نشر فلكيان، من معهد ماكس بلانك لعلم الفلك في ألمانيا، خريطة ثلاثية الأبعاد توثق خصائص الغبار الكوني من حولنا بتفاصيل غير مسبوقة، ما يساعد العلماء على فهم ما نرصده من أحداث فلكية.
استرجع شيانغيو تشانغ، طالب الدكتوراه في معهد ماكس بلانك لعلم الفلك (MPIA)، وغريغوري غرين، قائد مجموعة صوفيا كوفاليفسكايا البحثية في المعهد، ومشرف تشانغ على الدكتوراه، معلومات الغبار من 130 مليون طيف حتى يتمكنا من إنشاء أكثر الخرائط ثلاثية الأبعاد تفصيلاً حتى الآن لخصائص الغبار في مجرة درب التبانة.
نُشر الباحثان تشانغ وغرين نتائجهما في مجلة «ساينس»، الخميس، مستخدمين بيانات من مهمة غايا التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، التي كانت جهداً استمر أكثر من 10 سنوات للحصول على قياسات دقيقة لمواقع وحركات وخصائص إضافية لأكثر من مليار نجم في مجرة درب التبانة، وفي أقرب جيراننا من المجرات، وهي سحب ماجلان.
ويوفر الإصدار الثالث من بيانات مهمة غايا DR3220 مليون طيف، وقد أثبت فحص الجودة أن نحو 130 مليوناً منها ستكون مناسبة للبحث الجديد عن الغبار، وفق بيان صحافي، صادر الخميس.
وتتميز أطياف غايا بانخفاض دقتها، أي أن طريقة فصلها للضوء إلى مناطق مختلفة من الأطوال الموجية غير واضحة نسبياً. وقد وجد الفلكيان طريقة للتغلب على هذا القيد. فبالنسبة لـ1 في المائة من النجوم التي اختاراها، تُجرى عمليات تحليل طيفي عالي الدقة من مسح «LAMOST» الذي تُجريه المراصد الفلكية الوطنية في الصين.
ويوفر هذا معلومات موثوقة حول الخصائص الأساسية للنجوم المعنية، مثل درجات حرارة سطحها، التي تُحدد ما يُطلق عليه الفلكيون «النوع الطيفي» للنجم.
فعندما نرصد أجراماً سماوية بعيدة، قد نواجه سؤالاً؛ هل النجم الذي أرصده محمرّ حقاً كما يبدو، أم أنه يبدو محمراً فحسب، لأن ضوءه مرّ عبر سحابة من الغبار الكوني حتى يصل إلى تلسكوبنا؟
للحصول على رصد دقيق، يحتاج علماء الفلك إلى معرفة كمية الغبار بينها وبين أهدافهم البعيدة. فالغبار لا يجعل الأجسام تبدو محمرة فحسب، بل يجعلها أيضاً تبدو أضعف مما هي عليه في الواقع، وهو ما يعرف علمياً بـ«الانقراض»، وكأننا ننظر إلى الفضاء من خلال نافذة متسخة.
وبحسب نتائج الأبحاث، فإن جسيمات الغبار الكوني لا تمتص الضوء وتشتته بالتساوي عبر جميع الأطوال الموجية، بل تمتصه بقوة أكبر عند الأطوال الموجية الأقصر (الطرف الأزرق من الطيف)، وبقوة أقل عند الأطوال الموجية الأطول (الطرف الأحمر).
ويمكن رسم منحنى الاعتماد على الطول الموجي على شكل «منحنى الانقراض»، ويوفر شكله معلومات، ليس عن تركيب الغبار فقط، بل عن بيئته المحلية المحيطة به أيضاً، مثل كمية الإشعاع وخصائصه في مختلف مناطق الفضاء بين النجوم.
وهو ما علق عليه كيث سميث، محرر مجلة «ساينس»، والمسؤول عن أبحاث علم الفلك: «تُشتت حبيبات الغبار بين النجوم ضوء الخلفية وتمتصه، وهو تأثير يُعرف باسم الانقراض، ويكون أقوى عند الأطوال الموجية الزرقاء منه عند الأطوال الموجية الحمراء».
وكتب في مقدمة الدراسة، الصادرة الخميس: «يُقاس مقدار هذه القوة بواسطة معامل يعتمد على تركيب الغبار وتوزيع حجمه. طبّق تشانغ وزملاؤه تقنيات التعلم الآلي على أطياف النجوم منخفضة الدقة، والقياس الضوئي، والمسافات لتحديد هذا المعامل لـ130 مليون نجم، حيث حوّلوا تلك القياسات الفردية إلى خريطة ثلاثية الأبعاد».
وكان تشانغ وغرين قد درّبا شبكة عصبية لتوليد أطياف نموذجية بناءً على خصائص النجم وخصائص الغبار المحيط به. كما قارنا النتائج بـ130 مليون طيف مناسب من غايا. وقد أتاحت النتائج لعلماء الفلك إعادة بناء أول خريطة مفصلة ثلاثية الأبعاد لمنحنى انقراض الغبار في مجرة درب التبانة.