أثار اختيار إدارة مهرجان «القاهرة السينمائي» الناقد والمبرمج محمد طارق لتولي منصب المدير الفني للمهرجان في نسخته الـ46 التي تُقام خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، تساؤلات بشأن أزمة هذا المنصب الذي شهد استقالات متكررة خلال الدورات الماضية.
وجاء اختيار طارق الذي أُعلن (السبت) بالتزامن مع وجوده برفقة رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي في برلين لحضور فعاليات الدورة الـ75 من مهرجان «برلين السينمائي»، بعد استقالة المدير الفني السابق الناقد عصام زكريا، بسبب خلافات بينه وبين رئيس المهرجان.
زكريا الذي تولّى إدارة المهرجان لعام واحد فقط، جاء بعد استقالة المدير الفني الأسبق المخرج أمير رمسيس من منصبه، بعدما قضى عاماً واحداً فقط بمنصب المدير الفني للمهرجان، في حين سبقه بالمنصب الناقد أحمد شوقي الذي استقال من منصبه على خلفية انتقادات وُجّهت إليه بسبب آراء رياضية دوّنها عبر حساباته بمواقع التواصل.
وتُرجع عضو الهيئة الاستشارية للمهرجان، الدكتورة آمال عثمان، لـ«الشرق الأوسط»، التغييرات المستمرة بمنصب المدير الفني لطريقة العمل داخل المهرجان من وقت تأسيسه مع الاعتماد على وضع جميع السلطات بيد رئيس المهرجان، لافتة إلى أن كل رئيس للمهرجان يحاول فرض القواعد المتعارف عليها نفسها؛ مما يؤدي إلى خلق الصدام.
وأضافت أن «القاهرة السينمائي» اعتمد شكلاً مختلفاً منذ تأسيسه في طبيعة العلاقة بين الرئيس والمدير على خلاف المهرجانات العالمية الأخرى التي يكون لرئيس المهرجان دور محدود فيها مع منح الرؤية الفنية والاختيارات السينمائية للمدير الفني.
ويرى المدير السابق للمركز الإعلامي بـ«القاهرة السينمائي»، محمد عبد الرحمن، أن استمرار الناقد المصري الراحل يوسف شريف رزق الله بمنصب المدير الفني لفترة طويلة لم يمهد الطريق لوجود جيل جديد، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «بعد رحيله بدأت الأزمات باضطرار الناقد أحمد شوقي إلى تقديم استقالته من الإدارة الفنية على خلفية اتهامه بالسخرية من ضحايا مشجعي النادي الأهلي».
رأي يدعمه الناقد أحمد سعد الدين، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «آليات العمل في المهرجانات السينمائية تغيّرت بشكل شبه كامل خلال السنوات الأخيرة مع توزيع المهام الفعلية التي يفترض أن يقوم بها المدير الفني على عدة أشخاص من خلال المبرمجين»، مشيراً إلى أن جزءاً أساسياً من الموضوع ارتبط بالفترة الطويلة التي قضاها رزق الله في منصبه.
وشغل يوسف شريف رزق الله منصب المدير الفني للمهرجان خلال الفترة من 2000 حتى رحيله عام 2019 بعد صراع مع المرض، في حين كان يشغل منذ عام 1987 منصب السكرتير الفني للمهرجان وحتى تعيينه مديراً فنياً، فيما كان المدير الفني الجديد للمهرجان يشغل منصب المستشار الفني لرئيس المهرجان بالدورة الماضية ونائب المدير الفني في الدورة الـ44، بجانب عمله مبرمجاً للأفلام القصيرة بمهرجان «دبلن» السينمائي.
ويقول عضو الهيئة الاستشارية لـ«القاهرة السينمائي»، المنتج جابي خوري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «تحقيق استقرار الإدارة الفنية أمر يجيب عنه رئيس المهرجان»، مشيراً إلى أن «الهيئة لا تجتمع سوى مرة أو مرتَيْن فقط خلال العام لمناقشة بعض الأمور الفنية بشكل عام».
يشير سعد الدين إلى «أهمية امتلاك المدير الفني القدرة على العمل ضمن فريق من المبرمجين المحترفين القادرين على اختيار وانتقاء الأفلام المتميزة والمختلفة للعرض، مع قدرته على التنسيق بينهم، من أجل تقديم برمجة تحمل رؤية فنية».
عودة إلى المدير السابق للمركز الإعلامي الذي يؤكد ضرورة توافر صفات معينة في المدير الفني، أبرزها وجود شبكة علاقات قوية له مع صناع الأفلام وشركات الإنتاج، بالإضافة إلى الدراية الكاملة بالأمور الفنية، وخلق حالة من الاستقرار لفترة زمنية داخل المهرجان، بما يجعل لديه القدرة على تحقيق أفضل أداء بالمهرجان.
يشير عبد الرحمن إلى ضرورة تقديم المهرجان حوافز ودعماً إلى المدير الفني مرتبطة بتسهيل مهام عمله عبر المشاركة والحضور بالمهرجانات الدولية، مؤكداً ضرورة أن يكون الاختيار ليس لدورة واحدة فقط، وإنما لعدة دورات في ظل التنافس القوي بين المهرجانات السينمائية في المنطقة.