بصيص أمل لعلاج الشلل... دواء تجريبي يعيد لمصاب قدرته على المشي

دواء تجريبي جديد يحمل بصيص أمل للمرضى المصابين بالشلل (رويترز)
دواء تجريبي جديد يحمل بصيص أمل للمرضى المصابين بالشلل (رويترز)
TT

بصيص أمل لعلاج الشلل... دواء تجريبي يعيد لمصاب قدرته على المشي

دواء تجريبي جديد يحمل بصيص أمل للمرضى المصابين بالشلل (رويترز)
دواء تجريبي جديد يحمل بصيص أمل للمرضى المصابين بالشلل (رويترز)

يبدو أن دواءً تجريبياً جديداً قد يحمل بصيص أمل للمرضى الذين يعانون من إصابات الحبل الشوكي، إذ أظهر نتائج واعدة في تحسين القدرة على الحركة لدى المشاركين في تجربة سريرية من المرحلة الثانية.

وبحسب ما نشرت شبكة «فوكس نيوز»، فإن الدواء، الذي يُعرف باسم «NVG-291»، هو ببتيد (جزيء يتكوّن من سلسلة قصيرة من الأحماض الأمينية) يُحقن يومياً، وقد خضع لاختبارات على عدد من المرضى المؤهلين، وأبلغ بعضهم عن تحسنات ملحوظة.

وصرح لاري ويليامز، أحد المشاركين في التجربة والمقيم في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، لشبكة «فوكس نيوز»، بأنه استعاد قدرته على المشي بعد إصابة أدت إلى شلل جزئي.

وويليامز، البالغ من العمر 58 عاماً، كان يركب دراجة جبلية على مسار ضيق عندما اصطدم بشجرة. وعلى الرغم من ارتدائه خوذة، فإنه كسر بشكل فوري الفقرات من «سي 4» إلى «سي 6» في عموده الفقري العنقي.

وخضع ويليامز لجراحة في العمود الفقري، لكنه ظل مشلولاً لمدة أسبوعين قبل أن يبدأ جسده في «الاستيقاظ» تدريجياً، ليستعيد بعض الحركة بفضل العلاج الطبيعي.

وتمكن ويليامز من المشي «قليلاً» باستخدام مشاية، إلا أنه ظل يعاني من مشكلات في الحركة، خصوصاً في يديه، وفقد نحو 18 كلغ من وزنه بعد الحادث.

وبعد بحث مكثف، علم ويليامز بتجربة «NVG-291»، وعدّ مرشحاً مناسباً للمشاركة فيها، وفقاً له.

بدءاً من أبريل (نيسان) 2024، تلقى ويليامز حقنة يومية من الدواء لمدة 3 أشهر، تلتها ساعة من العلاج الفيزيائي شملت تمارين لليدين والمشي باستخدام حزام دعم على مضمار مستوٍ أو جهاز المشي.

كما خضع لفحوصات دم واختبارات فسيولوجية كهربائية لقياس نشاط الأعصاب والعضلات، إلى جانب تقييمات بدنية شهرية.

ومع نهاية فترة التجربة، استطاع ويليامز أن يمشي مسافة 10 أمتار باستخدام المشاية في 15 ثانية فقط، مقارنة بـ45 ثانية سابقاً.

ورغم توقفه عن تلقي الدواء منذ يوليو (تموز) 2024، فإن ويليامز لا يزال يلاحظ تحسنات جسدية حتى بعد مرور عام على انتهاء التجربة.

وقال ويليامز: «لا أتمرن كثيراً حالياً، ولا أتلقى علاجاً طبيعياً، لكن قبل أيام قليلة، وقفت محاولاً التوازن ورفعت قدمي عن الأرض، وتمكنت من فعل ذلك لمدة 30 ثانية».

وأضاف: «لم أكن أتدرب على هذا الأمر. لا أستطيع تفسير كيف حدث، لكن هناك تحسنات صغيرة لا تزال تظهر».

وأشار ويليامز إلى أنه حاول التمرين نفسه قبل 6 أشهر، ولم يتمكن من رفع قدمه عن الأرض لأكثر من ثلاث ثوانٍ. ومنذ مشاركته في التجربة، تحسنت قدرته على المشي، بل أصبح قادراً على السباحة وقطع مسافات داخل المسبح.

وتابع: «أتواصل مع أشخاص يعانون من نفس إصابتي، ويبدو أن كثيراً منهم لا يصلون إلى حالتي إلا بعد سنوات من العلاج المكثف. أشعر كأنني حصلت على اختصار... وأتمنى أن أعود إلى حياتي السابقة، مستقلاً تماماً».

وأكد أن أداءه للمهام الجسدية أصبح «أسهل وأسرع»، وشرح: «حركة ساقي أصبحت أكثر سلاسة وأقل تقييداً مع مرور الوقت. لن أستسلم، وسأواصل المحاولة».

كيف يعمل الدواء؟

أوضحت الدكتورة مونيكا بيريز، الباحثة الرئيسية ورئيسة القسم العلمي في مختبر «Shirley Ryan AbilityLab» في شيكاغو وأستاذة الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل في جامعة نورثويسترن، للشبكة، أن الدواء تم اختباره أولاً على الحيوانات، وأظهر تحسناً في وظائف الحركة.

وأشارت إلى أن الباحثين أجروا تجربة سريرية عشوائية على البشر، حصل فيها نصف المشاركين على «NVG-291»، وهو دواء يحتوي على جزيء مخصص لإصلاح الجهاز العصبي وتحفيز نمو الخلايا العصبية.

والدواء عبارة عن ببتيد، أي بروتين صغير يعمل على «إزالة العوائق». فعقب إصابة الحبل الشوكي، يرسل الجسم إشارات تمنع الألياف العصبية من النمو مجدداً. ويعمل هذا الدواء على حجب تلك الإشارات، مما يمنح الأعصاب فرصة أكبر للنمو من جديد.

وقالت بيريز: «هذا الببتيد يمكنه حجب الإشارات المثبطة. وهناك أدلة من التجارب على الحيوانات تُظهر أنه قد يُعزز نمو الخلايا العصبية بالفعل».

وعلى الرغم من أن بعض الأدوية المعروفة مثل ناهضات مستقبلات «GLP-1» تُستخدم لعلاج السمنة والسكري وتُصنف كببتيدات، فإن هذا الدواء يعمل بآلية مختلفة، وفق بيريز.

وأوضحت أن «آلية هذا العلاج مرتبطة بشكل خاص بترميم الأعصاب، ومحاولة تعزيز نمو الخلايا العصبية المتأثرة بإصابات الجهاز العصبي المركزي».

وعادةً ما تُعالج إصابات الحبل الشوكي باستخدام العلاجات الخلوية؛ مثل الخلايا الجذعية أو خلايا النخاع العظمي، لكن بيريز فسرت أن نهج الببتيد يعد «سهل الاستخدام»، ويمكن إعطاؤه في المنزل، ويحقق «نتائج مشابهة» ويتمتع بـ«درجة أمان عالية».

وأكدت بيريز ضرورة إجراء مزيد من الدراسات لتحديد مدى استمرارية تأثير الدواء، قائلة: «لاحظنا تغيرات فسيولوجية كهربائية قوية في مجموعة الدواء مقارنةً بمجموعة الدواء الوهمي، لكننا لا نملك بيانات متابعة لتحديد مدة تأثير العلاج بدقة».

أمل لمصابي الحبل الشوكي

نظراً لعدم وجود علاج معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) لإصابات الحبل الشوكي حتى الآن، تؤكد بيريز أن الفريق البحثي «ملتزم بشدة» بتطوير هذا المجال العلمي.

ورغم أن الاستجابة للعلاج تختلف من مريض لآخر، فإن ويليامز أكد أنه ينصح بهذا العلاج لمن يعانون من إصابات مشابهة.

وقال في ختام حديثه: «هذا العلاج قد يُحدث فارقاً كبيراً في حياة أشخاص مصابين مثلي. كل ما أتمناه أن يحصل الجميع على فرصة لاستعادة حياتهم».



«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
TT

«نوابغ العرب» تختار البروفسور اللبناني بادي هاني لجائزة «الاقتصاد»

حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)
حصل البروفسور اللبناني بادي هاني على جائزة فئة الاقتصاد لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية (الشرق الأوسط)

اختارت مبادرة «نوابغ العرب» البروفسور اللبناني بادي هاني للفوز بالجائزة عن فئة الاقتصاد، تقديراً لإسهاماته العلمية في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية.

وهنّأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، البروفسور هاني، مؤكداً أن استدامة النمو الاقتصادي المرن والمتوازن تُعد ركناً أساسياً لتقدم المجتمعات وازدهار الحضارة الإنسانية. وقال في منشور على منصة «إكس» إن هاني، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيراكيوز، قدّم «إسهامات استثنائية» في الاقتصاد القياسي وتطوير نماذج تحليل البيانات الاقتصادية، لافتاً إلى أنه نشر أكثر من 200 بحث علمي، وأن كتابه في تحليل نماذج البيانات الاقتصادية بات مرجعاً للباحثين حول العالم.

وأشار الشيخ محمد بن راشد إلى حاجة المجتمعات العربية إلى اقتصاديين محترفين، مؤكداً أن السياسات الفاعلة تُبنى على علم راسخ وبيانات دقيقة، وأن «اقتصاد الأمة يُصنع بعقولها»، معبّراً عن تطلعه إلى «فصل عربي جديد» في مسيرة استئناف الحضارة العربية.

وجاء منح جائزة الاقتصاد هذا العام للبروفسور بادي هاني تقديراً لإسهاماته في تطوير أدوات التحليل الاقتصادي، خصوصاً في مجال «تحليل لوحة البيانات الاقتصادية»، الذي يعزز دقة دراسة البيانات عبر دمج معلومات من فترات زمنية ومصادر متعددة. وأسهمت ابتكاراته، بحسب المبادرة، في تحسين تقييم آثار السياسات الاقتصادية على المدى البعيد وعبر مناطق مختلفة، ما دفع حكومات ومؤسسات إلى تبنّي أساليبه في قياس كفاءة السياسات والإنفاق العام والأطر التنظيمية.

كما قدّم هاني دورات تدريبية لمختصين اقتصاديين ضمن مؤسسات دولية، بينها البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبنوك مركزية عدة. ونشر أكثر من 200 بحث علمي، وله مؤلفات أكاديمية مؤثرة، أبرزها كتاب «تحليل نماذج البيانات الاقتصادية» المرجعي. وهو يحمل درجة البكالوريوس في الإحصاء من الجامعة الأميركية في بيروت، والماجستير من جامعة كارنيجي ميلون، والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بنسلفانيا.

وفي إطار الإعلان عن الجائزة، أجرى محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس اللجنة العليا لمبادرة «نوابغ العرب»، اتصالاً مرئياً بالبروفسور بادي هاني أبلغه خلاله بفوزه بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الاقتصاد، مشيراً إلى أهمية الأبحاث والنظريات والأدوات التي طورها على مدى عقود، والتي أصبحت ركيزة أساسية في التحليل الاقتصادي الاستراتيجي القائم على المعطيات والبيانات الدقيقة لاستشراف مستقبل التنمية وتعظيم فرصها.

واعتبر القرقاوي أن فوز هاني يمنح «دافعاً قوياً» لجيل جديد من الباحثين والمحللين والاقتصاديين العرب للإسهام في رسم المرحلة المقبلة من التنمية الشاملة في المنطقة.


آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
TT

آلاف يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند «ستونهنج» في إنجلترا

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)
أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

احتشد آلاف الأشخاص ورقصوا حول «ستونهنج» في إنجلترا، بينما ارتفعت الشمس فوق الدائرة الحجرية ما قبل التاريخ، اليوم (الأحد)، في الانقلاب الشتوي.

وتجمعت الحشود، العديد منهم مرتدون زي الدرويد والمشعوذين الوثنيين، قبل الفجر، منتظرين بصبر في الحقل البارد والمظلم في جنوب غربي إنجلترا. وغنى بعضهم، وضربوا الطبول، بينما أخذ آخرون وقتهم للتأمل بين الأعمدة الحجرية الضخمة.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

يقوم كثيرون بزيارة هذه الدائرة الحجرية كل صيف وشتاء، معتبرين ذلك تجربة روحية. ويعد النصب القديم، الذي بني بين 5000 و3500 سنة مضت، مصمماً ليتوافق مع حركة الشمس خلال الانقلابات، وهي تواريخ رئيسية في التقويم بالنسبة للمزارعين القدماء.

وقالت منظمة إنجلش هيريتاج، المسؤولة عن إدارة «ستونهنج»، إن نحو 8500 شخص احتفلوا يوم السبت بالموقع في سالزبوري بلين، على بعد نحو 75 ميلاً (120 كيلومتراً) جنوب غربي لندن. وأضافت أن البثّ المباشر للاحتفالات جذب أكثر من 242 ألف مشاهدة من جميع أنحاء العالم.

أشخاص يحتفلون بشروق شمس الانقلاب الشتوي عند موقع «ستونهنج» في إنجلترا (أ.ب)

واليوم (الأحد)، هو أقصر يوم في السنة شمال خط الاستواء، حيث يشير الانقلاب الشتوي إلى بداية الشتاء الفلكي. أما في نصف الكرة الجنوبي، فهو أطول يوم في السنة ويبدأ الصيف.

ويحدث الانقلاب الشتوي عندما تصنع الشمس أقصر وأدنى قوس لها، لكن العديد من الأشخاص يحتفلون به كوقت للتجديد، لأن الشمس بعد يوم الأحد ستبدأ بالارتفاع مجدداً، وستزداد مدة النهار يوماً بعد يوم حتى أواخر يونيو (حزيران).


«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
TT

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)
المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

يقدّم الفيلم العراقي «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل، مدينة الجراح المفتوحة، بعد سنوات من محاولته الابتعاد عن العراق وصراعاته، فبعد نجاح فيلمه السابق «لا مكان للاختباء» وما تركه من أثر عاطفي ثقيل عليه، كان المخرج يؤكد لنفسه أنه لن يصوّر في المنطقة مرة أخرى.

لكن المُوصل كما يقول لـ«الشرق الأوسط» أعادت جذبه ببطء حين رأى الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب مع تنظيم «داعش»، وواجه أسئلة لم يتمكن من تجاهلها حول كيفية سقوط مدينة بهذا التاريخ أمام 800 مقاتل فقط، وكيف يحاول سكانها اليوم النهوض من جديد.

الفيلم الذي حصد التانيت الفضي للفيلم الوثائقي الطويل ضمن فعاليات الدورة الـ36 من «أيام قرطاج السينمائية»، بتونس، بدأت رحلة مخرجه من فكرة مختلفة تماماً، إذ كان يبحث عن تحفة أثرية، تُعرف باسم «بطارية بغداد»، ظنّ أنها سُرقت بعد عام 2003، قبل أن يكتشف وجودها في قبو المتحف الوطني.

وثّق الفيلم جانباً من الأضرار التي لحقت بالموصل (الشركة المنتجة)

لكن زيارة إلى الموصل بدّلت مسار الفيلم، ففي أحد الأزقة الضيقة للمدينة القديمة، وقف أمام منزل دُمر بالكامل، ولم يبقَ منه سوى بوابة رخامية، يعلوها أسدان منحوتان، كأنهما الحارسان الأخيران لزمنٍ مضى، هذا المشهد كان كافياً ليقرر أنه أمام قصة أكبر من مجرد بحث أثري، بل أمام ذاكرة مدينة بأكملها.

تعرف أحمد خلال تلك الرحلات إلى بشّار، الصياد ابن الموصل وصاحب المنزل المدمر، 4 أجيال من عائلته عاشت في ذلك البيت، واليوم لم يبقَ لهم سوى هذين الأسدين، في نظر بشّار لم يكونا حجارة، بل كانا امتداداً لعائلته، لذكرياته، لروحه كلها، يذهب يومياً إلى الأطلال ليحرسهما، ويواجه محاولات سرقة متكررة، ويقاوم شعوراً لا ينتهي بأن الدولة تخلّت عنه، وأن مدينته فقدت القدرة على ضمّه، مأساته في الفيلم ليست فقدان منزل فقط، بل فقدان هوية، وفشل محاولات الإقناع بأن الوقت قد حان للبدء من جديد.

رصد الفيلم جوانب مختلفة من الحياة في الموصل (الشركة المنتجة)

وفي مقابل بشار، يظهر فخري، الشخصية التي تضيف بعداً مختلفاً للفيلم، رجلاً ستينياً، جمع على مدى سنوات أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية أنقذها من بيوت مهجورة وبقايا خراب الحرب، وحوّل منزله إلى متحف مفتوح للناس، باع سيارته، ومقتنيات زوجته، ومدخراته كلها ليحافظ على جزء من هوية الموصل. في البداية، كان يحلم بأن يضم باب منزل بشّار إلى مجموعته، معتقداً أنه يحمي تاريخ المدينة من الضياع.

لكن مع الوقت تبدأ تحولات داخلية عميقة تظهر في شخصيته، خصوصاً حين يواجهه صديقه الموسيقار فاضل بأن التاريخ ليس سلعة، وأن ما تبقى لبشّار ليس حجراً بل حياته نفسها، فيصبح هذا الصراع الإنساني بين رجلين يحبان مدينتهما على طريقتين مختلفتين محوراً أساسياً ينبني عليه الفيلم.

أما فاضل، الموسيقار الذي عاش 3 سنوات من الرعب تحت حكم «داعش»، فكان يخفي آلته الموسيقية خشية إعدامه. يخرج اليوم إلى الشارع، يعزف وسط الأنقاض، يعلّم جيلاً جديداً من الشباب ومعظمهم من الفتيات ويعيد الموسيقى إلى مدينة حاول التطرف أن يخنق صوتها، وجوده في الفيلم لا يقدّم بعداً موسيقياً جمالياً فقط، بل يعكس التغيّر الأعمق الذي عاشته الموصل بعد التحرير، انفتاحاً ثقافياً مفاجئاً وغير متوقع، وعودة للحياة المدنية من خلال الفن، لا السياسة.

التصوير كان رحلة محفوفة بالمخاطر كما يؤكد المخرج، فالكاميرا في العراق ليست موضع ترحيب، الناس يخشونها، السلطات تشك فيها، والمخابئ والممرات تحت الأرض كانت لا تزال مليئة بالألغام وبقايا العبوات، كثيراً ما أوقفته الشرطة أو اتهمه البعض بالتجسس، بينما كان يحاول الحفاظ على سلامة فريقه وسلامة الشخصيات التي ترافقه داخل أحياء مهدمة. ومع ذلك، كان الإحساس بأن الوقت ضيق والمدينة تتغير بسرعة دافعاً له للاستمرار، كما لو أنه يصوّر آخر فرصة لتوثيق ما تبقى من ذاكرة شفافة قبل أن تذوب.

خلال 5 سنوات من العمل، جمع المخرج أكثر من 600 ساعة تصوير، لم يكن يعتمد على سيناريو ثابت، بل على تطور القصة من قلب الواقع، وعلى اللحظة التي يلتقطها بعفوية، وعلى مشاهد تنشأ من الصمت أو من جملة يقولها بشّار أو فخري أو فاضل. ولهذا يبدو الفيلم حياً، غير مشكَّل مسبقاً، أقرب إلى تسجيل نبض مدينة تبحث عن روحها.

عودة الروح والموسيقى إلى الموصل بعد تحريرها من أيدي «داعش» (الشركة المنتجة)

يمتد أثر الفيلم إلى ما يتجاوز الشخصيات، فالموصل التي يظهرها أحمد ليست مجرد مدينة مدمرة، بل مدينة تحاول استعادة معمارها وروحها وذاكرتها، حيث نساء يخرجن إلى الساحات من جديد، فنانون يعيدون افتتاح المسرح، موسيقيون يدرّبون أطفالاً صغاراً، ومتحف وطني يُرمَّم بعد أن دمّره «داعش»، كل تفصيلة تتحرك داخل الفيلم باعتبارها جزءاً من سؤال أكبر؛ هل يمكن لمدينة فقدت كل شيء أن تستعيد هويتها؟ وهل يستطيع الإنسان أن يشفى من ذاكرة الحرب؟

ورغم أن الموصل اليوم أكثر أماناً، فإن المخرج يذكّر بأن الأفكار المتطرفة لا تختفي بسهولة، ويرى أن المدينة مثل مرآة للمنطقة كلها، وأن ما يحدث فيها يعكس ما يمكن أن يحدث في مدن أخرى إذا تُركت بلا دعم حقيقي أو دون إعادة بناء للثقة والوعي والانتماء.