العمل الصحافي في ليبيا يعرّض صاحبه للتهلكة

التحديات أمام الإعلاميين تحرمهم من مزاولة العمل الميداني

تسبب الانقسام السياسي وتبدل الولاءات بين وقت وآخر في اضطراب داخل الحقل الإعلامي في ليبيا والعصف بمستقبل عشرات الصحافيين (رويترز)
تسبب الانقسام السياسي وتبدل الولاءات بين وقت وآخر في اضطراب داخل الحقل الإعلامي في ليبيا والعصف بمستقبل عشرات الصحافيين (رويترز)
TT

العمل الصحافي في ليبيا يعرّض صاحبه للتهلكة

تسبب الانقسام السياسي وتبدل الولاءات بين وقت وآخر في اضطراب داخل الحقل الإعلامي في ليبيا والعصف بمستقبل عشرات الصحافيين (رويترز)
تسبب الانقسام السياسي وتبدل الولاءات بين وقت وآخر في اضطراب داخل الحقل الإعلامي في ليبيا والعصف بمستقبل عشرات الصحافيين (رويترز)

في الشهور الأولى بعد سقوط نظام القذافي في ليبيا، نشطت حركة الطباعة والنشر والبث على الإنترنت والتلفزيون، بشكل كبير، وبخاصة في المدن الكبرى مثل طرابلس وبنغازي ومصراتة، إلا أن الانفلات الأمني والصراع السياسي وانتشار الجماعات المسلحة، أدى كله إلى انتكاسة.
اليوم، أصبحت ليبيا من البلدان الخطرة على الصحافيين ووسائل الإعلام. وتواجه صحف ومواقع إخبارية على الإنترنت وقنوات تلفزيونية، صعوبة كبيرة في العمل، سواء كانت محلية أم عربية أم أجنبية. وتعرَّض الكثير من المراسلين والصحافيين والمذيعين، للاغتيال أو الاختطاف أو الإخفاء أو الابتزاز، في ظل الفوضى التي تضرب البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
«كنا نُعد لبث البرنامج من مقر قناة العاصمة التلفزيونية الخاصة، في طرابلس، وفجأة ضربت المقر قذيفة صاروخية». هكذا يتذكر الإعلامي الليبي، رجب بن غزي، الذي يقدم حاليا برنامجا ساخرا على قناة «ليبيا 24»، تحت عنوان «أجندة ليبيا»، انطلاقا من القاهرة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: بعد ذلك تعرض مالك القناة للاختطاف. ثم هجم مجهولون على المقر وسرقوا الأرشيف التلفزيوني. ولهذا قررنا الرحيل والعمل من خارج ليبيا.
ويؤكد عبد الباسط بن هامل، نائب رئيس تحرير «بوابة أفريقيا» الإخبارية، أن أبرز التحديات التي تواجه الصحافيين الليبيين، هي عدم القدرة على العمل الميداني الصحافي على الأرض. ويضيف موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن عدم وجود حماية، وعدم وجود قانون، وعدم تفعيل لجنة رقابية لحماية عمل الصحافيين، كلها عوامل تمثل تحديا كبيرا أمام المشتغلين في مهنة البحث عن المتاعب، مشيرا إلى أن «أغلب وسائل الإعلام الليبية التي تتكلم بحرية، تعمل من خارج ليبيا، نظرا لتضييق الخناق عليها في الداخل».
وتسبب الانقسام السياسي وتبدل الولاءات بين وقت وآخر، إلى جانب شُح الأموال، في اضطراب داخل الحقل الإعلامي، والعصف بمستقبل عشرات الصحافيين. فهناك وسائل إعلام وجدت نفسها ممزقة بين حكومتين، وأخرى اضطرت للدخول في توازنات من أجل الاستمرار في العمل، بينما استسلمت بعض قنوت التلفزيون والصحف والمواقع الإخبارية الإنترنتية، للإغلاق.
وفي ظل هذا الواقع المرير قرر مراسلون، وصحافيون، وملاك وسائل إعلام، الرحيل بأسرهم عن ليبيا، أملا في استقرار الأوضاع مستقبلا. وعلى سبيل المثال انقسمت قناة «الرسمية» التابعة للحكومة إلى قناتين تحملان الاسم نفسه، واحدة تبث من طرابلس، وتتبع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، والثانية تبث من بنغازي وتتبع الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني.
من جانبه، يقول محمود علي، أحد ملاك القنوات التلفزيونية في طرابلس: «اشتريت بنحو مليون ونصف المليون دولار كاميرات ومعدات وأجهزة إضاءة وجدران عازلة للصوت، وغيرها... كلها ذات تقنية متقدمة في العمل التلفزيوني، لكن اضطررت إلى تخزينها في المقر الذي اشتريته للقناة في شارع الثورة. العمل مستحيل في ظل هذه الأجواء»، مشيرا إلى أن من يريد أن يستمر في ممارسة المهنة عليه أن يوالي فريقا من الفرق الكثيرة التي أصبحت منتشرة في ليبيا».
ومنذ أواخر عام 2011 انطلقت وسائل إعلامية جديدة على أنقاض منظومة إعلام النظام السابق، والتي كانت تتمثل في «أمانة اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام»، وفي «الهيئة العامة لإذاعات الجماهيرية العظمى»، لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب بعد انتشار الجماعات المسلحة في هذا البلد.
واضطرت الكثير من القنوات ذات التوجه «الليبرالي» للخروج من العاصمة، ومن مدن أخرى، مثل درنة وصبراتة، بسبب سطوة المتطرفين. وتعمل قنوات محسوبة على تيار الجماعات المتشددة من مقار تقع في نطاق نفوذ هذا التيار، مثل «الرائد»، و«التناصح»، و«النبأ»، و«ليبيا الأحرار»، وغيرها. أما إذا تواجد في المنطقة مقرٌ لقناة أو صحيفة أو موقع إخباري، يجاهر بالعداء للمتطرفين، فسيكون عمره قصيرا، مثلما حدث مع قناة العاصمة. ويقول بن غزي: تيار المتشددين، ومنه جماعة الإخوان، عمل بقوة للقضاء على قناتنا في طرابلس منذ وقت مبكر.
من جانبه، يقول محمود عيسى، الصحافي في موقع «ليبيا اليوم» الإخباري، الذي توقف أخيرا عن العمل: ممارسة مهنة الصحافة من داخل ليبيا أمر محفوف بالمخاطر. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: أنت في كل زاوية تشعر بأنها ساعتك الأخيرة. كل فريق يعتقد أنك تعمل ضده. وبهذا أنت لا تشعر بالأمان أبدا. حتى وأنت تتنقل عبر الطرق السريعة.. أنت تتعرض للتفتيش في البوابات، وإذا ظن الحراس أنك صحافي غير موال لجماعتهم فهذه نهايتك.
ويقول نائب رئيس تحرير «بوابة أفريقيا»، وهو موقع خاص: «الصحافي في ليبيا معرض للخطر... معرض للخطف، ومعرض للقتل، ومعرض للابتزاز.. عوامل كثيرة تجعله يعمل من خارج ليبيا»، مشيرا إلى تأثير مشكلة الصراع الدائر في البلاد على مهنة الإعلام. ويضيف بن هامل: «توجد جماعات مسلحة وقوى سياسية وأطراف أخرى... وأنت إما أن تكون معهم، أو تعرض حياتك للخطر. لدينا زملاء خُطفوا، ولدينا زملاء تعرضوا للتهديد. ونحن لا نستطيع أن نجاهر بأسماء بعض مراسلينا وصحافيينا الموجودين داخل ليبيا. لو كشفت عنهم فإن حياتهم ستكون مهددة وفي خطر».
واضطرت صحف ومواقع إخبارية وقنوات تلفزيونية إلى العمل انطلاقا من الأردن، والقاهرة، وعواصم أخرى. ويبلغ عدد القنوات التلفزيونية المؤثرة أكثر من عشرين قناة، كما يقول بن غزي، موزعة على الفرقاء الليبيين، بما فيها قنوات محسوبة على نظام القذافي، ومنها قناة «الخضراء». ويقول مقدم برنامج «أجندة ليبيا»: طول أمد النزاع تسبب في تدهور بيئة العمل الإعلامي وتعطيل طاقات ليبية مهمة في هذا المجال.
ويشترك غالبية العاملين في وسائل الإعلام الليبية المختلفة في إخفاء الهوية خوفا من التعرض للانتقام. ويقول بن هامل: مثلا في العاصمة طرابلس، لدينا بعض المراسلين والصحافيين للعديد من وسائل الإعلام الليبية، التي تعمل من الخارج، لا تستطيع أن تعلن عن أسمائهم، لأسباب عدة... أولا، لا يوجد قانون لحمايتهم، وحتى المؤسسات الدولية المختصة بالعمل الصحافي، لديها حضور خجول في المسألة الليبية. هي تصدر بيانات، لكن لا يمكنها ملاحقة الجهات التي تستهدف الصحافيين بالخطف والتغييب وغيره.
ويضيف: في «بوابة أفريقيا» نحن غير قادرين على العمل من داخل ليبيا.. «هذا أمر صعب جدا. إذا مارست حريتك في الكتابة، وفي نقل الأخبار، فهذا أمر صعب للغاية». ويقول أيضا إن «أغلب وسائل الإعلام الليبية، التي تعمل بحرية، تكاد تكون كلها تعمل من خارج البلاد، بنسبة تصل إلى نحو 90 في المائة، سواء كانت قنوات تلفزيونية أو وسائل صحافية»، مشيرا إلى أن «هذا الواقع أثر بالسلب على جودة المادة الصحافية. السلطة الرابعة تكاد تكون صفرا في العمل داخل ليبيا».
وبحسب بن هامل، فإن الأمر لا يتعلق فقط بوسائل الإعلام الليبية، و«لكن حتى وسائل الإعلام الخارجية، لم يعد في مقدور أغلبها، اليوم، أن تذهب للعمل من داخل ليبيا، سواء كانت وسائل إعلام دولية أو عربية. حتى الصحافي العربي أو الأجنبي حياته مهددة في ليبيا».
وفي بداية عمله في موقع «ليبيا اليوم»، انخرط عيسى، في دورات تدريبية إعلامية، مثل مئات من الصحافيين والمذيعين الليبيين. وعقدت مثل هذه الدورات في مدن مصراتة وطرابلس وبنغازي، وبعضها عقد في القاهرة والأردن والخليج، إلا أنها توقفت خلال العامين الأخيرين لسببين أساسيين هما غياب الأمن والتربص بحركة الإعلاميين وشح الأموال. ويقول عيسى: «الفرص أصبحت أقل، والعمل الإعلامي عموما ينكمش أكثر من السابق. هذه مشكلة».
من جانبه، يؤكد بن هامل أن الواقع المرير في ليبيا انعكس على كل شيء... «فقد أصبح من الصعب عقد دورات تدريبية للصحافيين، وهذا تسبب في عرقلة تطوير الصحافة الليبية خلال السنوات الأخيرة. عرقل حتى جودة الإنتاج الصحافي. العمل الجيد كان سيسهم في عملية المصالحة، وفي تحقيق توازن جيد في ليبيا، وفي نقل صورة واقعية عن الوضع الميداني».



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».