الدخول إلى عالم الفنان التشكيلي المصري سمير فؤاد أشبه بمغامرة محفوفة بالمخاطر، تتضمن عدداً من المنعطفات الزمنية والمغامرات اللونية التي خاضها على مدى 60 عاماً، لتجذب المتلقّي في كثير من الأحيان نحو بئر من النوستالجيا.
ما بين لوحات مشبعة بـ«اللحم» وأخرى خارجة لتوّها من وحي الموالد والطقوس الشعبية وحكايات «ألف ليلة وليلة»، وثالثة يستعيد فيها الفنان إعلانات وسينما زمن الفن الجميل، تتجلّى الألوان لتبوح بأسرار تلك العوالم المتعددة الكامنة في اللوحات.
في معرضه الأحدث بـ«غاليري بيكاسو» في الزمالك (غرب القاهرة) المستمر حتى 30 يناير (كانون الثاني) الحالي، يستعرض الفنان سمير فؤاد عالمه الفني عبر 34 لوحة، تُمثل مراحل مختلفة، وربما حالات ومقامات متعددة، في حين يعدّ المعرض الفردي الـ24 في مشواره الفني.
«لحم»، «شهرزاد ترقص»، «الندّاهة»، «مقامات»، «حنين»، «طعم الزمن»، «مدينة الدواجن»، أسماء منتقاة لمعارض فردية قدّمها الفنان خلال مشواره، الذي بدأه بمعرض فردي في لندن عام 1971.
تعدّ الألوان من الرهانات الأساسية في أعمال فؤاد، إلى جانب الشخوص أو الكتل البشرية، فهي تحكي وتصرخ وتهمس وتمنح العمل الفني بعداً بصرياً جذاباً ومخاتلاً في الوقت نفسه يدعوه للتأمل والتفكير.
يتحدّث فؤاد عن هذا الجانب، موضحاً أن «اللون حالة يُشبه الموسيقى، أعد الألوان مقامات مثل الموسيقى تماماً، يعني مثلاً الأزرق والبنفسجي والأحمر قد تقابل مقامات مثل الرصد والحجاز والنهاوند، فاللون بالنسبة لي أعدّه رهاناً يضع المتلقي داخل الحالة، وكل لوحة تُحدد لونها الخاص حسب طبيعتها».
ورغم أنه من مواليد مصر الجديدة (1944)، الذي يعدّ أحد الأحياء الراقية في مصر، فإنه انجذب إلى الأحياء الشعبية والموالد والتفاصيل الكثيرة التي تُعبر عن أحوال البسطاء، ورصدها بوعي فني، وأسلوب يُميز أعماله.
ويوضح الفنان لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا المعرض يُمثل ما أراه أهم التجارب التي قدمتها في مسيرتي الفنية وليس جميعها، هناك تجربتي في معرض (لحم) و(الموسيقيون) و(اتجاه واحد) ومرحلة الألوان المائية، وكذلك المرحلة الجديدة في 2024 موجودة».
وحول اهتمامه واحتفائه بالموتيفات الشعبية التي تظهر في أكثر من عمل، يقول فؤاد: «الموتيفات الشعبية تُمثل جزءاً كبيراً من مشواري الفني، رغم أنني من مواليد مصر الجديدة، الذي كان يعدّ حياً (كوزموبوليتانياً) في القاهرة، به المصريون والأرمن واليونانيون وغيرهم، إلا أنني هويت رسم الموالد والمراجيح وكذلك الراقصات الشرقيات».
وتعدّ الموالد الحدث الفلكلوري الأبرز الذي يُكثف الحالة الشعبية المصرية، فتجد فيها كل شيء، الزينة والملابس والرقص والغناء والذكر، وكانت فترة السبعينات والثمانينات ثرية جدّاً وملهمة للغاية بالنسبة للفنان الذي يقول «كانت الموالد بالنسبة لي تُشبه كرنفالات الشوارع في أميركا الجنوبية».
يستعين سمير فؤاد بالموديل الحي ليرسم الشخصيات، ثم يكسبها المعنى المراد عبر تكوينات لونية متنوعة، ويرفض فكرة الانتماء لمدرسة فنية بعينها، موضحاً أن «المدارس الفنية ارتبطت بالجماعات أو المجموعات التي تتلاقى أفكارهم وأمزجتهم، لكن حالياً لم تعد هناك مجموعات فنية، خصوصاً بعد تطور وسائل الاتصال والتواصل، ولم يعد الناس يلتقون أو يتجمعون مثل السابق، ومن ثم لم تعد هناك مجموعات فنية، كما أن الفن أصبح غاية في التنوع، كل فنان له طابعه الخاص وأسلوبه المميز».
قدّم سمير فؤاد أول معارضه الفنية في لندن، وشارك في عدد من المعارض الجماعية بدول أخرى حول العالم، ويلفت إلى أنه عرض كثيراً بالخارج ضمن مجموعات، عادّاً أن «الفارق في استقبال الفن في الخارج عنه بمصر والدول العربية هو وعي المتلقي الذي يعيش بالخارج وسط متاحف مفتوحة ومقومات بصرية تصنع ذائقته، في حين أن المتلقي هنا يحتاج إلى بعض المشاكسة، وإلى مَن يأخذ بيده بعض الشيء ليساعده في قراءة اللوحة، وتلمُّس أبعادها الجمالية».