هل تكسر الموجة الحارة في نهاية يوليو الأرقام القياسية المُسجلة عربياً؟

العراق يبلغ 50 درجة ومصر تصل إلى 47

عراقي يواجه درجات الحرارة المرتفعة بغسل وجهه بالماء (أ.ف.ب)
عراقي يواجه درجات الحرارة المرتفعة بغسل وجهه بالماء (أ.ف.ب)
TT

هل تكسر الموجة الحارة في نهاية يوليو الأرقام القياسية المُسجلة عربياً؟

عراقي يواجه درجات الحرارة المرتفعة بغسل وجهه بالماء (أ.ف.ب)
عراقي يواجه درجات الحرارة المرتفعة بغسل وجهه بالماء (أ.ف.ب)

تشهد المنطقة العربية هذه الأيام موجة حر شديدة وغير معتادة، وسط تحذيرات من استمرار ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في بعض المناطق.

وتُشير تحليلات موقع «طقس العرب» إلى اتساع رقعة تأثر المنطقة خلال الأيام المقبلة بما يُعرف بـ«القبة الحرارية»، وهي كتلة هوائية شديدة السخونة تتمركز في طبقات الجو العليا، وتتركّز بشكل خاص فوق العراق والكويت وشرق السعودية. ومن المتوقع أن يؤدي تمركز هذه الكتلة اللاهبة فوق العراق إلى ارتفاع كبير في درجات الحرارة، قد يتجاوز 50 درجة مئوية في العاصمة بغداد، ما يضعها بين أكثر مدن العالم حرارة مطلع الأسبوع.

ويُعزى هذا الارتفاع أيضاً إلى تعاظم تأثير المرتفع الجوي شبه المداري، الذي يُعزز من شدة القبة الحرارية، لتبلغ ذروتها في العراق والكويت وشرق السعودية، وهي تُعد حالياً من بين المناطق الأشد حرارة على سطح الأرض. كما تمتد تأثيرات هذه الكتلة إلى بلاد الشام، حيث تسود أجواء أكثر حرارة من المعتاد، في حين سجلت مصر درجات حرارة تقترب من 44 درجة مئوية في مناطق عدة.

موجة طويلة

من جانبه، أوضح الدكتور علي قطب، أستاذ المناخ في جامعة الزقازيق ونائب رئيس هيئة الأرصاد الجوية السابق، أن فصل الصيف يشهد عادة موجات حر شديدة لا تتجاوز مدتها يومين أو ثلاثة أيام.

لكن اللافت العام الحالي، حسب قوله، هو استمرار الموجة الحالية إلى أكثر من أسبوع متواصل، حيث تتجاوز درجات الحرارة العظمى حاجز الـ40 درجة مئوية في مصر ومعظم أنحاء المنطقة العربية.

الخرائط الجوية تشير إلى اتساع رقعة تأثر المنطقة العربية بكتلة هوائية شديدة الحرارة (موقع طقس العرب)

وأوضح الدكتور علي قطب، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الموجة الطويلة والحارّة أثّرت على منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وتزامنت مع ارتفاع ملحوظ في نسب الرطوبة، ما أدى إلى زيادة الإحساس بشدة الحرارة لدى المواطنين.

وبيّن أن السبب الرئيسي وراء هذه الموجة يعود إلى تأثر المنطقة بمنخفض الهند الموسمي، بالتزامن مع وجود مرتفع جوي في طبقات الجو العليا، وهو ما ساهم في استمرار ارتفاع درجات الحرارة، مشيراً إلى أن توزيع الضغط الجوي في الطبقات العليا ساعد كذلك في تعميق تأثير الحرارة.

وأضاف أن هناك علاقة عكسية بين نشاط الرياح ونسب الرطوبة النسبية؛ فكلما هدأت حركة الرياح، زادت قدرة الهواء على حمل بخار الماء، مما يؤدي إلى ارتفاع نسب الرطوبة وبالتالي زيادة الإحساس بحرارة الطقس.

من جانبه، قال الدكتور محمود شاهين، مدير عام التنبؤات والإنذار المبكر في الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية، إن مصر والمنطقة العربية تمرّ حالياً بموجة شديدة الحرارة نتيجة امتداد منخفض الهند الموسمي العميق، الذي يغطي جميع المناطق والمدن.

وأشار إلى أن ما يميز هذه الموجة عن سابقاتها هو أن ارتفاع درجات الحرارة يتزامن مع ارتفاع ملحوظ في نسب الرطوبة وبخار الماء في الكتل الهوائية، ما يزيد من شعور المواطنين بحرارة الطقس.

سيدة عراقية تحمي وجهها من أشعة الشمس (أ.ف.ب)

وأوضح الدكتور محمود شاهين لـ«الشرق الأوسط» أن الكتل الهوائية التي ترفع درجات الحرارة تكون عادة جافة إلى حد ما، لكن الكتل المؤثرة حالياً رطبة بشكل كبير، حيث تقترب نسبة الرطوبة الصغرى في مصر من 50 في المائة.

وأشار إلى أن ذلك يزيد من الإحساس بالحرارة بشكل كبير، مقارنة بدرجات الحرارة المسجلة فعلياً، التي تُقاس عادة في الظل. وأضاف أن درجات الحرارة تفاوتت خلال ساعات النهار في أنحاء متفرقة من مصر، حيث وصلت في بعض المناطق إلى ما بين 44 و45 درجة مئوية.

هل يستمر الارتفاع؟

وحسب متخصصين في مركز «طقس العرب» الإقليمي، تُظهر الخرائط الجوية تموّجات في التيار النفاث مع أواخر يوليو (تموز) ومطلع أغسطس (آب)، مما يُتيح تقدّم كتلة هوائية أقل حرارة وأكثر رطوبة نحو شرق البحر المتوسط.

ويُتوقّع أن تنكسر الموجة الحارة في مصر خلال الأيام القليلة المقبلة، مع تراجع ملحوظ في درجات الحرارة وعودتها إلى معدلاتها المعتادة. وتبدو تأثيرات هذه الكتلة أوضح في بلاد الشام، حيث تعود الأجواء الصيفية المعتدلة، وتزداد نسب الرطوبة مع نشاط الرياح البحرية وظهور السحب المنخفضة، التي قد تؤدي إلى هطول أمطار محلية على السواحل السورية واللبنانية، حسبما أفاد به «طقس العرب».

كما يُتوقع أن يمتد تأثير الكتلة الهوائية المعتدلة إلى العراق، ما يُسهم في كسر حدة الموجة الحارة هناك، وانخفاض درجات الحرارة، مع نشاط الرياح المثيرة للغبار والأتربة.

مصر تشهد موجة حرارة مرتفعة للغاية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحول احتمالية تسجيل درجات حرارة قياسية في المنطقة العربية، أشار قطب إلى أن هناك احتمالاً لتسجيل درجات حرارة قياسية أو قريبة منها في بعض المناطق العربية، خاصةً مع استمرار تأثير منخفض الهند الموسمي وارتفاع نسب الرطوبة، ما يزيد من الإحساس بالحرارة.

لكنه أضاف أن هذه الموجة، رغم شدتها وطول مدتها غير المعتاد، لا تعني بالضرورة كسر الأرقام القياسية المسجّلة سابقاً، حيث تجاوزت درجات الحرارة العظمى 48 درجة مئوية في بعض مناطق الشرق الأوسط، بل وصلت إلى أكثر من 50 درجة مئوية في دول مثل الكويت وجنوب مصر، لكن تكرار مثل هذه الموجات خلال شهر أغسطس وارد جداً، في ظل استمرار التغيرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري.

فيما لفت مدير عام التنبؤات والإنذار المبكر بالهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية إلى أن التغيرات المناخية تلعب دوراً بارزاً في إطالة مدة الموجة، حيث تجاوزت الأسبوع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متوقعاً أن تبدأ الموجة بالانكسار في مصر يوم الأربعاء المقبل.

وأضاف شاهين أن هذه التغيرات أسهمت في زيادة تطرف موجة الحر، حيث تزامن ارتفاع درجات الحرارة مع ارتفاع كبير في نسب الرطوبة.

وتوقّع شاهين أن تكون الموجة الحالية هي الأشد خلال صيف 2025، مرجحاً ألا تسجل مصر درجات حرارة أعلى خلال ما تبقى من فصل الصيف، حيث ستكون الموجات المقبلة أقل حدة.

ارتفاعات قصوى

تاريخياً، سجّلت مدن حول العالم درجات حرارة قصوى على مدار العقود، وصلت في بعضها إلى مستويات قياسية تهدّد الحياة.

وفي منطقة «وادي الموت» بولاية كاليفورنيا (الولايات المتحدة)، سُجلت أعلى درجة حرارة في التاريخ الحديث عند 56.7 درجة مئوية عام 1913، في حين بلغت حرارة سطح الأرض هناك نحو 93.9 درجة مئوية في عام 1972، وفق شبكة «بي بي سي».

عراقي يواجه درجات الحرارة المرتفعة بغسل وجهه بالماء (أ.ف.ب)

وجاءت مدينة قبلي التونسية في المرتبة الثانية عالمياً بدرجة حرارة بلغت 55 مئوية سُجلت عام 1931، تلتها مدينة الأهواز الإيرانية التي سجلت 54 مئوية في عام 2017.

وفي قائمة أكثر المدن حرارة حول العالم، برزت مدينتا الكويت والبصرة في العراق بدرجات حرارة بلغت 53.9 درجة مئوية، متفوقتين على مدينة تُربت في باكستان التي سجلت 53.7 درجة مئوية. كما شهد معبر الجزيرة الحدودي في الإمارات حرارة بلغت 52.1 درجة مئوية، فيما سُجلت في مدينة ميكسيكالي المكسيكية 52 درجة مئوية.

أما مدينة جدة السعودية، فقد سجّلت أعلى درجة حرارة في تاريخها عند 52 درجة مئوية في يونيو (حزيران) 2010، في حين بلغت الحرارة في مدينة أسوان المصرية 51 درجة مئوية في يوليو 1918، و49.6 درجة مئوية في يوليو 2024، ما يعكس بوضوح أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُعد من بين أكثر مناطق العالم تأثراً بالموجات الحارة.


مقالات ذات صلة

مدينة أميركية تتجمّد... وحرارتها تهبط إلى ما دون المريخ!

يوميات الشرق المريخ أكثر دفئاً من الأرض ليوم واحد (ناسا)

مدينة أميركية تتجمّد... وحرارتها تهبط إلى ما دون المريخ!

شهدت مدينة منيابوليس، كبرى مدن ولاية مينيسوتا الأميركية، انخفاضاً لافتاً في درجات الحرارة الشهر الماضي، حتى باتت، لبرهة، أبرد من كوكب المريخ نفسه.

«الشرق الأوسط» (مينيسوتا (الولايات المتحدة))
صحتك اكتئاب الشتاء  يتميز بانخفاض الحالة المزاجية وتقلبات الشهية (بيكسيلز)

7 نصائح للتغلب على اكتئاب الشتاء

مع تغيير التوقيت وحلول الظلام باكراً بعدة مناطق حول العالم يضطر الكثير منا للذهاب إلى العمل والعودة منه في عتمة الليل مما قد يسبب انزعاجاً

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك هناك أشخاص أكثر حساسية لدرجات الحرارة الباردة من غيرهم (رويترز)

10 أسباب للشعور الدائم بالبرد... وماذا تفعل لتشعر بالدفء

عدم تحمُّل البرد يعني أنك أكثر حساسية لدرجات الحرارة الباردة من غيرك. وقد تشير أسباب الشعور الدائم بالبرد إلى حالة مرضية كامنة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
بيئة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للقادة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 30» في بيليم بولاية بارا بالبرازيل 6 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

غوتيريش للدول في قمة المناخ: إما أن نقود أو نُساق إلى الدمار

رأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الخميس، أن العالم فشل في الوفاء بالتزاماته للحد من ارتفاع حرارة الأرض عند مستوى 1.5 درجة.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))
يوميات الشرق مطعم يظهر في منطقة الميناء القديم في ريكيافيك بآيسلندا (رويترز)

بعد ارتفاع قياسي في درجات الحرارة... العثور على البعوض في آيسلندا للمرة الأولى

عُثر على بعوض في آيسلندا لأول مرة بعد أن شهدت البلاد درجات حرارة قياسية هذا الربيع، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

«الشرق الأوسط» (ريكيافيك)

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.


«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
TT

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتزامن مع ليلة «رأس السنة»، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري جميع الدعاوى التي طالبت بمنعه، واستند الحكم إلى حصول الفيلم على التراخيص المطلوبة من الرقابة على المصنفات الفنية، وفق منتجه.

الفيلم الذي كان مقرراً عرضه في شهر أغسطس (آب) 2024، تأجّل طرحه أكثر من مرة بسبب تجدد الدعاوى القضائية، من بينها دعوى المحامي مرتضى منصور، بالإضافة إلى الجدل الذي أُثير حوله عقب عرض «البرومو الترويجي»، واعتبار البعض أنه عمل مسيء من الناحية الدينية، إلى جانب تعرّضه لأزمات أخرى، من بينها التحفّظات الرقابية، وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش من العمل احتجاجاً على آراء مؤلفه.

لقطة من البرومو الترويجي لفيلم «الملحد» (الشركة المنتجة)

وانتقد عدد من الفنانين والنقاد والجمهور، وبعض صنّاعه، منع الفيلم عبر منشورات «سوشيالية»، مؤكدين أن المنع ليس حلاً، وأن حرية الإبداع حق للجميع، ولا بدّ من المشاهدة قبل الاعتراض لوضع تصوّر كامل عن فكرة أي عمل فني.

من جانبه أكّد المنتج أحمد السبكي أن الفيلم حصل على جميع التراخيص والموافقات الرقابية اللازمة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تأجيل العرض كان بسبب المناوشات (السوشيالية) من بعض المحامين، التي حصلت بالتزامن مع طرح البرومو الترويجي، وليس لأسباب أخرى».

وأوضح السبكي أن العرض سيتم دون أي تعديل أو حذف، بعدما أصدر القضاء الإداري حكماً يقضي برفض جميع الدعاوى المقامة لمنع عرضه. وقال: «لا توجد أي إشارة تمنع عرضه، وبحوزتي النصّ القانوني الذي يؤكد أن العمل لا يتضمّن أي إساءة كما اعتقد بعضهم، وقد صدر الحكم قبل المشاهدة».

وأشار السبكي إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على آراء الجمهور قبل مشاهدة العمل، قائلاً: «في عصر (السوشيال ميديا)، يتشكّل رأي الناس بسرعة من خلال البرومو، وهذا أمر طبيعي، لكننا نؤكد أن الحكم النهائي يعود للمشاهد بعد مشاهدة الفيلم كاملاً».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

واتّفق نقاد على أن المنع يحدّ من حرية الإبداع؛ إذ أكدت الكاتبة والناقدة المصرية صفاء الليثي رفضها لفكرة المنع، خصوصاً بعد حصول الفيلم على الموافقات الرقابية وتصويره بالفعل. وأشارت إلى أن «المنع بعد إنجاز الفيلم مشكلة كبيرة وكارثة على الصناعة، كما أنه أسلوب غير واقعي؛ فالجمهور اليوم يستطيع الوصول إلى كل الأفكار بسهولة، ولم يعد الاطلاع على أي موضوع أمراً صعباً».

وقالت صفاء الليثي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة المنع لا بدّ من التراجع عنها؛ فمن غير المعقول الحكم على عمل من اسمه أو من لقطاته الترويجية. فالأسماء أحياناً تكون وسيلة للجذب التجاري، وكذلك الأمر بالنسبة للبرومو، الذي لا يُفترض أن يكون ملخصاً للفيلم، بل قد يُستخدم فقط لجذب الجمهور. والحكم من خلاله غير صائب، فهو دافع للمشاهدة لا سبب للرفض والمنع».

ويتناول فيلم «الملحد» قضية فكرية واجتماعية بطريقة درامية، من خلال قصة رجل دين متشدّد وابنه الذي يتمرّد على أفكاره ويعلن إلحاده. والفيلم من بطولة أحمد حاتم، وحسين فهمي، ومحمود حميدة، وصابرين، وتارا عماد، ونخبة من الفنانين، وهو من إخراج محمد العدل، وتأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي.

من جهتها أكدت الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «حرية الإبداع مكفولة للجميع، وأنها ضدّ المنع مطلقاً»، لافتةً في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عرض (الملحد) بعد رفض كبير يُعد مؤشراً جيداً إلى أن الحرية تبقى أول العناصر الضرورية للإبداع».