جمعة الماجد... من صيّاد اللؤلؤ إلى صيّاد الكتب

من أوائل رجال الأعمال في الإمارات الذين وضعوا المال في خدمة الكتاب

جمعة الماجد... من صيّاد اللؤلؤ إلى صيّاد الكتب
TT

جمعة الماجد... من صيّاد اللؤلؤ إلى صيّاد الكتب

جمعة الماجد... من صيّاد اللؤلؤ إلى صيّاد الكتب

تعلم جمعة الماجد الصبر والمثابرة من صيد اللؤلؤ عندما كان والده يصطحبه معه إلى مجاهل البحر، ولعل ولادته في الشندغة عام 1930 هيأته لهذه الرحلات البحرية الشاقة، ثم تعلّم في الكتاتيب على يد أمثال فرح القريني، وأحمد القنبري، وغيرهما، وبعدها انتسب إلى المدرسة الأهلية عام 1948 التي أسسها حسن ميرزا الصايغ. ثم طرق باب التجارة، ولكنه سرعان ما كرس نفسه للكتاب من خلال تأسيس المدارس الخيرية والجامعات، وكلية الدراسات العربية الإسلامية عام 1986 ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث عام 1991. وهو من أوائل رجال المال والتجارة في الإمارات الذين وضعوا المال في خدمة الكتاب، ووصل إخلاصه وتفانيه في حب إلى الكتاب إلى القول: أعتبر نفسي مسؤولاً عن إنقاذ أي كتاب معرض للتلف في العالم.

> نحن نعيش في عصر البربرية والتطرف، فهل تعتقد أن المراكز الثقافية، ومنها مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، تسهم في عملية التنوير ونشر الثقافة والعلم والمعرفة بين أوساط الشباب؟
- لا أعتقد أن مركزاً واحداً يستطيع أن يغيّر الكون، رغم أن مركزنا يختلف عن بقية مراكز العالم الثقافية، لأننا لا نقلّد بل نبتكر، وكما هو معروف، إن مهمتنا هي تزويد الباحث العربي بالكتب والمراجع والمخطوطات، لذا ابتكرنا طريقة إرسال الكتاب أو المخطوط إليه، فلا يتمكن الباحثون والمؤلفون القدوم إلينا، لذلك نقوم نحن بالسفر إليهم، ومخطوطاتنا ملك للناس وليس للحفظ. ونحن نختلف عن المكتبات ليس في العالم العربي بل في العالم المتحضّر أيضاً، على سبيل المثال، يصل سعر اللقطة الواحدة من الكتب والمخطوطات إلى دولار أو دولار ونصف، بينما نحن نسعّرها بـ25 سنتاً خدمة للقارئ والباحث، هكذا قلبنا نظام الرسوم رأساً على عقب.
> كانت لديكم مبادرات في اقتناء المخطوطات من العالم، خصوصا تلك المُعرّضة للخطر، كما حصل مع مخطوطات تمبكتو؟
- نحن أكبر مركز لحفظ المخطوطات في العالم، يتوفر في مركزنا نحو 900 ألف نسخة مخطوطة، ولا يوجد هذا الكم في أي مكتبة من مكتبات العالم. وهذه المخطوطات ليست للحفظ بل متاحة للقراء والباحثين والمختصين. لكننا لسنا مركزاً لتحقيق المخطوطات، ولو أننا نقوم بتحقيق 4 أو 5 مخطوطات في العام، ولكنه ليس من اختصاصنا، بل نحن نزوّد الباحثين والكتّاب بأدوات البحث، وهذا ما يؤدي إلى أن يقوم الباحثون بتحقيق آلاف المخطوطات بفضل جهودنا.
> كيف يمكن التغلب على الفكر المتطرف في نظركم، هل الثقافة قادرة على هذا التحدي وهذا الرهان في وقتنا الحالي؟
- البلدان التي تدعي التمدّن هي التي خلقت التطرف والإرهاب. ما دام هناك رؤساء يكذبون على شعوبهم ما الذي تبّقى؟ وعندما يحققون معهم يضعون لهم غطاء حسن النيّة، مثلما قال توني بلير في بريطانيا، يعترف بالخطأ حتى لا يُطارد في المستقبل. أسأل: مَنْ خلق التطرف؟ انظر ماذا قال كلينتون؟ قال: نحن خلقنا «داعش». الناس تقرأ ولكنها لا تفهم، ولا تسمع، فرئيس دولة يقول: نحن خلقنا «داعش»! والسؤال: لماذا خلقوا «داعش»؟ لخراب بلدان العالم. هم البلاء. علينا أن نخدم الثقافة من أجل استنارة الأمة، كما تفعل الشعوب الأخرى. أعتقد أنك قرأت كيف أن حكومة اليابان مدّت سكة حديد إلى مدينة نائية لأن هناك بنتا تدرس وتعيش مع أهلها في مزرعة، شيدوا قطاراً لكي تتمكن من الدوام في مدرستها.على قسم من الحكّام العرب والمسلمين أن ينفقوا 10 في المائة من الدخل القومي على التعليم، و10 في المائة على الصحة، و80 في المائة لهم. لا أحد يريد أن يسمع هذا الكلام، رغم أن وضعنا كارثي، حيث أعلنت اليونيسكو والأمم المتحدة عن وجود 80 مليون أمي في البلدان العربية، وأغلبيتهم في مصر. هل تحرك الحُكام لمعالجة هذا الأمر؟
> نلاحظ أن بعض الأفراد والمؤسسات تقوم بهذا العمل أي المحاولة في معالجة وضع الأمية في العالم العربي؟
ــــ يجب أن لا ننظر فقط الإمارات العربية المتحدة وما قام به سلطان بن سلطان العويس أو جمعة الماجد أو غيرهما في هذا المجال، وما كانا يستطيعان ذلك لولا التسهيلات التي حصلا عليها من الدولة، مثلاً الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، أمر بأن كل شيء عائد إلى جمعة الماجد، يُنقل على طائرته الخاصة، والشيخ حمدان بن زايد أمر بنقل كل ما يعود لي من كتب ومخطوطات في الحقيبة الدبلوماسية، والشيح محمد بن راشد أمر بعدم خضوع أي كتاب يأتي إلى مركز جمعة الماجد إلى الرقابة. عندما جاء نزار قباني إلى دبي لتسلم جائزة سلطان العويس، قال له العويس: اذهب وشاهد مكتبة مركز جمعة الماجد، فقال: يا سلطان، أنا رأيت مكتبات العالم، ماذا ستكون هذه المكتبة؟ قال له: لا، اذهب وشاهدها. لم يرغب في البداية، ثم جاء لزيارة المكتبة. تناولنا القهوة ونزلت معه. وعندما رأى المكتبة، قال: أتمنى أن تكون كتبي هنا. قلت له: لم لا؟ قلت له: يأتيك شخص ويأخذ كتبك. فأجابني: لكن كتبي ممنوعة. قلت له: لا، كتبك غير ممنوعة، وكذلك كتب غيرك أيضاً. قال لي: هل أنت متأكد؟ فقلت له: نعم. قال لي: لا ترسل أحداً يأخذ كتبي، أنا سوف أقوم بذلك. عندما وصل إلى لبنان، شحن كتبه، وتسلمناها من المطار. هذه قصة نزار قباني معنا. لماذا لا تحذو البلدان العربية حذو الإمارات ويعملون مثلها، ويستفيدون منها، حتى جيراننا لا يريدون الاستفادة من تجربتنا.
> من أي عمرٍ بدأ اهتمامك وشغفك بالكتاب، هل يعود إلى سنوات الصبا والشباب أم جاء في عمر متأخر، وأنت المهتم بالغوص في البدايات؟
- ليست لدي شهادة ابتدائية، ولكنني حرصت على توفير الكتاب للقارئ والباحث. نشأتُ في عائلة فقيرة، وكنت أذهب مع أبي للغوص، وهي أشق مهنة في الحياة على الإطلاق. ويعمل الناس على ظهر السفينة، كما لو كان نادي عراة، يأكلون وينامون ويقضون حاجاتهم، وغيرها، وكل واحد على السفينة له مهامه الخاصة، كانت مسؤوليتي أن أعتني بالقرط، وهي شجر تنبتُ في عُمان، لكي يدهن به الغواصون أجسادهم، للحفاظ عليها من القروح وتأثيرات الأملاح، وهكذا يداوي النوخذة نفسه. وفي أثناء الحرب العالمية الأولى، نزل سعر اللؤلؤ، ولم تعد البلدان الأوروبية والولايات المتحدة تشتري اللؤلؤ منا، ولكن الهند وملوكها وتجارها ظلوا يشترون منا. أما زراعة اللؤلؤ، فتعود إلى مائة أو مائة وعشرين عاما، قبل الحرب العالمية الثانية ارتفع سعره، لكنه بعدها، نزل سعره الأصلي، وخسر التجار، وانكسر الخليج. وبدأ التاجر ينفق عشرة آلاف درهم لكنه لا يربح سوى ستة آلاف درهم. لكن سفينة ماجد الغرير باعت مائة ألف آنذاك، وهي سفينة كبيرة. السفن الصغيرة غير قادرة على هذا الإنتاج، ربما تنتج عشرين أو ثلاثين كيساً، ولم تعد الأرض تنتج اللؤلؤ، أحياناً مائة كيس من الصدف، الكبير، والمحار، الصغير، لا يحتوي معظمه على اللؤلؤ، على سبيل المثال، مائة كيس لا يوجد فيه كمية من المحار والصدف، بينما عشرون كيسا يمكن أن يحتوي على كمية أكبر.
> أنتم من أوائل من ربط بين الثقافة والتجارة في عمل إيجابي مثمر ومفيد لقطاعات واسعة محرومة وعملتم على تمكين هذه الفئات إلى الحصول على التعليم، هل تعتقد أن الرأسمال العربي لا يزال بعيداً عن خدمة الثقافية والتربية؟
- لا تنفق الحكومات العربية والإسلامية بما فيه الكفاية على التعليم، ولا يوجد غير التعليم مَنْ يُنقذ الأمة، سواء كانوا في المشرق أو المغرب أو إندونيسيا أو ماليزيا. ولكن ماذا يمكن أن يقوم به التاجر في هذا الميدان؟ إنه عمل فردي. حتى قسم من كُتابنا مثل الببغاوات، يكررون كلمات قيلت من قبل، مائة مرة، وكل التجار العرب لا يعادلون تاجراً واحداً في أميركا، وهناك شركة واحدة أكبر من دولة. ولكنهم يضّخمون من قدراتنا، ويقولون عندنا بترول، ونحن ضخمّنا أنفسنا أيضاً. يجب التركيز أولاً على تعليم المرأة. في الكلية كان عندي 2700 امرأة، يدرسن مجاناً، والكتب مجاناً، والنقل مجاناً، ونمنح الفقير مصاريف 500 درهم. وأغالبهم من عُمان، من الطبقة الفقيرة، التي لا تتمكن من مواصلة الدراسة في الكليات والجامعات الخاصة. ركزت على اللغة العربية، لأنها لغة القرآن، ولغة الدين. وكلياتنا معترف بها من قبل الأزهر ووزارة التعليم العالي، أول ماجستير ودكتوراه في الدولة تخرج من كليتنا. علّمتُ المرأة، ولما تعلّمت وجدت عملاً، ومن ثم حصلت على زوج. هل تبرع لها رجال الأعمال الآخرين مبلغ 500 درهم لكي تعيش بصورة أفضل؟ التعليم قيمة لا تعادلها كل أموال الدنيا.
> قطعتم شوطاً كبيراً في مجال العمل الخيري، وهذه السنة تحتفل مؤسستكم بذلك، إلى أي مدى وصل تأثيركم في المجال الثقافي والتربوي؟
ــ دعني أروي لك هذه القصة: عندما نزل البترول إلى 7 دولارات للبرميل قبل ثلاثين سنة، اجتمع الخليجيون وقالوا: لا نستطيع تدريس أبناء الأجانب، وذلك في الشهر التاسع، أنا كنت رئيس مجلس الآباء في دبي آنذاك، وكان أحمد الطاير، وكيلاً بالنيابة، لم يكن لدينا وزير، وكان هو الرئيس وأنا نائب الرئيس في بنك الإمارات، قلت له: كيف تعلنون عن عدم تدريس أبناء الأجانب في بداية العالم الدراسي؟ قال لي الطاير: القرار اتخذ من قبل مجلس التعاون الخليجي، ولا نستطيع أن نخرج على الاتفاق. وبقيت أفكر، وأقول: أين يذهب أبناء الأجانب في هذه الظروف؟ اتصلت بوزير التربية، وقلت له: أريد مساعدتك، قال: ماذا تريد؟ قلت له: أريد مدارس بعد الظهر. قال: نعم. قلت له: وأريد كتباً. فأخرج لنا أمرا من رئاسة الوزراء لإعطائنا الكتب. قلت له: أريد مدرّسين، نحن ندفع لهم. قال نسمح لهم بذلك. فالفضل يعود إلى أحمد الطاير في المدارس الخيرية. هذه أمور لا يعرفها أحد. ولا الكتّاب يريدون يكتبون ولا الصحف تريد أن تكتب. عندنا 12 ألف خريج من المدارس الخيرية، وهم دائماً من العشرة الأوائل في الدولة من المدارس الخيرية. في البداية خصصناها بالمجان، بعدها رأينا أن التجار يريدون تسجيل أولادهم فيها، فقلتُ لهم: يا جماعة أنتم عندكم فلوس، علموهم في الخارج، قالوا: لا، تعليمكم معترفٌ به. فقلتُ لهم ادفعوا 5 آلاف في السنة، ورفعناها إلى 7 آلاف فيما بعد. دخلوا جامعات كثيرة وتخرجوا، وأعطوا من حياتهم، ورواتبهم أقل من الآخرين، لكنهم يؤمنون بالرسالة التربوية. وأحياناً تأخذهم منا المدارس الأخرى بإغرائهم. ما هو ذنب الفقير لا يتعلم؟
> نحن نعلم أن العالم العربي بحاجة إلى فكرة المؤسسات القائمة على قوانين ثابتة وليس على أشخاص، كيف ترى حال المؤسسات الفكرية والثقافية في العالم العربي في الوقت الحاضر؟
- قبل 2008 كانت البنوك والشركات الكبرى تأتي إلي، وتقول: ما هو السّر في دولة الإمارات العربية المتحدة؟ وما سّر الثورة التي تشهدونها، كيف تحققت؟ فقلت لهم: هنا أنت حرّ في عقلك ومالك. وهنا الأمور ميسّرة: تريد تكّون شركة... أو تبني فندقاً، أو مدرسة أو مستشفى، أو بارا، لا أحد يقف عائقاً أمام استثمارك. نحن نعمل من أجل خير البشرية.
> هل تؤكد على تأسيس مراكز ثقافية على غرار مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث؟
- لا نريد مراكز، بل نريد إخراج البشرية من الأميّة، نريد مدارس لكن المدرسين غير موجودين في البلدان العربية. كان راتب المدرس ألفي جنيه فقط في أيام حسني مبارك، فكيف يتطور حقل التعليم. المدرس التربوي.
> هل تعتقد أن العمل الثقافي لا يزال يلاقي نقص التمويل من الأغنياء ورجال الأعمال العرب في العالم العربي؟
- وما الضير إذا أسهم التجار بنسبة خمسة في المائة من دخولهم خاصة أن الضرائب غير موجودة في الإمارات. هناك رجال استماتوا في خدمة أوطانهم. واختيارهم موفق من حكامهم، انظر من الفجيرة إلى أبوظبي، كل شيء ينمو ويزدهر، وكل الدراسات تقول إن العقار هو أفضل دخل في دولة الإمارات. يجب أن تكون لنا أهداف تخدم بها البشر، وينتفع بها.
> هل تتعاونون مع مراكز ثقافية عالمية، وهل يُمكن تحديدها، وما هي الفوائد التي يجنيها مركزكم من ذلك على صعيد التبادل الفكري والثقافي؟
ـــ طبعاً، لدينا تعاون كبير مع المراكز العالمية، إذا ما طلب منا أحد كتاباً ولا يتوفر في مكتبتا، نحاول الحصول عليه من مكتبات عالمية مثل مكتبة الكونغرس وبريستون، وبرلين، ندفع دولارا أو دولارين ونأخذ من طالب الكتاب 25 سنتاً، لا توجد مؤسسة في العالم تفعل ذلك. وهي وإن كانت مؤسسات غير ربحية في العالم إلا أنها تأخذ الرسوم، وأقول إن العلم ليس صفقة بيع وشراء. البلدان تقدمت بالإنفاق على التعليم مثل الصين واليابان وماليزيا، ما الذي ينقصنا حتى لا نصرف على التعليم. لذلك أصّر على ضرورة إنفاق 10 في المائة من الدخل القومي على التعليم، و10 في المائة على الصحة.
> ما هي مشاريعكم في التعامل مع الكتب التي تصدر خارج العالم العربي، هل من خطة للاهتمام بها؟
ــــ نحن نسعى إلى جمع كتب المهجر من مؤلفين عراقيين وسوريين ومصريين وعرب، ونسعى لبناء مكتبة تكلف 30 مليون دولار، ستكون وقفا للبشرية. ولطالما حرصت على جمع الكتب من أنحاء العالم، وأطلب من الأساتذة والعلماء والباحثين الذين التقي بهم ضرورة تزودي بالكتب الجيدة لكي أضمّها إلى مكتبتنا. أنت تعلم أنا تاجر وليس لدي معرفة بكل الكتب. ولدينا مكتبة فارسية تحتوي على نحو مائة ألف مخطوط، وهذا جزء من اهتمامنا بالكتاب غير العربي أيضاً.
> ما هو رأيكم بما يحدث للعالم العربي من انتهاكات وانتكاسات وتدمير للثقافة مثل ما حصل مؤخراً من قصف لمكتبة الموصل وتدميرها، وقبل ذلك حرق مكتبة بغداد الوطنية؟
- إنني أعتبر نفسي مسؤولا عن إنقاذ الكتاب في العالم، سواء كان إسلامياً أو بوذياً، أو مسيحياً أو عبرانياً، فهو في نهاية المطاف، ملك للبشرية، ويجب إنقاذه أينما كان. حرق الكتب جريمة تصل إلى قتل النفس في أي مكان في العالم.
> ما هي خططكم المستقبلية في الارتقاء بمؤسساتكم الثقافية والفكرية والتربوية؟
- مشاريعنا لا تتوقف، ولا نهاية لها. كنت في شراكة مع (الكاز) لاثنتي عشرة سنة، وتفارقنا بعدها، وبقينا أصدقاء، جاء رئيسها، وقال: إلى أين أنت ذاهب؟ فقلت له: كيف؟ قال هذا الذي تعمل فيه عبارة عن بحر عميق، لا نهاية له: قلت له أعرف أين سائر أنا؟ كتب، ومخطوطات، ووثائق، وخبراء من الخارج، ونحن لا نتوفر على الكوادر، وما نحصل عليه من كوادر تغتنمهم بعض المؤسسات الحكومية وتأخذهم منا. أنا أتكلم عن التعليم، وجميع مؤسساتي عبارة عن وقف: الكليات، المدارس الخيرية، بيت الخير، مركز جمعة الماجد وغيرها. وقد اختارت جامعة الدول العربية مركزنا كأفضل مكتبة في العالم العربي، وتم الإعلان عن ذلك وسط القاهرة. كما حصلت جمعية بيت الخير على جائزة من بين 76 جمعية خيرية. أليست هذه مفخرة؟ أقمنا في عام 2013 مشروعاً بالتنسيق مع كليات التقنية، لتعليم الطالبات، من دون رسوم، لمدة سنتين للغة العربية واللغة الإنجليزية والكومبيوتر والمحاسبة، ونحن نقوم بالبحث عن عمل لهن، وبدأنا العمل وحصلنا على رواتب الآن، واحدة تقول: سنتان من البحث عن العمل لا أحد يوظفها، وهي خريجة ثانوية، وهي الآن قبل أن تتخرج عثرت على عمل. للأسف الشديد، أقول: العالم يتطور ونحن نتراجع. كنت أزور كوريا الجنوبية قبل سنوات كانت بيوتهم عبارة عن عشش، وهم يقولون لي: ماذا تفعل هنا؟ فأجبتهم بأنني هنا لشراء البضائع. ولم يكن فيها حتى فنادق 5 نجوم. وأنظر الآن كيف تطورت كوريا؟ والسبب الجوهري لتطورها هو التركيز على التعليم، والعالم العربي لا يزال يعاني من أزمة التعليم...
> هل فكرتكم بكتابة مذكراتكم التي ستكون لها بلا شك أهمية كبيرة للأجيال المقبلة؟ هل هناك مشروع من هذا القبيل؟
- إن شاء الله.

الجوائز التي حصل عليها
> جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام 1990 وجائزة الشخصية الدولية لخدمة الثقافة والتراث من قبل الرئيس المصري حسني مبارك 2000 وجائزة شخصية العام الثقافية في مهرجان القرين الثقافي في الكويت 2005 وجائزة تريم عمران الثقافية للمؤسسات2007 وجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية للإنجاز الثقافي والعلمي لدورة 2006 - 2007 وغيرها من التكريمات والجوائز المحلية والعربية والعالمية.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.