مقال مزيف يكاد يهدد مصداقية «الغارديان» البريطانية

TT

مقال مزيف يكاد يهدد مصداقية «الغارديان» البريطانية

لا تزال ظاهرة انتشار الأخبار الكاذبة تؤرق أهل الصحافة والمتلقين، وباتت تنتشر على الشبكة العنكبوتية باحترافية حادة وتصعب للوهلة الأولى التفرقة بينها وبين الأخبار الموثوقة. وفي الأسبوع الماضي، نشر مقال مغلوط لصفحة مطابقة لموقع صحيفة «الغارديان» البريطانية عن الاستخبارات البريطانية، كاد أن يهدد مصداقية الصحيفة.
ووفق ما نشرت صحيفة «التايمز» البريطانية في عددها يوم الثلاثاء الماضي، من المشتبه أن عناصر موالية للكرملين تقف وراء نشر المقال الذي تضمن أخباراً كاذبة حول وضع الاستخبارات البريطانية الخارجية (إم آي 6) مخططاً لزعزعة الاستقرار داخل روسيا.
وجرى تصميم المقال الزائف على نحو يجعله يبدو وكأنه يخص صحيفة «الغارديان» ونشر بالفعل عبر الإنترنت، وتضمن مزاعم بأنه عبارة عن مقابلة أجريت مع سير جون سكارليت، الرئيس السابق لـ«إم آي 6».
وفي ثنايا المقال الزائف، وردت ادعاءات بأن سير جون قال إن «ثورة الزهور» التي اشتعلت في جورجيا عام 2003 جرى تنظيمها من جانب وكالتي الاستخبارات البريطانية والأميركية بهدف إحداث حالة من «التفكك الاستراتيجي» داخل روسيا.
ورغم أن الموقع الإخباري الأصلي لـ«الغارديان» لم يتعرض لقرصنة، جرى تصميم المقال المزيف كي يبدو مقالاً ينتمي إلى الموقع الإلكتروني للصحيفة.
وأضاف المقال إن حلف «الناتو» كان يخطط سراً للسيطرة على «جميع السواحل الروسية، بجانب البحر الأسود».
وتميز المقال بذات الشكل والحروف المطبعية والاسم الخاص بموقع theguardıan.comمع تغيير طفيف في أحد حروف كلمة «غارديان» بالإنجليزية، واستبدال حرف واحد.
وقد حذف المقال بعدما لفتت لغته أنظار خبراء أعربوا عن اعتقادهم بأنه من صنع موالين للكرملين.
في هذا الصدد، قال بين نيمو، خبير شؤون الأمن الأوروبي والحروب الهجينة: «ثمة مزيج من المهارات الفنية وغياب الكفاءة اللغوية تحمل جميعها البصمات المميزة للعناصر الموالية للكرملين، وإن كان من غير الواضح ما إذا كانت مثل هذه العناصر رسمية أم مستقلة. وأوضح نيمو أن: «جهود محاكاة موقع (الغارديان) كانت ماهرة للغاية، واعتمدت على URL مشابه للغاية للآخر الحقيقي، ويحمل روابط لمقالات أصلية. أما استخدام اللغة، فكان أقل مهارة بكثير وتضمن أخطاءً عادة ما يقع فيها الناطقون بالروسية». وأضاف: «ويتوافق الخطاب العام على مستوى المقال مع ادعاءات الكرملين بوجود مخططات غربية لتفكيك روسيا، منها مخططات مدعومة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي)».
واستطرد بأن: «الإشارة إلى المملكة المتحدة شكلت عنصراً أقل شيوعاً، لكنه كان ضرورياً، بالنظر إلى أن المقال منسوب إلى سير جون سكارليت».
من جانبها، تبدي وكالات الاستخبارات حذراً متنامياً إزاء جهود موالية لروسيا للتأثير على النقاشات العامة والتغطيات الإخبارية داخل دول غربية.
ويأتي هذا القلق المتزايد في أعقاب القرصنة التي تعرضت لها رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالحزب الديمقراطي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية بالولايات المتحدة عام 2016، والتي ألقي اللوم عنها على نطاق واسع على قراصنة روس.
من ناحية أخرى، صرح متحدث رسمي باسم «الغارديان» بأن: «مقالاً زائفاً ظهر على موقع زائف يزعم أنه موقع (الغارديان) الآن، جرت إزالة هذا المقال. وقد اتخذنا إجراءات مشددة لحماية أمن موقعنا الإلكتروني».
وهذه ليست المرة الأولى التي تعاني منها وسائل الإعلام من محاولات تشهير على الإنترنت. ففي مطلع شهر أغسطس (آب) الحالي حاول موقع مزور انتحال هوية موقع قناة العربية ونشر حوار وهمي مع السفير السعودي في الكويت ونقل تصريحات خاطئة على لسانه. وفي وقتها، غرد المدير العام لدى القناة ركي الدخيل إن موقعاً مزوراً يحمل شعار «العربية» ونفس اسم الموقع مع اختلاف بسيط نشر حديثاً مفبركاً لسفير المملكة لدى دولة الكويت. وأوضح الدخيل أن الحساب منتحَل، ويعمل على بث أخبار وإشاعات كاذبة لا علاقة لقناة «العربية» بها. وأكد الدخيل أن قناة «العربية» تعمل حالياً على التعرف على منتحلي موقعها؛ بهدف ملاحقتهم قانونيا وإيقافهم.
وعانت «بي بي سي عربي» من ذات الداء في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي عندما دشن مجهولون موقعا إلكترونيا مماثلا لموقع القناة الإلكتروني، ونشروا عليه أخبارا مغلوطة.
وأصدر الموقع الرسمي لـ«بي بي سي» بيانا أكد فيه على وجود صفحة مزيفة تنشر أخبارا منسوبة إليها، وقالت الشبكة إنه لا علاقة لها بمثل هذه الأخبار المزيفة التي يجري تداولها على شبكة الإنترنت.
وقالت الشبكة في بيات رسمي: «انتشر في بعض المواقع الإخبارية خبر مزيف يدعي أن موقع (بي بي سي) عربي نقل تصريحات نسبت لمسؤول استخباراتي سعودي بشأن الأوضاع داخل الإمارات العربية المتحدة… وتؤكد (بي بي سي) أن هذا الخبر المفبرك نُشر على صفحة مزيفة تحاكي تصميم صفحات موقع (بي بي سي)». وأكدت المؤسسة على أنها تحتفظ «بحقها في اتخاذ التدابير القانونية ضد أي جهة أو شخص يثبت ضلوعه في مثل هذا السلوك المخالف للقانون وقواعد العمل الصحافي».



هل يؤدي تراجع اهتمام ناشرين بـ«فيسبوك» إلى تعزيز حضورهم على «تيك توك» و«يوتيوب»؟

شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)
شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)
TT

هل يؤدي تراجع اهتمام ناشرين بـ«فيسبوك» إلى تعزيز حضورهم على «تيك توك» و«يوتيوب»؟

شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)
شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)

شهدت العلاقة بين ناشرين ومنصة «فيسبوك» تغييرات جذرية خلال العامين الماضيين، عقب تراجع المنصة عن دعم الأخبار، من خلال خفض حركة الإحالة إلى المواقع الإخبارية، ما دفع المؤسسات الإعلامية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الرقمية. وحقاً، انخفضت «حركة الإحالة (Referral Traffic)» إلى المواقع الإخبارية من «فيسبوك» بنسبة 67 في المائة خلال العامين الماضيين، وفق بيانات تضمَّنها التقرير السنوي لـ«معهد رويترز لدراسة الصحافة» لعام 2025.

مراقبون فسَّروا هذا التراجع بأنه «يعكس تغييراً في استراتيجية «فيسبوك»». ويبدو أن الناشرين كذلك يبادلون «فيسبوك» انخفاض الاهتمام، فوفق تقرير «رويترز» فإن المنصة الزرقاء «لم تعد بين أولويات الناشرين»، إذ نقل التقرير عن نتائج استطلاع أجراه «معهد رويترز» انخفاض اهتمام الناشرين بـ«فيسبوك» بمعدل قُدِّر بتقييم سلبي بلغ ناقص 42 نقطة. ولفت التقرير إلى أن «هناك تراجعاً في الجهود المبذولة لتعزيز العلاقة مع (فيسبوك)، حيث يعدّ كثيرٌ من الناشرين المنصةَ أقل أهمية وأقل فائدة للصحافيين مقارنة بالمنصات الأخرى».

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا التراجع المتبادَل يعود إلى التغييرات في خوارزميات المنصة، التي أصبحت تُبرز المحتوى الترفيهي على حساب المحتوى الإخباري.

محمد عبد الوهاب السويعي، المتخصص في إدارة تقنية المعلومات والأمن السيبراني والباحث في أنظمة الذكاء الاصطناعي بالمملكة العربية السعودية، قال: «في السابق كانت منصة (فيسبوك) تمثّل نافذةً أساسيةً لنقل الأخبار إلى الجمهور، حيث وفَّرت المنصة وسيلةً سريعةً ومنخفضة التكلفة لنشر المحتوى، ولكن مع ذلك، تغيّر تركيز (فيسبوك) نحو المحتوى الترفيهي والتواصل الاجتماعي، ما جعل الأخبار تجد صعوبةً في الحصول على مكان بارز على المنصة».

السويعي عدّ هذا التحول دافعاً للناشرين إلى البحث عن بدائل جديدة لتوصيل محتواهم. وعدَّد البدائل مثل «النشرات البريدية، التي تشهد ازدياداً في شعبيتها بوصفها وسيلةً مباشرةً للتواصل مع الجمهور، وقد باتت بديلاً بارزاً ضمن استراتيجيات المؤسسات. وأيضاً أصبح تحسين محركات البحث (SEO) ضرورةً ملحّةً؛ لتعزيز ظهور المحتوى في نتائج البحث، مما يضمن تدفقاً مستداماً وطبيعياً للزوار».

وأردف الخبير السعودي أنه، في المقابل، «بدأت منصات جديدة تلفت انتباه الناشرين بوصفها بدائل واعدة، على سبيل المثال، تقدم منصة (بلوسكاي Bluesky) نموذجاً لا مركزياً يمنح المستخدمين مزيداً من الحرية في اختيار المحتوى الذي يتابعونه، الأمر الذي يوفر تجربةً أكثر تخصيصاً. كذلك أصبحت منصة (غوغل ديسكفر Google Discover) خياراً مفضلاً لدى كثير من الناشرين، كونها تعتمد على تقديم المحتوى بناءً على اهتمامات المستخدم، ما يضمن وصول الأخبار إلى جمهور مستهدف بدقة». غير أنه على الرغم من هذه النظرة المتفائلة، فإن السويعي يقول إن «المنصات تواجه تحديات ملموسة أبرزها، الحاجة إلى توسيع قاعدة المستخدمين لتحقيق تأثير حقيقي ونتائج فعّالة للناشرين».

بالعودة إلى تقرير «رويترز» فإن الناشرين بصدد إعادة توجيه جهودهم نحو منصات بديلة، لا سيما المنصات المُعزَّزة بالفيديو؛ نتيجة لتغيير اهتمامات المستخدمين. وأشار التقرير إلى أن مجموعة متزايدة من المؤسسات تخطط لتكثيف حضورها على منصات مثل «يوتيوب»، التي ارتفع الاهتمام بها بما يعادل (+52 نقطة) مقابل (+48 نقطة) لـ«تيك توك»، أما «إنستغرام» فقد أبدى الناشرون اهتماماً بها بنسبة قُدِّرت في التقرير السنوي بـ(+43 نقطة). وعزى السويعي هذا الاتجاه بالقول إن «منصة (يوتيوب) توفِّر مساحةً لتقديم تقارير إخبارية مُصوَّرة أو بث مباشر للأحداث المهمة، ما يضيف بُعداً بصرياً وسياقاً غنياً للمحتوى، ومن جهة أخرى، أثبتت منصة (تيك توك) فاعليتها في الوصول إلى الفئات الشابة». ودلّل الخبير السعودي على ذلك بأن «الإحصاءات تشير إلى أن الفيديوهات التفاعلية على (تيك توك) جذبت جمهوراً واسعاً، حيث سجَّل المستخدمون إنفاقاً يتجاوز 10 مليارات دولار لدعم صناع المحتوى في عام 2023، كما حقَّقت حملات تسويقية مثل حملة (Morning Brew) أكثر من 23 مليون ظهور، مما يؤكد فاعلية المنصة في إيصال المحتوى لجمهور واسع ومتفاعل».

من جهة ثانية، قال خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في مصر والمملكة العربية السعودية، إنه ليس بوسع المؤسسات الإعلامية أن تعتمد هذا العام على استراتيجيات ثبت نضوبها. وأوضح: «بشكل عام نحن أمام تحوّلات أجبرت الناشرين على اتّباع نموذج عمل لا يعتمد على مصدر أحادي للنشر، بينما يعد تنويع قنوات الوصول للجمهور استراتيجيةً مستدامةً تحمي الناشرين من خطر التغيير الذي يسير حسب هوى المنصات العملاقة».

وتابع عبد الراضي أن هذا الاتجاه لا يقتصر على «فيسبوك» فحسب، إذ وفقاً لتقارير صدرت مطلع العام الحالي فإن «حركة الإحالة» من منصة «إكس» (تويتر سابقاً) «انخفضت بنسبة 50 في المائة»، ما يشير إلى أن الاعتماد على منصة بوصفها مصدراً رئيساً للزيارات لن يحقق استقراراً للمؤسسات. ولذا عدّ أن الخيارات المستدامة أمام الناشرين في العام الجديد تشمل «الاستثمار في تطوير القوالب الإخبارية؛ لتضمن تجربة أكثر متعة وتفاعلاً، والاعتماد على قنوات متنوعة للوصول إلى الجمهور المستهدف، ووضع خطط الظهور على كل منصة وفقاً للخوارزميات الخاصة بها وخصائص مستخدميها». واختتم أن «المؤسسات الإخبارية ستواجه مزيداً من التحديات مع صعود الذكاء الاصطناعي».