في زمن عيد الحب أرادت النحّاتة غنوة رضوان المشاركة فيه على طريقتها. توجهت مباشرة إلى الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون لمعايدته على طريقتها. أفرجت عن عمل فني حاكته بكثير من الشغف والحب، وهو كناية عن منحوتة له.
نشرت ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأرفقته بعبارة «فخامة الرئيس نحن نحبّك من قبل الانتخاب».
وتخبر غنوة «الشرق الأوسط» بقصة هذا التمثال الذي يزن نحو 70 كيلوغراماً.
«كنت في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي أستعد للبدء بمنحوتة لأحد الملحنين اللبنانيين. ولكن أناملي أخذتني بشكل عفوي إلى شخصية الرئيس عون. كنت مثل باقي اللبنانيين متحمسة لفكرة انتخابه رئيساً. وقتها لم يكن الخبر يتجاوز مرحلة ترشيحه لهذا المنصب. ولكن في يوم انعقاد الجلسة النيابية لانتخابه تملّكتني رغبة شديدة في إنجاز منحوتة له. فولدت معي تلقائياً لأعرف بعد ساعات بأنه صار رئيسنا الجديد». تؤكد غنوة رضوان أن أفكارها واختيارها للشخصيات التي تنحتها تنبع من حبّ دفين لها. فهي لا تتابع نشرات الأخبار ولا وسائل السوشيال ميديا. وتفضّل الانعزال في مشغلها للابتعاد عن أجواء قد تعكّر مزاجها.
وعندما انتُخب الرئيس كما تذكر، كانت منغمسة في تفاصيل منحوتة الرئيس عون: «لم أكن على علم بنتيجة التصويت وأنا أنحت تمثاله. وحين خرجت من مشغلي تفاجأت بكمية الاتصالات التي وردتني. وكانت تهنئني بانتخاب عون. فهو شخصية محبوبة جداً في لبنان ويمثّل لنا الأمل. ولذلك جاءت المنحوتة نتاج كل هذا الحب بشكل عفوي».
تقول غنوة: إنها تنوي إهداء الرئيس اللبناني هذه المنحوتة ولكن بعد أن تحوّلها من الطين إلى البرونز. وتتابع: «أيُّ عمل نحتي نبدأ به يجب أن يستهل من مرحلة واحدة، وهي جبلة الصلصال والماء. تعد المرحلة التأسيسية لكل منحوتة ننوي القيام بها. وهي تشبه تماماً لغة الأحرف الأبجدية لهذا الفن. وأهم النحاتين في العالم ينطلقون من هذه المرحلة».
بعد هذه المرحلة الأولية يبدأ العمل لسكبه في قالب السيليكون وسند الجفصين. ومن ثم يخضع للمرحلة النهائية المرتبطة بالبرونز. وتُعتمد هذه المادة في المنحوتات كونها خالدة، وتعيش آلاف السنين. وتوضح غنوة: «المنحوتة البرونزية عمرها طويل جداً يتجاوز الـ2000 أو 3000 سنة. ويعدّ مادة صلبة جداً تقاوم عوامل الطبيعة».
أعدّت غنوة للشخصية المنحوتة من خلال مجموعة صور منشورة للرئيس عبر وسائل التواصل الاجتماعي. «غالبيتها تصوره في اللباس العسكري الرسمي عندما كان قائداً للجيش. ولذلك وضعت المنحوتة في هذا الإطار. وأرفقتها بالنجوم التي ترصّع مشواره العسكري حتى تبوئه قيادة الجيش. وفي مرحلة سكبه في قالب البرونز تغطّس هذه النجوم بالذهب الخالص».
وتشير عنوة في سياق حديثها إلى أن نحت أي شخصية جميلة من الصعب تنفيذها، لما تتطلّب من إبراز ملامح الوجه وتعابيره. «ارتبكت بداية خلال انطلاقي في هذا العمل الفني. لم أشأ أن يفقد أي من تفاصيل شخصية الرئيس القريبة إلى القلب. لقد أحببناه نحن اللبنانيين منذ أن كان قائداً للجيش. فهو يملك كاريزما الرجل القائد والمحبوب في آن. وعندما انتهيت من عملي تفاجأت بكمية الحب والاحترام التي يكنّها له الناس. فكانوا يدخلون مشغلي ويلقون التحية العسكرية له، أو يعانقونه لا شعورياً من شدّة حبّهم».
سبق ونحتت غنوة أعمالاً لفنانين وشخصيات سياسية واجتماعية. وكان أحدثها للفنان اللبناني الراحل نصري شمس الدين. وكذلك للممثلين اللبنانيين أديب وسلوى حداد المشهورين بـ«أم ملحم وأبو ملحم». ومن بين الشخصيات التي نحتتها الراحل كمال جنبلاط ونجله وليد، والرئيس الأميركي دونالد ترمب. ومن مجموعتها الفنية أيضاً الراحلان صباح وعاصي الرحباني، والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
تشرح غنوة أن فن النحت هو لغة حبّ من نوع آخر. وتضيف: «المنحوتة هي كناية عن تكريم وتخليد ذكرى شخصية محبوبة. وأي عمل أقوم به ينبع من شغفي بهذه المهنة. ولذلك تأتي جميع منحوتاتي دقيقة وحقيقية حتى لو كنت أجهل الشخصية التي أنحتها».
حلمها بتحويل تمثال الرئيس اللبناني جوزيف عون من الطِّين إلى البرونز يتطلّب تكلفة مالية لا تملكها كما تقول. «أتمنى أن أقدّم هذا التمثال هدية تقديرية إلى الرئيس الجديد. سأترك منها نسخة واحدة عندي والثانية أرسلها له. ولكن الأمر يحتاج إلى راعٍ تجاري إذ لا أملك المبلغ المطلوب لتحويله إلى تمثال برونزي».