بمشاركة 633 مؤدياً للعرضة، سجلت احتفالات يوم التأسيس في مدينة الرياض رقماً قياسياً عالمياً في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية كأكبر عرضة سعودية، في احتفاء بهذه الأيقونة التاريخية التي رافقت تاريخ البلاد وأمجادها، عندما كانت تؤدى في وقت الحرب لإظهار القوة، وعند السلم لإبداء الفرح والسرور.
وخلال الاحتفال، وقف صفّ منتظم من الرجال، تلتحم فيه الأيادي، وتتعاضد الأجساد، ومع إيقاع حماسي يحمل في طياته صدى التاريخ، تنافست الحناجر بأهازيج الوفاء للوطن، وقصائد الولاء لقيادته، لأداء العرضة السعودية التي تعكس التقاليد الوطنية الراسخة، والموروث الشعبي الذي احتفظت به الأجيال مع تعاقب السنين.
العرضة السعودية في قلب الرياض .. تتشابكُ فيها الأيادي، وتتلاحمُ بها الأجساد بإيقاعٍ حماسي تتخللُه أهازيجُ الولاء، وعهودُ الوفاء ويبقى البيرقُ عالياً شامخاً في المنتصف يلتفُ حولَه الجميعُ فخراً وعزاً #الهيئة_الملكية_لمدينة_الرياض #إمارة_الرياض #يوم_التأسيس pic.twitter.com/ECoM5OM2Z6
— الهيئة الملكية لمدينة الرياض (@RCRCSA) February 23, 2025
وتعدّ العرضة السعودية هي العرضة الرسمية للبلاد، ويشارك فيها ملوك البلاد، وتحضر في حفلات استقبال كبار الشخصيات. ولقيت العرضة اهتماماً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي طالما شارك في تأديتها مع إخوته الملوك، والأمراء، واهتم بحصور جميع الاحتفالات الخاصة بالعرضة السعودية منذ أن كان أميراً على منطقة الرياض، حتى تولى مقاليد الحكم.
وخلال الاحتفالات التي نظمتها الهيئة الملكية لمدينة الرياض، وأمانة منطقة الرياض، الأحد، في ساحة الحكم بمنطقة قصر الحكم، انتظمت الصفوف لأداء رقصة الحرب والسلم، احتفاء بيوم التأسيس الذي يحكي امتداد وأمجاد 3 قرون، كانت فيه العرضة صدى للملاحم، ومواعيد التاريخ.

«العرضة» فن حربي
ارتبطت العرضة بمسيرة توحيد أطراف البلاد، حيث كانت تؤدى خلال المعارك، لرفع معنويات الأفراد، وتعميق التلاحم بينهم في مواجهة التحديات، والاحتفال بالانتصارات، وبعد أن استقرت أحوال البلاد، أصبحت العرضة السعودية كما عرفت لسنوات طويلة، تقليداً وطنياً ملازماً للمواسم والأعياد، في منطقة نجد وسط البلاد، يؤديها الملوك والمواطنون، ويستذكرون في أهازيجها وأداءاتها تاريخاً من أمجاد الوطن، وملاحم بنائه.
وتعتمد العرضة على أداء حركي يؤديه الرجال في جماعات، تنفصل بين خطين متوازيين، محاكاة لنمط المعارك التقليدية، وتتخللهم البيارق والسيوف، مع ترديد القصائد الـحماسية التي ترتبط بمواقف وملاحم تاريخية. ويتوسط خطي المؤدين من الرجال، قارعو الطبول، التي تضفي إحساساً إيقاعياً للسامعين والمؤدين، فيما يتجلى السيف الذي يلمع في أيدي الرجال وهم يرددون بصوت واحد صدى القصائد الملحمية.
وتبدأ العرضة السعودية بالحوربة، التي تمثل الافتتاحية والنداء الأول للعرضة، التي ينشدها مؤدٍ له صوت جهوري يسمى «المحورب»، ينطلق من مقام النوى الموسيقي، ثم مرحلة التخمير (الطبول الكبيرة) والتثليث (الطبول الصغيرة)، وصولاً إلى مرحلة الزمية، وهي تمثّل الإسدال الأخير على العرضة بترديد عبارة «تحت بيرق سيّدي سَمْعٍ وطاعة»، كما يمكن لأكثر من صفٍ أداء العرضة السعودية في وقت واحد، وفي أي اتجاه.


وغالباً ما يردد السعوديون في احتفالاتهم ومناسباتهم الوطنية وغيرها، التي يكون للعرضة حضور فيها، البيت الشهير: «نحمد الله جت على ما نتمنى ** من ولي العرش جزل الوهايب»، وذلك في أثناء ترديدهم للبيت بشكل جماعي، كمطلع للعرضة مع قرع أصوات الطبول ولمعان السيوف، وقد كتب كلماتها الشاعر عبد الرحمن بن سعد الصفيان. وفي عام 2015، نجحت السعودية في إدراج العرضة السعودية على قائمة منظمة (اليونسكو) للتراث الثقافي غير المادي (الشفوي)، وتأسيس المركز الوطني للعرضة السعودية عام 2017م في دارة الملك عبد العزيز ليعمل على تعزيز الثقافة والهوية الوطنية، وليكون بيتاً للفنون الشعبية الخاصة بلون العرضة في المملكة.