7 أفلام تُرمّم الذاكرة... إسبانيا تُواجه ماضيها في بيروت

«متروبوليس» تُعيد وَصْل المُخيّلة العالمية بوجع المدينة

أفلام تُعيد الحياة إلى ذاكرة أمّة وجرحها التاريخي (متروبوليس)
أفلام تُعيد الحياة إلى ذاكرة أمّة وجرحها التاريخي (متروبوليس)
TT

7 أفلام تُرمّم الذاكرة... إسبانيا تُواجه ماضيها في بيروت

أفلام تُعيد الحياة إلى ذاكرة أمّة وجرحها التاريخي (متروبوليس)
أفلام تُعيد الحياة إلى ذاكرة أمّة وجرحها التاريخي (متروبوليس)

في كلّ مرّة تفتح فيها «متروبوليس» أبوابها لعرض سلسلة من الأفلام الكلاسيكية، يبدو الأمر أشبه بعودة إلى أرشيف العالم، وتلك اللحظات التي صُنعت فيها السينما بقلق وفكر وشجاعة. هذه المرّة، تعود بيروت إلى إسبانيا عبر 7 أفلام مُرمَّمة تُشكّل خريطة لذاكرة وطنية كُتبت بالصورة، بين القمع والحرّية والطاعة والتمرُّد.

منذ بدايات القرن العشرين، كانت السينما الإسبانية ساحة مواجهة لا تقلّ عن ميادين السياسة. تحت ظلّ حُكم فرانكو، ووسط رقابة خانقة، استطاع مخرجون كبار تحويل المشهد إلى مساحة نقد ومُساءلة. أرادوا أفلامهم وثائق ضمير لأمّة حاولت من داخل الإسكات استعادة صوتها.

من لويس بونويل إلى كارلوس ساورا، ومن لويس غارسيا بيرلانغا إلى خوان أنطونيو بارديم، مروراً بخوان أنطونيو نييبس كوندي ومونتشو أرمينداريز، تتنوَّع هذه الأفلام بين السوريالية الحارقة، والواقعية النقدية، والدراما الاجتماعية، والدفء الإنساني، لتُشكّل فسيفساء مُتكاملة عن التاريخ الإسباني الحديث، حيث الجرح والذاكرة والعنف والبحث عن معنى الحرية.

يُفتتح البرنامج في 16 أكتوبر (تشرين الأول) بفيلم «كارمن» (1983) للمخرج كارلوس ساورا، الذي نقل الرقص إلى مرتبة اللغة السياسية. عبر لوحات الفلامنكو المُشبَّعة بالعاطفة، يصوغ ساورا تأمُّلاً في الجمال والغيرة والسلطة، واضعاً الفنّ في مواجهة القهر. في هذه المقاربة الدرامية المتوهّجة من أوبرا «كارمن»، تذوب الحدود بين الواقع والخيال، ويغدو الجسد مساحة تَحرّر تُعبّر عمّا تعجز السياسة عن قوله. إنه أحد أكثر الأفلام الإسبانية تأثيراً في تعريف العلاقة بين الفنّ والهوية.

عروض تكشف عن قوة الصورة في مواجهة القمع والنسيان (متروبوليس)

وفي اليوم التالي، 17 منه، يُعرض فيلم «أخاديد» (1951) للمخرج خوان أنطونيو نييبس كوندي، وهو من أوائل المحاولات الواقعية التي واجهت النظام من داخله. يُصوّر العمل هجرة الفلاحين إلى المدينة بحثاً عن «المعجزة الاقتصادية» الموعودة، ليكتشفوا وجهاً آخر لإسبانيا: البؤس، والفساد، واللامساواة. رغم انتماء كوندي في شبابه إلى الكتائب الفالانخية، فإنه استخدم تجربته ليكشف عن تناقضات النظام ذاته، مُقدّماً فيلماً إنسانياً جريئاً وصفته الكنيسة يوماً بأنه «خطر على الأخلاق العامة». الواقعية عنده كانت فعلاً أخلاقياً قبل أن تكون أسلوباً فنياً.

التاسعة من الليلة نفسها، يُعرَض فيلم «وفاة راكب دراجة» (1955) لخوان أنطونيو بارديم، أحد أبرز الأصوات اليسارية في تاريخ السينما الإسبانية. تبدأ القصة بحادث دهس عابر، وتتحوّل إلى محاكاة للنفاق الاجتماعي الذي يُغلّف الطبقات الثريّة. كان بارديم شيوعياً في زمن الرقابة، وكتب بفيلمه بياناً ضدّ الامتيازات والجبن الأخلاقي. من خلال إيقاع متوتّر ومونتاج ذكي، رسم صورة لمجتمع يُخفي عوراته خلف واجهة أنيقة، مؤكّداً أنّ العدالة لا يمكن أن تُستعاد إلا بكسر الخوف.

لقطة تختصر روح السينما الإسبانية بين السوريالية والواقعية (متروبوليس)

وفي 18 أكتوبر (7 مساء)، يستعيد الجمهور فيلم «بلاسيدو» (1961) للمخرج لويس غارسيا بيرلانغا، أحد أعمدة الكوميديا السوداء في أوروبا. مسرح الأحداث بلدة صغيرة يُطلب من أثريائها أن «يستضيفوا فقيراً على مائدتهم في عيد الميلاد». ومن هذه الفكرة البسيطة، يُفجّر بيرلانغا هجاءً عميقاً للرياء الطبقي والتديُّن المظهري. بخفّة وسرعة كاميرا، يضحك المتفرّج، ثم يُدرك أنّ الضحك نفسه شهادة على الخوف.

في الليلة نفسها (9 مساء)، يُعرَض «فيريديانا» (1961)، التحفة التي أعادت لويس بونويل إلى إسبانيا بعد منفاه المكسيكي. أراده النظام فيلماً «يُجمّل صورة الوطن»، فجاء عكس ذلك تماماً. قدَّم بونويل عملاً يهزّ أُسس العقيدة الكاثوليكية ويُدين التحالف بين الكنيسة والسلطة. من خلال الراهبة التي تُحاول إنقاذ المتسوّلين فتغرق في عبثهم، بنى المخرج أكثر مَشاهده رمزيةً واستفزازاً، وجعل من «فيريديانا» فيلماً عن استحالة الخلاص في مجتمع يُعيد إنتاج خطاياه كلّ يوم.

وبعد عام، أكمل بونويل تأمّلاته بفيلم «الملاك المبيد» (1962) الذي يُعرض في 19 أكتوبر، حيث تُحتجز مجموعة من الأرستقراطيين داخل قصرهم من دون سبب واضح. تتعرَّى البورجوازية أمام غرائزها، ويكشف بونويل عن تصدُّع الحضارة عندما تُسلب منها القواعد. في هذه العزلة الجماعية، تتحوَّل الوليمة إلى جحيم، وتصبح السوريالية تكثيفاً للواقع أكثر من الخيال.

إسبانيا تُطلّ من جديد عبر أفلام مرمَّمة على شاشة بيروتية (متروبوليس)

من الجيل اللاحق يأتي مونتشو أرمينداريز بفيلمه «تاسيو» (1981)، الذي يُختتم به البرنامج (19 أكتوبر، 9 مساء). يستعيد المخرج من خلاله سيرة عامل ريفيّ يعيش بين الغابات والفقر، لكنه يحتفظ بحرّيته الداخلية مثل مَن يملك العالم. الفيلم، القائم على بحث ميداني طويل، يُقدّم صورة نادرة للفقراء الإسبان بكرامة وذكاء، مُظهراً أنّ التمرّد ليس دائماً ثورياً، فيمكن أن يكون في البقاء نفسه، ورفض الانكسار أمام التهميش.

ضمير جماعي بين الفنّ والسياسة

ليس الانتماء الجغرافي وحده ما يجمع هذه الأفلام، وإنما أيضاً الرغبة المُشتركة في تحويل السينما إلى ذاكرة جماعية. كلّ مخرج في السلسلة كتب فصلاً من التاريخ الإسباني: بونويل عبَّر عن العصيان، وساورا عن الحرّية، وبارديم عن الذنب، وبيرلانغا عن السخرية، وكوندي عن الخيبة، وأرمينداريز عن التواضع الإنساني في وجه العنف. بهذه الأفلام السبعة، تُعيد «متروبوليس» طرح سؤال الفنّ والسياسة، لتؤكد بأنّ الصورة، مهما مرَّ عليها الزمن، قادرة على إعادة فتح الجرح كي لا يُنسى، وتحويله إلى ضوء.

العروض الإسبانية تحوّل الوجع إلى جمال بصري (متروبوليس)

وبسؤال مُنسّقة البرمجة في «متروبوليس» نسرين وهبة عن الدافع لاختيار هذه الأفلام لإعادة عرضها في بيروت، وما إذا كانت الفكرة قد وُلدت من رغبة في استعادة الذاكرة الإسبانية ذاتها أم من شعور بأنّ تجارب القمع والمُساءلة في تلك السينما تشبه ما نعيشه هنا، تقول: «أولاً، أردنا إحياء الشراكة بين جمعية (متروبوليس) والسفارة الإسبانية لدى بيروت، وثانياً التركيز على الأفلام الكلاسيكية المُرمَّمة التي أصبحت مُتاحة بجودة عالية. وأيضاً، لاحظنا حماسة الجمهور وإصراره على مُشاهدتها في صالة سينما حقيقية».

وتُضيف نسرين وهبة أنّ التعمُّق في تاريخ الأفلام المُختارة وظروف إنتاجها يُظهر تقاطعاً لافتاً بين التجربتَيْن الإسبانية واللبنانية، خصوصاً فيما يتعلّق بالعدالة والمساواة والبحث عن الحقيقة. وتوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ الصالات التجارية نادراً ما تُبرمج أفلاماً جمالية ذات قيمة فنّية خالصة، «وهذا ما يجعل من (متروبوليس) مساحة بديلة تُقدّم سينما مختلفة. نحن نسعد برؤية وجوه جديدة تجد لدينا ما تفتقده في الصالات الأخرى. صحيح أنّ الصورة الجميلة والمؤثرات والصوت عوامل مهمّة، لكنّ الأهم هو الغوص في التاريخ والاحتفاء بأفلام أُعيد ترميمها».

وترى نسرين وهبة أنّ مرور العقود على إنتاج هذه الأفلام لم يُفقدها راهنيّتها، وإنما أعاد طرح أسئلتها من منظور جديد: «المتفرّج اليوم يتعامل مع العمل السينمائي بوعي مختلف بفضل التكنولوجيا ووسائل المعرفة، لكنّ الأسئلة الكبرى تبقى هي نفسها؛ تلك المتعلّقة بالحرّية والعدالة والإنسان في مواجهة السلطة. ما يتغيَّر هو الطريقة التي تُطرح بها. هذه الأفلام الإسبانية تُحاور زمننا، وإن وُلدت قبل عقود. عرضها اليوم يبدو كأنه ابن اللحظة».


مقالات ذات صلة

نور بلوق لـ«الشرق الأوسط»: وثقنا النزوح من جنوب لبنان خلال الحرب الإسرائيلية

يوميات الشرق الفنانة اللبنانية نور بلوق (الشرق الأوسط)

نور بلوق لـ«الشرق الأوسط»: وثقنا النزوح من جنوب لبنان خلال الحرب الإسرائيلية

في الفيلم الوثائقي «حكايات الأرض الجريحة» تعود الفنانة التشكيلية اللبنانية نور بلوق للوقوف أمام الكاميرا بعدسة زوجها المخرج العراقي عباس فاضل.

أحمد عدلي (الجونة (مصر))
يوميات الشرق مؤتمر النقد السينمائي ينطلق في الرياض (الشرق الأوسط)

«النقد السينمائي» يطلق نسخته الثالثة في الرياض بحضور عالمي

تركز النسخة الثالثة من «مؤتمر النقد السينمائي الدولي» الذي يُقام بالعاصمة السعودية، الرياض، على التفكير في المكان والذاكرة والهوية محاورَ جوهريةَ في السينما.

أحمد عدلي (الرياض)
يوميات الشرق حرص أبطال الفيلم على مشاهدته في عرضه الأول الخاص بالرياض (فوكس سينما)

«السلم والثعبان 2» ينطلق من الرياض بعد 25 عاماً على جزئه الأول

بدأ الفيلم المصري «السلم والثعبان 2: لعب عيال» رحلته إلى صالات العرض السينمائي، بعرضه الأول في الرياض، مساء الخميس.

أحمد عدلي (الرياض)
سينما مخرجون عالميون في حصيلة العام

مخرجون عالميون في حصيلة العام

يقترب العام الحالي من نهايته. المهرجانات الكبرى أُقيمت في مواعيدها وخرج منها الفائز والخاسر. بين هذين الفريقين هناك أيضاً من قدّم أفلاماً جيدة

محمد رُضا (لندن)
سينما «مدينة سمينة»: ستايسي كيتش ملاكم في الحقل (كولمبيا بيكتشرز)

شاشة الناقد: ثلاثة أفلام رائعة عن الحلم الأميركي الكبير الذي لم يتحقق

جون هيوستون ليس غريباً عن تحقيق تلك الأفلام التي تتحدّث عن ضمور الحلم الكبير بتحقيق الذات والثروة.

محمد رُضا (لندن)

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها
TT

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

لفت المسلسل السعودي «الضارية» الأنظار بعد انطلاق حلقاته محققاً نسبة مشاهدات عالية وسط اهتمام بلغته البصرية الجريئة، واهتمامه بعالم التهريب والولاءات المُتبدّلة الجديد على الدراما السعودية.

ويقوم الممثل تركي اليوسف ببطولة العمل عبر شخصية تمثل عودة لأدوار الشر التي تميز بها، وعن ذلك يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها، بل تدع الجمهور يكتشفها. وفي (الضارية) مثلاً، الشرّ ليس حالة عدوانية، بل طريقة للبقاء. حاولتُ أن أقدّم القسوة بلا افتعال، وأترك مساحة للصدق أكثر من الأداء».

ودافع اليوسف عن كثرة ظهوره في أدوار الشر، عادّاً انجذابه للأدوار القاسية «لا يعني التكرار؛ فالدور (شخصية عباس) جذبني لأنه يتيح مساحة للغوص في عقل شخصية تعرف الخطر بوصفه جزءاً من يومها».

ويرى الفنان السعودي أن أدوار الشرّ تمنحه «فرصة للتعبير عن جوانب إنسانية عميقة»، موضحاً أن اختياره شخصية عباس في «الضارية» جاء بسبب «صدق النصّ، وعمق الشخصية».


المتحف المصري الكبير يفيض بالزائرين... ويوقف بيع تذاكره

البهو العظيم للمتحف المصري الكبير (تصوير: عبد الفتاح فرج)
البهو العظيم للمتحف المصري الكبير (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

المتحف المصري الكبير يفيض بالزائرين... ويوقف بيع تذاكره

البهو العظيم للمتحف المصري الكبير (تصوير: عبد الفتاح فرج)
البهو العظيم للمتحف المصري الكبير (تصوير: عبد الفتاح فرج)

أعلنت وزارة السياحة والآثار تنظيماً جديداً لدخول المتحف المصري الكبير وحجز التذاكر بعد الإقبال الكبير الذي شهده المتحف من الزائرين، الجمعة، والذي تجاوز سعته التشغيلية القصوى.

وأصدرت الوزارة بياناً، الجمعة، قالت فيه إنه «في ضوء الإقبال الكبير من الزائرين على المتحف المصري الكبير، ووصول أعداد الزيارة، الجمعة الموافق 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، إلى أكثر من السعة التشغيلية الكاملة المقررة للمتحف، مما استدعى إيقاف بيع التذاكر لليوم، قررت إدارة المتحف قصر حجز وشراء تذاكر الزيارة ليوم السبت 8 نوفمبر، وأيام العطلات الرسمية ونهايات الأسبوع (الجمعة والسبت) على الموقع الإلكتروني الرسمي للمتحف فقط».

وأضاف البيان أنه سيتم وقف عمليات حجز وبيع التذاكر من شبابيك التذاكر بالمتحف خلال هذه الأيام المحددة، على أن تستمر كالمعتاد في باقي أيام الأسبوع عبر الموقع الإلكتروني وشبابيك التذاكر معاً طبقاً للطاقة الاستيعابية للمتحف.

ويأتي هذا الإجراء «ضمن خطة تنظيم عملية الدخول لضمان تجربة زيارة متميزة وآمنة للزائرين، بما يتماشى مع الطاقة الاستيعابية للمتحف، ويسهم في رفع كفاءة الخدمات المقدمة»، وفق البيان. مع التأكيد على أن «جميع الحجوزات المؤكدة مسبقاً عبر القنوات الرسمية سارية كما هي، وسيتم استقبال حامليها في مواعيدهم المحددة دون أي تغيير».

إقبال كثيف على زيارة المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار)

وأشادت إدارة المتحف بالحماس والإقبال الكبير الذي يعكس المكانة المرموقة للمتحف المصري الكبير كأحد أهم الصروح الثقافية والحضارية في العالم.

ومن قلب الزخم الكبير الذي شهده المتحف ومحيطه، يؤكد أستاذ الآثار اليونانية والرومانية بجامعة القاهرة، الدكتور خالد غريب، أن «المشهد كان مفرحاً على مستوى الوعي والإقبال الكبير على المتحف»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لكن الأمر يحتاج إعادة تنظيم؛ فالعدد الرهيب الذي دخل اليوم إلى المتحف يجعل حتمياً التفكير في تخصيص بوابات دخول للمصريين وأخرى للرحلات وبوابات للأجانب، حتى يتم تنظيم الدخول بشكل معقول، خصوصاً أن اليوم كان الجمعة الأولى بعد افتتاح المتحف، وكان متوقعاً أن يشهد كل هذا الزخم؛ لأنه يوم إجازة».

وافتُتح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، في احتفالية عالمية نقلتها العديد من وسائل الإعلام حول العالم، في حين فتح المتحف أبوابه للجمهور يوم 4 نوفمبر، بالتزامن مع ذكرى اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون عام 1922، ويشهد المتحف للمرة الأولى عرض جميع محتويات المقبرة كاملة في مكان واحد.

ولفت غريب إلى أن «المتحف يمكنه أن يتيح الحجز على الإنترنت، وهو ما أعلنه في بيان اليوم، ليكون أول يوم حجز هو الأحد المقبل، وأتمنى أن يتم تنظيم الدخول بطريقة تحافظ على بريق المتحف وقيمته الكبيرة وصورة مصر السياحية».

المتحف المصري الكبير يشهد إقبالاً كبيراً منذ افتتاحه (وزارة السياحة والآثار)

ويضم المتحف المصري ما يزيد على مائة ألف قطعة أثرية تحكي حقباً مختلفة من التاريخ المصري القديم، في سيناريو عرض متحفي يعتمد أحدث التقنيات، وتوقعت تقديرات سابقة أعلنها وزير السياحة المصري، شريف فتحي، في تصريحات متلفزة، أن يزور المتحف يومياً نحو 15 ألف سائح، بعد الافتتاح الرسمي، بمعدل 5 ملايين سائح في السنة. في حين أكد الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، الدكتور أحمد غنيم، في تصريحات متلفزة، أن عدد زائري المتحف في اليوم الأول لفتحه للجمهور تجاوز 18 ألف زائر.

ويرى المتخصص في المصريات، الدكتور محمد حسن، أن «بيع كل تذاكر المتحف المصري الكبير ليوم الجمعة يدل على نجاح الحملة التسويقية التي قامت بها مصر للترويج للمتحف»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الحفل الذي أقيم لافتتاح المتحف حمل رسائل قصيرة موجزة تدل على أن مصر بلد الأمن والأمان، وقد أصابت الرسالة الهدف»، وتابع أن «اليوم يعمل المتحف بكامل طاقته، بل يستوعب أعداداً تفوق طاقته التشغيلية، وظهر من الإقبال الكبير أن الأجانب متحمسون لرؤية هذا الصرح الحضاري المميز، كما أن المصريين في حالة صحوة وشغف لمعرفة تاريخهم عن قرب».


نور بلوق لـ«الشرق الأوسط»: وثقنا النزوح من جنوب لبنان خلال الحرب الإسرائيلية

الفنانة اللبنانية نور بلوق (الشرق الأوسط)
الفنانة اللبنانية نور بلوق (الشرق الأوسط)
TT

نور بلوق لـ«الشرق الأوسط»: وثقنا النزوح من جنوب لبنان خلال الحرب الإسرائيلية

الفنانة اللبنانية نور بلوق (الشرق الأوسط)
الفنانة اللبنانية نور بلوق (الشرق الأوسط)

في الفيلم الوثائقي «حكايات الأرض الجريحة» تعود الفنانة التشكيلية اللبنانية نور بلوق للوقوف أمام الكاميرا بعدسة زوجها المخرج العراقي عباس فاضل الذي وثّق حياتهما خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، فعلى مدار أكثر من ساعتين نتابع تفاصيل كثيرة من حياة الفنانة اللبنانية وطفلتها وزوجها، من بينها لحظات صعبة في خلفيتها أصوات الانفجارات، وتفاصيل النزوح من الجنوب اللبناني والعودة بعد وقف إطلاق النار.

الفيلم الذي حصد عنه فاضل جائزة أفضل مخرج في النسخة الماضية من مهرجان «لوكارنو السينمائي» وشارك في مهرجان «الجونة السينمائي»، الشهر الماضي، يواصل جولته بعدد من المهرجانات السينمائية من بينها مهرجان «باري» في إيطاليا الشهر الجاري.

تقول نور بلوق لـ«الشرق الأوسط» إن «فكرة الفيلم لم يكن مخططاً لها منذ البداية، لكون المشروع وُلد من قلب الحرب الإسرائيلية على لبنان، حين اضطرت العائلة للنزوح المفاجئ تحت القصف الكثيف، ولم يكن في مقدورهم سوى أخذ بعض الثياب القليلة معهم، تاركين خلفهم الكاميرات وعدّة التصوير في المنزل»، مشيرة إلى أنها بعد نحو شهر من النزوح، قررت العودة بمفردها إلى البيت رغم المخاطر الكبيرة، لتجلب الكاميرات بنفسها.

رصد الفيلم تعرض العديد من المواقع للتدمير خلال الحرب (الشرق الأوسط)

شعرت الفنانة التشكيلية اللبنانية بأن عليهم توثيق ما يحدث لهم، فلم تكن تعلم ما الذي سيفعلونه، وفق قولها، واستدركت: «لكن كان ضرورياً أن نُسجّل الواقع الذي نعيشه لحظة بلحظة، وفور عودتي بالكاميرات بدأ زوجي المخرج عباس فاضل التصوير ليوثّق كل ما حولنا من تفاصيل الحرب والنزوح، لينطلق العمل الفعلي عقب إعلان وقف إطلاق النار الذي كان أشبه بالوهم مع استمرار القصف».

ترى نور بلوق أن تلك الفترة أتاحَت لهم العودة إلى منزلهم واستئناف التصوير بصورة مكثّفة، وفوجئت عندما أخبرها زوجها برغبته في تصويرها هي وابنتهما ضمن أحداث الفيلم، لكنها تقبّلت الأمر سريعاً لأنها اعتادت المشاركة معه في أعمال سابقة، لكن هذه المرة جرى التصوير بظروف شديدة القسوة والخطورة، «فالقصف لم يكن يتوقف، وكثيراً ما اضطررنا إلى التوقف فجأة والاحتماء داخل البيت خوفاً من سقوط القذائف»، على حد تعبيرها.

تستذكر الفنانة اللبنانية أجواء التصوير بالقول: «كنا نخرج للتصوير، وفجأة نسمع صوت الانفجارات قريبة جداً، فأطلب من عباس العودة إلى الداخل خشية أن يصيبنا شيء، لقد عشنا الخطر بكل تفاصيله»، مؤكدة أن التصوير بعد الحرب لم يكن أقل خطراً؛ إذ زاروا مناطق مدمّرة مليئة بالألغام والزجاج المكسور، وكانت ابنتها ترافقهما طوال الوقت، وتابعت: «كنت أراقبها وأحذرها في كل لحظة؛ لأن المكان كان لا يزال يحمل آثار الدمار والحرائق ورائحة الصواريخ».

وعن أصعب اللحظات التي عاشتها أثناء التصوير، قالت نور بلوق إنها كانت تخشى كثيراً على ابنتها، خصوصاً في المشاهد التي صُوّرت بين المقابر، موضحة أن «تلك اللقطات كانت شديدة الوقع عليها نفسياً، كانت ابنتي صغيرة ولا تدرك ما يجري حولها، ورؤيتها تسير بين القبور كانت لحظة قاسية عليّ كأم، لكنها في الوقت ذاته كانت لقطة فنية قوية تعكس التناقض بين الحياة والموت، وبين البراءة والدمار».

وثق مخرج الفيلم رحلة زوجته وطفلته الصغيرة مع الحرب (الشرق الأوسط)

وأكّدت أن «الفيلم لم يكن عملاً تلفزيونياً أو تقريراً إخبارياً، بل تجربة إنسانية حيّة»، مستطردة: «نحن لم نكن نغطي الحدث من الخارج، بل كنّا جزءاً منه، نعيشه بكل تفاصيله، المخرج أراد أن يُظهر الوجع الإنساني قبل أي شيء آخر، لا الإحصاءات ولا الأرقام، بل مشاعر الناس ومعاناتهم الحقيقية؛ لأن هذه اللغة وحدها قادرة على لمس المتفرّج».

وأشارت إلى سعي الفيلم لتقديم صورة داخلية عن الحرب، بعيدة عن النظرة الإعلامية الباردة، موضحة أن «فاضل ركّز في لقطاته على وجوه الناس وانفعالاتهم، وجعلهم يروون حكاياتهم بأنفسهم؛ لأن الكلمة الصادقة تنبع من التجربة لا من التحليل».

أما عن تركيز الفيلم على رصد تدمير البنية الثقافية والمدنية في لبنان، فأوضحت نور أن «هذا الجانب كان حاضراً بقوة في رؤية العمل؛ إذ حرصنا على إظهار أن أهداف الحرب لم تكن عسكرية فحسب، بل طالت الإنسان في جوهره، واستهدفت ذاكرته وثقافته وهويته، وأن القصف لم يميز بين بيت وآخر، فالفنانون والمكتبات والمنازل كانت جميعها في مرمى الدمار، فالحرب لم تكتفِ بتدمير الحجر، بل سعت إلى طمس الروح الثقافية التي تشكّل جوهر المجتمع اللبناني».

وعن اللحظة التي شعرت فيها أن الفيلم اكتمل، لفتت إلى أن عباس فاضل يميل عادة إلى الأفلام الطويلة؛ لذلك حاولوا جعل هذه التجربة أكثر اختصاراً، «لكن حجم المادة المصوّرة كان هائلاً، فاستقرّ الفيلم على نحو ساعتين»، وفق قولها.

وأوضحت: «كل شخصية كانت تحمل وجعها الخاص، فهناك الفنان الذي خسر أعماله، والمثقف الذي فقد مكتبته، وكل بيت في الجنوب كان يحكي قصة ألم إنساني مختلفة».

ورغم أنها ليست من الأشخاص الذين يفضّلون الظهور أمام الكاميرا، لكنها شعرت في هذا الفيلم بأن وجودها ضرورة إنسانية وفنية في آنٍ واحد، مستذكرة عرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان «لوكارنو» بدورته الماضية بعدما شاهدت الفيلم للمرة الأولى بالسينما في لحظة وصفتها بـ«الصعبة والعاطفية».

تقول نور: «رغم أنني عشت تلك الأحداث لحظة بلحظة، فإن رؤيتها مجدداً كانت مؤلمة؛ لأن كل مشهد يعيد إليك الرعب والحنين معاً»، معتبرة أن فكرة الهجرة من لبنان لم تكن مطروحة بالنسبة لهما رغم امتلاك زوجها جنسية فرنسية، مضيفة: «النزوح الداخلي كان أهون من الهجرة؛ لأنك تبقى قريباً من أهلك وبيتك، أما البعد في الخارج فهو أشد قسوة، فقد جربت الغربة من قبل وعرفت كم هي مؤلمة؛ لذلك اخترنا أن نبقى في لبنان مهما كان الثمن».