قال باحثون إن الملك عبد العزيز واجه تحديات اقتصادية متعددة في أول مسيرة التأسيس، شملت قطاعات الماء والزراعة والنفط والمواصلات، وتمكن الملك المؤسس في مواجهتها من إبداع نهج لتخطي تلك التحديات وترويض الطبيعة الصحراوية وتحويلها لأرض منتجة وجاذبة للتعمير، وكان ذلك سبباً في النقلة الاقتصادية التاريخية للسعودية.
وسلط باحثون وأكاديميون من جامعات عربية وأجنبية الضوء على رؤية الملك عبد العزيز المبكرة، في تأسيس قاعدة اقتصادية متينة، تتجاوز تحديات توحيد البلاد، وتنهض بمستقبل مجتمع وكيان ناشئين في مواجهة المستقبل، وذلك خلال مشاركتهم في مؤتمر تاريخ الملك عبد العزيز العالمي الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض.
وشهد المؤتمر العالمي الثالث عن تاريخ الملك عبد العزيز، الذي عقد، الاثنين، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بعنوان «الاقتصاد في عهد الملك عبد العزيز... التمكين والتنمية والاستدامة»، مناقشة مجموعة من الأوراق العلمية التي تسلط الضوء على النهج الاقتصادي الرائد للملك عبد العزيز.

4 تحديات اقتصادية أول المسيرة
قال الدكتور عماد يوسف، من جامعة الموصل بالعراق، إن الملك عبد العزيز أطلق استراتيجيات شاملة لتعزيز الاقتصاد الوطني وبناء مجتمع مزدهر يُعزز من جودة الحياة ويحقق التنمية الاقتصادية المستدامة. وأضاف يوسف أن الملك عبد العزيز ركّز على دعم الكوادر البشرية وحفظ الموارد الطبيعية وإنشاء بنية تحتية قوية، إضافة إلى تسهيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي عزز من مكانة السعودية في مجال التجارة والاستثمار، وجعلها مركز جذب للمستثمرين من الداخل والخارج.
من جهته، قال الدكتور محمد عبد المؤمن عبد الغني، الأكاديمي في جامعة عين شمس المصرية، إن الملك عبد العزيز واجه 4 تحديات اقتصادية أول الأمر؛ هي الماء والزراعة والنفط والمواصلات، وذكر الدكتور عبد الغني في ورقته التي شارك بها في المؤتمر أن الملك عبد العزيز استطاع تخطي التحديات الاقتصادية الـ4، وتمكن من ترويض الطبيعة الصحراوية وتحويلها لأرض منتجة وجاذبة للتعمير، وكان ذلك سبباً في النقلة الاقتصادية التاريخية للسعودية.
وقدم الدكتور عبد الغني تصوراً عن الأوضاع التي عاصرها الملك عبد العزيز خلال مرحلة تأسيس الدولة وبناء منظومته الاقتصادية، وقال: «شهدت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية الكثير من المحطات الرئيسية التي وضعت الصناعة النفطية السعودية في وضع مكنها من تحقيق إنجازات على كل المستويات، سواء من حيث الإنتاج أو النقل أو حقوق المملكة في الامتيازات، وبالتالي تحققت عوائد مالية عوضت ما ألحقته فترة الحرب من أضرار على جميع الدول، ومكّنت من استكمال بناء مؤسسات الدولة وتحقيق طفرة تنموية في المجالات كافة».

من جهتها، قالت الدكتورة سامية الجابري، أستاذة التاريخ بجامعة حائل، إنه وفي ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة في بلاد الحجاز، ومن مبدأ المسؤولية الدينية والإنسانية تجاه الأماكن المقدسة، حرص الملك عبد العزيز على ضمها لتعزيز الأمن والاقتصاد، وساهمت سياساته في استقرار الحج وتسهيل القوافل التجارية إليها.
وقالت سامية الجابري: «ترتب على سياسة تأمين الحج، ليس فقط داخل مكة المكرمة وإنما حتى على الطرق البرية المؤدية إليها، استقرار للوضع الاقتصادي، كما أن توافد الحجيج بأعداد كبيرة خاصة خلال حج عام 1927م، صاحبه انتعاش للوضع الاقتصادي، جراء وصول البضائع والأرزاق، وما يرتبط بذلك من نشاط تجاري واشتغال أهالي مكة بحركة النقل والسقاية، وحمل أمتعة الحجاج، والطوافة، والإسكان، وكان عدد غير قليل من الناس يمارسون هذه الأعمال، وهو ما شكّل دخلاً سنوياً مجزياً لهم».
الأمن الغذائي يوازي الأمن الطاقي
الدكتورة صفاء صبح صبابحة، أستاذة الجغرافيا المشاركة بجامعة الحسين بن طلال في الأردن، قالت إن الملك عبد العزيز، وبنظرة مستقبلية، عمل على تحقيق الأمن الغذائي، الذي لا يقل أهمية عن بقية أنواع الأمن، كالأمن الطاقي وغيرها، وذلك من خلال الجهود والقرارات التي اتخذها الملك عبد العزيز، ونجح في بناء مستقبل غذائي آمن ومزدهر للسعودية، وتطوير الزراعة ودعم المزارعين واستدامة الموارد.
وأضافت الدكتورة صبابحة أن تجربة الملك عبد العزيز في تعزيز الأمن الغذائي بالسعودية تعد نموذجاً يُحتذى به في سياق التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجهها الدول اليوم، فقد أظهرت السياسات التي اتبعها الملك عبد العزيز تأثيرات إيجابية عميقة على الإنتاج الزراعي، وإدارة الموارد المائية، وتنمية المجتمعات المحلية، مما أسهم في بناء قاعدة قوية لتحقيق الأمن الغذائي.
وتجسدت رؤية الملك عبد العزيز في أهمية التخطيط الاستراتيجي، وتنويع المحاصيل، وتعزيز التعليم والتوعية، وتطوير البنية التحتية، وأظهرت هذه العناصر مجتمعة كيفية تعامل الدول مع التحديات المناخية وتبني ممارسات زراعية مستدامة واستراتيجيات فعالة.


ويواصل المؤتمر العالمي الثالث عن تاريخ الملك عبد العزيز، الثلاثاء، انعقاد فعاليات اليوم الثاني والأخير في مبنى المؤتمرات بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، بمشاركة نخبةٍ من الباحثين والمختصين من داخل المملكة وخارجها، لتقديم رؤى وأفكار تسهم في تسليط الضوء على دور الملك عبد العزيز في بناء أسس النهضة، وتقديم أبحاثهم وأوراقهم العلمية في عدد من الموضوعات، منها التحول النفطي في سياسة الملك عبد العزيز الاقتصادية، والفكر الاقتصادي للملك عبد العزيز: دراسة تحليلية لتوجهاته وتأثيراته على التحول الاقتصادي في المملكة، والتحديات الاقتصادية التي واجهت الملك عبد العزيز في تنمية المملكة، والتنمية الاقتصادية المستدامة للإنسان السعودي في عهد الملك عبد العزيز: النظام الصحي أنموذجاً، والدور الاقتصادي لميناء جدة في عهد الملك عبد العزيز، واقتصاديات الثروة الحيوانية والسمكية في عهد الملك عبد العزيز.