأنقرة، لم يقتصر على البعد الثنائي فقط، بل دعت إليه كذلك «معادلات كبرى في الإقليم»، لافتاً إلى أن المنطقة تشهد خلال الآونة الأخيرة تحولات يصفها بـ«الاستراتيجية»، من إقليم شرق المتوسط إلى ليبيا، وصولاً إلى تطبيع العلاقات السعودية - الإيرانية، والتركية - السورية.

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن القاهرة وأنقرة «نجحتا في القفز على الخلافات الصغيرة في ملفات إقليمية، وانتقلتا إلى رؤية أكثر اتساعاً لشؤون الإقليم، تراعي حجم ودور البلدين، والمتغيرات المحيطة بالمنطقة، والتي تفرض تنسيقاً عالي المستوى بين العاصمتين».

وأوضح أن الطرفين المصري والتركي يدركان تماماً قيمة ما يمكن أن يقدمه كل طرف للآخر؛ فمصر تستطيع لعب دور مهم يدعم مسار تطبيع العلاقات التركية - السورية، واستيعاب تركيا في منظومة منتدى غاز شرق المتوسط، وفي المقابل تستطيع تركيا دفع المسار الليبي خطوات إلى الأمام، كما أن معادلة العلاقات بين مصر وتركيا وإسرائيل، يمكن أن يكون لها ثقل مستقبلي في مواجهة العديد من التحديات التي يشهدها الإقليم.

وبالفعل كان الملف الليبي إحدى العقبات البارزة في مسار العلاقات المصرية التركية، و«مقياساً» دائماً لجدية أنقرة في التقارب مع القاهرة، وكثيراً ما اعتبرت مصر أي تدخل خارجي في الشأن الليبي، مساساً بأمنها القومي، ودعت في أكثر من مناسبة إلى إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.

لكن مصر التي حدد رئيسها في يونيو (حزيران) 2020 «خطاً أحمر» لوقف التصعيد بين قوات شرق ليبيا ونظيرتها في الغرب المدعومة من تركيا، حافظت طيلة سنوات التوتر مع أنقرة على أن تبقى العلاقات الاقتصادية بمنأى عن الاحتقان السياسي، وبالفعل سارت تلك العلاقات في اتجاه مغاير لما اتخذه المسار السياسي، فزاد مُعدل النمو في التبادل التجاري بين البلدين بمقدار 32.6 في المائة في 2021، بحسب إحصاءات رسمية مصرية.

البعد الاقتصادي يراه حسن الشاغل، الباحث بمركز «الأناضول» لدراسات الشرق الأدنى، «عاملاً أساسياً وحاسماً» في استعادة العلاقات المصرية - التركية لطبيعتها. ويلفت إلى أن الأزمات الاقتصادية التي عانتها الدولتان خلال الفترة الماضية دفعت باتجاه تغليب أطر التعاون وتسوية المشكلات، «بحثاً عن حلول تنعش الاقتصاد، لإدراك كل دولة أنها بحاجة إلى الدولة الأخرى».

ويضيف الشاغل لـ«الشرق الأوسط» أن تركيا صارت الآن أكبر مستقبل للغاز المصري، وهو ما يوفر تكلفة الشحن بالنسبة لتركيا لقرب المسافة مع مصر، كما أن هناك العديد من المنتجات المصرية مثل الحاصلات الزراعية والقطن تمثل أهمية بالنسبة لتركيا، كما أن الاستثمارات الصناعية التركية، وزيادة التبادل التجاري يمثلان أهمية للقاهرة.

ويلفت الباحث بمركز «الأناضول» لدراسات الشرق الأدنى، الانتباه كذلك إلى أن استعادة العلاقات المصرية - التركية لطبيعتها يخدم توجهات إقليمية، تدفع باتجاهها المملكة العربية السعودية، وهو إرساء نموذج التنمية الإقليمية عبر تصفير مشكلات المنطقة، وهو ما سيمثل «دفعة قوية للاستقرار الإقليمي برمته».

ويرى الشاغل أيضاً أن تنقية أجواء العلاقات المصرية - التركية يمكن أن تسهم في إغلاق ملف يصفه بـ«الشائك»، وهو ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، مؤكداً أن مصر وتركيا بلدان محوريان في هذا الصدد، ومن شأن التقارب بينهما تقريب الحل النهائي للعديد من المشكلات في تلك المنطقة الحيوية.


الصومال: الجيش يحبط هجوماً لحركة «الشباب»

صورة وزعها مؤخراً الجيش الصومالي لقائده يوسف راجي
صورة وزعها مؤخراً الجيش الصومالي لقائده يوسف راجي
TT

الصومال: الجيش يحبط هجوماً لحركة «الشباب»

صورة وزعها مؤخراً الجيش الصومالي لقائده يوسف راجي
صورة وزعها مؤخراً الجيش الصومالي لقائده يوسف راجي

لقي 30 من عناصر حركة «الشباب» المتطرفة مصرعهم، بعدما أحبط الجيش الصومالي، اليوم (الثلاثاء)، ما وصفه بهجوم إرهابي فاشل، على مدينة مسجواي التابعة لمحافظة غلغدود وسط البلاد، على مسافة نحو 300 كيلومتر إلى الشمال من العاصمة مقديشو.

وقال بيان لوزارة الإعلام الصومالية، اليوم، إن الجيش أحبط بالتعاون مع السكان المحليين هجوماً إرهابياً، حاولت عناصر الحركة شنه على المدينة، مشيراً إلى تكبد العناصر الإرهابية خسائر فادحة في الأرواح، وتدمير ثلاث مركبات، مقابل إصابة 3 فقط من الجنود، أوضح أن حالتهم مستقرة حالياً.

وقالت «وكالة الأنباء الصومالية الرسمية» إن قوات الجيش تلقت معلومات مسبقة حول محاولة الميليشيات اليائسة شن هذا الهجوم المباغت، مشيرة إلى أن ما وصفته بعملية تمشيط واسعة تجري لتعقب العناصر الإرهابية التي فرت من الموقع.

وأبلغ حسين نور، وهو من سكان ماساجاوا، وكالة «رويترز» أنه رأى 17 قتيلاً من المهاجمين وممن تعرضوا للهجوم، لافتاً إلى أن القتال انتقل إلى الغابة، والبلدة هادئة الآن وتخضع لسيطرة الحكومة».

ونقلت الوكالة عن الكابتن عبد الله محمد، وهو ضابط في الجيش في ماساجاوا، وقوع الهجوم وقال إن 12 من مسلحي «الشباب» قُتلوا، لكنه لا يعرف عدد الجنود الذين فقدوا أرواحهم، وأضاف: «استمر القتال العنيف ساعات على أطراف البلدة». حتى الآن أعلم أننا فقدنا جنوداً لكن ليس لدي عدد محدد. قمنا بالتصدي لحركة (الشباب)، والآن نطاردهم في الغابة».

ولم يحدد الجيش الصومالي في بيان مقتضب عبر «تويتر» عدد القتلى في صفوف حركة (الشباب)، لكنه أكد تصديه للهجوم وقتل مسلحين».

وبدورها، ادعت الحركة في بيان أن الغارة التي نفذتها على قاعدة الجيش بمنطقة ماساجاوا بمحافظة غلغدود، أسفرت عن مقتل أكثر من 73 جندياً، وزعمت أنها استولت على جميع المعدات العسكرية والآليات العسكرية في المعسكر.

وتعد هذه هي العملية العسكرية الأحدث من نوعها في وسط الصومال، بعد الهجوم الذي شنته حركة «الشباب» على قاعدة للقوات الأوغندية العاملة ضمن البعثة الأفريقية الانتقالية في الصومال، في بلدة بولا مارير، جنوب الصومال، زعمت خلالها مقتل أكثر من 130 جندياً أوغندياً يوم الجمعة الماضي.

وأدانت الأمم المتحدة، هذا الهجوم، وقال ستيفان دوغاريك، المتحدث باسم أمينها العام أنطونيو غوتيريش، في بيان، إنه يشيد بجميع قوات البعثة، ويعرب عن تقديره خدمتهم في دعم السلام والاستقرار في الصومال، وكرر دعوته لتقديم دعم دولي للبعثة وقوات الأمن الصومالية في حربها ضد التطرف العنيف.

 

 

 

 

 


دعم أممي طارئ للمتضررين من الأزمات في 3 محافظات يمنية

طفل نازح في أحد المخيمات في الحديدة (الأمم المتحدة)
طفل نازح في أحد المخيمات في الحديدة (الأمم المتحدة)
TT

دعم أممي طارئ للمتضررين من الأزمات في 3 محافظات يمنية

طفل نازح في أحد المخيمات في الحديدة (الأمم المتحدة)
طفل نازح في أحد المخيمات في الحديدة (الأمم المتحدة)

بينما لا تزال المنظمات الإغاثية غير قادرة على تقييم الوضع الإنساني في مناطق سيطرة الحوثيين؛ بسبب القيود المفروضة على أنشطتها، وبالتزامن مع تحذير منظمات أممية من انتشار سوء التغذية الحاد، أعلن الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، التابع للأمم المتحدة، تخصيص 18 مليون دولار أميركي لتلبية الاحتياجات العاجلة للأشخاص المتضررين من الأزمات الإنسانية في 3 محافظات سجلت مستويات مرتفعة من سوء التغذية.

مخيمات تفتقر للخدمات الأساسية (إعلام حكومي)

وكان وكيل الأمين العام ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، قد وافق في مارس (آذار) على تخصيص هذا المبلغ لمنع المجاعة، ومعالجة المستويات المتزايدة من انعدام الأمن الغذائي الناجم عن الصراع، والصدمات الاقتصادية، وتغير المناخ، طبقاً لما جاء في بيان وزعه مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن الذي أبان أن هذا المبلغ سيوفر «حزمة شاملة ومتكاملة من الخدمات والتدخلات متعددة القطاعات»، باستخدام آلية الحد من مخاطر المجاعة المتكاملة لكل من المساعدة النقدية العينية ومتعددة الأغراض، وبغرض «الحد من المستويات المتزايدة لسوء التغذية الحاد»، ومعالجة انعدام الأمن الغذائي في البلاد.

منسق الشؤون الإنسانية خلال زيارته أحد المخيمات في تعز (إعلام حكومي)

ووفق تقديرات الأمم المتحدة، ستؤثر الأزمة الإنسانية خلال العام الحالي على 17.3 مليون شخص؛ حيث تشير الأدلة المستمدة من تحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الذي تم إجراؤه في المديريات الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية. كما أظهر المسح الأخير أن أكثر من ثلثي الرضع والأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين، لا يتلقون تغذية ورعاية مناسبتَين؛ مما يعزز الأرضية لزيادة سوء التغذية الحاد والمزمن بين الأطفال دون سن الخامسة.

الحوثيون شردوا 4 ملايين يمني (إعلام حكومي)

وذكر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، أنه بدءاً من نهاية شهر مايو (أيار) الحالي، تم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن بنسبة 23.5 في المائة فقط.

ولذلك، فإن هذا التخصيص «سيدعم الأشخاص الأكثر احتياجاً في 3 محافظات، هي: حجة والحديدة وتعز»، وهي من بين الأكثر ضعفاً وتضرراً من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد، مع التركيز على الحد من سوء التغذية الحاد، بينما أكد منسق الشؤون الإنسانية ديفيد غريسلي، من جانبه، أن الاستجابة الإنسانية في اليمن لا تزال تعاني نقصاً حاداً في التمويل، مما يحرم آلاف الأشخاص من المساعدات الإنسانية الحيوية.

وحسب بيانات المكتب، سيتم تنفيذ المشروعات الممولة من قبل الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ عبر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، والمنظمة الدولية للهجرة، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية. وينتظر أن يؤدي هذا التمويل إلى تحسين الوصول في الوقت المناسب إلى السكان المعرّضين للخطر، ولضمان استدامة المساعدة الإنسانية، على أن تعمل هذه الوكالات، بتعاون وثيق، مع المنظمات غير الحكومية التي لديها قدرة على الوجود في المناطق التي يصعب الوصول إليها.

وترى الأمم المتحدة أن نهج الاستجابة المخطط هذا يعتمد على التقارب الجغرافي، والموضوعي، والتشغيلي، والسكاني، مع نقاط الدخول المشتركة لتقديم الخدمات؛ لأن هذا النهج الشامل سيحقق نتائج ملموسة، على أن يتم قياس تلك النتائج من خلال المراقبة المشتركة، والتنفيذ الناجح المستخدم لزيادة التمويل الإضافي من المانحين الآخرين، بما في ذلك التكامل مع التخصيص القياسي القادم للصندوق.

هذه الخطوة تأتي بينما لا يزال الحوثيون يغلقون أهم شركة وسيطة كانت تعمل على مراقبة توزيع المساعدات، والتأكد من بيانات المستحقين في مناطق سيطرتهم منذ 5 أشهر، ويرفضون حتى الآن قرارات النيابة لديهم بإحالة ملف مدير الشركة إلى القضاء، والسماح لها بالعودة للعمل، في حين يخشى العاملون في الشركة من محاولة حوثية للاستيلاء عليها، كما حصل مع ممتلكات آخرين، عبر ما يسمى «الحارس القضائي».

خطاب النيابة العامة (متداول)

وحسب مصادر عاملة في شركة «برودجي سيستمز»، تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإنه على الرغم من مرور 5 أشهر على إغلاق الشركة، واعتقال المدير عدنان الحرازي، فإن مخابرات الحوثيين ترفض التعاطي مع توجيهات النيابة، وما يسمى «مجلس النواب» لإطلاق سراح الرجل. ويقولون إنهم سمعوا عن مخطط للاستيلاء على الشركة ومصادرتها، وإن الحوثيين يريدون إرغام الموظفين الذين يزيد عددهم على 1000 على العمل مع المدير المعين، وإبقاء مالكها في السجن أطول فترة ممكنة؛ من أجل تدميرها؛ عقاباً له على التقارير التي كشفت حجم التلاعب في المساعدات.