سياحة العزلة في كوريا الشمالية... منتجعات مهجورة ورقابة مشدّدة

بين الممكن والمحظور... كيف تمضي إجازة في كوريا الشمالية (أ.ف.ب)
بين الممكن والمحظور... كيف تمضي إجازة في كوريا الشمالية (أ.ف.ب)
TT

سياحة العزلة في كوريا الشمالية... منتجعات مهجورة ورقابة مشدّدة

بين الممكن والمحظور... كيف تمضي إجازة في كوريا الشمالية (أ.ف.ب)
بين الممكن والمحظور... كيف تمضي إجازة في كوريا الشمالية (أ.ف.ب)

في منتجعٍ يتّسع لـ20 ألف زائر، يُفتَتح الموسم السياحي بـ15 ضيفاً فقط. لا يمكن أن يدور سيناريو مثل هذا سوى في بلدٍ يُدعى كوريا الشمالية.

تجول السائحة الروسية أناستازيا سامسونوفا في أرجاء المكان، فيبدو وكأنه مهجور. الطعام كثير والمقاعد المنتظرة محبّي الشمس موزّعة بالمئات على رمل الشاطئ، إلا أنّ أحداً لا يأتي. هكذا هي السياحة في كوريا الشمالية؛ مساحاتٌ شاسعة لا تملأها سوى قلّة قليلة من البشر.

افتتح الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون شخصياً منتجع «كالما» الفخم قبل شهرين في منطقة وونسان المطلّة على بحر اليابان. رافقته المفرقعات والموسيقى احتفاءً به وبمشروعٍ سياحيّ واعد لبلدٍ أنهكته العزلة وأضناه الفقر. لكن عندما حان موعد فتح أبواب الفنادق والمطاعم أمام الزوّار، أعادت بيونغ يانغ تشديد القيود على دخول السياح إلى البلاد، بعد أن كانت قد رفعتها عقب 5 أعوام من إغلاق الحدود بداعي جائحة «كورونا».

وحدهم السيّاح الروس شُرّعت لهم أبواب كوريا الشمالية الحصينة، فكانوا أول مَن دخلها بعد رفع الحظر. كما كان من المفترض أن تستقبل البلاد زوّاراً من أوروبا، إلا أنّ قرار الحظر سرعان ما تَجدّد من دون توضيح الأسباب.

كيم جونغ أون خلال افتتاح منتجع سياحي في منطقة وونسان (وكالة كوريا الشمالية المركزية للأنباء)

هل دخول بيونغ يانغ مسموح للجميع؟

قد لا تكون كوريا الشمالية في صدارة وجهات السفر المفضّلة بالنسبة لكثيرين، إلا أن البعض ربما يفكّر في زيارتها من باب الفضول والرغبة في استكشاف بلدٍ هو الأكثر غموضاً وعزلةً على الخريطة. لكن ما الجنسيّات التي يحقّ لها دخول البلاد؟

للجميع الحقّ في السفر إلى كوريا الشمالية، باستثناء الصحافيين ومواطني كوريا الجنوبية. أما الأميركيون فليسوا ممنوعين من الدخول من قِبَل الجانب الكوري، بل سلطات بلادهم هي التي تمنعهم؛ خوفاً على سلامتهم.

المنتجع السياحي البحري الجديد على شواطئ كوريا الشمالية (وكالة كوريا الشمالية المركزية للأنباء)

قبل جائحة «كورونا»، كان يدخل إلى كوريا الشمالية 350 ألف سائح سنوياً، 90 في المائة منهم صينيون وفق شبكة «بي بي سي». وبذلك يتصدّر الصينيون النشاط السياحي في البلاد، بينما يشكّل الأوروبيون والأميركيون أقلّية لا تتجاوز الـ5 آلاف زائر سنوياً.

أما حالياً فليست الحدود مفتوحةً سوى أمام مواطني روسيا، حليفة كوريا الشمالية الأولى على المستويات السياسي والعسكري والاقتصادي.

سائح يلتقط الصور في محطة المترو في بيونغ يانغ (أ.ف.ب)

الفيزا الورقيّة الزرقاء

إذا رغب مواطنٌ عربي في السفر إلى كوريا الشمالية لخَوض مغامرة لا تشبه سواها، فعليه أولاً تأمين فيزا. صحيح أن سلطات بيونغ يانغ لا تمنح التأشيرات حالياً، غير أن الحظر قد يُرفع في أي وقت.

بما أنّ القيود التي تضعها الدولة على الزوّار الأجانب صارمة جداً، ممسكةً بالقطاع السياحي بيدٍ من حديد، فلا يمكن أن يحصل التخطيط لرحلة مثل هذه بشكلٍ مستقلّ. فبدءاً بإجراءات التأشيرة، مروراً بحجز بطاقة الطيران وغرفة الفندق، وصولاً إلى الجولات السياحية داخل البلاد، كل ذلك تتولّاه وكالة مرخّصة تُعدّ ذراعاً للسلطات الرسمية. على الراغبين في السفر بالتالي التواصل مع تلك الوكالة الكورية الشمالية التي تهتمّ بتأمين التأشيرة، وهي عبارة عن وثيقة ورقيّة زرقاء مستقلّة عن جواز السفر ولا تُطبع عليه.

التأشيرة السياحية الخاصة بالمسافرين إلى كوريا الشمالية (ويكيبيديا)

وجهتان وحيدتان... إما روسيا أو الصين

الخطوط الجوية الوحيدة المخوّلة الهبوط في مطار بيونغ يانغ الدولي هي «Air Koryo» الكورية الشمالية، مع بعض الاستثناءات للخطوط الجوية الصينية. ولا يمكن الوصول إلى بيونغ يانغ جواً سوى عبر الصين أو روسيا، وهما الوجهتان الوحيدتان اللتان تربطان كوريا الشمالية بالعالم.

وفق الموقع الإلكتروني لشركة «Air Koryo»، فإنّ تكلفة الرحلة من فلاديفوستوك الروسية إلى بيونغ يانغ تبلغ 265 دولاراً أميركياً، أما سعر البطاقة من بكين فيبلغ 245 دولاراً.

لا تحط في مطار بيونغ يانغ سوى طائرات وافدة من روسيا أو الصين (رويترز)

تفتيش الهواتف... ولا إنترنت

ما إن يحطّ في مطار بيونغ يانغ، على السائح أن يسجّل اسمَه لدى السلطات الرسمية. يمكنه الاحتفاظ بهاتفه الجوّال بعد أن يتفحّصه موظّفو الجمارك، لكن الخطوط الأجنبية لا تعمل داخل كوريا الشمالية. بالإمكان في المقابل شراء بطاقة «كوريولينك» المحلّية، التي تُتيح إجراء مكالماتٍ دولية حصراً. فالاتصالات الداخلية والاتصال بشبكة الإنترنت غير متاحَين للزوّار.

ماذا عن فنادق كوريا الشمالية؟

حتى الفندق لا يمكن أن يختاره السائح شخصياً، بل يجري ذلك عبر الوكالات الرسمية التي تنظّم الرحلات. أما خيارات الفنادق فمحدودة جداً ويتمركز معظمها في بيونغ يانغ، من بينها فندقا «يانغاكدو»، و«كوريو».

جانب من بهو فندق «يانغاكدو» في بيونغ يانغ (موقع الفندق)

وفق كتابٍ نُشر عام 2020 بعنوان «فنادق بيونغ يانغ»، الذي أعدّه مواطن أسترالي زار كوريا الشمالية 8 مرّات، فإنّ الفنادق في البلاد لا تُشبه سواها في أي مكانٍ آخر حول العالم. تتميّز بضخامتها، وبديكوراتها الملوّنة، وبمطاعمها، ومقاهيها، وبملاهي الكاريوكي. في المقابل، لا إنترنت في فنادق كوريا الشمالية، أما الموسيقى التي تصدح في الأروقة و«اللوبي»، فأناشيد وطنية تمدح القائد كيم جونغ أون.

«ريوغيونغ» أحد أشهر فنادق بيونغ يانغ وأغربها تصميماً (إنستغرام)

جولات جماعية تحت رقابة مشدّدة

لا يمكن لأي سائح أن يخرج من الفندق بمفرده، بل يجب أن يكون ضمن مجموعة يقودها الدليل السياحي المخوّل تحديد الأماكن المسموح بزيارتها. وحتى إذا رغب السائح بالتسوّق فعليه الالتزام بالمحالّ التجارية المخصصة للزوّار الأجانب، فمن غير المسموح الدخول عشوائياً إلى أي متجر.

أما التواصل مع السكّان المحليين فمراقَبٌ من كثب من قِبَل منظّمي الرحلة، إذ يُصنّف التحدّث إلى مواطنين كوريين شماليين من دون الحصول على إذن، تجسساً.

ينطبق الأمر ذاته على التصوير، فلا يمكن التقاط أي صورة من دون الحصول على إذن من الدليل. وتقتصر اللقطات التي يمكن أخذها على مواقع سياحية محدّدة، أما تصوير المواقع العسكرية، ومظاهر الفقر، وورش البناء فمحظور.

مجموعة من السيّاح في كوريا الشمالية قبل إغلاق الحدود خلال جائحة «كورونا» (أ.ف.ب)

مواقع سياحية في كوريا الشمالية

تشتهر كوريا الشمالية بمنتجعات التزلّج المنتشرة في جبالها التي تكسوها الثلوج ما بين ديسمبر (كانون الأول) وفبراير (شباط). كما حرص كيم جونغ أون، منذ تولّيه الحُكم، على إنشاء مجمّعات ترفيهية وحدائق مائية ضخمة لتعزيز صورة الرخاء في البلاد.

على قائمة المواقع التي يُسمَح للسيّاح بزيارتها كذلك، محطّة المترو في بيونغ يانغ ذات التصميم الجذّاب والهندسة المتطوّرة، ونصب مانسوداي العُظمى التي تجمع بين تمثالين بطول 20 متراً يعودان إلى الزعيمَين الراحلَين لكوريا الشمالية: كيم إل سونغ، وكيم جونغ إل. يُضاف إلى القائمة برج جوتشي عند نهر تايدونغ، المسمّى تيمّناً بفكر جوتشي الذي اعتمده كيم إل سونغ خلال حُكمه. كما باستطاعة السيّاح أن يعاينوا عن قرب ساحة كيم إل سونغ الشاسعة، حيث تُقام العروض العسكرية الشهيرة.

أما خارج العاصمة، فيُعدّ جبَلا «بايكتو» و«كومغانغ» من المواقع السياحية الأساسية، وهما يتمتّعان بطبيعة خلّابة.

نصب مانسوداي أحد أبرز المواقع السياحية في كوريا الشمالية (رويترز)

ماذا تأكل في كوريا الشمالية؟

لقائمة الطعام حصّتها كذلك لدى زيارة كوريا الشمالية، أما الأطباق الأشهر فغريبة جداً بالنسبة إلى الذائقة العربية.

يتربّع الـ«ناينغميون» على رأس القائمة، وهو طبقٌ من النودلز المصنوعة من القمح والبطاطا، يُضاف إليها مرق لحم البقر، وتُزيّن بقطع من اللحم والخيار والبيض والفجل. يُقدّم هذا الطبق بارداً، وغالباً ما تُضاف إليه مكعّبات الثلج.

«ناينغميون» أحد أشهر الأطباق في كوريا الشمالية (ويكيبيديا)

الـ«كيمشي» هو الطبق الوطني الأول في كوريا الشمالية. المكوّن الأساسي فيه هو الكرنب (أو الملفوف) المخلّل، يُضاف إليه مسحوق الفلفل الأحمر، والفجل، والثوم والزنجبيل.

ومن الأطباق الكورية الشمالية المشهورة، الـ«بيبيمباب» وهو مزيج من الأرز والخضار واللحم المفروم ومسحوق الفلفل وصلصة الصويا والبيض.


مقالات ذات صلة

دراسة تتوقع ارتفاع الإيرادات السياحية في مصر إلى 30 مليار دولار بحلول 2030

الاقتصاد سائحون يتفقدون «المتحف المصري الكبير» الذي ساهم في زيادة أعداد السياح منذ افتتاحه مؤخراً (أ.ب)

دراسة تتوقع ارتفاع الإيرادات السياحية في مصر إلى 30 مليار دولار بحلول 2030

توقعت دراسة حديثة ارتفاع مساهمة قطاع السياحة المصري في الناتج المحلي، من 8.5 في المائة حالياً إلى 15 في المائة (نحو 25-30 مليار دولار) بحلول عام 2030.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الفنادق العائمة سمة مميزة لمحافظة الأقصر التي تقع على مجرى نهر النيل

مصرع سائحة إيطالية بحادث تصادم بين مركبين سياحيين في جنوب مصر

قضت سائحة إيطالية، الأحد، إثر حادث تصادم بين مركبين سياحيين في محافظة الأقصر بجنوب مصر، وفقاً لوزارة النقل المصرية ووسائل إعلام إيطالية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق نافورة تريفي في روما (أ.ب)

زيارة نافورة تريفي في روما لم تعد مجانية... رسوم سياحية للاقتراب منها

لم يعد بإمكان السياح الراغبين في التقاط صور «سيلفي» أمام نافورة تريفي الشهيرة، الاكتفاء برمي قطعة نقدية كما ينص التقليد الأسطوري.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد المتحف المصري الكبير اجتذب عدداً كبيراً من السائحين (الشرق الأوسط)

مصر تُضيف 28 طائرة إلى أسطولها لمواكبة الانتعاشة السياحية

أعلنت مصر عن تعزيز أسطولها الوطني في مجال الطيران المدني، عبر إضافة نحو 28 طائرة جديدة تابعة لشركة «مصر للطيران»، بدءاً من يناير المقبل وعلى مدى عامين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)

مصر للاهتمام بـ«السياحة الأدبية» واستثمار «زخم» المتحف الكبير

من مبنى ذي طابع تراثي بحي الجمالية، يحمل اسم أديب نوبل نجيب محفوظ، بدأ الخبير السياحي المصري، بسام الشماع، في شرح طبيعة المكان بشوارعه ومبانيه التاريخية.

محمد الكفراوي (القاهرة )

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
TT

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

كشفت مغامرة تاريخية جريئة عن وجود شارع فيكتوري كامل مدفون تحت إحدى المدن البريطانية، يضم محالاً تجارية وطريقاً قديماً، بعد أن قرر المؤرخ ديفيد ستيفنسون النزول إلى الأعماق لتوثيق ما عثر عليه بعدسته ومصباحه اليدوي.

على مدى سنوات، أثار الشارع الواقع أسفل منطقة «لورانس هيل» في مدينة بريستول قصصاً وشائعات عدّة، من بينها رواية عن رجل يُقال إنه سقط في حفرة بعد خروجه من إحدى الحانات ليجد نفسه فجأة في شارع «متجمد في الزمن». كما تحدثت الروايات عن بقايا واجهات محال قديمة ومصابيح غاز تعود للقرن الـ19، دون أن تتأكد صحتها.

ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض (إنستغرام)

لكن ستيفنسون تمكن من وضع حد للتكهنات، وعاد بمجموعة مذهلة من الصور التي أعادت إحياء ماضٍ ظل طي النسيان لعقود. ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض، يضم أقبية سرية وغرفاً مخفية، بينها ملهى ليلي تحت حانة «ذا باكهورس»، ومخزن استخدمه متعهدو دفن الموتى، وإسطبل قديم تابع لشركة «كو - أوب»، وموقع استُخدم ملجأً خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة «ذا ميرور».

كما اكتشف ستيفنسون نفقاً تحت أحد المصارف أُغلق بعد محاولة اقتحام، وتعود أجزاء من هذه الممرات لأكثر من قرنين، إلى فترة إدارة عائلة هيراباث لمصنع الجعة المرتبط بحانة «ذا باكهورس إن»، الذي امتد من شارع «لينكولن» حتى شارع «داك ستريت».

في عام 1832، مر خط سكة حديد تجره الخيول عبر لورانس هيل، ومع توسع السكك الحديدية البخارية لاحقاً، طُمرت الحانة والمحلات المجاورة تحت الأرض بعد تشييد أقواس جديدة لدعم الطريق. باع ويليام هيراباث معظم ممتلكاته لشركة سكة الحديد مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني، وبحلول عام 1879، رُفع مستوى الطريق واستُبدل الجسر الخشبي، ما أدى إلى اختفاء الحانة القديمة والمحلات تحت الطريق الجديد، في حين بُنيت الحانة الحالية مباشرة فوقها مع الاحتفاظ بالسلالم المؤدية إلى الموقع الأصلي.

بعد أكثر من عقدين، تذكَّر ستيفنسون مغامرته حين رفع شبكة حديدية وأنزل سلماً داخل بئر ليصل إلى الشارع المدفون. واكتشف 4 أنفاق، كان أحدها فقط ممتداً عبر الشارع بالكامل، وأُغلقت الأخرى بالطوب لمنع السرقة.

في أحد المتاجر المدفونة، عثر ستيفنسون على إطار نافذة فيكتورية قديمة، وأنقاض بناء، وأغراض متفرقة مثل حوض للخيول وكرسي متحرك مهجور. ولم تُشاهد أعمدة الإنارة خلال رحلته، إذ أُزيلت في خمسينات القرن الماضي حسب أحد تجار الخردة.

إحياءُ ماضٍ ظل طي النسيان لعقود (إنستغرام)

اليوم، أُغلقت هذه الأنفاق نهائياً نظراً لخطورتها، لكن ستيفنسون سبق أن انضم إلى بعثة منظمة لاستكشاف الغرف الواقعة أسفل الحانة، برفقة فريق متسلقين ذوي خبرة. ويستعيد ذكرياته قائلاً: «كانت خيوط العنكبوت كثيفة، والمدفأة لا تزال مغطاة بالغبار، وعارض فولاذي ضخم محفور عليه حروف (GWR) لتدعيم المبنى».

ويضيف: «الطريق أعلاه بُني أساساً للخيول والعربات. ورغم حركة المرور الكثيفة اليوم، بما في ذلك مئات الحافلات والشاحنات الثقيلة، لا يزال الطريق صامداً، ولا يدري كثيرون ما الذي يرقد تحت أقدامهم».


«سنجل ماذر فاذر»... كوميديا عائلية عن التعايش بعد الانفصال

شريف سلامة وهنادي مهنا في لقطة من مسلسل «سنجل ماذر فاذر» (إم بي سي)
شريف سلامة وهنادي مهنا في لقطة من مسلسل «سنجل ماذر فاذر» (إم بي سي)
TT

«سنجل ماذر فاذر»... كوميديا عائلية عن التعايش بعد الانفصال

شريف سلامة وهنادي مهنا في لقطة من مسلسل «سنجل ماذر فاذر» (إم بي سي)
شريف سلامة وهنادي مهنا في لقطة من مسلسل «سنجل ماذر فاذر» (إم بي سي)

بعد 8 سنوات من الزواج، يقرر كل من «شريف» -الذي يقوم بدوره شريف سلامة- و«سلمى» -تقوم بدورها ريهام عبد الغفور- الانفصال، أملاً في فرصة ثانية لبدء حياة جديدة، مع حرص كل منهما على أن يعيش طفلهما الوحيد (مالك) في أجواء هادئة لا تتأثر بانفصالهما.

لكن «شريف» تتملكه الغيرة مع أول محاولة من «سلمى» للارتباط برجل آخر، ضمن أحداث مسلسل «سنجل ماذر فاذر»، الذي انطلق عرضه 21 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عبر منصة «شاهد»، وقناة «إم بي سي مصر»، ليواكب أجواء أعياد رأس السنة، الذي تدور أحداثه في إطار كوميدي رومانسي.

المسلسل قصة وإخراج تامر نادي، وتأليف وسيناريو وحوار نجلاء الحديني، ويُشارك في بطولته محمد كيلاني، وطارق صبري، وحنان سليمان، وليلى عز العرب، وإسماعيل فرغلي، وإنجي وجدان، ومن إنتاج صادق الصباح.

وفي طياته تعمل «سلمى» منسقة لحفلات الأفراح، فيما يتحول شريف، المؤلف المغمور، ليعمل مديراً لأعمال فنانة شابة تُدعى «نينا» (هنادي مهنا)، ويواجه صعوبات بين طموحه المهني واستقراره العاطفي، في حين تواجه «نينا» أزمة مع زوجها الذي يقوم بدوره محمد الكيلاني، وتسعى لإثارة غيرته، ما يفاقم من أزمتهما الزوجية، فتطلب الطلاق وتحصل عليه فوراً.

شهدت الحلقات الأولى من المسلسل تصاعد الخلاف بين «سلمى» و«شريف» واتخاذهما قرار الانفصال، فيما يتأثر طفلهما «مالك» (آسر أحمد) بذلك، ويتمنى عودتهما كما كانا من قبل، فيلجأ إلى «شات جي بي تي» ليسأله كيف يمكن لوالديه أن يعيشا معه مثل سابق عهدهما.

ريهام عبد الغفور في دور كوميدي بالمسلسل (إم بي سي)

وتُطل الفنانة ريهام عبد الغفور بشكل مغاير في مواقف كوميدية بعيداً عما دأبت على تقديمه من قضايا اجتماعية جادة في السنوات الأخيرة، وقالت، عبر بيان صحافي، إنها أعجبت بشخصية «سلمى» منذ بداية التحضير؛ لأنها تطرح مشكلات اجتماعية بسيطة وبها جوانب كوميدية، وكانت هي بعيدة عن تقديم هذه النوعية من الأدوار منذ سنوات.

وأكّدت أن «المرأة المطلقة تعيش حالة من الارتباك لفترة بعد طلاقها، وتنتابها مشاعر متباينة»، لافتة إلى «أن الدراما لها شقان؛ الأول ترفيهي يهدف إلى إمتاع المشاهد، والثاني فكري يحفّزه على التفكير».

في حين قال الفنان شريف سلامة إن مسلسل «سنجل ماذر فاذر» يعتمد على مناقشة الفكرة في إطار «لايت كوميدي»، وعبر هذا القالب يطرح قضايا مهمة تحدث يومياً في المجتمع، مشيراً إلى أن المشاهد يجد حكايته على الشاشة، وحتماً سيتأثر بما يراه من أفكار حتى لو بصورة غير مباشرة، وأشار إلى أنه بصفته ممثلاً يقدم مختلف الأدوار، ويُحاول أن يقدم جزءاً من روحه في كل عمل.

فيما أوضحت الكاتبة نجلاء الحديني أن «المسلسل يطرح موضوعاً اجتماعياً، ولكن في قالب مختلف يعتمد على كوميديا الموقف والأحداث غير المتوقعة»، وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «الجانب الاجتماعي أساسي في الموضوع الذي ينطلق من فكرة الطلاق، وكيف يبحث كل طرف عن فرصة جديدة في حياته، في الوقت الذي لا تزال رواسب العلاقة القديمة تطل برأسها من وقت لآخر، فهل سيظل مشدوداً لحياته السابقة أم يستطيع تجاوزها وينخرط في علاقة جديدة؛ حيث تُسيطر على كل منهما فكرة الخوف والقلق وعدم الثقة بزواج جديد».

وتلفت نجلاء إلى أنه بعد الطلاق قد تتحول بعض العلاقات الفاشلة إلى علاقات مثالية، ويتوقف ذلك على الطرفين؛ فكلما تمّ الطلاق بشكل ودي، ظلت العلاقة بينهما جيدة، وكذلك علاقتهما بالأبناء إن وُجدوا، انطلاقاً من حرصهما على ألا يؤثر الانفصال سلباً على الأطفال. في المقابل، هناك أطراف أخرى تفتقر إلى الحكمة، إذ تسيطر عليها الأنانية والعناد.

واختارت المؤلفة سرداً مختلفاً لطرح القضية، عبر مشاهد قبل بداية كل حلقة تروي كيف بدأت علاقتهما، وكيف استمرت، ولماذا فشلت، وتُشير إلى أن مشاهد ما قبل تتر بداية كل حلقة تروي تاريخ علاقتهما، وتنعكس بشكل ما على موضوع الحلقة ذاتها.

المسلسل يدور في إطار اجتماعي كوميدي (إم بي سي)

وعَدّت المؤلفة نجلاء الحديني تقديمها لعمل ينتمي لـ«اللايت كوميدي» تحدياً بالنسبة لها، وفق ما تقول: «كنت أتمنى أن أجرب هذا الشكل الدرامي، الذي يهتم أيضاً بالقضايا الاجتماعية؛ لأن هذا الجانب قريب من الناس، نظراً لأن الدراما التلفزيونية تدخل البيوت بلا استئذان».

وترى الناقدة الفنية المصرية، ماجدة خير الله، أن مسلسل «سنجل ماذر فاذر» جاءت حلقاته الأولى طريفة وسريعة، لتلقي الضوء على الأزمة المحتدمة بين الزوجين، وكل منهما يعمل في مجال يتعامل فيه مع مختلف الجنسيات، بالإضافة إلى أن كلاً منهما لا تزال لديه مشاعر تجاه الآخر.

وتُضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «التناول الدرامي للعمل اتسم بإيقاع سريع، وتخللته علاقات يغلب عليها الشدّ والجذب والعناد، في أحداث حافلة بالتفاصيل الدرامية»، مشيرة إلى «أن أهالي الزوجين ينشدون لهما الاستقرار الذي لا يتحقق».

وتلفت ماجدة إلى «تفوق عنصر التمثيل في المسلسل وبشكل خاص لدى أبطاله شريف وريهام وهنادي، وأن ريهام عبد الغفور تترك انطباعاً مختلفاً عن أدوارها السابقة، وهنادي مهنا في دور جديد للنجمة المدللة العنيدة التي قد تترك التصوير لأي سبب تافه وتعاند زوجها طوال الوقت، وقد بدت طبيعية للغاية في أدائها للشخصية، وهذا من صميم رؤية المخرج تامر نادي، الذي وضع أبطاله في حالات مختلفة، كما احتفظ بإيقاع مناسب لأحداث المسلسل».


رحيل مؤسف لصوت فلسطين السينمائي محمد بكري

محمد بكري تلقى سابقاً جائزة في «مهرجان دبي السينمائي» 2017 (أ.ف.ب)
محمد بكري تلقى سابقاً جائزة في «مهرجان دبي السينمائي» 2017 (أ.ف.ب)
TT

رحيل مؤسف لصوت فلسطين السينمائي محمد بكري

محمد بكري تلقى سابقاً جائزة في «مهرجان دبي السينمائي» 2017 (أ.ف.ب)
محمد بكري تلقى سابقاً جائزة في «مهرجان دبي السينمائي» 2017 (أ.ف.ب)

لم ينطق الممثل والمخرج محمد بكري بكلمة واحدة قبل الدقيقة الـ12 في الفيلم الأول له على الشاشة «هانا ك» (Hanna k).

قال الممثل، الذي رحل عن دنيانا في 24 من الشهر الحالي: «شكراً» لجندي إسرائيلي أوصله إلى جسر اللنبي لكي يعود إلى الأردن من حيث جاء. لكن سليم بكري (اسمه في ذلك الفيلم الذي أخرجه كوستا-غافراس سنة 1983)، كان نوى البقاء في فلسطين لأن منزل عائلته هناك، ويريد العودة إليه ويرى أن ذلك من حقه.

في مشاهد لاحقة نراه يتجوّل في ركام البيت، ولاحقاً تشاركه الرأي المحامية هانا (جيل كلايبورغ) مشاعره وستدافع عنه ضد قوانين إسرائيلية مجحفة.

«هانا ك»

محمد بكري كما بدا في فيلمه الأول «هانا ك» (K‪.‬G‪.‬ برودكشنز)

المشهد الأول لمحمد بكري من هذا الفيلم الذي لم ينل حظّه من العرض في تلك الفترة (وحسب مراجع اختفى من الذكر تماماً لأنه عُدّ مؤيداً لفلسطين) يصوّر محمد بكري وهو مختبئ في بئر.

حين اكتشاف موقعه يرمي له بعض أفراد الجيش الإسرائيلي حبلاً يتعلّق به لإخراجه. بعد ذلك هو في سيارة عسكرية تضم مناضلين فلسطينيين أُلقي القبض عليهم في تلك القرية. المشهد الأخّاذ في هذا الفصل من الأحداث هو عندما يأتي الأمر بنسف منزل أحد المقبوض عليهم (كما اعتاد الجيش الإسرائيلي في مثل هذه الحالات). يتردد جندي في تنفيذ الأمر (نُشاهد أسفه في لقطة قريبة) فينهره الضابط: «ماذا تنتظر؟». يضغط الجندي على آلة التفجير فيتهاوى البيت بكل تاريخه.

المشهد هو تمهيد لموضوع يبحث أيضاً في حق الفلسطينيين في أرضهم والمبدأ الذي مارسه الاحتلال سنة 1948 وحتى اليوم من تهجير قتل وتدمير.

هذا كان الفيلم الأول للممثل بكري الذي وُلد سنة 1953. طلّة نادرة حينها لفلسطيني على شاشات العالم. ليس «هانا ك» خالياً من أسباب الضعف. كاتب السيناريو اليساري الإيطالي فرانكو سوليناس (أحد أشهر أعماله كان «معركة الجزائر» في 1966)، والمخرج غافراس لم يرغبا في التقدم خطوة أخرى صوب الإقرار بحق الفلسطيني العائد في أرضه. اكتفيا بالتمهيد والتلميح. فضّلا العوم على الموضوع بدلاً من تحليله وتبنيه. يكتفي الفيلم بخلق الحكاية ويبني عليها سلسلة من العلاقات العاطفية (بين سليم والمحامية وبينها وبين المدّعي العام غبريال بيرن). رغم هذا التمييع اعتبر الفيلم، من قِبل النقاد في ذلك الحين وتعرّض لإحجام آخرين الكتابة عنه.

حيفا وما بعد

في أحد أحاديثنا، بعد سنوات عدّة من تحقيقه، ذكر بكري أن الفيلم كان بداية جيدة على صعيدين: «مهما كان فإن الفيلم كان أول عمل غربي حول القضية الفلسطينية من وجهة مؤيدة ولو بحدود، وبصرف النظر إلى أي حد نجح الفيلم في تسليط الضوء عليها. كذلك كان أول اختبار لي أمام الكاميرا وحدث أنه كان فيلماً من مخرج (زد) وعُرف بتناوله موضوعات حسّاسة».

مواجهة: محمد بكري وابنه صالح في «واجب» (بيرميدز فيلمز)

عن طريقة تعامل غافراس معه قال: «كان متفهماً ومسانداً. اختِرت للدور من بين عدد قليل من المرشّحين، وكنت أدرك أنها فرصة كبيرة لي لأني دائماً ما كنت أتخيل نفسي ممثلاً رغم صعوبة تحقيق ذلك».

وجه محمد بكري، في ذلك الفيلم كما في سواه، من النوع القادر على التعبير بملامحه فقط. عيناه حزينتان، ونظراته فاحصة، وحواره محدد.

لفت محمد بكري الاهتمام سريعاً فظهر في أدوار مختلفة في أفلام إسرائيلية من بينها دور رئيسي في فيلم لأموش غيتاي بعنوان «إيستر» سنة 1986. في العام التالي عاد إلى الناصية العالمية في فيلم «الموت قبل العار» (Death Before Dishonor) الذي لم يكن دوراً موازياً لفيلم بكري الأول، لكنه كان دفعاً جديداً لمسيرته. استمر بكري في مسيرته ما بين الأعمال المحلية والعالمية لسنوات عدّة، قبل أن يشارك في بطولة فيلم فلسطيني الإنتاج بعنوان «حيفا» لرشيد مشهراوي سنة 1996.

بعد عامين، قرّر بكري خوض تجربته الأولى في الإخراج من خلال فيلم وثائقي بعنوان «1984».

وفي حديث لاحق، قال بكري: «أردت في هذا الفيلم توثيق ما حدث لجيل النكبة عام 1948 عبر شخصيات عايشت ذلك العام الذي شهد ولادة إسرائيل على الأرض الفلسطينية».

مزج بكري في هذا الفيلم شهادات 5 معمّرين تناوبوا على سرد ذكرياتهم عن ذلك العام مع نصوص شعرية لمحمود درويش.

جنين في البال

بعد 5 سنوات من فيلمه الثاني مخرجاً، قدم بكري فيلم «جنين... جنين»، الذي تناول الهجوم العسكري على مخيمات النازحين في مدينة جنين. ولم يكتفِ بعرض شهادات فلسطينيين فقط، بل وثّق أيضاً شهادات جنود إسرائيليين اعترفوا بمشاركتهم في تلك المجازر.

نال الفيلم جائزة «مهرجان قرطاج الذهبية» بوصفه أفضل فيلم تسجيلي، بالإضافة إلى جائزة موازية من «مهرجان الإسماعيلية» أيضاً. كما حظي بعروض عالمية في مهرجانات «ثيسالونيكي» (اليونان)، «ڤيرا» (فنلندا)، و«مهرجان الفيلم التسجيلي» (آيسلندا) إلى جانب عروض أخرى.

لكن الفيلم أدّى إلى إحالة مخرجه إلى المحكمة الإسرائيلية مرتين، وصدر حكم بمنع عرضه في كلتا المرتين. وجاءت التهمة من استخدامه شهادات جنود إسرائيليين نفوا لاحقاً معرفتهم بموضوع الفيلم، بل ونفى بعضهم أن يكون قد قال ما نُسب إليه حرفياً.

شكل فيلم «جنين... جنين» تحدياً كبيراً لبكري، لكنه عاد إلى الموضوع نفسه في فيلم آخر بعنوان «جَنين... جِنين» عام 2024، حيث وثّق فيه المزيد من شهادات الناجين من المذبحة.

في البداية، يعرض المخرج مشاهد من فيلمه السابق مصحوبة بتعليق بصوته يقدّم خلفية عما حدث قبل 31 سنة. بعد ذلك، ينطلق لمقابلة بعض الأشخاص الذين التقاهم وسجل أحاديثهم في الفيلم الأول. هذه المرة يتجنّب بكري مقابلة إسرائيليين؛ إذ لا يرغب في خوض مرافعات أو دعاوى جديدة، ويعتمد فقط على الصوت الفلسطيني لوصف العملية العسكرية الجديدة والأحداث الفاصلة تلك السنوات.

الفيلم مُنفّذ برويّة ومن دون تحديّات. يكفيه أنه مستمد من الواقع ومؤثر على صعيد أحداث لقضية تشهد هذه الأيام حرباً مستمرّة ومجازر عدة. أحد العناوين الفرعية للفيلم هو «ما قبل غزة» وهو عنوان مستخدم للإيحاء بأن الاعتداءات لا تتوقف حتى تبدأ من جديد.

محمد وأولاده

من فيلم «جنين... جنين» لمحمد بكري (أراب فيلم دستربيوشن)

ما بين «جنين» الأول والثاني ظهر بكري ممثلاً في فيلمين مهمّين هما «عيد ميلاد ليلى» لرشيد مشهراوي (2008) و«زنديق» لميشيل خليفي (2008).

في سنة 2017 مثّل هو وابنه صالح بكري فيلماً جيداً لآن ماري جاسر هو «واجب»: قصّة أب وابنه يختلفان في نظرتهما السياسية حول الوضع الفلسطيني خلال مناسبة عرس عائلي. وحالياً يُعرض له «اللي باقي منك» لشيرين دعيبس حول ذكريات أم عن فلسطين 1948 وما بعد.

خلال العامين الماضيين استمر التواصل بيننا أكثر مما كان عليه سابقاً. تبادلنا التحيات وأرسل عدداً من اللايكات لأفلام أخرجها أو اشترك بها.

خلف محمد بكري 3 أولاد امتهنوا التمثيل هم صالح وزياد وآدم. كل منهم يبني حالياً اسمه في سينمات الشرق والغرب على خطى والدهم محمد بكري الذي كان الصوت الفلسطيني في السينما ولعقود طويلة والموقف الوطني الذي مارسه بإيمان بمستقبل أفضل.