على صوت الأهازيج ومواويل البحر الشعبية، والسفن التي كانت تحمل صيادي اللؤلؤ، في رحلات محفوفة بالأمل والخطر، يستقبل جناح الكويت، زوار منطقة «بوليفارد وورلد»، لتلمُّس أجواء الكويت، وتراثها، والاستمتاع بتفاصيل المكان الذي يزخر بالتاريخ العتيق وبحكايات الأجيال السابقة.
بعض هذه الحكايات يرجع تاريخها إلى عشرات السنوات، حين كانت تجارة اللؤلؤ، الرافد الرئيسي لاقتصاد الخليج العربي، وأصبحت اليوم تراثاً يتذكره الأجيال، من خلال تقاليد الغوص وطقوسه وقصص المجتمع الذي بنى حياته على صيد السمك والبحث عن اللؤلؤ.
وسط منطقة الكويت، الواقعة ضمن «بوليفارد وورلد»، يتربع نموذج لسفينة بحرية مصنوعة من الخشب، والتي تشير في رمزيتها إلى ما كانت تعنيه الرحلات الموسمية إلى أعماق البحر بحثاً عن الرزق، في رحلة محفوفة بالمخاطر، يقودها «النوخذة» أو قائد السفينة، الذي يكون على الأرجح مديناً لبعض تجار المدينة، بينما يتكون فريقه من الغواصين الذين تضطرهم ظروفهم المعيشية إلى قضاء أوقات طويلة، قد تصل لنحو 40 ساعة من الغوص أسبوعياً.

«الشرق الأوسط» تجولت في جناح الكويت، وهو من المناطق المستحدثة في «بوليفارد وورلد» والتي فتحت أبوابها ضمن النسخة السادسة من موسم الرياض 2025، وتزينت بمجموعة من المعالم المعاصرة والتراثية للتعريف بالموروثات المتنوعة لواحدة من الدول الخليجية الست المطلة على الخليج العربي.
المشاركون في الجناح أوضحوا، أن رحلات صيد اللؤلؤ، كانت تتم على متن سفن مختلفة مثل «الجالبوت»، وهو نوع من سفن الغوص المحلية التي تستخدم في الخليج العربي، و«السنبوك» وهو نوع من السفن الشراعية الخشبية التقليدية الموجودة في منطقة الخليج العربي واليمن، و«البتيل» وهي سفينة شراعية متوسطة الحجم استخدمت آخر مرة في الكويت عام 1937.

ويتكون فريق العمل على السفينة، من «النوخذة»، وهو ربان أو قبطان السفينة التي تعمل في الصيد أو التجارة ويكون معنياً باتخاذ القرارات وبسلامة السفينة وطاقمها، و«السيب» الذي يستجيب لأوامر «النوخذة» في توجيه السفينة، و«التبّاب»، وهو المساعد الصغير الذي يتعلم مهنة الغوص أو البحرية على متن السفينة، و«النهّام» الذي يسلّي طاقم السفينة، بمقطوعات غنائية تخفف من عناء الرحلة ومشاقها.
ولم تكن مشقة صيد اللؤلؤ، تتوقف عند حدود البحر، بل تتجاوزه إلى عائلات البحارة والغواصين، الذين يحدوهم الأمل بعودة الغائب البعيد، ويقضّ مضاجعهم الحزن على احتمال فراقه؛ بسبب ما لا تحمد عقباه من ظروف البحر ومفاجآته.

وفي المنطقة المخصصة للكويت يتعرف الزائر على مختلف أنواع الأهازيج والمواويل المرتبطة بطقوس الغوص التي ترددها فرقة الفلكلور المشارك في الجناح، التي تمزج بين الأسى والأمل، وبين الفرح والإحباط، وتنطوي كلماتها وألحانها على طاقة مشاعرية تفتح للحضور نافذة على أعماق التاريخ، وتطلع النشء الجديد على ما كانت تقاسيه الأجيال السابقة من مشاق وما عاصرته من تحديات لكسب قوت يومها.
هذه الأهازيج، إضافة إلى كونها تسلية للغواصين على متن السفينة، كان لها دور أيضاً في تهيئة البحارة نفسياً؛ فلكل موال وأهزوجة وقت ومناسبة يتغنون به، ومنها ما يُغنى لشحذ الهمم للعمل مثل «هيه يا الله... هيه يا الله»، ومنها ما يغنى في طريق العودة بعد انتهاء الموسم مثل «يا دارنا عقب الهجر يناك (جئناك) عانين».

ومنها ما تغنيه عائلات الغواصين في أواخر أيام الغوص أو «القفال»، حين مشاهدة أشرعة السفن وهي قافلة إلى الشاطئ مثل «توب توب يا بحر أربع وخامس شهر... جيبهم طالبينك جيبهم... ما تخاف من الله يا بحر أربع وخامس شهر».





