الجيش اللبناني في مواجهة «داعش» بعد تسلمه مواقع {حزب الله} بالجرود

أكثر من ألف نازح سوري في عرسال سينتقلون إلى قراهم بالقلمون

جنديان في الجيش اللبناني خلف قاذفة موجهة إلى مواقع «داعش» بجرود عرسال في يونيو الماضي (أ.ب)
جنديان في الجيش اللبناني خلف قاذفة موجهة إلى مواقع «داعش» بجرود عرسال في يونيو الماضي (أ.ب)
TT

الجيش اللبناني في مواجهة «داعش» بعد تسلمه مواقع {حزب الله} بالجرود

جنديان في الجيش اللبناني خلف قاذفة موجهة إلى مواقع «داعش» بجرود عرسال في يونيو الماضي (أ.ب)
جنديان في الجيش اللبناني خلف قاذفة موجهة إلى مواقع «داعش» بجرود عرسال في يونيو الماضي (أ.ب)

واصل الجيش اللبناني استعداداته للمعركة المرتقبة بوجه عناصر تنظيم داعش المتمركزين في جرود رأس بعلبك والقاع عند الحدود الشرقية للبنان، مكثفاً عمليات القصف المدفعي واستقدام القوات والآليات وسط تقاطع معلومات عن انطلاق المعارك البرية خلال ساعات أو أيام معدودة. وقالت المصادر العسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش تسلم بعض المراكز من حزب الله، وسيواصل تسلم ما تبقى منها.
وفيما أفادت معلومات، أمس، عن سيطرة وحدات عسكرية على مجموعة من المرتفعات والتلال بما بدا وكأنّه انطلاق غير رسمي للمعركة، نفت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون المعركة قد بدأت بشكل رسمي أو غير رسمي، لافتة إلى أن «ما حصل في الساعات الماضية هو تقدم للجيش على تلال مشرفة على المنطقة يتواجد فيها عناصر (داعش) من دون أن يحصل أي اشتباك». وأضافت المصادر: «هذه التلال كانت خالية ولكن كان هناك سيطرة نارية عليها»، واضعة العمليات التي تتم حاليا بإطار الاستعداد للمعركة وتضييق الخناق على التنظيم.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» أمس، بأن الجيش «واصل قصف مواقع إرهابيي (داعش) في جرود الفاكهة ورأس بعلبك والقاع بالمدفعية الثقيلة، حيث نجح في تدمير عدد من الدشم والتحصينات»، لافتة إلى أنه «تابع تعزيز مواقعه في جرود عرسال منعا لأي تسلل للإرهابيين واستقدام قوات وآليات مدرعة إلى تلال رأس بعلبك التي سيطر عليها فجر أمس الأربعاء».
وتزامن القصف المدفعي للجيش على مواقع «داعش» داخل الأراضي اللبنانية مع غارات جوية نفذها الطيران الحربي السوري، قال «الإعلام الحربي» التابع لحزب الله إنها استهدفت «الإشارة المركزية لـ(داعش) بمرتفع الحشيشات ومرتفع أبو حديج في جرود الجراجير، ومرتفعات جرود قارة في القلمون الغربي» في الداخل السوري.
وبعد تسلمها كل المواقع التي كان مسلحو «سرايا أهل الشام» يسيطرون عليها في منطقة وادي حميد ومدينة الملاهي في جرود عرسال، بدأت وحدات الجيش اللبناني في اليومين الماضيين بتسلم مواقع يسيطر عليها عناصر حزب الله في المنطقة الحدودية الشرقية، إن كان في جرود القاع أو جرود عرسال. وقالت المصادر العسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن الجيش تسلم بعض المراكز من حزب الله وسيواصل تسلم ما تبقى منها.
من جهته، أوضح رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري أن أهالي البلدة لم يتسلموا بعد أراضيهم التي كانت تحتلها «جبهة النصرة» والتي يسيطر عليها حزب الله في المرحلة الحالية، لافتا إلى أن الموضوع عند الجيش اللبناني، «وقد نكون بانتظار قرار سياسي لتسليم هذه الأراضي لوحدات الجيش». وقال الحجيري لـ«الشرق الأوسط»: «حزب الله أبدى استعداده لتسليم هذه الأراضي للجيش وبالتالي لأصحابها، لكن يبدو أن هناك إجراءات معينة يجب أن تحصل قبل ذلك». وأضاف: «لكن استماتة الأهالي لتسلم أراضيهم سببها الوضع الاقتصادي السيئ جدا الذي يرزحون تحته، وهم لذلك يريدون العودة لاستثمار أراضيهم الزراعية وتشغيل معاملهم في المنطقة الجردية».
وكان نحو 1300 شخص انتقلوا من المخيمات التي كانت منتشرة في وادي حميد إلى داخل بلدة عرسال في الأيام الماضية وبالتحديد بعد ترحيل مسلحي «سرايا أهل الشام» إلى القلمون، وأوضح الحجيري أنه تم استيعابهم داخل المخيمات الموجودة في البلدة، مشددا على أنهم سيلتزمون كما كل اللاجئين في عرسال الحياة المدنية، حيث يُمنع منعا باتا أي ظهور مسلح. وأضاف: «كما أن عملية تسجيل الأسماء من قبل الراغبين بالعودة إلى قراهم في القلمون الغربي مستمرة، وقد سجل نحو 1000 نازح أسماءهم لدى أبو طه العسالي الذي ينظم عمليات العودة بالتنسيق مع النظام السوري وحزب الله والجيش اللبناني»، مرجحا أن يتم نقل هؤلاء الأشخاص قريبا إلى الداخل السوري على أن تستمر «رحلات أبو طه» في المرحلة المقبلة.
وحتى الساعة، لا يُظهر تنظيم داعش أي استعداد للتفاوض للخروج من المنطقة أو لكشف مصير العسكريين الـ9 المختطفين لديه منذ عام 2014، إلا أن خبراء بحركة التنظيم يرجحون أن يفاوض بعد انطلاق المعركة العسكرية وبأن تنتهي الأمور إلى انسحابه إلى البادية أو ريف درعا. وفي هذا السياق، قال أبو محمد الرقاوي، الناشط في حملة «الرقة تذبح بصمت» المطلعة عن كثب على أحوال التنظيم المتطرف، إن كل الخيارات المتبقية أمامه هي خيارات قاتلة، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن يقاوم عناصر «داعش» لتحقيق أي مكسب، ومهما بلغ حجمه وحتى لو اقتصر على المال، نظرا للحالة الصعبة التي يرزحون تحتها على الأصعدة كافة.
وأوضح الرقاوي أن «داعش» يعتمد مؤخرا على «مبدأ الفيدرالية باتخاذ القرارات، أي أنه بات يعود على قيادات كل منطقة أن تتخذ القرارات التي تراها مناسبة للتعامل مع واقع معين»، مشيرا إلى أنه وبما يتعلق بتواجده في الجرود اللبنانية والجرود السورية المقابلة، فالقرار بشأن تلك المنطقة يعود لقيادة التنظيم المتمركزة في الجهة السورية، موضحا أن «عدد عناصر (داعش) في الأراضي اللبنانية نحو 350 عنصرا، بالإضافة إلى عناصر آخرين غير مكشوفين يُرجح أن يبقوا ضمن خلايا نائمة في لبنان حتى بعد إتمام صفقة معينة لإخراج المقاتلين المتواجدين في الجرود».
ويعتمد الجيش اللبناني في المرحلة الراهنة، كما يؤكد رياض قهوجي، رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري – انيجما»، «استراتيجية معينة في التعامل مع تنظيم داعش، من خلال السعي للضغط عليه من خلال خنقه واستنزافه القوي، ما قد يدفع به في نهاية المطاف لفتح قناة للتفاوض، يصر الجانب اللبناني على أن يتم من خلالها، أولا، تحديد مصير العسكريين المختطفين». ويشدد قهوجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «لدى الجيش القدرة التامة على مواجهة عناصر التنظيم الذين لا يتخطى عددهم الـ400»، مضيفا أن «لا حاجة له للتنسيق مع الجيش الجانب السوري أو أي طرف آخر، وإن استدعت الظروف خلال المعركة طلب مساندة التحالف الدولي فلا شك أن الأخير لن يتردد، باعتبار أن لبنان عضو فيه».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.