سنوات السينما: «أغنية على الممر» (1972)

التحدي ضد الهزيمة

مشهد من فيلم «أغنية على الممر»
مشهد من فيلم «أغنية على الممر»
TT

سنوات السينما: «أغنية على الممر» (1972)

مشهد من فيلم «أغنية على الممر»
مشهد من فيلم «أغنية على الممر»

عندما شهد فيلم علي عبد الخالق «أغنية على الممر» عروضه المصرية سنة 1972 لم يأبه له الجمهور وتوقف الفيلم بعد ثلاثة أسابيع من العروض حائزاً على فشل تجاري واضح. في الوقت ذاته كان فيلم حسن الإمام «خلي بالك من زوزو» يواصل تحطيم الأرقام القياسية في عروض منتشرة ومتواصلة لعدة أشهر ما دفع بالمخرج الراحل لتسمية فيلم زميله عبد الخالق بـ«أغنية على المر» (بحذف الميم الثانية).
لكن «أغنية على الممر» هو بالفعل أغنية مرّة كثيراً. هذا لأن الفيلم أراد أن يصف ما حدث في موقع معين خلال حرب سنة 1967 عندما وجد خمسة جنود مصريين أنفسهم منعزلين عن باقي الجيش المصري الذي انسحب من سيناء أو دمرته المقاتلات الإسرائيلية في تلك الحرب الدامية. إنه فيلم - أنشودة حزينة عن تجربة إنسانية متمثلة في فيلم حربي انطلق أبطالها من واقع محبط وانتهوا إليه أيضاً.
إنهم محمود مرسي وصلاح قابيل وأحمد مرعي وصلاح السعدني ومحمود ياسين وقوامه هؤلاء الجنود الذين كانوا يحرسون ممراً استراتيجياً في جبال سيناء غير مدركين ما كان يقع في باقي الجبهات. لا الجهاز اللاسلكي كان يعمل ولا وحدات مصرية قريبة كانت قريبة ولا ظهور للطائرات المصرية لكي تساند هذا الموقع أو سواه.
على ذلك، كان على هؤلاء الجنود حراسة هذا الموقع على الرغم من إدراك دفين، لدى بعضهم على الأقل، من أن الحرب لا تجري كما رسم وقدر لها. خلال ساعة ونصف الساعة سوف نتعرف أكثر على هؤلاء الجنود - الأبطال بسلسلة من الأسفار يقوم بها الفيلم صوب تاريخ كل منهم ليعود، بعد رحلاته القصيرة تلك ويقضي معهم الأزمة التي يعيشونها متجاورين في الوطنية والقدر ورفقة السلاح.
يتمثل ذلك بقيام المخرج بتصميم مشاهده لكي تكون قريبة من شخصياتها. هي محصورة في ذلك الموقع (كهف يطل على طريق ترابي ضيق في الوادي) ومحاصرة بالتمنيات والطموحات والوعود وجميعها لم تتحقق.
على ذلك من الصعب على أحدهم أن يقبل الهزيمة. سيناريو مصطفى محرم عن قصة علي سالم يتحدث عن هذا التحدي ضد الهزيمة الذي يتفاعل ببطء وغالباً من دون إدراك وبالتأكيد من دون خطب، في دواخل هؤلاء الجنود. وإذ يبدأون بالتساقط شهداء لقضية سامية وخاسرة في الوقت ذاته، تزداد دكانة الصورة القشيبة التي عمد إليها مدير التصوير رفعت راغب.
لكن ليس التصوير كل ما هو قشيب. هناك الإنتاج نفسه (جهوداً مشتركة بين «جماعة السينما الجديدة» وبين «المؤسسة العامة للسينما»). كلاهما من نتاج الستينات المزهوّة. في السبعينات الأولى، بدأت السينما المصرية تشعر بأنها تحتاج لأن تكون أكثر صراحة في معالجة أسباب ‫هزيمة 1967. قام يوسف شاهين بتحقيق «الاختيار» (1971) وسعيد مرزوق بتحقيق «زوجتي والكلب» في العام نفسه، وكلاهما مبطن التفكير حول الهزيمة وعناصرها الداعية إليها. «الخوف» لمرزوق في العام التالي، كان أكثر وضوحاً وهو سبق أفلاماً جادة أخرى حول الموضوع، ولو على نحو متوار، مثل «ليل وقضبان» لأشرف فهمي و«غرباء» لسعيد عرفة وكل منهما أوحى بالأسباب الاجتماعية والنظامية التي خلقت مجتمعاً غير مؤهل لتحقيق النصر. في حين تحدث فيلم حسين كمال «ثرثرة فوق النيل» (1971) عما خلفته الهزيمة من تداعيات في المجتمع ذاته.‬
«أغنية على الممر» يبقى فريداً لأنه فيلم يتبع، حسب التصنيف النوعي، سينما الحرب. لكنه ليس فيلم بطولات ميكانيكية وبدنية ولا يقفز أحمد مرعي ليقتحم معقلاً إسرائيلياً ولا يلقي محمود ياسين خطبة عصماء. المعركة ذاتها في نهاية الفيلم تأتي لأنه لا بد منها وتقتصر على تبيان قوّة الفداء مقابل استحالة النصر. لا فيلم آخر بعده ماثله، حتى المخرج علي عبد الخالق انصرف لأفلام مقبولة جماهيرياً وبشروط المنتجين التقليدية، لكن يكفيه أنه صنع هذا العمل الذي، وإن لم يكن جيداً بالمطلق، إلا أنه مهم في تاريخ السينما المصرية والعربية عموماً



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز