المشهد: لمن نكتب؟

المشهد: لمن نكتب؟
TT

المشهد: لمن نكتب؟

المشهد: لمن نكتب؟

- في أحد الأعداد القديمة من مجلة «فيلمز أند فيلمنغ» (يعود إلى سنة 1966) اشتكى أحد القراء بأن بعض النقاد يكتبون حكايات الأفلام التي ينقدونها ما يؤثر على مشاهدة الفيلم لأن ما يكتبونه يتضمن تفاصيل الأحداث ما يجعل المشاهد بعد القراءة مدركاً ما سيقع وبالتالي أفسد عليه الناقد متعة المشاهدة.
- هذا لا يزال يحدث والشكوى ضده تقع، لكن بعض المجلات والمواقع تشير اليوم في صدر مقالها إلى أن قراءة هذا المقال سيكشف عن تفاصيل في الفيلم. بذلك تترك الخيار للقارئ في أن يمضي أو يتوقف عن القراءة.
- في أحد الأعداد الأخيرة من مجلة «سايت آند ساوند» (والمجلتان بريطانيتان، الأولى، أعلاه، توقفت عن الصدر مع مطلع الثمانينات والثانية ما زالت تصدر بثبات) شكا أحد القراء من أن ناقداً معيناً يكتب حكاية الفيلم بكاملها. مصدر الشكوى مختلف لأن القارئ لا يذكر أن كتابة الحكاية تفسد عليه الفيلم، بل يمضي لما هو أعمق: هل النقد ذكر الأحداث بالتفصيل وبالسرد الذي يتبعه الفيلم أيضاً؟
- في النقد العربي ما زال هذا يحدث. على الناقد في الكثير من الأحيان أن يملأ الحيز الممنوح له، والمشكلة التي تواجهه هو إذا ما كان لا يملك الكثير مما يستطيع كتابته في خانة النقد الفعلي أو أنه يعتقد أن عليه مراجعة الحكاية بتفاصيلها حتى يستكشف لنفسه ولقارئه الرأي السديد.
- لا نفعل ذلك هنا ولا يفعل ذلك الكثير من النقاد الآخرين، لكن هناك من يقوم بذلك وبمتابعة آراء القراء هنا وهناك فإن هذه المشكلة لا تعرف عرباً وأجانب، فهي منتشرة إلى حد معين. ما تفصح عنه هو قدرة، أو عدم قدرة، الناقد على الحديث عن الفيلم عمقاً وشمولاً من دون إفساد متعة مشاهدته لسواه. حقيقة أنه أسبق من القارئ (المسمّـى بـ«العادي») في الوصول إلى الفيلم لا يعني أن عليه كشف المستور فيه خصوصاً إذا ما كان يكتب عن الفيلم قبل أسابيع أو حتى أيام من عرضه.
- طبعاً هي مهمة شاقة على الناقد خصوصاً إذا ما كان يكتب ليحلل ويوصل أفكاراً، لكن ثقافته الواسعة ستحميه من الإنكباب على ذكر الأحداث والتفاصيل إذا أراد أو تمكن. وهناك دوماً طرق للشرح وإيصال الفكرة من دون سبر غور الحكاية ذاتها.
- ما سبق هو واحد من آفات النقد السينمائي الحالي وكلها تقريباً تجتمع تحت عنوان واحد: لمن نكتب؟ وهناك ثلاث جهات ردّاً على هذا السؤال: يكتب الواحد ليقرأ نفسه معجباً. يكتب الواحد ليقرأه نقاد آخرون مزهواً أو يكتب الواحد لجمهوره ليمنحهم بعض مداركه ولنشر الثقافة السينمائية الخالية من الاعتاد بالنفس، وهذا أفضل أسباب الكتابة.



نوستالجيا إنديانا جونز الجديد ليست في مكانها الصحيح

فورد ووولر- بريدج في لقطة من «إنديانا جونز وقرص القدر» (ديزني)
فورد ووولر- بريدج في لقطة من «إنديانا جونز وقرص القدر» (ديزني)
TT

نوستالجيا إنديانا جونز الجديد ليست في مكانها الصحيح

فورد ووولر- بريدج في لقطة من «إنديانا جونز وقرص القدر» (ديزني)
فورد ووولر- بريدج في لقطة من «إنديانا جونز وقرص القدر» (ديزني)

عندما قرر المدير العام لمهرجان «كان» تييري فريمو عرض الجزء الجديد والخامس من سلسلة «إنديانا جونز»، سرت بين «النوستالجيين» همسات الإعجاب بهذا القرار. فبمنأى عن قيمة الفيلم الفنية وبصرف النظر عن هاريسون فورد (81 سنة) الذي كان في التاسعة والثلاثين عندما قام ببطولة الفيلم الأول سنة 1981، طغت الحماسة لمشاهدة مغامرة أخرى من تلك المنتمية إلى صاحب السوط والمعادي العنيد للنازية الألمانية (ومن وقف معها) على حسابات العمر وتعداد السنوات، وتوجه لفيف كبير من الصحافيين والنقاد إلى العرض الوحيد الذي أقيم للفيلم في الدورة المنصرمة في الشهر الماضي.

المفاجأة هي أن الحماس لم ينجب إعجاباً بالضرورة حتى مع الأخذ بعين الاعتبار ذلك التصفيق العفوي الذي تبع عرض الفيلم وقبله الاستقبال الحافل لممثله الأول هاريسون فورد. شيء ما نال من ذلك الحماس وانجلى عن مقارنة غير موفقة بين مغامرات إنديانا جونز في تلك الأعوام السابقة وبين مغامراته اليوم.

هكذا وُلد «إنديانا جونز»

الفيلم الخامس من السلسلة يحمل عنواناً يدل على بعض حبكته: «إنديانا جونز وقرص القدر» (Indiana Jones and the Dial of Destiny) وهو عنوان يماثل عناوين الأفلام الأربعة السابقة في إيحاءاته بأنه إنما ينتمي إلى تلك الحقبة الزمنية من الأفلام التي كانت تسودها عناوين مشبعة بالبطولة والتشويق مثل «زورو يعود» و«المبارزة الأخيرة» و«طرزن الكبرى» أو «غزاة ناهشو الجسد»... إلخ.

فكرة مسلسل «إنديانا جونز» لم تكن بالمرّة بعيدة عن أفلام الثلاثينات والأربعينات ومن بينها تلك المسلسلات الأسبوعية التي كانت تعرض في عشرات آلاف الصالات الأميركية حينها. مسلسلات مثل «قانون الغابة» و«الجبل الغامض» و«عودة فو مانشو» و«مغامرات وايلد هيكوك» والمئات غيرها (بداية هذه المسلسلات تعود إلى عام 1910 بفيلم فرنسي عنوانه «أرسين لوبين ضد شرلوك هولمز»).

لم تكن فكرة العودة إلى إطار تلك المسلسلات (كل حلقة من نحو 12 دقيقة يتم تكملتها في حلقة جديدة تعرض في الأسبوع المقبل وصولاً إلى الخامسة عشرة والأخيرة) من بنات أفكار المخرج ستيفن سبيلبرغ، الذي قام بإخراج الأجزاء الأربعة من «إنديانا جونز» جميعاً، بل خطرت على بال المنتج والمخرج جورج لوكاس أولاً. صاحب «ستار وورز» تحدّث مع المخرج والكاتب فيليب كوفمان ومعاً وضعا لبنة مشروع فيلم واحد بعنوان «مغامرات إنديانا سميث» وذلك في سنة 1973.

عمل الاثنان معاً لفترة من الوقت قبل أن يهجر كوفمان المشروع. في عام 1977 التقى لوكاس بسبيلبرغ والأخير أعرب عن رغبته في أن يكون الاختيار المقبل لإخراج فيلم من سلسلة جيمس بوند. آنذاك لم يكن في بال منتج أفلام بوند (ألبرت بروكولي) الاستعانة بمخرج «لقاء قريب من النوع الثالث» لتحقيق أحد أفلامه.

الجزء الأول من «إنديانا جونز» (باراماونت)

اقترح لوكاس على سبيلبرغ إخراج سلسلة «إنديانا سميث» بعد تغيير الاسم إلى «إنديانا جونز». سنة 1981 تحت عنوانه الكامل «إنديانا جونز وغزاة الفلك المفقود» (ّIndiana Jones and the Raiders of the Lost Ark).

الفيلم حمل اسم جورج لوكاس منتجاً وكأحد كاتبي القصة (لجانب فيليب كوفمن) واسم لورنس كاسدان ككاتب سيناريو. جيء بهاريسون فورد الذي كان بدأ يضع قدميه على أرض الشهرة بعد أن ظهر في «ستار وورز» كأحد أبطال الفيلم الثلاثة (لجانب كاري فيشر ومارك هاميل الذي بدوره صُنع للتماثل مع تلك المسلسلات القصيرة).

* فارس عربي

مثل تلك المسلسلات كان لابد من البحث عن أشرار الفيلم الذي على عالم الآثار إنديانا جونز مجابهتهم. في الثلاثينات كانت النازية الألمانية في ارتقاء وكانت هوليوود في الأربعينات وجدت أن أفضل شرير ممكن تضعه في أفلام الجاسوسية والمغامرات والأكشن هو ذلك المرتبط بجهة خارجية. في البداية كانت تلك الجهة صينية، لاحقاً أمست ألمانية وعندما انتهى الوئام بين الولايات المتحدة وروسيا انتقل الشر إلى الروس الذين يريدون هدم الديمقراطية الأميركية.

حقيقة أن الحلقة الأولى من «إنديانا جونز» دارت في رحى منتصف الثلاثينات وضع النازيين في بؤرة الشر لجانب المصريين الذين تعاونوا مع النازيين على استخراج تلك الأيقونة التي ستكون محط صراع جونز والنازيين.

المشهد الذي نرى فيه إنديانا جونز يواجه فارساً بلباس عربي كلاسيكي يتحداه بسلاح أبيض لخّص النية في وضع العرب كأعداء. هاريسون فورد يتطلع إلى السماء بضجر ثم يسحب مسدسه ويطلق النار على الفارس قبل أن يتحرك ذاك من مكانه، بذلك توجهت الرصاصة إلى النموذج الكلاسيكي للفارس العربي.

لا يهم كثيراً الآن. لاحقاً ما حطّم سبيلبرغ مدينة عربية بكاملها في فيلم «مغامرات ران تان تان» (1981) وهو الفيلم الكرتوني الذي كان من المفترض أن يكون الجزء الأول من جزأين على أساس قيام صاحب سلسلة «ذَ لورد أوف ذَ رينغ» بيتر جاكسون بإخراج الجزء الثاني وهو الأمر الذي لم يتم إما لانصراف جاكسون عن الفكرة أو لأن الجزء الأول لم ينجز أطناناً من المال أو للسببين معاً.

بناء على نجاح إنديانا الأول الذي أثمر عن 390 مليون دولار (يساوي نحو مليار و300 مليون دولار حالياً) تم إطلاق «إنديانا جونز ومعبد الهلاك» (Indiana Jones and the Temple of Doom) سنة 1984، ثم «إنديانا جونز والحملة الأخيرة» (Indiana Jones and the Last Crusade في عام 1989 ثم «إنديانا جونز ومملكة الجمجمة الكريستال» (Indiana Jones and the Kingdom of the Crystal Skull). أحداث هذا الأخير تقع في الخمسينات (على خلفية الحرب الباردة آنذاك) في حين أن الأجزاء الثلاثة السابقة تعاطت مع أحداث تقع في الثلاثينات وحدها.

* استيحاءات

أحداث الجزء الحالي، «إنديانا جونز وقرص القدر» (Indiana Jones and the Dial of Destiny) هو الوحيد الذي لم يخرجه سبيلبرغ بل تم إسناد المهمة إلى جيمس مانغولد. أحداث الفيلم الجديد تجد جذورها في عام 1944 عندما عثر جونز على قرص من شأنه إعادة الزمن إلى الوراء. بعد أكثر من 20 سنة ها هو جونز يحاول إقناع المسؤولين الأميركيين بأن تعاونهم مع نازي سابق (ماس ميكلسن) يريد استحواذ ذلك القرص هو خطر على أميركا والعالم. ثم نتعرّف على إنديانا في الزمن الحالي وحيداً بعدما كان خسر زوجته (طلّقته) وابنه (مات في الحرب الفيتنامية). تنتهي وحدته عندما تلتقي به حفيدته (فوبي وولر- بردج) وتستدرجه لمغامرة جديدة محورها امتلاك ذلك القرص من جديد.

* اعتبارات تجارية

تحقيق هذا الفيلم على النحو الذي جاء عليه ليس أكثر من جشع تجاري ربما له نتائج إيجابية لأسبوع أو أسبوعين في شباك التذاكر حين إطلاق الفيلم قبل نهاية هذا الشهر. هاريسون لا يستطيع خداع أحد عبر الظهور في بطولة فيلم يسعى فيه (ويسعى الفيلم عبره) إلى استعادة صلاحيّته كبطل أكشن. شخصية إنديانا جونز تتبدى كما لو كانت ثقلاً أكثر منها استعادة لبطولة.

الأفلام الثلاثة الأولى من إنديانا جونز دارت في رحى استيحاءات من الشخصيات والأحداث المسيحية واليهودية. الفيلم الرابع كسر هذا الالتزام أما هذا الفيلم فيبدو كما لو وضع قدماً في الماضي وآخر في الحاضر وبقي خارج القدرة على إيجاد مربّعه الخاص.

فكرة القرص الذي يستطيع الانتقال بصاحبه إلى الماضي لتغيير معالم الحاضر وردت في عشرات الأفلام من بينها «العودة إلى المستقبل» (Back to the Future) سنة 1985. على الأقل كان فيلم روبرت زيميكس كوميدياً خلط المغامرة بالخيال العلمي ونجح، وهذا بالتحديد ما يفتقر إليه إنديانا الجديد.


شاشة الناقدJohn Wick‪ : ‬

كيانو ريفز في «جون ويك - 4» (ليونزغايت)
كيانو ريفز في «جون ويك - 4» (ليونزغايت)
TT

شاشة الناقدJohn Wick‪ : ‬

كيانو ريفز في «جون ويك - 4» (ليونزغايت)
كيانو ريفز في «جون ويك - 4» (ليونزغايت)

John Wick: Chapter 4‪

****

أوبرا بصرية عنيفة من بطولة كيانو ريفز

هناك 300 درجة من الباطون العريض، في كنيسة ساكركور، في روتردام، باريس. على الزائر إذا ما أراد دخول الكنيسة صعود الدرجات جميعاً. لا يوجد مصعد كهربائي، بل ذلك السلم الممتد صوب المدخل في أعلى الجبل.

على هذه الدرجات، نشاهد كيانو ريفز، لاعباً شخصية القاتل شديد الاحتراف جون ويك، وهو يصعد نحو مائة منها قبل أن يسقط ويتدحرج إلى أسفل السلم. ينهض ويعاود الكرّة لكن أعداءه كثيرون ويحاولون قتله بكل الوسائل، ولو أنهم ينجحون فقط في سقوطه من فوق تلك الدرجات في كل مرّة. للحظة يكاد يكف عن المحاولة، لكنه بمساعده صديق (دوني ين) لا يمنعه فقدان بصره من موازاته مهارة في استخدام كل أنواع السلاح بما في ذلك سيف الساموراي، يهب ويك على قدميه ويبلي بلاءً أفضل من السابق ويطيح بعشرات (أو هل أقول بمئات) المتصدين له. في النهاية يصل جون ويك إلى الساحة التي عند باب الكنيسة قبيل شروق الشمس حسب موعد تم تحديده لمبارزة بينه وبين الأعمى ذاته الذي سيحاربه نيابة عن رئيس الجمعية المسماة بـ«هاي تابل» (الطاولة العليا). هذا الرئيس يريد القضاء على جون ويك بأي طريقة لكنه لا يملك الجرأة لمنازلته، لذلك توجَّه إلى المقاتل الأعمى للقيام بذلك.

لن يطلق الأعمى النار عبثاً لأنه لا يرى، بل اعتاد تحديد العدو بكل سهولة وقتل من الأعداء مئات كثيرة تماماً كما نرى جون ويك يفعل بداية من مطاردة في الصحراء المغربية (نابت عنها الصحراء الأردنية) وصولاً إلى فندق ياباني مبهر المساحة والحجم ومنه إلى مواقع عدة في برلين قبل الانتهاء إلى منطقة روتردام كما تقدّم.

«جون ويك - الفصل الرابع» هو أفضل أجزاء هذا المسلسل الذي يختلف عن معظم ما شوهد من مسلسلات منذ بداية القرن الحالي بأنه «أورغانِك»، بمعنى أنه لم يُقتبس من شخصيات الكوميكس ولا من روايات منشورة. نجاحه الكبير (الذي يكلله هذا الجزء) يحمل معنى موازياً لنجاحه كفيلم أكشن، وهو أنه ما زال بالإمكان ابتكار شخصيات ومواقف مشوّقة وناجحة وعضوية.

في سياقه العنيف يجسّد الفيلم مستوى من حاضر يحتضر وعالم سوداوي لا علاج له أو شفاء.

المثير، في هذا الجزء الرابع المعروض حالياً بنجاح كبير، الذي أخرجه تشاد ستوهلسكي (مخرج كل الحلقات السابقة) هو التصاميم التي في واقعها تُميّز الفيلم وتتميّز به طوال مدة العرض. إنها في اختيار أماكن التصوير وفي اختيار الأماكن ذات التصاميم الفريدة واختيار تصاميم المعارك التي لا تتوقف. كل ذلك يؤدي إلى فيلم أوبرالي بصري من الدرجة الأولى خالٍ من المزاح ومليء بالخيال.

لا يمكن معه محاولة تطبيق المنطق. يتشرّب ريفز الشخصية بكل ما تعانيه في سبيل القضاء على تلك الجمعية. المواجهات جميعاً بينه وبين كل أعدائه تعمل كالساعة في دقتها وكالبرق في سرعتها. المخرج ستوهلسكي كان ممثل أدوار الخطر بديلاً لأبطالها ويستخدم هنا مهارته في تسيير المعارك وتصاميمها معاً.

* :ضعيف| * * : وسط| ***: جيد | ****: ممتاز | *****: تحفة


سنوات السينما: الخروج للنهار

 الخروج للنهار (ماد فيلمز)
الخروج للنهار (ماد فيلمز)
TT

سنوات السينما: الخروج للنهار

 الخروج للنهار (ماد فيلمز)
الخروج للنهار (ماد فيلمز)

* أيام الأم الحزينة

على نحو طبيعي يتلاءم والعنوان يبدأ «الخروج للنهار» (إخراج هالة لطفي، 2012) في صباح يوم بلا تاريخ محدد. «سعاد، يا سعاد» تنادي الأم على ابنتها النائمة لكي توقظها. والابنة الشابّة تستيقظ ببطء على يوم آخر من أيام بلا تاريخ. تعيش الأم (سلمى النجار) وابنتها سعاد (دنيا ماهر) في منزل مريح لولا المطبخ الصغير والحمّام الأصغر. لكن الراحة نسبية ولا شيء مريحاً بالنسبة لأعمال النهار. سعاد ستصحو على العناية بوالدها (أحمد لطفي). رجل مقعد. لا بد أن نوبة قلبية أصابته بشلل دائم جعلته لا يقوى على الحركة، وبحاجة إلى عناية خاصّة في كل شيء.

لـ49 دقيقة تحتفظ المخرجة بحقّها التزام البيت مع هذه الأسرة الصغيرة. تتابع (بكاميرا مقتصدة الحركة وبإضاءة طبيعية جدّاً) نمو الحياة في الصباح، وهي لا تحتاج إلى نمو كبير، فأعمالها اليوم هي ذات أعمالها بالأمس. التنظيف والغسيل وتقاسم العناية بأب لا يستطيع تنظيف نفسه أو ارتداء بيجامته أو الذهاب إلى الحمّام وحيداً. الحياة تمضي وسعاد وأمها تتأمّلانها وهي تنضوي. بعد تلك الدقائق تخرج الكاميرا إلى الشارع لأول مرّة. سعاد قررت زيارة صديقتها بعدما فشلت في لقاء صديق لم تره منذ خمسة أشهر. كنا رأيناها تتصل به مراراً ولا يرد. تتصل به من هاتف أرضي لا يعرفه فيجيب. تدرك أنه لا يود استمرار العلاقة. صديقتها مشغولة بدورها. تتصل بسعاد أمّها وتخبرها أنها نقلت الأب إلى المستشفى الذي تعمل فيه ممرضة بعدما سقط فاقداً الوعي. تتوجّه سعاد إلى المستشفى ومنه - ليلاً - إلى ضريح الحسين تدعو شفاء أبيها. بعد ذلك تمر بتجربة تخشاها كل فتاة وحيدة: تستقل حافلة عامّة وتلحظ أن السائق يتحاشى قبول ركّاب آخرين. عندما تسأله يجبرها النزول في مكان بعيد. تمضي الليل جالسة بالقرب من «ترعة» على النيل، حيث يوجد رجل وحيد هارب من الحياة إلى صيد السمك.

ينبلج النهار. تعود إلى البيت. والدتها بدأت أعمال الصباح. والدها لا يزال في المستشفى.

تجلس سعاد بالقرب من أمّها وتسألها: «هوا ح ندفن بابا فين؟». لا تجد الأم جواباً، فتلحق سعاد بسؤال ثانٍ أفدح وقعاً: «وإحنا المدافن بتاعتنا فين؟»: من النظر إلى الصورة التي توفّرها هذه المخرجة المبدعة، الجواب مسجل وغير مسموع: الحياة هي المدفن الوحيد!.

«الخروج للنهار» توليفة اجتماعية بصرية رائعة بموضوع لا يمكن التعبير عنه بأكثر مما هو متاح من حوار. لا يتطلّب أي كلام آخر. الصورة تنطق بتاريخ غير مكتوب وبحاضر مؤلم ومستقبل لا وجه له. وتعبّر عن مخرجة لا تشغل نفسها باستعراضات فنية لتؤكد أي شيء. دع الفيلم يتحدّث عن نفسه والمشكلة التي يعرضها، وهو يفعل ذلك بكل جدارة.


فيلم «19 ب» يحقق إيرادات ضعيفة رغم فوزه بجوائز

أحمد خالد صالح (الشركة المنتجة)
أحمد خالد صالح (الشركة المنتجة)
TT

فيلم «19 ب» يحقق إيرادات ضعيفة رغم فوزه بجوائز

أحمد خالد صالح (الشركة المنتجة)
أحمد خالد صالح (الشركة المنتجة)

رغم فوز الفيلم المصري «19 ب» في الدورة الماضية لمهرجان القاهرة السينمائي بثلاث جوائز وصفت بأنها «مُهمة»، فإنه حقق إيرادات ضعيفة للغاية منذ بدء عرضه في نهاية شهر مايو (آيار) الماضي.

ويصف نقاد وخبراء، الموسم السينمائي الحالي، بأنه «ميت»، حيث تتضاءل فيه فرص نجاح الأفلام جماهيرياً، لتزامنه مع امتحانات نهاية العام، ووقوعه بين موسمي عيد الفطر والأضحى.

وبدأ قبل أيام في مصر عرض فيلم «19 ب» الذي يلعب بطولته الفنان سيد رجب، وأحمد خالد صالح، وناهد السباعي، وفدوى عابد، ومجدي عطوان، ومن تأليف وإخراج أحمد عبد الله السيد، أحد أبرز صناع السينما المستقلة في مصر، ومن إنتاج «فيلم كلينك» (المنتج محمد حفظي).

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وحقق الفيلم إيرادات قدرها 124 ألف جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 30.9 جنيه مصري)، خلال الأيام الأربعة الأولى لطرحه مما جعله في ترتيب متأخر مقارنة بالأفلام المعروضة.

وفاز الفيلم في مهرجان القاهرة بجائزة «أفضل فيلم عربي» و«أفضل إسهام فني» لمدير التصوير مصطفى الكاشف، و«جائزة الاتحاد الدولي للنقاد» (فيبرسي)، بجانب مشاركته في مهرجانات أخرى، من بينها «مالمو للسينما العربية»، و«هوليوود للفيلم العربي».

مشاهد الفيلم الأولى تستعرض ملامح حياة هادئة، ينأى صاحبها العجوز، حارس العقار القديم (يجسد دوره سيد رجب) عن صخب الشارع ويختار العزلة، لا يطلق المخرج على بطله اسماً، إذ تتضاءل هنا أهمية الأسماء، حيث تتقاطع حياته مع كثيرين من أمثاله.

سيد رجب في لقطة من العمل (الشركة المنتجة)

عبر راديو تنبعث منه أغنية قديمة موحية «في قلبي غرام» للمطرب محمد عبد المطلب، يقوم البطل بإعداد مشروبه المفضل (شاياً بالنعناع) ويعمل على تجهيز الطعام لأصدقائه من القطط والكلاب التي تسكن الفيلا - الخاوية من الأثاث والآيلة للسقوط، جنباً إلى جنب مع الفئران في تآلف مثير، تقتصر حياة حارس الفيلا على ثلاثة أشخاص فقط؛ ابنته المتزوجة (ناهد السباعي) التي تزوره بين الحين والآخر، ساعية لإقناعه في كل زيارة بأن ينتقل للعيش معها، لكنه يتمسك بحياته والفيلا التي ائتمنه عليها صاحبها قبل وفاته وهجرة أبنائه، وصديقه حارس البرج السكني الذي يجاوره ويحتسي معه الشاي (مجدي عطوان)، وطبيبة تعشق الحيوانات وتتابع تطعيماتها وعلاجها (فدوى عابد)، إلى جانب حيواناته التي تمثل عالمه الأثير.

المخرج أحمد عبد الله (الشركة المنتجة)

يتداعى عالم الحارس العجوز وتتفاقم أزمته، حين يباغته شاب مفتول العضلات (أحمد خالد صالح) يعمل سائساً للسيارات، وقد خرج لتوه من السجن، ويسعى لاقتحام مساحة الحارس الخاصة، مستغلاً كبر سنه وضعفه، ويجد الحارس نفسه في مواجهة لم يتوقعها، غير أنه يتصدى بقوة للمقتحم الغاشم؛ هذه المواجهة الحتمية تجعله يعيد اكتشاف نفسه من جديد.

تعد الحيوانات محوراً رئيسياً بالفيلم، استعان المخرج بـ12 كلباً وقطاً، حيث تدفع بالأحداث إلى ذروتها، حينما يتم وضع السم لأحد الكلاب.

وبحسب الناقد أندرو محسن، فإن المخرج أحمد عبد الله السيد قدم فيلماً متماسكاً، محكماً في موضوعه، واضحاً في فكرته، وهو أحد الأفلام المهمة في مسيرته مخرجاً، جمع فيه بين المستوى الفني والفكرة الإنسانية، مدافعاً فيه عن حق كل إنسان في مساحته الخاصة، مشيراً إلى «تميز عناصر فنية عديدة كالتصوير والإضاءة اللذين ساهما في خلق أجواء خاصة بالفيلم».

وأشاد محسن بأداء أحمد خالد صالح لشخصية (تقع في المنطقة الرمادية)، فقد يعده البعض «بلطجياً»، وقد يراه البعض الآخر شخصاً يبحث عن رزقه لكنه يتسم بالعنف، ويرى أن صالح قدمها بشكل متوازن محافظاً على شعرة رقيقة تفصل في الأداء بينهما، كما رأى أن الفنان سيد رجب جسد حالة توحد البطل مع الحيوانات، غير أنه يعيبه أنه أدى أدواراً مماثلة لها من قبل.

وحول توقيت عرضه ومدى إمكانية أن تشفع الجوائز للفيلم للمنافسة على إيرادات شباك التذاكر، يرى محسن أن الفيلم يعرض في توقيت ليس الأمثل - قبل موسمي عيد الأضحى والصيف، مما يجعل فترة بقائه بدور العرض قصيرة، إلا إذا حقق طفرة في الإيرادات خلال الأيام المقبلة، مؤكداً أن «الجوائز تضفي قدراً من الاهتمام لدى شريحة من الجمهور، كما أن أفلام المخرج أحمد عبد الله السيد تلقى قبولاً جماهيرياً خلافاً لمخرجين آخرين ينتمون للسينما المستقلة»، متوقعاً أن «يحظى الفيلم بقبول كبير مع عرضه بالمنصات فيما بعد».


حسن يوسف يستعيد ذكرياته خلال تكريمه في «قصر السينما» بمصر

حسن يوسف مع الفنان تامر عبد المنعم والمخرج عادل عوض على المسرح (صفحة قصر السينما على فيسبوك)
حسن يوسف مع الفنان تامر عبد المنعم والمخرج عادل عوض على المسرح (صفحة قصر السينما على فيسبوك)
TT

حسن يوسف يستعيد ذكرياته خلال تكريمه في «قصر السينما» بمصر

حسن يوسف مع الفنان تامر عبد المنعم والمخرج عادل عوض على المسرح (صفحة قصر السينما على فيسبوك)
حسن يوسف مع الفنان تامر عبد المنعم والمخرج عادل عوض على المسرح (صفحة قصر السينما على فيسبوك)

استعاد الفنان المصري حسن يوسف ذكريات مسيرته الفنية عبر نجوم ومخرجين عمل معهم، وأفلام ارتبط بها الجمهور على مدى أكثر من نصف قرن، وذلك خلال حفل تكريمه الذي أقامه «قصر السينما» في القاهرة برئاسة الفنان تامر عبد المنعم، (مساء الأحد)، وبرعاية وزارة الثقافة المصرية. وشهد حفل التكريم حضورا «لافتا» من الجمهور، وفيما عبر يوسف عن سعادته بحضور الجمهور، قائلا إن «الفنان من دون الجمهور يخسر كثيرا». فيما ظهر الفنان المصري الكبير مستندا إلى عكاز برفقة ابنته ناريمان.

حسن يوسف برفقة ابنته خلال تكريمه (صفحة قصر السينما على فيسبوك)

الحياة «فيض من الذكريات تصب في بحر النسيان» حسبما قال الأديب المصري نجيب محفوظ؛ لكن ذكريات حسن يوسف بدت حاضرة في ذهنه وكأنها وقعت بالأمس، خاصة ذكرياته مع الفنانة سعاد حسني التي جمعته بها أفلام عديدة، مؤكدا «كل أفلامنا معا كانت ناجحة، لكن سعاد لم تعش حياتها سوى في أفلامها، فكل زيجاتها (لم تنجح) مع الأسف، وكثيرا ما كانت توقظني بعد منتصف الليل لمشكلة بينها وبين المخرج صلاح كريم، أول أزواجها، فأذهب إلى بيتها بـ(البيجاما)».

وتطرق يوسف إلى بداياته الفنية، قائلا إن «الفنان حسين رياض أول من آمن بموهبتي ورشحني لفيلم (أنا حرة) أمام الفنانة لبنى عبد العزيز، وقدمني للمخرج صلاح أبو سيف الذي حضر ليشاهدني بالمسرح القومي، مما أصابني بارتباك خلال العرض، لكني نجحت والحمد لله في لفت أنظار المخرج، وبدأت رحلة السينما الجميلة».

وكشف عن بداية معرفته بالعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بعدما تم استدعاؤه من شركة «صوت الفن» لتوقيع عقد بطولة فيلم «الخطايا»، حيث فوجئ باتصال من عبد الحليم، قال له «سنكون أخوين علاقتهما وثيقة بالفيلم، فكيف سنصور ذلك ونحن لا نعرف بعضا»، و«دعاني عبد الحليم لزيارته في بيته، وقد طالت إقامتي معه لأسبوع، حيث حبسني في بيته وتصادقنا، وحينما بدأنا التصوير كانت علاقتنا بالفعل مثل شقيقين، وكان فنانا لا يعوض».

حسن يوسف يوجه تحية للحضور (صفحة قصر السينما على فيسبوك)

وأدار الحوار مع حسن يوسف المخرج عادل عوض نجل الفنان محمد عوض الذي جمعته ويوسف صداقة قوية عبر أفلام عديدة تقاسما بطولتها. وقال يوسف «جمعتني بمحمد عوض زمالة وصداقة لا أنساها». وتحدث حسن يوسف عن نشأته بحي السيدة زينب بالقاهرة، مشيرا إلى أنه «المكان الذي شكل ملامح شخصيته»، مؤكداً أن والدته كانت «ست بيت عادية» وكان يطلق عليها «البطلة» لأنها أنجبت 13 طفلاً (فقدت 6 منهم) وكانوا ستة «أولاد» معروفين بشقاوتهم، وفتاة أطلق عليها اسم فاتن لحبه لفاتن حمامة.

وكشف الفنان الكبير عن اعتزام نجله عمر عمل فيلم وثائقي عن رحلته وزوجته الفنانة شمس البارودي الفنية، والإنسانية، مشيرا إلى أن زوجته وضعت شروطا لذلك، وهي أن يتم التصوير في بيتنا، وأن يتولى عمر التصوير بنفسه، مضيفاً أن نجله يعكف على كتابته حاليا ليكون الفيلم أول ظهور فني لشمس البارودي بعد أكثر من أربعين عاما منذ اعتزالها الفن عام 1980، مؤكدا أنها «كانت صاحبة أعلى أجر بين ممثلات جيلها، لكنها فضلت أسرتها وبيتها على نجوميتها». وواصل ضاحكاً «إنها تحب المطبخ أكثر مني».

ولم يخل اللقاء من خفة ظل حسن يوسف، ومن خروجه عن النص أحيانا، حيث قال إن «الفنان عبد المنعم مدبولي تلفظ بـ(ألفاظ غير لائقة) على المسرح عند مشاركتهما في مسرحية (موليير)، وأن توفيق الدقن أقلع عن تناول (المشروبات الكحولية) بإيعاز من أبنائه».

وشهد تكريم حسن يوسف حالة من سوء التنظيم. وأبدى الفنان تامر عبد المنعم اعتذاره لضيق القاعة التي أقيم بها التكريم، مؤكداً أنه «كانت هناك قاعة أكثر اتساعا؛ لكن ظروف الفنان الصحية لم تمكنه من صعود السلالم»، فيما انتقد الفنان حسن يوسف «عدم وجود مصعد بقصر السينما».


الأفلام السعودية تكسب الجمهور بـ«الكوميديا» وسرعة الإيقاع

الأفلام السعودية تكسب الجمهور بـ«الكوميديا» وسرعة الإيقاع
TT

الأفلام السعودية تكسب الجمهور بـ«الكوميديا» وسرعة الإيقاع

الأفلام السعودية تكسب الجمهور بـ«الكوميديا» وسرعة الإيقاع

بالتزامن مع افتتاح دور السينما في البلاد، قبل ما يقرب من 5 أعوام وتحديداً في شهر أبريل (نيسان) 2018، تشكّل الوجه الجديد للأفلام السعودية حين وُلدت النقلة النوعية لقطاع السينما، وخلال هذه الفترة القصيرة توطدت علاقة السعوديين بالسينما المحلية تدريجياً، ففي الماضي كان الفيلم السعودي يطل ما بين فينة وأخرى على صالات دور العرض السينمائي، لكنه أصبح العام الحالي ضيفاً مألوفاً، ينافس بضراوة على إيرادات شباك التذاكر.

وشهد النصف الأول من عام 2023 انطلاقة «جماهيرية» ملحوظة للأفلام السعودية، بمعدل عرض فيلم واحد شهرياً في صالات السينما المنتشرة في 20 مدينة بالبلاد، وحسب معلومات خاصة حصلت «الشرق الأوسط» عليها من الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، عُرض خلال العام الحالي 5 أفلام، وسيُعرض فيلمان جديدان في الفترة المقبلة، بمجموع 7 أفلام سعودية حتى الآن.

وتتضمن قائمة الأفلام التي عُرضت منذ مطلع العام الحالي: «سطار»، و«الهامور ح.ع»، و«عياض في الرياض»، و«أغنية الغراب»، و«ملك الحلبة». أما الأفلام التي صُنّفت وفُسحت ولم تُعرض بعد في السينما، فهي: «طريق الوادي» المتوقَّع عرضه في 6 يوليو (تموز) المقبل، و«عبد» الذي سيُعرض في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ومن اللافت أن الفيلمين المنتظرين حصدا جوائز رفيعة في مهرجان أفلام السعودية خلال دورته التاسعة التي انعقدت الشهر الماضي، حيث حصل فيلم «عبد» على جائزة أفضل سيناريو وأفضل فيلم طويل في المهرجان، في حين حصلت الممثلة السعودية أسيل عمران على جائزة أفضل ممثلة عن فيلم «طريق الوادي».

الآفلام السعودية الجديدة تحظى بإقبال جماهيري

يتحدث الناقد ربيع السيد لـ«الشرق الأوسط» عن قصة الأفلام السعودية مع تصدّر شباك التذاكر التي بدأت مع الفيلم الكوميدي «شمس المعارف»، معتبراً أنه كان من كبرى علامات المرحلة الراهنة، مبيناً أنه حدثت فجوة لنحو سنتين بعد هذا الفيلم تخللها نزول عدد من الأفلام «النخبويّة»، حسب توصيفه.

ويرى السيد أن الأفلام «النخبوية» لا تلامس القاعدة العريضة من الجماهير السعودية، قائلاً: «حتى وإن كان مستواها الفني جيداً جداً ومستواها الدرامي والقصصي ممتازاً، لكن للجمهور ميزانه الخاص». وأردف: «بعد أن نزل (سطار) في دور السينما، كان بمثابة قنبلة جذب للجماهير، لأنه لامسهم مثلما فعل (شمس المعارف)»، مشيداً بالأسلوب الذي اتّبعه الفيلمان من حيث الإمتاع الكوميدي وسرعة الإيقاع وكثرة أماكن التصوير والحوارات الشبابية، معتبراً أن هذه الخلطة لامست الجمهور.

وبسؤاله عن توقعاته للفيلمين الجديدين المنتظر عرضهما خلال الفترة المقبلة، يراهن السيد على فيلم «طريق الوادي» الذي سيُعرض في السينما بعد عيد الأضحى ويعتقد أنه سيجذب العائلات، ويضيف: «هو فيلم جميل جداً، ومليء بالاستعراضات، أقيّمه بدرجة 8.5 من 10». أما فيلم «عبد» فيصفه السيد بالممتاز فنياً وإخراجياً وقصصياً، وسيجذب الجمهور.

كما يشيد السيد بفيلمي «ولد ملكاً» و«بين الرمال»، معتبراً أنهما من الأفلام الملحمية التي تحتاج السينما السعودية لعشرات منها، ويضيف: «آمل أن تصل السينما السعودية إلى مرحلة الجماهيرية الكبرى، مثلما هو الحاصل في علاقة الجمهور مع كرة القدم، في كونها تفضيلاً ثقافياً وترفيهياً ثانياً للشعب السعودي».

وبلغة الأرقام، فإنه حتى اليوم ما زال الفيلم الكوميدي «سطار» أنجح الأفلام السعودية جماهيرياً بإيرادات تتجاوز 40.6 مليون ريال، حسبما أفصحت عنه الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، يليه فيلم «وُلد ملكاً» الذي وصلت إيراداته إلى نحو 10.4 مليون ريال، وفي المرتبة الثالثة «الهامور ح.ع» بــ9.8 مليون ريال، يليه في المرتبة الرابعة «مسامير» بنحو 6.6 مليون ريال، وفي المرتبة الخامسة «شمس المعارف» الذي وصلت إيراداته إلى نحو 5 ملايين ريال.

بسؤال الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع عن منافسة الأفلام السعودية على صدارة شباك التذاكر، أفادت بأنه في فترة قصيرة منذ افتتاح السينما في المملكة نجح «سطار» في منافسة الأفلام العالمية واحتلّ المركز الرابع من ناحية مبيعات التذاكر في قائمة أنجح الأفلام في تاريخ السينما السعودية، حيث تم بيع أكثر من 900 ألف تذكرة، إلى جانب المركز السابع من ناحية الإيرادات.

وحسب الهيئة، يصل مجموع عدد صالات السينما السعودية إلى 66 صالة، بإجمالي 607 شاشات، وأكثر من 62.5 ألف مقعد، لسبع شركات من مشغلّي دور السينما، تتوزع في 20 مدينة سعودية. وعن دور الهيئة تجاه هذه الأفلام، أوضحت في ردها على أسئلة «الشرق الأوسط» أن دورها يتمحور حول «مراقبة جميع الأفلام السينمائية وتصنيفها قبل عرضها في دور السينما، إذ يجري التأكد من محتوى الفيلم وتحديد التصنيف العمري المناسب، وفي حال لزم التعديل يتم التأكد من التعديلات وجودتها قبل عرضها».ومن المقرر أن يُعرض في شهر يونيو (حزيران) الحالي الفيلم السعودي الكوميدي «ملك الحلبة»، من إخراج محمد سعيد حارب، وتدور أحداثه حول شخص يصفه كل من يعرفه بأنه فاشل؛، سواء من أفراد أسرته أم من المقربين له، فيقرر أن يصبح مصارعاً يحاول شق طريقه نحو الاحترافية.


سنوات السينما: السياسة على المحك في «على من نطلق الرصاص؟»

سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)
سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)
TT

سنوات السينما: السياسة على المحك في «على من نطلق الرصاص؟»

سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)
سعاد حسني في مشهد من الفيلم (سكرين شوت من الفيلم)

«إذا ماكانتش القضية أرض وعمارات... الناس دي كلها ماتت ليه؟».

هذا آخر ما تقوله تهاني (سعاد حسني) في فيلم كمال الشيخ «على من نطلق الرصاص» (1975)، وهي العبارة التي تختم الأحداث المتوالية التي وضعها السيناريست رأفت الميهي بغية التأكيد على أن الفساد لا يعرف مرحلة دون أخرى، بل يستشري ويمتد من زمن لآخر إذا لم يتم القضاء عليه.

تهاني هي زوجة رشدي (جميل راتب) رئيس مجلس الإدارة لشركة مقاولات تلاعبت بمواد بناء إحدى العمارات السكنية، مما أدّى إلى انهيارها. يتخلّص رشدي من المسؤولية عبر تزوير أوراق واتهام مهندس يعمل في الشركة (مجدي وهبة) وهو خطيب تهاني. تحكم المحكمة بدخول المهندس السجن ويحاول رشدي استمالته بالترغيب تارة، وبالتهديد تارة أخرى إلى أن يتم تسميمه والتخلص منه.

تهاني هي خطيبة المهندس سامي، وبعد وفاته بعامين يعرض عليها رشدي الزواج وتوافق، مما يُثير غضب مصطفى (محمود ياسين) صديق سامي وتهاني سابقاً فيدخل مكتب رشدي ويطلق النار عليه.

فيلم كمال الشيخ يبدأ بهذه الحادثة وما ورد أعلاه يتم كشفه إما عبر مشاهد استرجاعية (فلاش باك)، أو عبر أحداث تقع في زمن الفيلم الحاضر. عبر التحقيق الذي يقوم به المحقق عادل (عزّت العلايلي) تتكشّف الحقيقة أمام تهاني، فتسعى لإدانة زوجها مستندة إلى اعتراف زميل سامي في السجن (علي الشريف).

كثرة الاستعادات لا تربك الفيلم ولا مشاهديه، بل هي عتبات للوصول إلى نصف الساعة الأخيرة التي تنضج فيها الحبكة وتظهر مهارة المخرج الراحل كمال الشيخ في إدارة عمله وتعميق شخصية تهاني، التي يتمنى المرء لو أن الفيلم أبرز أهمية دورها منذ البداية.

سعاد حسني لم تكن فقط أجمل ممثلات السينما المصرية، بل كذلك من أكثرهن موهبة. يستخدم الشيخ عينيها للتعبير في لقطة قريبة، وتعرف كيف تُعالج كل حدث أو ردّة فعل بما يستحقه من تعبير من دون أن تخطئ ولو مرّة واحدة.

الآخرون جيّدون وللأسف لا يبدو محمود ياسين قادراً على تشخيص دور الثائر السياسي ومنتقد الرأسمالية والفساد، وهو مرتّب الشعر ويرتدي بذلة وربطة عنق مختلفتين في كل مشهد.

للفيلم طروحاته السياسية، ولو أن المخرج نفى أن يكون للفيلم أي أبعاد سياسية، مفضلاً اعتباره فيلم تحقيقات بوليسية. في كل الأحوال هو جيد في نصفه الأول وأعلى من ذلك حال يدخل الفيلم نصفه الثاني.


كن لوتش: المأساة السورية تحتاج لأكثر من فيلم

كن لوتش (سيكستين فيلمز)
كن لوتش (سيكستين فيلمز)
TT

كن لوتش: المأساة السورية تحتاج لأكثر من فيلم

كن لوتش (سيكستين فيلمز)
كن لوتش (سيكستين فيلمز)

ذَ أولد أوك (The Old Oak) هو اسم حانة (Pub) في إحدى قرى آيرلندا الشمالية. لا هناء في المكان الذي كان يعج بالزبائن بعدما طغت عليه الأوضاع الاقتصادية السيئة منذ إغلاق منجم الفحم في البلدة.

هذا ليس كل ما تعانيه القرية، بل حقيقة أنها تحوّلت إلى مكان غير مؤهل للحياة العائلية الهانئة والهادئة كما كان الحال من قبل. بالإضافة إلى ذلك، فإن المقيمين الجدد باتوا يشكلون عبئاً على مجتمع القرية الصغيرة. العائلات تبحث عن لقمة العيش أو تفكر بالهجرة أو تعيش في يأس وبؤس.

كما لو أن ذلك لا يكفي، استقبلت القرية فوجين من اللاجئين: لاجئين من خريجي السجون نقلتهم الحكومة إليها ولاجئين من سوريا وضعتهم الحكومة في المكان ذاته مع القليل من الاهتمام وأقل من ذلك من حسن تدبير معيشتهم.

لوتش

يرد هذا كله في فيلم كن لوتش (86 سنة) المسمّى «ذَ أولد أوك»، الذي هو الفيلم الرابع والثلاثين من حين قدّم أول أفلامه (Poor Cow) سنة 1967. تتمحور الحكاية حول وصول حافلة من اللاجئين السوريين إلى البلدة. معظم من فيها منهكون يبحثون عن معالم حياة جديدة بعيداً عن خطوط القتال في بلدهم. لم يكن اختيارهم الرحيل، بل دفعتهم الحرب إلى ذلك.

إلبا ماري في دور يارا (Eyeoncinema)

بين هؤلاء تنفرد يارا (إلبا ماري) بإجادتها للغة الإنجليزية كما بكونها مصوّرة فوتوغرافية طموحة. تختلف عن معظم النساء في أنها أصغر سناً وغير محجّبة. أول وصولها تجد نفسها في إشكال مع أحد سكان البلدة، الذي يحطم الكاميرا. ينبري صاحب الحانة، تي جي (ريف تيرنر) للدفاع عنها. هذا يقود إلى رابطة إنسانية تدفع صاحب الحانة لافتتاح حانته المقفلة من جديد بغية إطعام اللاجئين مجاناً.

يارا ليست وحيدة، بل بصحبة والدتها، مما يتيح للمخرج إظهار وجه عائلي في مواجهة وضع تي جي، الوحيد بين آماله وحالات يأسه. افتتاح المطعم يرتفع بحسّه الإنساني حيال المعوزين، وهذا إلى أن تتغلب عليه عوامل ليست من صنع يديه أو عواطفه، بل بفعل الأوضاع الاقتصادية البائسة التي يعيشها الجميع وتدفع بعضهم ليتّخذ موقفاً معادياً وعنصرياً من السوريين.

في فيلم لوتش الجديد، ذلك التقليد الدائم في أفلامه: استثمار حكاية اجتماعية تدور في رحى الزمن الحالي ليطرحها على خلفية الوضع الاقتصادي. حقيقة إنه «يساري التوجه» تلعب الدور الأول في إدمانه على هذا النوع من الاحتفاء بعالم خالٍ من الحياة السهلة، كما حاله في «بلاك جاك» (1979) و«نظرات وابتسامات» (1981) و«اسمي جو» (1989) و«أنا دانيال بلايك» (2015) وجل أفلامه الأخرى.

لوتش

لا يعمد المخرج هنا، أو في أي من أفلامه، إلى الميلودراما لإيصال فكرته المنسوجة من الحكاية الداكنة التي يتولى سردها. وهو ليس بحاجة إلى أكثر من ذلك الأسلوب الفني المبسّط الذي يطرح عمق رسالته من دون استعراضات من أي نوع. الجدار الذي يكتب عليه لوتش أطروحاته في أفلامه هو للتعبير عن مناهضته لما أصبحت بريطانيا عليه اليوم في زمن «نيوليبراليزم»، الذي يراه، كما يقول في حديث قصير دار بيننا: «وُلد من رحى الفاشية ذاتها التي احتفت بهتلر والنازية المنتمية إلى أقصى اليمين».

وهو يُشيد بما كانت عليه بريطانيا قبل نهاية السبعينات عندما أرست الدولة دعائم قوية لخدمة «الطبقة العاملة» إلى أن «بدأ الهدم بكل ذلك الإنجاز من نظم تعليم وعناية وطبابة مجانية وخدمات أخرى بوصول مارغريت ثاتشر للحكم».

لا ريب أن المخرج يعكس مداركه وآراءه الشخصية عما آل إليه الوضع ومن زاوية يسارية واضحة، لكن الصحيح أيضاً أن بريطانيا الجديدة تختلف عن الأمس بعدما أتاحت للمؤسسات الخاصّة امتلاك المرافق العامّة المختلفة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية وتحويلها إلى مصالح تجارية.

يُضيف لوتش بلا تردد: «أنجزت مرحلة ما قبل ثاتشر كل ما يتمناه المواطن البريطاني. أمّنت له حاجياته من عمل وتأمين صحي كامل وشجعت القطاع الصناعي المتمثل بمناجم الفحم. كان العمّال يعملون ثماني ساعات فقط وينصرفون إلى حياتهم الأسرية فيما تبقى من اليوم. هل ترى هذا حاصلاً اليوم؟»

يتحدّث لوتش طويلاً عن الوضع السياسي حتى حين سؤاله عن الكيفية التي يختار فيها معالجاته لكنه لاحقاً ما يُجيب: «أعمل مع الكاتب (بول لافرتي الذي وضع له غالبية سيناريوهاته منذ عقود) على اختيار الموضوع ثم البحث عما نريد الوصول إليه من خلال ذلك الموضوع. بعد ذلك هي مسألة تأمين معالجة واقعية تناسب الموضوع الذي نتطرق إليه».

سوابق «كانيّة»

تم عرض فيلم لوتش في مسابقة «كان» ولم يحز على أي جائزة. لكن المخرج سبق له وأن فاق معظم المخرجين الآخرين الذين تباروا في كل دورات هذا المهرجان سابقاً بعدد الترشيحات الرسمية التي شارك بها، التي قادته للفوز بسعفتين ذهبيّتين حتى الآن.

بدأت علاقته بمهرجان «كان» سنة 1970 حين وصل ليعرض فيلمه Kes (ثاني أفلامه بعد Poor Cow) بعد ثلاثة أفلام أخرى عاد إلى «كان» بفيلم «بلاك جاك» سنة 1979. هذا الفيلم نال جائزة الفيبريسكي (الاتحاد الفيدرالي لنقاد وصحافيي السينما) قبل عامين من عودته إلى «كان» بفيلم آخر في المسابقة الرسمية هو «نظرات وابتسامات» (Looks and Smiles). في عام 1990 خرج من «كان» بجائزة «لجنة التحكيم». ثم نال الجائزة ذاتها سنة 1993 عن فيلمه «مطر من حجارة» (Raining Stone). بعد عامين

في سنة 2006، وبعد مشاركته بأفلام أخرى له، حظي بالسعفة الذهبية الأولى عن فيلمه «الريح التي تهز الشعير» (The Wind that Shakes the Barley). بعد عشر سنوات وأربعة أفلام نال بعضها جوائز دون السعفة، حقق فوزه الثاني بفيلم «أنا، دانيال بليك» (I‪,‬ Daniel Blake).

يقول لي ردّاً على سؤال آخر حول أفلامه: «المخرج الذي ينتقل من أسلوب عمل إلى آخر أو ينوّع بشدّة في مواضيعه المختارة يبدو لي ما زال يبحث عن هويته الفنية والفكرية حتى ولو جاءت أفلامه عموماً حسنة التنفيذ. أعتقد أن على المخرج حرية اختيار أسلوبه ومواضيعه وإذا ما فعل سيجد أنه يبني من فيلم لآخر كماً مرتفعاً من الأفلام التي لم تخن مبادئه ولا تغرّبت بحثاً عن معالجات مختلفة في كل حين».

وعن فيلمه الأخير: «المأساة السورية تحتاج إلى أكثر من فيلم. معظم ما شاهدته منها يدّعي الاهتمام لكنه مصنوع لأغراض تجارية».

دعوات وئام

«ذَ أولد أوك» ينتمي، طبيعياً، إلى اهتمامات المخرج الفنية والاجتماعية، لكنه يكرر في بعض مشاهده ميله إلى حرص على إعادة المفاد الذي سبق قوله في مشهد سابق. إنه كما لو أنه ليس واثقاً من أن مرّة واحدة أو مرّتين كافيتين لإيصال البعد الذي يريده فيقدم على مرّة ثالثة للتأكد. هذا حدث له في بعض أعماله السابقة كذلك وأحياناً على نحو أفدح كما الحال في «أجندة مخفية» (Hidden Agenda) عن الحرب الآيرلندية (1990) و«أرض وحرية» عن الحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينات. ففي كليهما يخصص وقتاً مستفيضاً يتحول فيه إلى مسجّل لحوارات سياسية طويلة.

في مثل هذا العمر المتقدّم ما زال كن لوتش يسعى لمزيد من الأفلام يدعو فيها إلى وئام اجتماعي عارضاً لشخصيات إنسانية تعاني الفقر أو البطالة أو، كما الحال هنا، من انسداد نافذة أمل. المختلف في فيلمه الجديد هو أنه من خلال الصلة الإنسانية التي تربط بطليه يؤكد أن الروابط بين البشر ما زالت قوية، وأنها قد تكون السبيل الوحيد الباقي لغدٍ أفضل.

2- ريف تيرنر في «ذا أولد أوك» (مهرجان كان)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المشهد

المشهد
TT

المشهد

المشهد

> تجنّبت هوليوود وشركات الإنتاج السينمائية الغربية عموماً تصوير أفلامها في مصر لأسباب متعددة من أهمها بيروقراطية تعامل المسؤولين في مصر مع تلك الشركات إذا ما رغبت هذه في تصوير أفلامها على الأراضي المصرية.

> مقارنة بلبنان الستينات والسبعينات وبالمغرب من بعد ذلك وإلى اليوم، فإن عدد الأفلام الأجنبية التي تم تصويرها في مصر هو الأقل. في الواقع تمر سنوات متباعدة قبل أن تشهد مصر تصوير أفلام عربية أو أجنبية فيها، هذا رغم وجود قائمة كبيرة من الفوائد المادية والفنية التي ستجنيها مصر إذا ما تم التحرر من القوانين المانعة.

> مؤخراً طالب البرلمان المصري برفع القوانين والشروط التي تمنع شركات الإنتاج من التفكير بالتصوير في مصر. وبناء على ذلك الطلب، تفيد الأنباء بأن لجنة من أربع وزارات (الثقافة والداخلية والخارجية والسياحة) ستتولى هذا الملف وتدرسه وترفع تصوراتها إلى الحكومة للبدء في عملية تغيير كاملة من شأنها تنشيط السياحة وزيادة الاستثمار بالعملة الأجنبية.

> كلام ممتاز في نواياه، لكن هل ستأتي اللجنة بطلب أن ترفع الإدارات المختلفة في الوزارات أيديها عما من شأنه عرقلة العمل؟ إذا كانت اللجنة ذاتها تتألف من أربع وزارات وعدد آخر من المسؤولين في إدارات ومرافق مختلفة، فهل سيتطلب الأمر على كل شركة إنتاج أن تنتظر تحويل طلبها للتصوير في مصر من وزارة إلى أخرى ومن هيئة إلى سواها قبل أن يتم السماح لها بالتصوير؟

> أحد أهم أسباب عزوف الشركات الأجنبية، لجانب البيروقراطية الإدارية هو أن وقتاً طويلاً كان يمر من قبل أن تصل ردود المسؤولين إلى الشركات الراغبة. خلال ذلك تكون الشركات قد أقدمت على التصوير في بلد عربي آخر لا يحيط مثل هذه المسائل بسياج.

> المسألة تتطلب ثورة في التفكير والاستفادة من الطريقة التي تتعامل بها دول عربية أخرى مع هذا الأمر بانفتاح يبدأ من قراءة السيناريو إلى استكمال التصوير. مصر تستحق أن تنجح في جذب الشركات المختلفة للتصوير فيها وتذليل العقبات المانعة. تصوير الأفلام في مصر


شاشة الناقد

مشهد من فيلم الأم (نتفليكس)
مشهد من فيلم الأم (نتفليكس)
TT

شاشة الناقد

مشهد من فيلم الأم (نتفليكس)
مشهد من فيلم الأم (نتفليكس)

The Mother ***

أم وذئب وعائلة في براري ألاسكا

معظم ما تعرضه المنصّات الإلكترونية من إنتاجات يرسّخ ما تمارسه أفلام هوليوود ذات الميزانيات الصغيرة أو المعتدلة. وعندما يصل الأمر إلى أفلام الحركة والتشويق، فإن المشاهد سريعاً ما يدرك أن ما يُشاهده الآن شاهده بالأمس وقبل يوم أمس: الحبكة ذاتها. الصراع نفسه والبقاء على سطح ما يراه يصبح فرضاً لازماً كون الفيلم لا يكترث لأن يمنح المُشاهد أي إضاءة شخصية أو عميقة لمن يؤدي أدوار البطولة وقلما يسمح لنفسه بأي تجديد.

«الأم» للمخرجة النيوزلندية نيكي كارو (Mulan وWhalte Rider من بين أعمال قليلة سابقة) هي جنيفر لوبيز التي اضطرت قبل 12 سنة إلى التخلي عن طفلتها الرضيعة تحت ضغط الأمن الفيدرالي (FBI) بسبب خلفيّتها كعميلة يُستعان بها لتنفيذ عمليات قتل ومهددة الآن بالقتل. تلجأ لوبيز (لا نسمع اسم شخصيتها في الفيلم) إلى بيت منعزل في ألاسكا. زميل لها (أوماري هاردويك) يخبرها بأن عصابة الكاتريل التي كانت قتلت منها نصف دزينة في مطلع الفيلم ستختطف ابنتها لتجبرها على الكشف عن مكانها. تحبط لوبيز عملية الاختطاف بقتل نصف دزينة أخرى والفرار إلى ألاسكا، لكن الأحداث لا تنتهي هنا، فالعصابة لها أذرع طويلة ستستخدمها للوصول إليها وإلى ابنتها على حد سواء. وهذا كله في الساعة الأولى فقط.

الفيلم من ساعتين مثيرتين وجيدتي الصنع. لكن الساعة الأولى تحشد للثانية وعندما يبدأ النصف الثاني فإن المسألة تتحوّل إلى أخد ورد تقليديين حسب ما يرد في أي فيلم قائم على حبكة اختطاف وعميل (أو عميلة) يسعى للدفاع عن نفسه وأقرب الناس إليه. لكن رغم ذلك لا يسقط الفيلم في أي تنفيذ رديء أو ركيك. تبقى يد المخرجة الماهرة وعينها الكاشفة التي تجمع بين الحدث الأمامي وخلفيته الطبيعية واعيتان لما هو مطلوب لتحقيق فيلم أعلى مستوى من معظم الأفلام المشابهة.

في أحد المشاهد تواجه لوبيز ذئبة تستعد لمهاجمتها معتقدة أنها تهدد حياة جرائها. تطلق لوبيز رصاصة في الهواء فتسارع الذئاب للاختباء بعيداً. المشهد يماثل حال لوبيز التي تريد الحياة لابنتها وهذا التماثل مستخدم لوضع آخر فيما بعد، مؤكداً تشابه الوضعين على نحو مستتر لكنه واضح.

ليس هناك مشاهد لتخفيف درجة التشويق أو لإدخال الفكاهة من باب الترفيه وهذا اختيار جيد. بعض المشاهد الرائعة كانت تحتاج لثواني أكثر لتأكيد دورها في هذا العمل. لوبيز تمارس دورها بجدّية منخرطة في العمل جيداً.

*: ضعيف| * * : وسط| ***: جيد | ****: ممتاز | *****: تحفة