يستضيف معهد هنري مور في ليدز بإنجلترا معرضاً بعنوان «ما وراء المرئي»، بهدف تحدّي «التحيُّز البصري» في صالات العرض.
وأعلن فريق العمل الإبداعي أنّ الأعمال الفنّية اللمسية ينبغي أن تصبح أمراً شائعاً في صالات العرض البريطانية، لضمان وصول المكفوفين إلى الأعمال الفنّية والاستمتاع بها. كما ينبغي بذل المزيد لمواجهة «التحيّز البصري»؛ ويُقصد به التحيّز الذي يُعطي الأفضلية للبصر على باقي الحواس في تجربة الفنّ.
وذكرت «الغارديان» أنه في نوفمبر (تشرين الثاني)، من المقرّر أن يستضيف معهد هنري مور في ليدز معرض «ما وراء المرئي»؛ أوّل معرض منحوتات يُنظَّم بمشاركة فنانين مكفوفين وضعاف البصر، ويضمّ مزيجاً من الأعمال الجديدة والقديمة. ويأمل المنظمون أن يشجّع هذا الحدث قيادات القطاع الفنّي على جعل صالات العرض أكثر انفتاحاً على الزوّار والفنانين المكفوفين من خلال عرض أعمال يمكن لمسها.
في هذا السياق، قال البروفيسور كين وايلدر، أحد القائمين على المعرض: «من أهداف المشروع أن يُحدث تغييراً مؤسّسياً. نريد أن نتحدّى التحيّز البصري العميق الجذور في عالم الفنّ، الذي يجعل معظم معارض المنحوتات تمنع لمس الأعمال الفنّية».
ويُعدُّ المعرض ثمرة برنامج بحثي استمر 3 سنوات، وأدّى بالفعل إلى إقرار تغييرات في معهد هنري مور. وعن ذلك، قالت القيّمة البحثية في المعهد، الدكتورة كلير أودود: «نطلب الآن أعمالاً قابلة للّمس. إذا كنّا نعمل مع فنان على قيد الحياة، نطلب منه قطعاً أو مواد يمكن استخدامها في جولات اللّمس، ربما نموذجاً مصغَّراً أو مادة يستخدمها الفنان، لكي يحصل الزائر على إحساس أعمق بالعمل الفنّي».

من جهته، قال أحد القائمين على المعرض، المُحاضر المُساعد في كلية تشيلسي للفنون، الفنان الكفيف آرون ماكبيك، إنّ التغييرات التي تجريها المؤسّسات لتصبح أكثر شمولاً للمكفوفين غالباً ما تفيد الجميع، ويُطلق عليها «مكاسب العمى».
وأضاف: «مثلاً، الإعلانات الصوتية في الحافلات والقطارات التي تُخبر الركّاب بالمحطة الآتية، أُقرت في الأساس لخدمة المكفوفين، لكن الآن يستفيد منها الجميع؛ إذ يمكنهم القراءة من دون أن يفوّتوا محطة النزول. هذه الوسائل المصمَّمة لتكون أكثر شمولاً، يستخدمها الجميع وتعود بالنفع عليهم».
ويضمّ المعرض عمل لينا كلايتون بعنوان «منحوتة للمكفوفين». وأوضح وايلدر أنّ الفنانة «تعاونت مع 17 فناناً كفيفاً لإعادة ابتكار عمل (منحوتة للمكفوفين) للفنان الروماني الشهير كونستانتين برانكوشي، الذي، من المفارقات، يوجد خلف زجاج في متحف فيلادلفيا للفنون ولا يمكن لمسه».
وتتضمَّن الأعمال الأخرى «فتاة الكلب 2025» لإميلي لويز جوسيو، وهي «منحوتة خزفية مجسَّمة» مُستوحاة من كلبها المرشد، و«دلو المطر» لجنيفر جاستس، وهو عمل فني معلّق شديد الحساسية للّمس، و«مشروع زهرة النار» لكولين فان أوشيلين، الذي يضمّ سلسلة من الألواح اللّمسية المُضيئة.
كما أُقيمت معارض بارزة أخرى تناولت موضوع العمى أو سعت إلى إشراك الجمهور المكفوفين: معرض «منحوتة للمكفوفين» في متحف تيت عام 1981، ومعرض «رؤيا للأيدي» عام 1987 في معرض ليدز سيتي للفنون، حيث دُعي الزوّار إلى لمس الأعمال الـ20 المعروضة.
وفي الفترة الأخيرة، استكشف معرض «على مرأى من الجميع» في مجموعة ويلكوم، ومعرض «طبقات الرؤية» في كلية كينغز كوليدج لندن، علاقة الفنون بالرؤية.
وفي أوائل القرن الـ20، ظهرت معارض «اللّمس»، التي سمحت للمكفوفين بالتفاعل مع المعروضات في مؤسّسات، مثل مدرسة المكفوفين في نيوكاسل، وكانت هذه المعارض تُعدُّ تعليمية وعلاجية. وإنما ماكبيك يشير إلى أنّ هذا التصنيف لا يزال يُلاحق فنّ المكفوفين. وقال إنه «غالباً ما يُنظر إلى الفنّ الموجَّه للمكفوفين، أو الذي يُنتجه مكفوفون، بكونه نشاطاً علاجياً. وإنما في حقيقة الأمر، هناك ما هو أعمق بكثير من ذلك».
كما شارك عمل للفنان هنري مور بعنوان «الأم والطفل: القوس (1959)» في المعرض السابق «رؤية بالأيدي»، وسيُعرض كذلك في معرض «ما وراء المرئي».
وقالت أودود: «لطالما كان اللّمس عنصراً أساسياً في عمل هنري مور. لم يكن يهتم فقط بلمس الشكل النهائي، وإنما بالأشياء التي يستخدمها في الإلهام والإبداع: الخشب، والحجارة، والأحفوريات، والعظام... الجانب اللمسي فيها كان عاملاً رئيساً من وجهة نظره».
معرض «ما وراء المرئي» يُقام في معهد هنري مور من 28 نوفمبر 2025 حتى 8 مارس (آذار) 2026.

