منحت «اليونيسكو» أول من أمس 16 حديقة جديدة تسمية «حديقة جيولوجية عالمية لليونيسكو»، ليرتفع بذلك العدد الإجمالي للمواقع في شبكة «اليونيسكو» العالمية للحدائق الجيولوجية إلى 229 موقعاً موزعاً في 50 بلداً. وتغطي هذه الشبكة اليوم مساحة تناهز 855 ألف كيلومتر مربع.
تضم شبكة «اليونيسكو» العالمية للحدائق الجيولوجية التي تحيي هذا العام الذكرى السنوية العاشرة لإنشائها، أراضي تتمتَّع بتراث جيولوجي استثنائي يتجسّد في التكوينات الصخرية، والسلاسل الجبلية أو البركانية، والكهوف، والأخاديد، والمواقع الأحفورية، والمناظر الصحراوية القديمة... التي تقف شاهداً على تاريخ كوكب الأرض وتطوره الجيولوجي والمناخي. وتُعدّ هذه المواقع أيضاً فضاءات رئيسية لحماية البيئة وتعزيز التثقيف البيئي، وتُتيح للمجتمعات المحلية والسكان الأصليين إبراز ثقافتها.
وقالت المديرة العامة لـ«اليونيسكو»، أودري أزولاي: «أصبحت الحدائق الجيولوجية العالمية لـ(اليونيسكو)، في غضون عشرة أعوام فقط، نموذجاً يُحتذى به في مجال صون التراث الجيولوجي، لكن دورها يتخطى حدود حماية التراث الجيولوجي لتشمل دعم المشاريع التعليمية، وتعزيز السياحة المستدامة، وضمان استدامة معارف وتقاليد هذه الأراضي من خلال إشراك المجتمعات المحلية والسكان الأصليين بصورة فعالة. وهذا هو حال حديقة كاتلا الجيولوجية في آيسلندا، على سبيل المثال، حيث تشارك المدارس المحلية بفاعلية في البحوث العلمية التي تنفَّذ في هذا المنظر الطبيعي الذي يحفظ حتى يومنا هذا ذاكرة النظم البركانية والجليدية عبر تدفقات الحمم البركانية وشواطئ الرمل الأسود».
وتُضاف سنوياً مواقع جديدة إلى شبكة الحدائق الجيولوجية بناءً على قرار يتخذه المجلس التنفيذي لـ«اليونيسكو»، بعد أن تخضع الطلبات المقدَّمة لتقييم مجلس الحدائق الجيولوجية العالمية المؤلف من خبراء دوليين.
وتقع الحدائق الجيولوجية الست عشرة التي حصلت حديثاً على هذه التسمية، في الصين، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية التي سجلت أول حديقة جيولوجية لها وأول إسهام لها في حماية سلسلة الجبال المشتركة مع الصين، وإكوادور وإندونيسيا وإيطاليا والنرويج، والمملكة العربية السعودية التي تستضيف أول حديقتين جيولوجيتين لها، وإسبانيا والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية وفيتنام.
وتستمر «اليونيسكو» في تعزيز برنامج الحدائق الجيولوجية في مناطق تكون فيها الحدائق الجيولوجية أقل شيوعاً، ولا سيما في أفريقيا والدول العربية والدول الجزرية الصغيرة النامية. وتقوم «اليونيسكو» بذلك عبر إرسال بعثات للخبراء، وتنظيم جلسات تدريبية مخصصة، وتقديم استشارات فردية على الصعيدين الوطني والمحلي، من أجل توجيه عملية تحضير الطلبات للحصول على تسمية حديقة جيولوجية عالمية لـ«اليونيسكو».
ومن بين حدائق شهيرة في آسيا وأوروبا وأميركا الجنوبية، وردت حديقتان في المملكة العربية السعودية؛ أولاهما حديقة شمال الرياض الممتدّة عند سفوح جبل طويق في قلب شبه الجزيرة العربية. وجاء في بيان «اليونيسكو» أنها موقعٌ يأسر القلوب بمعالمه الجيولوجية والإيكولوجية والثقافية. وتُعدّ جبالها المسطحة المهيبة بمنحدراتها الشاهقة وقِممها المستوية، العنصر المحوري في تراث علم أشكال الأرض في الحديقة. وتُعد التكوينات الصخرية التي تعود إلى العَصرَين الجوراسي والطباشيري، موقعاً ذا أهمية تعليمية وثقافية بالغة، باعتبارها الركائز الجيولوجية لتراث المملكة النفطي المهم. ويُعدّ وادي عبيثران من المعالم البارزة الأخرى في الحديقة، وهو محمية خضراء تؤدي دوراً حاسماً في ضمان استدامة إمدادات المياه في المنطقة، وتوفّر إطلالات بانورامية على الجبال المحيطة. ويؤوي الوادي أيضاً نظماً قديمة من الشعاب المرجانية؛ ما يجعله موقعاً تعليمياً مهماً للزوّار.
وتقع مدينة ثادق في قلب الحديقة الجيولوجية، ويعود تاريخها إلى التجمع السكاني لبعض القبائل التي وُجدت في المنطقة قبل أكثر من 370 عاماً. وتجسّد واحتها المزدهرة الصلة المتجذّرة بين الإنسان والبيئة في هذه المنطقة. وتدعم الحديقة الجيولوجية المجتمعات المحلية، وتعزّز التنمية المستدامة على نحو فعّال.
وكان تحويل قرية غمرة إلى وجهة سياحية بارزة مبادرة مجتمعية تكللت بالنجاح. وتوفّر الحديقة مجموعة واسعة من الأنشطة، من بينها رحلات المشي الجبلي، ومشاهدة النجوم، والتجارب التقليدية مثل إشعال النار في الهواء الطلق والعروض الشعبية. وتُتيح المبادرات المحلية في الحديقة الجيولوجية للزوّار فرصة فريدة للانخراط في المجتمعات المحلية، وخوض تجارب ثقافية، واستنشاق عبق الضيافة الذي يميّز أهل المنطقة. وتعزّز الحديقة أيضاً الزراعة المستدامة من خلال مبادرة «المنتجات الجيولوجية» التي تسلط الضوء على المنتجات المحلية مثل التمور والعسل؛ ما يساهم في تعزيز حضور المزارعين المحليين في السوق.
الحديقة الثانية هي حديقة سلمى التي وصفها البيان بأنها ذات منزلة نافذة فريدة وأخّاذة نطل منها على التاريخ القديم لكوكب الأرض. وتُعدّ الحديقة، نظراً إلى ما تكتنزه من صخور بركانية وماغماتية يعود تاريخها إلى أكثر من 740 مليون عام، أرشيفاً يسهل الوصول إليه لاستكشاف العمليات التي تحدث في باطن الأرض. وتُعدّ فوهة الهُتَيْمة واحدة من أبرز المعالم الجغرافية في الحديقة، حيث يمكن للزوار مشاهدة التشكيلات البركانية المدهشة التي تشكلت بفعل الانفجارات البركانية والتعرية عبر آلاف السنين. وتؤوي الحديقة مجموعة متنوعة من أشكال الحياة النباتية والحيوانية في الصحراء، من بينها الوعل النوبي المهدد بالانقراض، والمهاة العربية التي تتأقلم بصورة فريدة مع البيئة الجافة.
وتجسّد المنطقة أيضاً تراثاً ثقافياً نابضاً بالحياة يشمل درب زبيدة، وهو طريق حج قديم كان يربط بين مدينة الكوفة التاريخية وسط العراق ومكة المكرمة التي تكتنز أهمية دينية كبيرة في المملكة العربية السعودية. ويمتاز هذا الطريق باحتوائه على العديد من الآبار والبرك وواحة فَيْد الشهيرة التي كانت محطة توقف مهمة للحجاج بسبب مياهها العذبة وتربتها الخصبة. وتعتبر القلعة القديمة وآبارها الخمس والأربعون رموزاً راسخة في تاريخ المنطقة.
وتندرج قرية طابة الأثرية أيضاً في عداد المواقع البارزة في المنطقة، وهي تضم «مصايد صحراوية» تأتي على شكل هياكل حجرية كانت تستخدم للإمساك بالحيوانات البرية، وتقف اليوم شاهداً على ممارسات الصيد القديمة والتجمعات السكانية المبكرة. وإن المجتمعات المحلية وطلاب المدارس منخرطون على نحو كامل في الحديقة من خلال برنامج فعّال من الأنشطة التثقيفية. وتشمل الفعاليات موائد إفطار خلال شهر رمضان، ومسار درب زبيدة على طول الطريق القديم للحج، وطريق طابة التاريخي، حيث يستكشف الزوار الأطلال الأثرية المحفوظة على نحو استثنائي لإحدى أقدم المدن في المنطقة؛ ما يعزز روح الوحدة ويذكي الوعي بشأن تراث المنطقة الثقافي.