سيد مدينة الحاكمية.. أوراق محمد قطب (الأخيرة): محمد قطب.. جمعته علاقة دافئة مع قطر.. والقرضاوي عرض عليه اللجوء

من جامعة الملك سعود قال بأن «الديمقراطية صنيعة يهودية»!

من مجلس محمد قطب بمنزله في حي العوالي بمكه المكرمة 2013 وفي الإطار غلاف كتاب {علم التوحيد} الذي كان مقررا على الطلبة السعوديين
من مجلس محمد قطب بمنزله في حي العوالي بمكه المكرمة 2013 وفي الإطار غلاف كتاب {علم التوحيد} الذي كان مقررا على الطلبة السعوديين
TT

سيد مدينة الحاكمية.. أوراق محمد قطب (الأخيرة): محمد قطب.. جمعته علاقة دافئة مع قطر.. والقرضاوي عرض عليه اللجوء

من مجلس محمد قطب بمنزله في حي العوالي بمكه المكرمة 2013 وفي الإطار غلاف كتاب {علم التوحيد} الذي كان مقررا على الطلبة السعوديين
من مجلس محمد قطب بمنزله في حي العوالي بمكه المكرمة 2013 وفي الإطار غلاف كتاب {علم التوحيد} الذي كان مقررا على الطلبة السعوديين

في مسرح جامعة الملك سعود، وبدعوة عامة من عمادة شؤون الطلاب، عام 1983، قدم الراحل مانع الجهني، الأمين العام السابق للندوة العالمية للشباب الإسلامي، محمد قطب إلى الحضور الغفير الذي ملأ مدرجات القاعة بأدوارها الثلاثة. كانت المحاضرة بعنوان «مذاهب فكرية معاصرة»، وهي بالأصل كتاب كبير صدر عن قطب في طبعته الأولى في السنة ذاتها عن «دار الشروق» المصرية، وفيه يناقش بالتفصيل مذاهب ونظريات فكرية «غربية»، من أبرزها: «الديمقراطية، والإنسانية، والعلمانية، والوطنية!». حيث قرن قطب في كتابه فكرة الوطنية بمذاهب أوروبية المنشأ «كالمادية، والشيوعية، والرأسمالية..»، وغيرها.

الوطنية في رأي قطب ما هي «إلا عدوى أوروبية، ووسيلة من وسائل الغزو الفكري التي استخدمها الصليبيون في الحرب على الإسلام.. فهي اتجاه شرير، ذو نزعة غير إنسانية، لا يتوقع أن ينشأ منه غير الشر».
ختم مانع الجهني الندوة على الطريقة التقليدية للمحاضرات الدينية في المساجد، جامعا أسئلة الحضور لعرضها على «فضيلة الشيخ». كان أول سؤال وجهه الجهني إلى قطب: «ما هي أخطر التيارات الفكرية اليوم على الأمة؟ ومن يغذيها ويدعمها؟».
أجاب قطب بأن جميعها خطير، لكن «العلمانية بوصفها تفصل الدين عن الدولة هي أخطر التيارات ولا شك، ويدخل فيها كل التيارات الفكرية المعادية».
يؤكد قطب أن جميع هذه «المذاهب الهدامة هي من صنع اليهود لأجل محاربة الإسلام». وفي الوقت الذي تتنافس فيه أغلب الحركات الإسلامية اليوم على المشاركة في الانتخابات الحديثة، قرر قطب، منذ ذلك الحين، أن «الديمقراطية هي صنيعة يهودية»، مؤكدا: «والذي لا يصدقني في هذا فليذكر أن الديمقراطية هي الرأسمالية، والعنصر المسيطر في الدول الرأسمالية هم اليهود.. فالديمقراطية هي لعبة جميلة صنعها اليهود ليخدعوا الناس بأنهم هم من يحكمون أنفسهم، لكن في الواقع الذي يحكمهم فعلا اليهودية العالمية».
يمكن القول بأن فترة الازدهار والنشاط التي عاشها محمد قطب في السعودية، مقيما المحاضرات والندوات، ومتجولا بين دول الخليج لحضور الفعاليات والأنشطة، كانت منذ قدومه للسعودية بعد عام 1971، وحتى حرب الخليج عام 1990، حين وقفت جماعة الإخوان المسلمين بمصر موقفا مؤيدا لغزو صدام الكويت، وهاجمت دول الخليج لأنها استعانت بقوات أجنبية لصد العدوان العراقي على أراضيها، فأثر هذا الموقف على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في الخليج، وتسبب في انحسار نشاطهم.
اعتزل محمد قطب في بيته... لكن بيته بمكة المكرمة، الواقع على شارع صدقي بحي العزيزية، أصبح ملتقى تجتمع فيه قيادات إسلامية وحركية شتى في كل وقت، نظرا لقربه من الحرم المكي الذي يؤمه المسلمون في حجهم وعمرتهم.
أصبح بيته يضج دائما بالزوار و«المحبين» والمتتبعين لآثار سيد قطب أيضا، من آخر الزيارات منتصف 2013، وفد من جمعية الاتحاد الإسلامي من لبنان، حيث نشرت الجمعية تقريرا مفصلا عن زيارة محمد قطب إلى السعودية التي «تناولت أوضاع أهل السنة في لبنان وملف الثورة السورية المباركة، وخصوصا أوضاع النازحين، مع عرض من رئيس الجمعية عن هموم الدعوة في لبنان».
كما نشر الناشط الكويتي حاكم المطيري، مؤسس حزب الأمة المحظور، عبر موقعه الشخصي، صورة جمعته بقطب في مكة المكرمة، وكتب عليها معلقا: «حدثني محمد قطب حين زرته فقال أنا لست كأخي سيد، هو يحلق في السماء وأنا أمشي على الأرض!».
في منتصف 2011 انتقل إلى منزل جديد، في حي العوالي بأطراف مكة المكرمة، وهي من الأحياء الحديثة الراقية.. عانى في آخر حياته من ضعف البصر، كما أصيب بجلطة دماغية في سبتمبر (أيلول) 2009 شفي منها لكن بقي من آثارها مع كبر سنه أن عجز عن المشي إلا باستخدام القوائم الحديدية.

* إردوغان يزوره ويعرض عليه الإقامة بتركيا
* بحسب ما يرويه عبد الوهاب الحميقاني في صحيفة «يوم برس» الإلكترونية اليمنية، فإن أحد طلابه كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، يقول: «كان محمد قطب يزور تركيا ويحاضر فيها العامة والطلاب، وكان من بين هؤلاء الذين يحضرون له رجب إردوغان». وصل إردوغان للسلطة، واستقر قطب بمكة: «وفي إحدى زياراته الرسمية للسعودية، وبعد أداء العمرة توجه إردوغان بموكبه الخاص إلى منزل قطب، فقبل رأسه ويده وجلس بين يديه يطلب منه الدعاء وزيارة تركيا والإقامة فيها. اعتذر قطب لرغبته في مجاورة البيت الحرام»، وفقا لما كتبه الحميقاني في الخامس من أبريل (نيسان) 2014.
لكن الخبر الأكثر إثارة في هذا السياق، ما أوردته صحيفة «اليوم السابع» المصرية، في تقرير نشرته مطلع مارس (آذار) 2014 حول فضيحة الفساد التي طالت إردوغان ونجله في تركيا، وتسببت في اندلاع مظاهرات كبيرة في البلاد، حيث ذكرت نقلا عن صحيفة «توداي زمان» التركية أن هناك علاقة قوية تربط بلال (نجل إردوغان) برجل الأعمال المصري أسامة (نجل محمد قطب) حيث نشرت الصحيفة خبرا عن «تسريب صوتي يؤكد تورط بلال في أعمال فساد واستغلال نفوذ مع رجل الأعمال أسامة محمد قطب، لتسهيل الحصول على أراض مملوكة للدولة بأقل من نصف ثمنها».
ووفقا لموقع «فيتو» الإخباري الذي عرف بأسامة قطب قائلا: «هو رجل أعمال مصري نجل شقيق سيد قطب، حاصل على الجنسية التركية ولديه استثمارات هائلة في أنحاء تركيا وله علاقات قوية برجال أعمال في دول الخليج، يسعى بشكل كبير إلى جذب الاستثمارات إلى أنقرة».

* علاقة حميمة مع قطر
* لم تكن تركيا فقط هي من عرضت اللجوء والإقامة على محمد قطب، بل قدمت دولة قطر أيضا عرضا له بالانتقال إليها والإقامة فيها، والعمل في إحدى جامعاتها. جاء ذلك على لسان يوسف القرضاوي - الشخصية الأبرز في التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين - الذي قال: «قد دعوت محمد قطب لينتقل إلى قطر، ليعمل فيها، ويستقر بها، وكل أهل قطر يرحب به، وكم حاول معه صديقنا وصديقه الدكتور عبد الرحمن بن عمير النعيمي، ولكنه رفض أن يترك جوار المسجد الحرام الذي جعله الله قياما للناس وأمنا».
وفي مقال نشره القرضاوي في موقعه الشخصي بعنوان «الأمة الإسلامية تودع علامة الفكر والدعوة والتربية» نشره في الثامن من أبريل 2014، مستذكرا عددا من المواقف والذكريات معه، وبالأخص المحاضرات والفعاليات التي كان يحضرها قطب في قطر، قال القرضاوي: «دعوته أكثر من مرة إلى جامعة قطر، وإلى كلية الشريعة فيها، فاستجاب لدعوتنا عدة مرات، وألقى محاضرات جامعية، ومحاضرات عامة، واستفاد الطلبة، واستفاد الجمهور، وسعد العلماء والدعاة والمهتمون بالشأن الإسلامي بالجلوس والمحادثة والمناقشة معه. وكم شعرت بالسعادة حين دعوته في بيتي مع الإخوة، فاستجاب، وملأ بيتنا سرورا وبهجة».
يؤكد القرضاوي تتلمذه على أفكار محمد قطب، قائلا: «كنت، وكثيرون مثلي، ننتظر ظهور كتبه الجديدة، فنتلقفها لنقرأها وندرسها، ومنها: (واقعنا المعاصر)، و(مذاهب فكرية معاصرة)، و(كيف نكتب التاريخ الإسلامي؟)، و(دراسات قرآنية)، و(حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية)، و(مفاهيم ينبغي أن تصحح) وغيرها... وكنت لقيته عدة مرات في زياراتي إلى مكة المكرمة وجدة، وكم دعاني أن أزوره في بيته في مكة، ووعدته بذلك، وكم تمنيته والله، ولكن كل زياراتي في مكة كانت سريعة، ولم يتحقق لي ما رجاه مني».
لم يكن القرضاوي وحده من أشار إلى هذه العلاقة الخاصة بين محمد قطب وقطر، فقد كتب التونسي أحمد القديدي - مستشار أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة - مقالا في صحيفة «الشرق» القطرية، في التاسع من أبريل 2014، بعنوان «ذكريات مع فقيد الإسلام المفكر محمد قطب»، قال فيه: «لي مع الشيخ محمد قطب بعض الذكريات التي لا تمحى من الوجدان، فقد زارنا في الدوحة عدة المرات، وتشرفت بتناول الغداء معه سنة 1998، وبتبادل الرأي في بيت جاري وصديقي وصديقه الأستاذ في الجامعة القطرية جمال عطية برفقة طيب الذكر المرحوم الأستاذ عبد العظيم الديب أحد أقطاب الإخوان (...) وكذلك صحبة المفكر المصري والعالم القانوني الدستوري أحمد كمال أبو المجد».
يضيف القديدي: «كان الشيخ محمد قطب يتجاوز في أحاديثه تفاصيل المحنة التي عاناها هو وشقيقه وأخواته، كان أغلب حديثه متجها للمستقبل، منشغلا بمحنة المسلمين جميعا لا بمحنته ولا بمحنة أسرته، ويذكرنا بما كان كتبه في كتابه (جاهلية القرن العشرين) من توصيف لحالة الأمة بعد انهيار سدها المنيع المتمثل في خلافتها الموحدة الجامعة وتقسيمها دويلات ضعيفة عاجزة بين ليبرالية واشتراكية، تلك المذاهب التي تبناها الحكام العرب حين تخلوا عن الشريعة (السمحة)، فتحولت دولهم اليوم إلى أذيال منهوبة وبيادق مسلوبة تابعة للقوى الغربية المسيحية الطاغية».

* آثار في التعليم السعودي
* رغم أهميته الفكرية والحركية في مسيرة الصحوة الإسلامية، فإن الدراسات والكتابات حوله قليلة ونادرة جدا، سواء كانت تأريخا أو نقدا من داخل الحركة أو خارجها؛ فقد طغت شخصية أخيه، ولم يكتب حوله إلا القليل. ولعل من الترجمات النادرة لمحمد قطب، أو ربما تكون هي الترجمة اليتيمة له، ما كتبه الداعية السوري محمد المجذوب في كتابه «علماء ومفكرون عرفتهم» في جزئه الثاني، حيث أصبحت أشبه بالترجمة المعتمدة لقطب، فانتشرت في كل المصادر والمؤلفات، بنقل وإحالة أو من دون، رغم أن المجذوب معروف بإخوانيته ودفاعه الشديد عن آل قطب، وذلك ما بات جليا في كتابته حول محمد، حيث دافع بشدة عن مواقفه، منتقدا ما سماها «توهمات الألباني حول أفكار الشهيد»، ورادا على علي الطنطاوي الذي انتقد إطلاق محمد قطب وصف «الجاهلية» على المجتمعات الإسلامية.
يروي المجذوب - وهو الذي أقام في السعودية فترة السبعينات والثمانيات مدرسا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - اللحظة التي سمع فيها بمحمد قطب بعد انقطاع أخباره في السجن الحربي بمصر، حيث يقول: «انقطعت أخبار الثلة المعذبة، حتى كدنا نيأس ببقائهم على قيد الحياة، وكان محمد قطب ممن شاع نبأ مصرعهم تحت التعذيب... ولكن كانت أسعد مفاجأة حين أعلنت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عن أول محاضرة يلقيها محمد قطب في دار الحديث التابعة لها».
يضيف المجذوب: «ومنذ ذلك الحين تتابع لقائي مع المفكر الإسلامي الكبير الذي أصبح أستاذا بجامعة أم القرى على مقربة من البيت العتيق».
ورغم تخصص قطب في اللغة الإنجليزية، فإنه أصبح عضوا في هيئة التدريس بكلية الشريعة بمكة التابعة لجامعة الملك عبد العزيز، التي استقلت لاحقا ضمن جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
تنقل قطب بين الكثير من الجامعات السعودية يلقي المحاضرات والندوات التي تؤكد أفكاره ذاتها. ولعل إشرافه على مجموعة من الرسائل العلمية - رغم أنه لا يحمل درجة الدكتوراه - ساهم في تعميق انتشار أفكاره في أوساط الصحوة، حيث كان من أبرز تلاميذه وأشهرهم سفر الحوالي - الذي أصبح رمزا من رموز الصحوة في السعودية؛ ففي تخصص «العقيدة والمذاهب المعاصرة»، أشرف قطب على الحوالي في أطروحته للماجستير التي كانت بعنوان: «العلمانية: نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة»، وأشرف أيضا على رسالته للدكتوراه «ظاهرة الإرجاء في العالم الإسلامي»، وفيها أكد الحوالي المفاهيم القطبية في قضية «توحيد الحاكمية»، وتفسير «مقتضى لا إله إلا الله» التي يكون مرتكزها الأساس تطبيق الشريعة والمطالبة بها: «ومتى ما سقط هذا الأصل عد ذلك ناقضا في أصل الشهادة، ومبطلا لها حتى وإن صلى وحج وصام»، وهذا ما افترقت به السلفية العلمية في السعودية التي وصفت إضافة «توحيد الحاكمية» كقسم رابع إلى أقسام التوحيد الثلاثة، بأنه «قول محدث، مبتدع، منكر، ينكر على صاحبه» (ابن عثيمين، لقاء الباب المفتوح رقم 150).
كما أشرف قطب على عدد من الرسائل العلمية الأخرى في السياق الفكري ذاته، منها رسالة «الولاء والبراء» لمحمد بن سعيد القحطاني، ورسالة «أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة فيه» لعلي العلياني، كما أشرف على رسالة علمية ليوسف الأحمد بعنوان «الوثنية الحديثة وموقف الإسلام منها»، ورسالة «منهج الدعوة النبوية في المرحلة المكية»، لعلي الحربي، ورسالة «فكرة القومية العربية في ضوء القرآن»، لصالح العبود، وآخرين.
امتدادا لعنايته بالتعليم، أسند إليه وزير المعارف السابق حسن بن عبد الله آل الشيخ كتابة «مقرر التوحيد» لطلاب المرحلة الثانوية، صدرت الطبعة الأولى للمنهج عام 1977، وبعد إيقاف تدريسه في المدارس السعودية أعاد محمد قطب إصداره في كتاب بعنوان «ركائز الإيمان» عن دار «أشبيليا» بالرياض عام 1997.
في مطلع الثمانينات، أصدر كتابه «منهج التربية الإسلامية» في جزأين، ولاقى انتشارا واسعا، فكان أن كرمته جائزة الملك فيصل العالمية، ففاز بالجائزة (بالاشتراك) عن كتابه هذا، عام 1988، ضمن فرع «الدراسات الإسلامية التي تناولت التربية الإسلامية»، واشترك معه في الجائزة الباحث التركي مقداد يالجن نظير جهوده في التربية الإسلامية.

* سجال في الصحافة السعودية
* حين استيقظ السعوديون على صدمة الحادي عشر من سبتمبر 2001، كان من الفاجعة أن 15 سعوديا من بين المتورطين في تنفيذ اختطاف الطائرات للاصطدام بها في برجي التجارة العالمية... منذ تلك اللحظة ظهرت كتابات وأبحاث تتبع الخلل الثقافي والفكري الذي يدفع بمثل هؤلاء الشباب لخيار العنف والعمليات الانتحارية باسم الدين.
نشط عدد من كتاب الصحف السعودية في نقد الخطاب الصحوي، وتجلية مدى ارتباطه بأفكار العنف والتطرف، وطبيعة مواقفه من العمليات الجهادية التي تحدث في كل مكان، وطال السعودية أذاها بعد ذلك فيما عرف بأحداث الرياض في مايو (أيار) 2003.
من الكتابات القليلة التي فطنت إلى امتداد تأثير طروحات محمد قطب في فكر الصحوة السعودية، ودورها في ترسيخ أفكار أصولية متطرفة في قلب الثقافة الإسلامية، ما طرحه الكاتب السعودي سعود القحطاني، في مقال له بجريدة «الرياض» في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2004. جاء المقال بعنوان «هل نحن مسلمون؟»، مستعرضا أبرز أفكار محمد قطب، وأدواره في التعليم بالسعودية، وارتباطه بسفر الحوالي أبرز وجوه الصحوة بالسعودية. أثار المقال جدلا وسجالا، وجاءت الردود ما بين مؤيد ومعارض.
يقول القحطاني: «.. (هل نحن مسلمون؟) كان هذا عنوانا لأحد كتب محمد قطب، الأستاذ السابق في إحدى الجامعات السعودية، والأخ الأصغر لسيد قطب.. مفهوم الحاكمية كان الفكرة الرئيسية التي يدور عليها هذا الكتاب، والحاكمية، كما يعرف الجميع، هي المصطلح الذي رفعته جماعات الإسلام السياسي في وجه مجتمعاتها، وجعلت منها حجة لتكفيرها والثورة عليها بحجة أنها مجتمعات جاهلية».
أورد القحطاني في ثنايا مقاله مجموعة من الشواهد التي تؤكد تكفير قطب للمجتمعات الإسلامية، ودعوته للثورة عليها. ثم أضاف معلقا: «هل يستغرب أحدنا الآن حين يعلم ما هو سبب اختيار أحد طلاب محمد قطب (وهو سفر الحوالي) لموضوع العلمانية والإرجاء محلا لرسالتيه الجامعيتين في مرحلتي الماجستير والدكتوراه؟ مع ملاحظة أن رسالة الدكتوراه المذكورة قال عنها يوسف العييري - القائد لتنظيم القاعدة في السعودية - في أحد مؤلفاته: إن (الجهاديين) يستقون الكثير من آرائهم في التكفير منها!».
ختم القحطاني مقاله متسائلا: «كم من رسالة أشرف عليها هذا الرجل؟ وكم من مفهوم خاطئ زرع في عقل تلاميذه؟ وكم من متطرف خرج من عباءة هذا الفكر؟ هذا سؤال ما زال يحيرني، وإن كان الجواب يقلقني بشكل كبير».
لم يمر المقال مرور الكرام، فقد أثار مكامن المعتنقين للأفكار ذاتها، فكتب يحيى حسن حسني في 18 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، ردا نشر في الجريدة نفسها بعنوان «الخطأ ليس في فكر سيد ومحمد قطب ولكن في القراءة المتعسفة لهما»، دافع فيه حسني عن أفكار سيد ومحمد، مستخدما الطريقة الصحوية الكلاسيكية في الدفاع عن الآخرين، عبر اتهام المنتقدين بـ«التعسف وعدم الفهم والقراءة الخاطئة للأفكار». ورغم النصوص الصريحة المنسوبة إلى محمد وسيد، فإن حسني يقول: «مقالة القحطاني في مجملها اتهامات مكررة نتاج قراءات خاطئة ومتعجلة، وقبل أن أفند تلك القراءة فلا بد أن نقول إن الإنصاف يدعونا أن نعرف أقدار الرجال، لقد كان سيد قطب وأخوه لواءين من ألوية الحق مرفوعة».
استطرد بعد ذلك حسني في حديث «رومانسي» عن نضال سيد قطب وعبقريته، و«عظمة» كتاباته وأخيه ووضوحها في أخذ الأمة نحو «طريق الخلافة الإسلامية».
لكن السجال أخذ منحى آخر، وبعدا شرعيا، حين عقب سعد الحصين - باحث شرعي وتربوي - على مقال حسني، رادا عليه بوضوح بمقال مطول نشر في جريدة «الرياض» أيضا، في الثامن عشر من ديسمبر (كانون الأول) 2004، بعنوان «لا ينكر التكفير في فكر سيد قطب إلا جاهل أو معاند وكتبه وردود العلماء عليه تؤكد ذلك»، وفيه أورد الحصين شواهد كثيرة تؤكد تكفير سيد قطب للمجتمعات الإسلامية، مقررا أنه قد «ترأس تنظيما إخوانيا أعد لاغتيال رئيس الجمهورية، وتفجير القناطر الخيرية والتجهيز لانقلاب مسلح».



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.