عن عمر 91 عاماً، رحلت العالمة والمفكرة البارزة، جين غودال، التي اشتهرت ببحوثها الميدانية الرائدة والمباشرة حول حيوان الشمبانزي، ووثّقت سلوكه الفردي المتميّز وقدرته على استخدام الأدوات.
ووفق «أسوشييتد برس»، أصبحت غودال، الناشطة البيئية، شخصية محبوبة وذات شهرة واسعة، إذ تجاوز تأثيرها حدود الأجيال بفضل ظهورها في الأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية، إلى جانب جولاتها حول العالم لإلقاء محاضرات جذبت جمهوراً غفيراً في كلّ مكان.

ونعى «معهد جين غودال» العالِمة الراحلة عبر منشور على «إنستغرام»، موضحاً أنها توفيت لأسباب طبيعية خلال وجودها في كاليفورنيا ضمن جولة محاضرات في الولايات المتحدة.
وصرَّح المعهد، الذي يتخذ من واشنطن العاصمة مقراً له، بأنّ اكتشافاتها «أحدثت ثورة في العلوم، وكانت مُدافعة لا تعرف الكلل عن حماية عالمنا الطبيعي واستعادته».
وخلال سنوات معايشتها للشمبانزي في أفريقيا قبل عقود، وثَّقت غودال سلوكيات كانت تُعدُّ آنذاك حكراً على البشر. وقد أسهمت ملاحظاتها، إلى جانب ظهورها في المجلات والأفلام الوثائقية في ستينيات القرن الماضي، في تغيير النظرة العالمية ليس فقط تجاه أقرب الكائنات إلى الإنسان من الناحية البيولوجية، بل أيضاً تجاه التعقيد العاطفي والاجتماعي الذي تتمتّع به جميع الحيوانات، مما جعلها إحدى أبرز الشخصيات في الوعي العالمي.

وعلّقت غودال في مقابلة مع «أسوشييتد برس» عام 2021: «حين تعيش في عزلة بأحضان الطبيعة، تغدو جزءاً منها، من دون أن تتعارض إنسانيتك مع ذلك. كأنما روحك تتجاوز جسدك حينئذٍ، فتبدأ فجأة بسماع أصوات مختلفة، وتشمّ روائح جديدة، ليغمرك إحساس بأنك جزء لا يتجزأ من هذه اللوحة الرائعة للحياة».
ولم تفقد غودال يوماً الأمل بالمستقبل. فقد كان من المقرّر أن تلتقي مجموعة من الطلاب والمعلمين لإطلاق مشروع غرس 5 آلاف شجرة في المناطق المتضرّرة من حرائق الغابات في منطقة لوس أنجليس. غير أنّ المنظمين تلقّوا نبأ وفاتها مع بدء الفعالية في «أكاديمية EF» بمدينة باسادينا، وفق ما أفادت المتحدّثة شونا مارينو.
وأُقيمت دقيقة صمت حداداً على روحها، ثم زُرعت أول شجرة تخليداً لذكراها. وقالت مارينو: «لا أعتقد أنّ هناك وسيلة أفضل لتكريم إرثها من اجتماع ألف طفل تحت شعارها».

وكرَّست غودال عقوداً من سنواتها الأخيرة للتعليم والدعوة إلى القضايا الإنسانية وحماية الطبيعة. وبلهجتها البريطانية المميّزة، اشتهرت بقدرتها على الموازنة بين عرض الحقائق القاسية المرتبطة بأزمة المناخ، وتقديم رسالة صادقة ومُفعمة بالأمل تجاه مستقبل الكوكب.
ومن مقرّها في بلدة بورنموث الساحلية البريطانية، واصلت السفر لنحو 300 يوم في السنة، حتى بعد بلوغها سنّ التسعين، لإلقاء المحاضرات العامة. وكانت خطاباتها، إلى جانب رسائلها الجادة، لا تخلو أحياناً من الدعابة، سواء من خلال تقليد صرخات الشمبانزي، أو ممازحتها الشهيرة بأن «طرزان اختار جين الخطأ».
وبعد وفاتها، انهالت رسائل النعي والتكريم من منظمات حقوق الحيوان، وزعماء سياسيين، ومحبّين من مختلف أنحاء العالم، احتفاءً بإرثها الإنساني والعلمي العميق.





