لبنان يلغي مادة تعفي المغتصب من العقاب... والنساء غاضبات

وزير الدولة لشؤون المرأة يتحفظ ويعد بالمزيد

لبنان يلغي مادة تعفي المغتصب من العقاب... والنساء غاضبات
TT

لبنان يلغي مادة تعفي المغتصب من العقاب... والنساء غاضبات

لبنان يلغي مادة تعفي المغتصب من العقاب... والنساء غاضبات

بعد كفاح طويل للهيئات النسائية والمجتمع المدني في لبنان، صوت البرلمان اللبناني أمس بالموافقة على اقتراح يلغي تشريعاً سابقاً (المادة 522 من قانون العقوبات) يسمح للمغتصب بالإفلات من العقوبة الجنائية إذا تزوج من ضحيته، ومع ذلك بقيت الاعتراضات قائمة، واتهم القرار بأنه غير كافٍ.
وكان وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسابيان أول الممتعضين، فقد غرد معلقاً: «مع الترحيب بإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات، إلا أننا نتحفظ على الإبقاء على المادتين 505 و518، فلا استثناءات للتفلت من جريمة الاغتصاب». وأضاف: «تنص المادتان 505 و518 على وقف الملاحقة أو المحاكمة في حق من يقوم بمجامعة قاصر إذا عقد زواج صحيح بين هذا المرتكب والقاصر، التي يتراوح عمرها بين خمس عشرة وثماني عشرة سنة».
وترجع المادة التي تم إلغاؤها للأربعينيات من القرن الماضي وبعد احتجاجات وتحركات من هيئات ومنظمات وجمعيات في المجتمع المدني. وكان الأردن قد أقر قانوناً مشابهاً يعاقب المغتصب ولا يعفه بالزواج من ضحيته بداية الشهر الحالي، كما نجحت احتجاجات في تركيا في دفع رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم، إلى سحب مشروع قانون كان سيسمح بـ«العفو عمن أدين بممارسة الجنس مع قاصر، إذا تزوجها».
وقالت زويا روحانا مديرة منظمة «كفى عنفاً» لـ«الشرق الأوسط»، إن «خطوة البرلمان جاءت منقوصة كالمعتاد. فقد أبقى على مادتين فيهما تكريس لتشريع زواج القاصرات بدل إلغائه، كما كنا نطالب. فكما أقروا سابقاً قانون (العنف الأسري) مشوهاً ها هم أيضاً يبقون على مواد تجعل خطوتهم غير مكتملة. وتشرح روحانا أن المواد من 503 إلى 521 في قانون العقوبات اللبناني تتحدث عن أنواع مختلفة من الجرائم الجنسية فيما المادة التي تتبعها أي رقم 522 تأتي بخلاصة مفادها أن مرتكب أحد الجرائم السابقة إذا عقد زواجاً صحيحاً يعفى من العقوبة. وهذه هي التي ألغيت، وكان يجب أن يكتفي بذلك. لكنهم استثنوا مادتين اثنتين هما 505 و518 بحيث يصبح زواج الجاني من الضحية وسيلته للهروب من العقاب». وتضيف روحانا: «هذا ما سيجعل الأردن أفضل حالاً منا، وها هو يتبين أن التشريعات هناك تستطيع أن تكون أكثر جرأة، فيما لا تزال القيم العشائرية في لبنان تؤخذ بعين الاعتبار، بدل أن يتم وضع قوانين تزيل الإجحاف عن النساء».
ووزعت منظمة «كفى عنفاً» وهي واحدة من أبرز المنظمات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة بياناً إثر التصويت على القرار، شرحت فيه «أنّ المادّة 505 تتناول مجامعة القاصر كجرم يعاقب عليه القانون، غير أنّ تعديل المادّة، تمثّل بوضع مرتكب هذا الجرم أمام خيارين: إمّا السجن أو الزواج بالضحية في حال كانت تبلغ بين الـ15 والـ18 عاماً من العمر، مع إضافة وجوب تدخّل مندوبة اجتماعية في الحالات التي سيتمّ فيها الزواج للتأكّد من أن القاصر على ما يرام...».
وأضاف البيان: «أمّا بالنسبة إلى المادّة 518، فهي تتناول فضّ البكارة من خلال الإغواء بوعد الزواج، وفي التعديل الذي أُقرّ أدخل المشرّعون مفعول المادة 522 على هذه المادة أيضاً وأبقوا على احتمال الزواج كإعفاء من العقاب ولا تحديد لسنّ الضحيّة».
وكان وزير الدولة لشؤون المرأة أوغاسبيان قد لفت في أول رد فعل له، إلى أن «وزارته ستتقدم إلى مجلس الوزراء بمشروع قانون لإلغاء هاتين المادتين المجحفتين بحق المرأة واللتين تشجعان على زواج القاصرات». فيما اعتبرت «كفى» أن ثمة «استخفافاً بكرامة النساء وتكريساً للقبول بتزويج الفتيات بالإكراه» واعدة بالاستمرار في النضال.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.