المشهد: لمن نكتب؟

- في أحد الأعداد القديمة من مجلة «فيلمز أند فيلمنغ» (يعود إلى سنة 1966) اشتكى أحد القراء بأن بعض النقاد يكتبون حكايات الأفلام التي ينقدونها ما يؤثر على مشاهدة الفيلم لأن ما يكتبونه يتضمن تفاصيل الأحداث ما يجعل المشاهد بعد القراءة مدركاً ما سيقع وبالتالي أفسد عليه الناقد متعة المشاهدة.
- هذا لا يزال يحدث والشكوى ضده تقع، لكن بعض المجلات والمواقع تشير اليوم في صدر مقالها إلى أن قراءة هذا المقال سيكشف عن تفاصيل في الفيلم. بذلك تترك الخيار للقارئ في أن يمضي أو يتوقف عن القراءة.
- في أحد الأعداد الأخيرة من مجلة «سايت آند ساوند» (والمجلتان بريطانيتان، الأولى، أعلاه، توقفت عن الصدر مع مطلع الثمانينات والثانية ما زالت تصدر بثبات) شكا أحد القراء من أن ناقداً معيناً يكتب حكاية الفيلم بكاملها. مصدر الشكوى مختلف لأن القارئ لا يذكر أن كتابة الحكاية تفسد عليه الفيلم، بل يمضي لما هو أعمق: هل النقد ذكر الأحداث بالتفصيل وبالسرد الذي يتبعه الفيلم أيضاً؟
- في النقد العربي ما زال هذا يحدث. على الناقد في الكثير من الأحيان أن يملأ الحيز الممنوح له، والمشكلة التي تواجهه هو إذا ما كان لا يملك الكثير مما يستطيع كتابته في خانة النقد الفعلي أو أنه يعتقد أن عليه مراجعة الحكاية بتفاصيلها حتى يستكشف لنفسه ولقارئه الرأي السديد.
- لا نفعل ذلك هنا ولا يفعل ذلك الكثير من النقاد الآخرين، لكن هناك من يقوم بذلك وبمتابعة آراء القراء هنا وهناك فإن هذه المشكلة لا تعرف عرباً وأجانب، فهي منتشرة إلى حد معين. ما تفصح عنه هو قدرة، أو عدم قدرة، الناقد على الحديث عن الفيلم عمقاً وشمولاً من دون إفساد متعة مشاهدته لسواه. حقيقة أنه أسبق من القارئ (المسمّـى بـ«العادي») في الوصول إلى الفيلم لا يعني أن عليه كشف المستور فيه خصوصاً إذا ما كان يكتب عن الفيلم قبل أسابيع أو حتى أيام من عرضه.
- طبعاً هي مهمة شاقة على الناقد خصوصاً إذا ما كان يكتب ليحلل ويوصل أفكاراً، لكن ثقافته الواسعة ستحميه من الإنكباب على ذكر الأحداث والتفاصيل إذا أراد أو تمكن. وهناك دوماً طرق للشرح وإيصال الفكرة من دون سبر غور الحكاية ذاتها.
- ما سبق هو واحد من آفات النقد السينمائي الحالي وكلها تقريباً تجتمع تحت عنوان واحد: لمن نكتب؟ وهناك ثلاث جهات ردّاً على هذا السؤال: يكتب الواحد ليقرأ نفسه معجباً. يكتب الواحد ليقرأه نقاد آخرون مزهواً أو يكتب الواحد لجمهوره ليمنحهم بعض مداركه ولنشر الثقافة السينمائية الخالية من الاعتاد بالنفس، وهذا أفضل أسباب الكتابة.